عطري وجودك
Well-Known Member
- إنضم
- 5 أغسطس 2019
- المشاركات
- 81,740
- مستوى التفاعل
- 2,758
- النقاط
- 113
يذكر بعضُ الحذّاق من المعاصرين أنّ كاف التشبيه هي ثمرة من ثمرات بِلَى الألفاظ وتآكلها.
وهذا معناه أنّها في الأصل على غير حرف واحد، وهذا يمشي مع ما هو أصل في لغة العرب من مجيء الكلمات على ثلاثة أحرف، حرف يبتدأ به وحرف يوقف عليه وحرف يُحشى به، ومن المعلوم أنّ الثلاثي هو الأكثر في اللغة أوزانا وألفاظا.
وقد وجد هؤلاء الحذاق ذلك الأصل الثلاثيّ وهو كلمة (كَيْف) ذلك أنّ بعض العامّيات المعاصرة في الصعيد المصري احتفظت بكيف مرادًا بها التشبيهُ فتكون هي الكلمة التي تآكلت بِنيتُها حتى آلت إلى كاف التشبيه.
يقول المتكلمون بهذه اللهجات: هذا الشيء كيف هذا، أي: مِثْلُه، ويُشْبِهُهُ.
ولقد سمعت بنفسي جزائريا اتصل بقناة المستقلة يقول عن المصريين والجزائريين بعد مباراة كرة قدم شهيرة تركت في نفوس الشعبين أثرًا سيِّئًا صعّده الإعلاميون التافهون كثيرًا، قال هذا الجزائري الكريم: إنهم (كيف كيف) - يقصد الشعبين - ويقصد أنهم واحد متماثلون وإخوان عربٌ لا ميزة لأَحَدِهما على الآخر.
وكان أول من سمعته يذكر هذا الأمر هو أستاذنا الدكتور خليل محمود عساكر رحمه الله في التسعينات الهجرية بعد الألف وثلاثمئة.
ثم وجدت أنّ الأمر جاء له ذكرٌ في وقائع نقاشٍ دارَ في (الجلسة الخامسة عشرة للمجمع اللغوي العربي بالقاهرة وذلك في العام 1949)، وكان ذلك بعد أنْ تلا أستاذُنا الدكتور خليل عساكر (الذي كان خبيرا بلجنة اللهجات آنذاك) تقريراً قدّمه إلى لجنةٍ بحثت موضوعَ الأطلسِ اللغوي الذي كان قد أعدّه أستاذنا، رحمه الله، وهو نوع من الخريطة للهجات المحكية في المنطقة العربية على غِرار ما فعل (فِنْكِر في ألمانيا وجيلبيرون في فرنسا)؛ اللذان قام كل منهما برسم أطلس للّهجات العامية المحكيّة في بلاده في بداية القرن العشرين.
وكان أنْ علّق على المشروع عددٌ من كبار اللغويين والأدباء أعضاء المجمع كأحمد أمين، وطه حسين، وعبد الوهاب عزام، وغيرهم، ولكن الأستاذ عباس محمود العقاد كان هو من لمس مسألةَ تأصيل الكاف مباشرة عندما قال: (دراسةُ اللهجات العامية نافعةٌ جدًّا لمعرفة اللغة العربية الفصحى نفسها، فإذا لاحظنا تَحَوّلَ الكلمات في اللهجات العامية، أمكننا الوصول إلى وضعِ قواعدَ لتحوّلِ هذه الكلمات في اللغة الفصحى، أو إلى الاستئناس بهذه القواعد في معرفة هذا التحوّل.
ثمّ قال: وأضربُ لذلك مثلاً ببعض الظروف التي لا معنى لها الآن ... إلى أنْ قال: "وكذلك الحال في بعض الحروف، فقد سمعت في أدفو: (فلان كيف الجَمر)، وفي منطقة أخرى مجاورة (فلان كَيِ الجمر)، وفي منطقة ثالثة (فلان كالجمر)، ومن هذا نستطيع أنْ نعرف كيف تطورت كافُ التشبيه في اللغة العربية ...) إلى آخر ما قال، رحمه الله.
وكلام العقاد - وهو ثِقَةٌ في لغته وسماعه وعِلمه – يفيد الآتي:
- إمكان فكرة اقتطاع الكاف من كيف المستعملة للتشبيه في طور قديم من أطوار اللغة وكان له صداه في بعض لهجاتها.
- يُحضِر كلامُه إلى أذهاننا ما حُكِي من أنّ السين مقتطعة من سوف، وأنّه حُكي (سَف) و(سَوْ) مقتطعتين كذلك منها، وهي المسألة الثانية والتسعون من مسائل الإنصاف لابن الأنباري (577 هـ) رحمه الله، وقد ذكر فيها رأي الكوفيين وخلاصته: أنّ السينَ أصلُها سوف، وحجتهم أنّ العرب تحذف مما كثر استعماله، وأَنّه صحّ عن العرب أنهم قالوا: (سَوْ أفعل)، ومنهم من قال: (سَفَ أفعل)، وإذا كانوا حذفوا الفاء مرة، والواو مرة، جاز لهم أنْ يجمعوا بينهما في الحذف، وأنّ السينَ تدلّ على ما تدلّ عليه سوف من الاستقبال، فلما شابهتها في اللفظ والمعنى دلّ على أنّها مأخوذةٌ منها وفرعٌ عليها، هذا ما قالوه وهذه حججهم، وكأنّي بمقالتهم يمكن أن تمشي في مسألة تأصيل الكاف، وبخاصة أنّ ردود البصريين لم تكن بتلك الردود المقنعة.
- ويرينا كلام العقاد أيضا كيف أنّ لهجات العرب في كل مكان قد حفظت الكثير من البنى الأصلية للكلمات، ولعلّ لذلك نظائر، تحتاج إلى جهود في دراسة ظواهر اللهجات العربية المعاصرة موازنة بما في الفصحى من ظواهر صوتية وبنيوية وتراكيب ودلالة، وبخاصة لهجات الجزيرة العربية وسطها وأطرافها الأربعة.
- وكذلك أنّ (كيف) كانت تستعمل بمعنى مِثْل للتشبيه – مثلها مِثْل الكاف - في زمن من أزمنة التطور اللغوي.
وهذا معناه أنّها في الأصل على غير حرف واحد، وهذا يمشي مع ما هو أصل في لغة العرب من مجيء الكلمات على ثلاثة أحرف، حرف يبتدأ به وحرف يوقف عليه وحرف يُحشى به، ومن المعلوم أنّ الثلاثي هو الأكثر في اللغة أوزانا وألفاظا.
وقد وجد هؤلاء الحذاق ذلك الأصل الثلاثيّ وهو كلمة (كَيْف) ذلك أنّ بعض العامّيات المعاصرة في الصعيد المصري احتفظت بكيف مرادًا بها التشبيهُ فتكون هي الكلمة التي تآكلت بِنيتُها حتى آلت إلى كاف التشبيه.
يقول المتكلمون بهذه اللهجات: هذا الشيء كيف هذا، أي: مِثْلُه، ويُشْبِهُهُ.
ولقد سمعت بنفسي جزائريا اتصل بقناة المستقلة يقول عن المصريين والجزائريين بعد مباراة كرة قدم شهيرة تركت في نفوس الشعبين أثرًا سيِّئًا صعّده الإعلاميون التافهون كثيرًا، قال هذا الجزائري الكريم: إنهم (كيف كيف) - يقصد الشعبين - ويقصد أنهم واحد متماثلون وإخوان عربٌ لا ميزة لأَحَدِهما على الآخر.
وكان أول من سمعته يذكر هذا الأمر هو أستاذنا الدكتور خليل محمود عساكر رحمه الله في التسعينات الهجرية بعد الألف وثلاثمئة.
ثم وجدت أنّ الأمر جاء له ذكرٌ في وقائع نقاشٍ دارَ في (الجلسة الخامسة عشرة للمجمع اللغوي العربي بالقاهرة وذلك في العام 1949)، وكان ذلك بعد أنْ تلا أستاذُنا الدكتور خليل عساكر (الذي كان خبيرا بلجنة اللهجات آنذاك) تقريراً قدّمه إلى لجنةٍ بحثت موضوعَ الأطلسِ اللغوي الذي كان قد أعدّه أستاذنا، رحمه الله، وهو نوع من الخريطة للهجات المحكية في المنطقة العربية على غِرار ما فعل (فِنْكِر في ألمانيا وجيلبيرون في فرنسا)؛ اللذان قام كل منهما برسم أطلس للّهجات العامية المحكيّة في بلاده في بداية القرن العشرين.
وكان أنْ علّق على المشروع عددٌ من كبار اللغويين والأدباء أعضاء المجمع كأحمد أمين، وطه حسين، وعبد الوهاب عزام، وغيرهم، ولكن الأستاذ عباس محمود العقاد كان هو من لمس مسألةَ تأصيل الكاف مباشرة عندما قال: (دراسةُ اللهجات العامية نافعةٌ جدًّا لمعرفة اللغة العربية الفصحى نفسها، فإذا لاحظنا تَحَوّلَ الكلمات في اللهجات العامية، أمكننا الوصول إلى وضعِ قواعدَ لتحوّلِ هذه الكلمات في اللغة الفصحى، أو إلى الاستئناس بهذه القواعد في معرفة هذا التحوّل.
ثمّ قال: وأضربُ لذلك مثلاً ببعض الظروف التي لا معنى لها الآن ... إلى أنْ قال: "وكذلك الحال في بعض الحروف، فقد سمعت في أدفو: (فلان كيف الجَمر)، وفي منطقة أخرى مجاورة (فلان كَيِ الجمر)، وفي منطقة ثالثة (فلان كالجمر)، ومن هذا نستطيع أنْ نعرف كيف تطورت كافُ التشبيه في اللغة العربية ...) إلى آخر ما قال، رحمه الله.
وكلام العقاد - وهو ثِقَةٌ في لغته وسماعه وعِلمه – يفيد الآتي:
- إمكان فكرة اقتطاع الكاف من كيف المستعملة للتشبيه في طور قديم من أطوار اللغة وكان له صداه في بعض لهجاتها.
- يُحضِر كلامُه إلى أذهاننا ما حُكِي من أنّ السين مقتطعة من سوف، وأنّه حُكي (سَف) و(سَوْ) مقتطعتين كذلك منها، وهي المسألة الثانية والتسعون من مسائل الإنصاف لابن الأنباري (577 هـ) رحمه الله، وقد ذكر فيها رأي الكوفيين وخلاصته: أنّ السينَ أصلُها سوف، وحجتهم أنّ العرب تحذف مما كثر استعماله، وأَنّه صحّ عن العرب أنهم قالوا: (سَوْ أفعل)، ومنهم من قال: (سَفَ أفعل)، وإذا كانوا حذفوا الفاء مرة، والواو مرة، جاز لهم أنْ يجمعوا بينهما في الحذف، وأنّ السينَ تدلّ على ما تدلّ عليه سوف من الاستقبال، فلما شابهتها في اللفظ والمعنى دلّ على أنّها مأخوذةٌ منها وفرعٌ عليها، هذا ما قالوه وهذه حججهم، وكأنّي بمقالتهم يمكن أن تمشي في مسألة تأصيل الكاف، وبخاصة أنّ ردود البصريين لم تكن بتلك الردود المقنعة.
- ويرينا كلام العقاد أيضا كيف أنّ لهجات العرب في كل مكان قد حفظت الكثير من البنى الأصلية للكلمات، ولعلّ لذلك نظائر، تحتاج إلى جهود في دراسة ظواهر اللهجات العربية المعاصرة موازنة بما في الفصحى من ظواهر صوتية وبنيوية وتراكيب ودلالة، وبخاصة لهجات الجزيرة العربية وسطها وأطرافها الأربعة.
- وكذلك أنّ (كيف) كانت تستعمل بمعنى مِثْل للتشبيه – مثلها مِثْل الكاف - في زمن من أزمنة التطور اللغوي.