عبدالله الجميلي
Well-Known Member
- إنضم
- 30 يونيو 2017
- المشاركات
- 1,595
- مستوى التفاعل
- 582
- النقاط
- 113
عنوان القصة: "أنا والتراب والسيجارة"
كنا عالقين في زحام لا ينتهي على طريق التاجيات، حيث السيارات تتراكم كأنها قطع دومينو مستعدة للسقوط واحدة بعد الأخرى. الحرارة تلتهب، والوقت يمر كأنه يتسلل على أطراف أصابعه. كل نصف ساعة بالكاد نتقدم 200 متر. كأن الطريق قرر أن يختبر صبرنا، أو ربما يسخر من عجلة أيامنا.
كنت جالسًا في سيارتي، أراقب المشهد من حولي، الناس بوجوههم المتعبة، وأطفال يبكون في الخلف، وأبواق السيارات تصرخ كأنها تحاول كسر الصمت البائس. فجأة، استرعى انتباهي سائق إحدى العجلات القريبة. كان يجلس بطريقة عشوائية، كأن الكرسي لم يعد يتحمل وزنه ولا هو يتحمل الجلوس عليه.
كان شعره منكوشًا بطريقة تجعلك تشعر وكأنه قضى ليلة في حرب مع وسادته. سيجارة رقيقة تتدلى من فمه، تنفث دخانًا يمزج رائحته برائحة التراب الكثيف الذي يغطي المكان. وجهه كان شاحبًا، وعيناه غارقتان في شرود غريب، كأنه يحاور السماء أو يناقش مصير الكون.
نظرت إليه طويلًا، كان يرمق الطريق بنظرات فارغة، كأنه يقول للعالم من حوله:
"أنا والتراب والسيجارة... نحن هنا معًا... لا فرق بيننا."
السيارة التي يقودها قديمة، طلاءها متقشر كأنها حاولت الهروب من الزمن وفشلت. تراب الطريق غطى هيكلها بالكامل، حتى أنك لا تكاد تميز لونها الأصلي. ومع كل نفخة دخان، كان السائق يغمض عينيه للحظة، وكأنه يحاول أن يمحو الطريق والزحام وكل العالم من ذاكرته.
لم أستطع كبح فضولي، فقمت بخفض زجاج نافذتي قليلاً لألتقط مزيدًا من تفاصيل تلك اللحظة. لوهلة، التقت أعيننا. ابتسم بابتسامة لم تكن سوى محاولة يائسة لإظهار القوة، ثم أدار وجهه مجددًا نحو الطريق الممتد كأنه سراب بلا نهاية.
في تلك اللحظة، أدركت أن هذا الرجل لم يكن مجرد سائق عالق في زحام، بل كان تمثيلاً لحالنا جميعًا. نحن والتراب والسيجارة والزحام، نكافح للمرور، للعيش، وللوصول إلى شيء قد لا نعرفه.
محمد الخضيري الجميلي
كنا عالقين في زحام لا ينتهي على طريق التاجيات، حيث السيارات تتراكم كأنها قطع دومينو مستعدة للسقوط واحدة بعد الأخرى. الحرارة تلتهب، والوقت يمر كأنه يتسلل على أطراف أصابعه. كل نصف ساعة بالكاد نتقدم 200 متر. كأن الطريق قرر أن يختبر صبرنا، أو ربما يسخر من عجلة أيامنا.
كنت جالسًا في سيارتي، أراقب المشهد من حولي، الناس بوجوههم المتعبة، وأطفال يبكون في الخلف، وأبواق السيارات تصرخ كأنها تحاول كسر الصمت البائس. فجأة، استرعى انتباهي سائق إحدى العجلات القريبة. كان يجلس بطريقة عشوائية، كأن الكرسي لم يعد يتحمل وزنه ولا هو يتحمل الجلوس عليه.
كان شعره منكوشًا بطريقة تجعلك تشعر وكأنه قضى ليلة في حرب مع وسادته. سيجارة رقيقة تتدلى من فمه، تنفث دخانًا يمزج رائحته برائحة التراب الكثيف الذي يغطي المكان. وجهه كان شاحبًا، وعيناه غارقتان في شرود غريب، كأنه يحاور السماء أو يناقش مصير الكون.
نظرت إليه طويلًا، كان يرمق الطريق بنظرات فارغة، كأنه يقول للعالم من حوله:
"أنا والتراب والسيجارة... نحن هنا معًا... لا فرق بيننا."
السيارة التي يقودها قديمة، طلاءها متقشر كأنها حاولت الهروب من الزمن وفشلت. تراب الطريق غطى هيكلها بالكامل، حتى أنك لا تكاد تميز لونها الأصلي. ومع كل نفخة دخان، كان السائق يغمض عينيه للحظة، وكأنه يحاول أن يمحو الطريق والزحام وكل العالم من ذاكرته.
لم أستطع كبح فضولي، فقمت بخفض زجاج نافذتي قليلاً لألتقط مزيدًا من تفاصيل تلك اللحظة. لوهلة، التقت أعيننا. ابتسم بابتسامة لم تكن سوى محاولة يائسة لإظهار القوة، ثم أدار وجهه مجددًا نحو الطريق الممتد كأنه سراب بلا نهاية.
في تلك اللحظة، أدركت أن هذا الرجل لم يكن مجرد سائق عالق في زحام، بل كان تمثيلاً لحالنا جميعًا. نحن والتراب والسيجارة والزحام، نكافح للمرور، للعيش، وللوصول إلى شيء قد لا نعرفه.
محمد الخضيري الجميلي