أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

انتقام قـروي

إنضم
23 أبريل 2014
المشاركات
82,270
مستوى التفاعل
1,624
النقاط
113
الإقامة
العراق
انتقام قـروي





اقبل ذات صباح من دعة الريف إلى المدينة الصاخبة و المنهكة بأنين الطبقة الكادحة ...
انسلخ من صمت الحقول الوارفة والأكواخ الرطبة و القمر المبتسم دائما. ليندمج وسط هدير العربات ووهج الشمس وجلبة الشوارع وخشونة الحياة و رائحة العرق المميزة...
في اسمال قذرة وبالية تفضح ملامح جسده الناحل أكثر مما تستر. وفوق ذراعه المعروقة يقبع صبي يلتهم رغيفا بائساً.
وخلفه تسير ببطء زوجته مع بنتين ناضجتين...
آثر عثمان ان يبيع ثوره الوفي مقابل دنانير معدودة، ذلك الثور كان رفيق دربه لأعوام طويلة..
اقتناه عجلا طري العود وسرعان ما نما وسط مواشي البلدة ليصبح ثورا ناضجا يستعين به عثمان في حراثة الحقول الوسيعة.
رحل عثمان عن البلدة إلى الأبد ..ليلتحق بهذه المدينة النائية طلبا للرزق كما صنع اقرانه من الفلاحين من قبل...
- عثرت على هذه الغرفة بعد جهد ونصب. - همس عثمان في سمع زوجته.
كانت غرفته بائسة ترتع فيها عائلة كبيرة من الجرذان.
تتواجد في الطابق الخامس من عمارة متواضعة تعصف بها الرياح من كل جانب...
جدران هذه العمارة لم تستمتع بألوان الطلاء منذ الحرب العالمية الثانية على اغلب الظن.
اوقد عثمان مصباحا مهترئا لم ينجح في ابتلاع الظلام القابع في الغرفة...
رائحة نتنة كانت تنبعث من جدران الآجر ...
و ازدرد الجميع لقيمات شحيحة وسرعان ما أطبق النعاس على اجفانهم المتعبة.
وتعودت الاسرة الصغيرة على نمط العيش في المدينة بمشقة و صبر ... لكن دنانير الثور صارت تتضاءل كما تتضاءل الشمعة امام زحف العتمة والظلمة..
تمتمت الزوجة بصوت خفيف ذات صباح:
- قارورة الزيت نفذت ولا رغيف في البيت. -
بهت عثمان امام هذه الحقيقة الصادمة ... و دلف خارج البيت بخطى متثاقلة وذهن شارد وقلب جزوع من المستقبل الغامض...
قذفت به قدماه في زقاق طويل لا آخر له.... الباعة المتجولون يتصايحون في إصرار شديد..
- يا هذا هل تستطيع أن تبيع لي بضاعة في السوق مقابل اجرة دينار واحد؟؟-... خاطبه شيخ مسن يجلس على أريكة وثيرة وسط دكان مكتظ بالخردة.
رقص قلب عثمان فرحا أمام هذا الاقتراح الثمين...
دينار في ذلك الزمن البعيد كان يعول أسرة لعشرة أيام على الأقل...
لم يفكر عثمان وأجاب على الفور:
- موافق يا عماه متى أبدأ العمل؟-
رد الشيخ وهو يداعب شاربه الأشيب :
- لا تتعجل يا بني لأن البضاعة سوف تصل غدا على عربة يجرها بغل ابيض ويقودها العم قدور. -
في الصباح الموعود اقبلت العربة وهي تحمل شتى أنواع المتاع... أباريق نحاسية و أواني من الفضة وشمعدانان وموقد يعمل بالفحم الحجري و افرشة و أرائك و نمارق ملونة و.و.....
صاح العم قدور وهو يضبط جماح البغل:
- تلك البضاعة هي ميراث خلفته عجوز توفيت منذ أسبوع أو يزيد -.....
وأردف وهو يفرك ظهر البغل بحنو بالغ :
- لقد صمم الورثة على بيع التركة وتقاسم النقود المتحصل عليها.-
انصرمت لحظات من الصمت الرهيب سرعان ما بدده العم قدور بصوته المتهدج:
- قدرنا ثمن البضاعة بثلاثين ديناراً.-
أجاب الشيخ والمكر يتوشح ملامحه :
- أنا قبلت الصفقة يا عم قدور.-
كان عثمان جاثما أمام الدكان وهو يصغي للحوار الدائر بين الرجلين وراح يسبح في واد من الخيال الجامح.
- سيكون نصيبي عظيما من ذلك المبلغ المحترم.-
وعلى الفور همس عثمان في سمع الشيخ :
- انا مستعد لأباشر العمل هذا الصباح.-
لكن الشيخ المخادع قلب له ظهر المجن وقال :
- عن أي عمل تتحدث يا رجل؟ ليس لدي بضاعة للبيع ... دعني وشأني.-
بهت عثمان وجحظت عيناه واجتاحه سخط جارف وشعر برغبة في خنق رقبة الشيخ الكذوب.
لكنه كظم غيظه واستعاد توازنه وقفل راجعاً الى مسكنه وتبخرت من مخيلته الأريكة والأباريق الفضية والشمعدان و و و....
لقد تلاشت الثلاثون ديناراً كما تتلاشى قطعة سكر في قدح القهوة.
وتملكه يأس بغيض لا يشعر به إلا البؤساء والمعوزون.
ومضى يوم ويوم.. وخرج من بيته ذات صباح وقد تناسى على مضض مرارة ذلك الكابوس المشؤوم.
وبينما عثمان يتسكع في الشوارع المتخمة بالمتسوقين والفضوليين صاح في وجهه ذلك الشيخ المخادع :
- عثمان ولدي أقبل فأنا في مسيس الحاجة إليك -....
ويمم صوب دكان الشيخ،لقد كانت العربة جاثمة على قارعة الطريق والبضاعة في وسطها لم ينقص منها شيء.
صاح الشيخ وهو يبدد دهشة الرجل:
- بحثت عنك لمدة يومين وها قد ظفرت بك مرة أخرى.-
عاد ضياء الأمل ثانية ليملأ صدر عثمان ... ركب على ظهر العربة بجوار العم قدور وهما ينشدان السوق.
كانت حوافر البغل تلتهم اسفلت الطريق في نهم، قال العم قدور وهو يضع البضاعة على الأرض:
- أجرة العربة نصف دينار فقط. لا تنسى هذا الأمر يا سي عثمان.-
أجاب عثمان مبتسماً وكأنه خرج للتو منتصراً من معركة حاسمة :
- تستحق كل الخير يا عم قدور.-
وصفف البضاعة على بساط أزرق وهو يرتب الأشياء بعناية فائقة مثل تاجر محترف.
وسرعان ما تقاطر الزبائن حول بضاعة عثمان...
- هل تبيعني إبريق الفضة ذاك بربع دينار؟ -
أجاب مبتسماً: - مبارك عليك الإبريق يا أخ. -
وتقدمت نحوه عجوز طاعنة في السن وقالت:
- بكم تبيعني تلك السجادة الفارسية يا ولدي؟ فليس في حوزتي سوى نصف دينار -
رد عثمان بلا تردد: - موافق يا أماه. -
ولم تكد الشمس تتوسط كبد السماء حتى نفدت البضاعة عن آخرها ..ونبش عثمان في جيبه فإذا المبلغ المتحصل عليه هو ثلاثة دنانير.
أفرجت شفتاه عن ابتسامة مقتضبة وأخذ ديناراً ووضعه في جيب سترته وأخذ ديناراً ثانياً ووضعه في جيب سرواله، ثم قفل راجعاً نحو دكان الشيخ.
تهللت سحنة الرجل العجوز وهمس إلى عثمان وهو يقبل جبينه :
- مرحباً بالتاجر الحاذق وأهلاً وسهلاً بالثلاثين دينار.-
كان العم قدور يصلح عجلة العربة عندما خاطبه عثمان:
- ها هو نصف دينار أجرتك يا عمّاه .- ..ثمّ الفت للشيخ وعلى محياه ابتسامة ماكرة وقال :
- وها هو نصف دينار ثمن البضاعة يا شيخ. -


 

رقة الملائكة

السندريللا :: مشرفة قسم الصور العام ::
إنضم
19 فبراير 2013
المشاركات
164,190
مستوى التفاعل
55,142
النقاط
128
رد: انتقام قـروي

سلم الانتقاء
ودام فيض عطائك
لروحك الافندر
 

قيصر الحب

::اصدقاء المنتدى و اعلى المشاركين ::
إنضم
2 أغسطس 2016
المشاركات
369,138
مستوى التفاعل
3,187
النقاط
113
رد: انتقام قـروي

كل الشكر والامتنان على روعهـ بوحـكـ
..
وروعهـ مانــثرت .. وجماليهـ طرحكـ
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )