أميــــر الحـــــرف
أقبية الغياب ..

بائعة الورد
بعناء تسلل من بين المسافرين ليصل لمقعده قرب نافذة الطائرة
استقر بمكانه بعد ان وضع حقيبته في المكان المخصص
ولملم مظلته التي تقطر بقايا المطر ..
لم تكن الأجواء الباردة والممطرة تثير القلق لديه من الرحلة بقدر ما كان منظرها يثير الدفء والاحساس بالحنين للكثير من ذكرياته المتراكمة .. فالشتاء كان رفيقاً دائماً لتوقه وأشواقه المتزايدة اليها
بلحظة استعاد مشهد ذلك اليوم البارد الممطر من ذاكرته وتلك اللحظات التي اضطر فيها للاختباء في زاوية الشارع تجنباً للزخات المتساقطة حين صار أمامه معرض لبيع الزهور ومن دون أي تفكير دخل بحجة الشراء
لازال يتذكر كيف كان داخله أنيقاً ومرتباً وضعت الزهور فيه بتنسيق رائع والنافورة الجميلة التي توسطت المحل وصوت خرير الماء الذي أضفى تعبيراً لطيفا
بادرها قائلاً
صباح الخير .. آنستي
كانت منشغلةً بتنسيق احدى الباقات
من دون ان تلتفت أجابت بصوت رقيق يحمل الكثير من التفاؤل ..
ذاك الذي يصاحب أي صباح جميل
أهلاً صباح الخيــر ...
أصابه بعض الارتباك وهو يقول جملته التالية
هل لك آنستي أن تساعديني باختيار بعض الزهور ؟
استدارت في تلك اللحظة وبكل هدوء أزالت خصل الشعر النحاسية التي كانت تغطي وجهها
فأشرق تدوير وجهها
بدت جميلة وأنيقة .. وقد اضافت زرقة عينيها سحراً على ذلك الوجه الطفولي الصبوح
تسمّر في مكانه
أحس بأن شيئاً ما انطلق من عينيها ليستقر في أعماقه
همس لنفسه رباه كم هي عذبة وفاتنة هذه الأنثى
ربما هي إحدى الحوريات التي حدثتنا عنها قصص الطفولة
بادرته لتقطع خيالاته ..
حسناً لمن تريد إهداء الورد ..؟
لزوجتك مثلاً ..؟
أ هاا عفواً لالا .. لست متزوجاً انها لصديق أود زيارته
لاحظت هي ارتباكه ..!
قالت مشجعة اذا لنختار معاً
ما رأيك بالتوليب والبنفسج ..؟
نعم آنستي يبدو ذلك اختياراً رائعاً
لكنه تحاشى النظر لعينيها مباشرةً
أما هي فقد كانت تختلس بعض النظرات اليه
شعرت حينها أنه خجولاً ومهذباً ..
ورغم محاولتها أن تتحاشاه لكنها فشلت في منع عينيها من النظر اليه
بعد قليل أكملت تحضير باقة الزهور التي بدت غاية بالذوق
في تلك اللحظة
قطع صوت مضيفة الطائرة تفكيره وشريط ذكرياته لذاك اليوم
عمتَ صباحاً سيدي هل تود أن تشرب شيئاً .. ؟
لدينا قهوه ممتازه ..
نعم أفضلها بقطعتي سكر لو سمحتِ
وهكذا أحبَّ دائماً أن يتذوقها منذ تلك اللحظة حين قالت له بائعة الورد
الآن اكملت لك تنسيق الزهور ولكن قل لي كيف ستوصلها في هذا الجو الماطر .؟
آهااا في الواقع لست أعرف كيف سأفعل ذلك
فعلاً لا أدري ولكن ..
وقبل أن يكمل قاطعته اذاً دعني أعدُّ لنا كوبين من القهوة ريثما يتحسن الطقس
عندها يمكنك الخروج بالورد
حسناً شكراً لك آنستي يسعدني ذلك
إذاً كيف هي قهوتك سيدي
أجاب مرتبكاً فلتكن على ذوقك آنستي
إبتسمت واستدارت ذاهبة وأشّرت باصبعين دون أن تلتفت
أنا افضلها بقطعتي سكر
ودون أن ينتبه لنفسه أجابها بصوت خافت
أما أنا فأفضّل وجهك من غير سكر ..
هنا ادارت وجهها صوبه ولاحت على وجهها ابتسامة خجل دون أن ترد عليه
اكتفت بتذوق تلك العباره الرقيقه منه وهي تكمل خطواتها نحو ركن القهوة
كانت تلك العبارة هي أول رسائله لقلبها ...
وهنا عادت المضيفة لتقطع عليه خيالاته من جديد وهي تقدم له فنجان القهوة الذي طلبه
تناوله وهو غارق بتلك الذكريات الجميلة
روحه كانت تتسابق مع تلك الطائرة التي تحلق صوب مدينة بيروت وهو يود أن تختصر الوقت وتبتلع المسافات كي يصل هناك ,, حيث ترك فيها قلبه وذكرياته
عند بائعة الورد منذ عام تقريباً في تلك المدينة حيث عانق أروع حدث في حياته
وها هو الآن يعود لتلك المدينة ليلتقيها مجدداً ولكن هذه المرة ليحتفظ بها للأبد
ويشاركها ما تبقى من عمره ..
لازال يتذكر ما حدث في اليوم التالي
حين توقف أمام محل الورد يتجاذبه شوقه لرؤيتها من جديد
وخجله وارتباكه يلازمانه كالعادة
لم يكن قد نام جيداً بالأمس .. اخترقته السعادة فأستدعت مشاعره كل الكلمات الجميلة
ورسم قلبه كل المشاهد المحتملة في اللقاء الثاني
جزء منه كان خائفاً غير إنه لم يسمح لعقله أن يتدخل وأكتفى ان يمنح قلبه سلطة القرار
بينما كانت السماء تنثر ما تبقى من قطراتها
وحين دخل عليها وجدها كمن ينتظر شيئاً
وما إن شاهدته حتى توردت وجنتاها وطفت على وجهها إبتسامة مشجعة
بادرته قائلة
يبدو أن قهوتي أعجبتك ..؟
سعل قبل أن يتكلم
آنستي لست أدري ربما راق لي كل شيء هنا
ولهذا لا أعرف إن كان بالامكان أن أكون أنا من يدعوك لفنجان قهوة هذه المرة
مرت لحظات من الصمت ..
المفاجئة والخجل
ومحاولة معرفة مَ الذي عليها أن تقوله بتلك اللحظات
كل تلك الأشياء مرت عليها متسارعة
لكنها ردت قبل أن تحضّر شيئاً
ها .. لكنني يجب أن أنجز بعض الأعمال و ..
آها شكرا لك لكنك فاجأتني بصراحة
وفي سرها .. ليتك لا تصدق كلامي ...
أيتها الغبية كيف رفضتِ دعوته ..!
أما هو فكأنه عرف مايدور بداخلها فرّد متحمساً
هذا يعني انكِ موافقة
تلاقت عيناهما بصمت وأبتسما معاً
في الطريق لم يتحدثا كثيراً وكأنهما يتحضران للخطوة التالية
وفي الكافتريا القريبة قال لها بعد أن جلسا الى طاولة خشبية أنيقة
انا لست من هذه المدينة لأني طالب في الجامعة وتصادف أن تكون دراستي هنا
وفي الحقيقة يغمرني احساس بالحرج ..!
لا أدري كيف اختطفتك لهذا المكان بهذه السرعة مع اني لا أعرف عنك سوى شيئين
أنك بائعة الورد ,, وتفضلين القهوة بقطعتي سكر
اعتدلت بجلستها ووضعت كفيها بجيوب معطفها الرمادي
قبل أن تقول .. وأنا أعرف عنك شيئين أيضاً
أنك رجل المطر
امممم
وتفضّل وجهي من غير سكر
إبتسم بخجل كبير وشعر بالارتباك قليلاً
انتابها شعور بالسعادة وراحت تكمل
مذ كنت صغيرة عشقت الورد وكنت أهتم بتنسيقه كثيراً لهذا أسمتني شقيقتي
بائعة الورد
اها .. إسم جميل يشبهك كثيراً
شكراً لك
وحين كبرت إشترى أبي هذا المعرض وصارت حياتي كلها مع الورد
ومع شقيقتي التي هي أقرب انسان لي في هذه الدنيا فهي صديقتي وشقيقتي وكل شيء بحياتي
لكنها تزوجت وتركت لي هذا المكان وقد حزنت لفراقها لأنها كانت تفهمني بشكل كبير
وتشبهني بكل شيء
تحب ما أحب كما اننا نتشارك في الصفات والمشاعر والأسرار
وها أنت تقتحم علي وحدتي والغريب أني تبعتك دون أن أدري كيف ولماذا
يارجل المطر
تحدثا بأمور كثيرة ذاك الصباح ومع كل ثانية تمر
كانا يقتربان من حافة الانجراف نحو بعضهما
كلاهما أراد الانتقال بالمشاعر للمستوى الآخر
وهنا انتبه إلى نداء الطائرة حول ربط الأحزمة والاستعداد للهبوط
نظر من عبر زجاج النافذة
لاح له منظر المطار عن بعد وقد عاد به المنظر الى لحظته المؤلمة حين ودعته بذات المكان
بعد أن أمضيا بضعة أشهر في أطهر علاقة حب
تذكر جيداً دموعها التي احتلت ذاكرته وقلبه وكيانه حين عاد لبلده
لكنه الآن قد عاد الى حيث ترك حبيبته وبعد قليل سيلاقي بائعة الورد
أنثاه التي تملكه وأيامه وحنينه
هذه المرة لتكون شريكته لباقي العمر
بين ذكريات السنة الماضية وأحلام المستقبل أغمض قليلاً ..
كان يراها في كل شيء أحب ذلك الوجه وتلك الروح
كلماتها رقتها وبساطتها ..
تجول في الأشهر الأربعة التي قضياها معاً تلك التي كبُرَ خلالها حبهما
والتقت خلالها روحيهما
في تلك اللحظات شعر باهتزازات المدرج
فتح عينه و أحس بسعادة كبيرة لأنه اقترب جداً من لحظته
التقف حقيبته بعد أن أكمل اجراءات المطار ومضى مسرعاً
استقل أول سيارة أجرة نحو منطقة الحمرا...
في الطريق كانت مشاعره مزيج من الشوق واللهفة نبضه الذي بدأ يتعالى صوته
توقف أمام محل الورد نزل مسرعاً نظر لداخل المحل
كانت تقف بداخله كما توقع وتخيل دائماً لحظة اللقاء لكنها بدت نحيفة قليلاً
وبسرعة دخل المحل
كانت منشغلة بمراجعة بعض الفواتير وإلى جانبها طفلة جميلة تشبهها قليلاً
وقبل أن يتفوه بكلمة سمع الطفلة تناديها
ماما كلمي هذا الرجل !
صعق في مكانه وارتبك ,, لم يفهم مَ الذي يحدث
قال مصدوماً من هذه الصغيرة .؟
ومع ابتسامة صغيرة ردت
أهلاً بك رجل المطر
جاء سلامها باهتاً ...
هذه إبنتي
ماذا ..!!!
إذاً أنتِ متزوجة .؟
نعم متزوجة
ذهول كبير انتابه وخيبة كبيرة لاحت على وجهه
حاول أن يتماسك من دون أن يتماسك فعلاً وأردف
ماذا تعنين أنك متزوجة ماذا عن حبنا والعهود التي قطعناها سوياً
م َالذي فعلته لكِ لأستحق كل هذه القسوة
ببرود كبير أجابت أي وعود ..؟
أنا لم أعدك بشيء أبداً
ولم أحبك لحظة واحدة
من أحبه هو زوجي الغالي فقط
أنت أفترضت ذلك .. فحسب
كاد أن ينهار لكنه أكمل
وما معنى كلماتكِ .. ودموعكِ .. ونظراتكِ .. التي سكنت روحي
والأيام التي قضيناها سوياً ولوعة الشوق والرسائل التي لازلت أحتفظ بها ..
لالا مستحيل هذا الذي يحدث
وبأبتسامة غريبة اكملت
لم يحدث كل ذلك مني أنا في الحقيقة لم أعدك بشيء ولا أرتبط بك بأية علاقة حب
تلعثم وقد اصفر وجهه .. هل أنا في حلم ..؟
لا أدري هل أنت بائعة الورد التي أحببتها .. ؟
لايمكن أن تكوني هي
وهنا انفجرت ضاحكة وهي تقول
ببساطة شديدة ياصديقي انا لست بائعة الورد خاصتك
بل شقيقتها التوأم التي تشبهها طبق الاصل
وهي تقف خلفك الآن و تتوعدني بعقوبة كبيرة
على هذا المقلب لأنك لم تراني ولا تعرفني
أما أنا فقد رأيت صورتك وأعرفك جيداً
لأنها لاتكف تتحدث عنك كل يوم بل كل لحظة
التفت منبهراً صارت أمامه بجمالها الاخاذ
وهي تستعد لمعانقته
قال لها حبيبتي دعيني استرد أنفاسي أولاً وأتماسك قليلاً
كدت أموت من الخوف والصدمة
وكان أول شيء فعله .. جثا على ركبتيه وأخرج علبة حمراء يتوسطها خاتم ماسي
قائلاً
أ تتزوجينني يا بائعة الورد
وضعت كفيها فوق بعضهما على قلبها
ومع ابتسامة سعادة ودموع فرح
قالت .. أحبك يا رجل المطر
انتهت
بقلمي
علي موسى الحسين
بعناء تسلل من بين المسافرين ليصل لمقعده قرب نافذة الطائرة
استقر بمكانه بعد ان وضع حقيبته في المكان المخصص
ولملم مظلته التي تقطر بقايا المطر ..
لم تكن الأجواء الباردة والممطرة تثير القلق لديه من الرحلة بقدر ما كان منظرها يثير الدفء والاحساس بالحنين للكثير من ذكرياته المتراكمة .. فالشتاء كان رفيقاً دائماً لتوقه وأشواقه المتزايدة اليها
بلحظة استعاد مشهد ذلك اليوم البارد الممطر من ذاكرته وتلك اللحظات التي اضطر فيها للاختباء في زاوية الشارع تجنباً للزخات المتساقطة حين صار أمامه معرض لبيع الزهور ومن دون أي تفكير دخل بحجة الشراء
لازال يتذكر كيف كان داخله أنيقاً ومرتباً وضعت الزهور فيه بتنسيق رائع والنافورة الجميلة التي توسطت المحل وصوت خرير الماء الذي أضفى تعبيراً لطيفا
بادرها قائلاً
صباح الخير .. آنستي
كانت منشغلةً بتنسيق احدى الباقات
من دون ان تلتفت أجابت بصوت رقيق يحمل الكثير من التفاؤل ..
ذاك الذي يصاحب أي صباح جميل
أهلاً صباح الخيــر ...
أصابه بعض الارتباك وهو يقول جملته التالية
هل لك آنستي أن تساعديني باختيار بعض الزهور ؟
استدارت في تلك اللحظة وبكل هدوء أزالت خصل الشعر النحاسية التي كانت تغطي وجهها
فأشرق تدوير وجهها
بدت جميلة وأنيقة .. وقد اضافت زرقة عينيها سحراً على ذلك الوجه الطفولي الصبوح
تسمّر في مكانه
أحس بأن شيئاً ما انطلق من عينيها ليستقر في أعماقه
همس لنفسه رباه كم هي عذبة وفاتنة هذه الأنثى
ربما هي إحدى الحوريات التي حدثتنا عنها قصص الطفولة
بادرته لتقطع خيالاته ..
حسناً لمن تريد إهداء الورد ..؟
لزوجتك مثلاً ..؟
أ هاا عفواً لالا .. لست متزوجاً انها لصديق أود زيارته
لاحظت هي ارتباكه ..!
قالت مشجعة اذا لنختار معاً
ما رأيك بالتوليب والبنفسج ..؟
نعم آنستي يبدو ذلك اختياراً رائعاً
لكنه تحاشى النظر لعينيها مباشرةً
أما هي فقد كانت تختلس بعض النظرات اليه
شعرت حينها أنه خجولاً ومهذباً ..
ورغم محاولتها أن تتحاشاه لكنها فشلت في منع عينيها من النظر اليه
بعد قليل أكملت تحضير باقة الزهور التي بدت غاية بالذوق
في تلك اللحظة
قطع صوت مضيفة الطائرة تفكيره وشريط ذكرياته لذاك اليوم
عمتَ صباحاً سيدي هل تود أن تشرب شيئاً .. ؟
لدينا قهوه ممتازه ..
نعم أفضلها بقطعتي سكر لو سمحتِ
وهكذا أحبَّ دائماً أن يتذوقها منذ تلك اللحظة حين قالت له بائعة الورد
الآن اكملت لك تنسيق الزهور ولكن قل لي كيف ستوصلها في هذا الجو الماطر .؟
آهااا في الواقع لست أعرف كيف سأفعل ذلك
فعلاً لا أدري ولكن ..
وقبل أن يكمل قاطعته اذاً دعني أعدُّ لنا كوبين من القهوة ريثما يتحسن الطقس
عندها يمكنك الخروج بالورد
حسناً شكراً لك آنستي يسعدني ذلك
إذاً كيف هي قهوتك سيدي
أجاب مرتبكاً فلتكن على ذوقك آنستي
إبتسمت واستدارت ذاهبة وأشّرت باصبعين دون أن تلتفت
أنا افضلها بقطعتي سكر
ودون أن ينتبه لنفسه أجابها بصوت خافت
أما أنا فأفضّل وجهك من غير سكر ..
هنا ادارت وجهها صوبه ولاحت على وجهها ابتسامة خجل دون أن ترد عليه
اكتفت بتذوق تلك العباره الرقيقه منه وهي تكمل خطواتها نحو ركن القهوة
كانت تلك العبارة هي أول رسائله لقلبها ...
وهنا عادت المضيفة لتقطع عليه خيالاته من جديد وهي تقدم له فنجان القهوة الذي طلبه
تناوله وهو غارق بتلك الذكريات الجميلة
روحه كانت تتسابق مع تلك الطائرة التي تحلق صوب مدينة بيروت وهو يود أن تختصر الوقت وتبتلع المسافات كي يصل هناك ,, حيث ترك فيها قلبه وذكرياته
عند بائعة الورد منذ عام تقريباً في تلك المدينة حيث عانق أروع حدث في حياته
وها هو الآن يعود لتلك المدينة ليلتقيها مجدداً ولكن هذه المرة ليحتفظ بها للأبد
ويشاركها ما تبقى من عمره ..
لازال يتذكر ما حدث في اليوم التالي
حين توقف أمام محل الورد يتجاذبه شوقه لرؤيتها من جديد
وخجله وارتباكه يلازمانه كالعادة
لم يكن قد نام جيداً بالأمس .. اخترقته السعادة فأستدعت مشاعره كل الكلمات الجميلة
ورسم قلبه كل المشاهد المحتملة في اللقاء الثاني
جزء منه كان خائفاً غير إنه لم يسمح لعقله أن يتدخل وأكتفى ان يمنح قلبه سلطة القرار
بينما كانت السماء تنثر ما تبقى من قطراتها
وحين دخل عليها وجدها كمن ينتظر شيئاً
وما إن شاهدته حتى توردت وجنتاها وطفت على وجهها إبتسامة مشجعة
بادرته قائلة
يبدو أن قهوتي أعجبتك ..؟
سعل قبل أن يتكلم
آنستي لست أدري ربما راق لي كل شيء هنا
ولهذا لا أعرف إن كان بالامكان أن أكون أنا من يدعوك لفنجان قهوة هذه المرة
مرت لحظات من الصمت ..
المفاجئة والخجل
ومحاولة معرفة مَ الذي عليها أن تقوله بتلك اللحظات
كل تلك الأشياء مرت عليها متسارعة
لكنها ردت قبل أن تحضّر شيئاً
ها .. لكنني يجب أن أنجز بعض الأعمال و ..
آها شكرا لك لكنك فاجأتني بصراحة
وفي سرها .. ليتك لا تصدق كلامي ...
أيتها الغبية كيف رفضتِ دعوته ..!
أما هو فكأنه عرف مايدور بداخلها فرّد متحمساً
هذا يعني انكِ موافقة
تلاقت عيناهما بصمت وأبتسما معاً
في الطريق لم يتحدثا كثيراً وكأنهما يتحضران للخطوة التالية
وفي الكافتريا القريبة قال لها بعد أن جلسا الى طاولة خشبية أنيقة
انا لست من هذه المدينة لأني طالب في الجامعة وتصادف أن تكون دراستي هنا
وفي الحقيقة يغمرني احساس بالحرج ..!
لا أدري كيف اختطفتك لهذا المكان بهذه السرعة مع اني لا أعرف عنك سوى شيئين
أنك بائعة الورد ,, وتفضلين القهوة بقطعتي سكر
اعتدلت بجلستها ووضعت كفيها بجيوب معطفها الرمادي
قبل أن تقول .. وأنا أعرف عنك شيئين أيضاً
أنك رجل المطر
امممم
وتفضّل وجهي من غير سكر
إبتسم بخجل كبير وشعر بالارتباك قليلاً
انتابها شعور بالسعادة وراحت تكمل
مذ كنت صغيرة عشقت الورد وكنت أهتم بتنسيقه كثيراً لهذا أسمتني شقيقتي
بائعة الورد
اها .. إسم جميل يشبهك كثيراً
شكراً لك
وحين كبرت إشترى أبي هذا المعرض وصارت حياتي كلها مع الورد
ومع شقيقتي التي هي أقرب انسان لي في هذه الدنيا فهي صديقتي وشقيقتي وكل شيء بحياتي
لكنها تزوجت وتركت لي هذا المكان وقد حزنت لفراقها لأنها كانت تفهمني بشكل كبير
وتشبهني بكل شيء
تحب ما أحب كما اننا نتشارك في الصفات والمشاعر والأسرار
وها أنت تقتحم علي وحدتي والغريب أني تبعتك دون أن أدري كيف ولماذا
يارجل المطر
تحدثا بأمور كثيرة ذاك الصباح ومع كل ثانية تمر
كانا يقتربان من حافة الانجراف نحو بعضهما
كلاهما أراد الانتقال بالمشاعر للمستوى الآخر
وهنا انتبه إلى نداء الطائرة حول ربط الأحزمة والاستعداد للهبوط
نظر من عبر زجاج النافذة
لاح له منظر المطار عن بعد وقد عاد به المنظر الى لحظته المؤلمة حين ودعته بذات المكان
بعد أن أمضيا بضعة أشهر في أطهر علاقة حب
تذكر جيداً دموعها التي احتلت ذاكرته وقلبه وكيانه حين عاد لبلده
لكنه الآن قد عاد الى حيث ترك حبيبته وبعد قليل سيلاقي بائعة الورد
أنثاه التي تملكه وأيامه وحنينه
هذه المرة لتكون شريكته لباقي العمر
بين ذكريات السنة الماضية وأحلام المستقبل أغمض قليلاً ..
كان يراها في كل شيء أحب ذلك الوجه وتلك الروح
كلماتها رقتها وبساطتها ..
تجول في الأشهر الأربعة التي قضياها معاً تلك التي كبُرَ خلالها حبهما
والتقت خلالها روحيهما
في تلك اللحظات شعر باهتزازات المدرج
فتح عينه و أحس بسعادة كبيرة لأنه اقترب جداً من لحظته
التقف حقيبته بعد أن أكمل اجراءات المطار ومضى مسرعاً
استقل أول سيارة أجرة نحو منطقة الحمرا...
في الطريق كانت مشاعره مزيج من الشوق واللهفة نبضه الذي بدأ يتعالى صوته
توقف أمام محل الورد نزل مسرعاً نظر لداخل المحل
كانت تقف بداخله كما توقع وتخيل دائماً لحظة اللقاء لكنها بدت نحيفة قليلاً
وبسرعة دخل المحل
كانت منشغلة بمراجعة بعض الفواتير وإلى جانبها طفلة جميلة تشبهها قليلاً
وقبل أن يتفوه بكلمة سمع الطفلة تناديها
ماما كلمي هذا الرجل !
صعق في مكانه وارتبك ,, لم يفهم مَ الذي يحدث
قال مصدوماً من هذه الصغيرة .؟
ومع ابتسامة صغيرة ردت
أهلاً بك رجل المطر
جاء سلامها باهتاً ...
هذه إبنتي
ماذا ..!!!
إذاً أنتِ متزوجة .؟
نعم متزوجة
ذهول كبير انتابه وخيبة كبيرة لاحت على وجهه
حاول أن يتماسك من دون أن يتماسك فعلاً وأردف
ماذا تعنين أنك متزوجة ماذا عن حبنا والعهود التي قطعناها سوياً
م َالذي فعلته لكِ لأستحق كل هذه القسوة
ببرود كبير أجابت أي وعود ..؟
أنا لم أعدك بشيء أبداً
ولم أحبك لحظة واحدة
من أحبه هو زوجي الغالي فقط
أنت أفترضت ذلك .. فحسب
كاد أن ينهار لكنه أكمل
وما معنى كلماتكِ .. ودموعكِ .. ونظراتكِ .. التي سكنت روحي
والأيام التي قضيناها سوياً ولوعة الشوق والرسائل التي لازلت أحتفظ بها ..
لالا مستحيل هذا الذي يحدث
وبأبتسامة غريبة اكملت
لم يحدث كل ذلك مني أنا في الحقيقة لم أعدك بشيء ولا أرتبط بك بأية علاقة حب
تلعثم وقد اصفر وجهه .. هل أنا في حلم ..؟
لا أدري هل أنت بائعة الورد التي أحببتها .. ؟
لايمكن أن تكوني هي
وهنا انفجرت ضاحكة وهي تقول
ببساطة شديدة ياصديقي انا لست بائعة الورد خاصتك
بل شقيقتها التوأم التي تشبهها طبق الاصل
وهي تقف خلفك الآن و تتوعدني بعقوبة كبيرة
على هذا المقلب لأنك لم تراني ولا تعرفني
أما أنا فقد رأيت صورتك وأعرفك جيداً
لأنها لاتكف تتحدث عنك كل يوم بل كل لحظة
التفت منبهراً صارت أمامه بجمالها الاخاذ
وهي تستعد لمعانقته
قال لها حبيبتي دعيني استرد أنفاسي أولاً وأتماسك قليلاً
كدت أموت من الخوف والصدمة
وكان أول شيء فعله .. جثا على ركبتيه وأخرج علبة حمراء يتوسطها خاتم ماسي
قائلاً
أ تتزوجينني يا بائعة الورد
وضعت كفيها فوق بعضهما على قلبها
ومع ابتسامة سعادة ودموع فرح
قالت .. أحبك يا رجل المطر
انتهت
بقلمي
علي موسى الحسين
التعديل الأخير: