ملاك الذوق
Well-Known Member
يقولون لي : بغداد لاتسمع البـُكا
ولم تستطعْ منذ ارتحلتَ التكـلــّـما
فقلتُ لهم هذي ضلوعي رصفتها
سأجعلها جسرا ً إليها وسُلـــَّــمـا
فقالوا أما تدري بأن فؤادها
جريحٌ يهيلُ الدمع ، يشكو ا لتــألـّــمــا
فقلتُ لهم إن جفَّ ريقُ حبيبتي
أيا ليتني والله متّ من الظما
فقالوا أتهواها وتبكي لبعدها
فقلتُ لقد مُزِّقتُ روحا ً وأعظمـــا
فقالوا: جناحُ الليل أخفى نجومَها
وأضحتْ فضاءً كالحَ الأفق ِ مظلما
فقلتُ لهم بغداد تزهو بنورها
فهل تحبسُ الالام والليلُ أنجمــا
فقالوا لقد أحنى لها الدهرُ قامة ً
ودارتْ بها الأيام والليل غمغمـا
فقلتُ لهم بغداد تمشي كأنها
جبالٌ وإن خاضتْ لألف ٍ ملاحما
فقالوا سرتْ فيها وجوهٌ غريبة
فما كان إلا أن أحيلتْ جماجما
فقلتُ لهم والله سعفُ نخيلها
إذا غضبت بغداد يغدو صوارمـــا
فقالوا رأيناها تنوح لأنهـــا
تـُداري صغارا ً في الملماتِ يُتـَّمـا
فقلتُ لهم إن الذي مسَّ قلبها
سيجرعُ يوما من يد الله علقمـا
فقالوا رأيناها بكل مدينة ٍ
تقيم عزاءً للضحايا ومأتمــا
فقلتُ لهم إن الشهيد مالـــهُ
جنانٌ وعند الله يلقى التكرُّما
فقالوا لفرط الحزن صارت عقيمة ً
وقد أطبقَ الحزنُ العميقُ وخيـَّمـا
فقلتُ لهم بغداد تبقى ولودة ً
ستنجبُ أبطالاً تذودُ عن الحمى
فقالوا أما أبصرتْ موتَ شبابها
فهذا غرابُ البين في الأفق حوَّمـــا
فقلتُ لهم كم داهمتها نوائبٌ
ولكن غول الموت قد فرَّ مرغمــا
فقالوا أما حاولت ترنو لغيرها
فتهدي لها شعرا ً يفيضُ تبسُّمـا
فقلتُ وهل في الأرض وجهٌ كوجهها
يليقُ به بيتُ القصيد ترنُّما
وقالوا لقد هيضت وأطفيء نورها
وما كان فيها من بهاءٍ فقد همـــى
فقلتُ لهم إن السماوات بيتها
فهل تطفيء الأقدار من بيته السَّمـا
فقالوا لقد أضحت خطاها كليلة ً
وقد أشبعتْ من حاسديها تهكّمـــا
فقلتُ لهم بغداد تسمو بأهلها
ولم تبتئس يوما ً إذا الليلُ أظلمــا
فقالوا لقد شاخت لفرط عذابها
وقد أوشكت أسوارُها أن تـُهدَّمــا
فقلتُ لهم بغداد مذ هلَّ نجمها
غدتْ وسط هذي الأرض رمزا ً ومعلمـــا
لقد أشعلوا النيران قالوا بغصنها
فأضحى هشيما ً ذاويا ً متفحِّمـا
فقلتُ لهم بغداد يزدان عودُها
بهاءً إذا فيها اللظى قد تضرمـــا
وقالوا أتدري أنها قد تبددتْ
وإن الذي قد حلَّ فيها فقلــَّمـــا
فقلتُ لهم إن بدد الكفرُ ماءها
تفيضُ فلا تبقي على الأرض اثما
فقالوا لقد شُلـَّتْ وأحنتْ جبالها
رياحٌ سرتْ فيها فزادتْ تجهُّما
فقلتُ لهم لاتأبه الريحَ حلوتي
وإن هبَّ موجُ الريح فيها ودمدما
فقالوا لقد قيدتْ إلى حيث موتها
وقد كُبــِّلتْ بالقيد ساقا ً ومعصمــا
فقلتُ لهم بغداد سجنٌ لمن أتى
يكبلها، تغدو جحيما ً، جهنَّمـا
فقالوا رماها البعض بالنار والدما
وصارتْ بلا مأوىً وتشكو التأزمــا
فقلتُ لهم إن الإله هو الذي
لمن كان يرمي بيت بغداد قد رمـى
فقالوا لقد جاؤوا إليها من الردى
بكل دعي ِّ كان في القول أبكمــا
فقلت ُ لهم باءتْ نوايا عدوها
ومن كان في أحلامه متلثــِّمــا
فقالوا لقد ذاقتْ شرابا ً مذاقه
مريرٌ كطعم النار قد كان علقمــا
فقلت لهم بغداد تسقي عطاشها
عذابا ً لمن اذى البرايا وأجرمــا
فقالوا لقد ضاعتْ وزادت تشاؤما
فقد مـُد َّ جنحُ الليل فيها وخيـَّما
فقلت لهم بغداد لم تعرف الونا
ولا عرفتْ مهما استبيحتْ تشاؤما
فقالوا لقد هـُدتْ وقـُصَّ جناحـُها
وماجَ المدى المحزون فيها وغيَّما
فقلتُ لهم إن أطفأ الغدرُ نجمة ً
لبغداد تغدو الناس في الأفق أنجما
فقالوا أما أيقنتْ أنك واهمٌ
أما أدركتْ عيناك هذا التوهّمـا
فقلتُ لهم بغداد تبقى حبيبتي
وأبقى بها مهما حييتُ متيــَّـما