ناطق العبيدي
Well-Known Member
- إنضم
- 16 نوفمبر 2013
- المشاركات
- 5,184
- مستوى التفاعل
- 1,631
- النقاط
- 113
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
شيءٌ آخر: الآن العذاب ما مهمته؟ قصةٌ قصيرة وردت في سورة القلم:
﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ* وَلَا يَسْتَثْنُونَ* فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
[ سورة القلم ]
الآن تسمع أنه في صقيع ستة تحت الصفر، هذا الصقيع:
﴿ طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ ﴾
قد يأتي على محصولٍ فيحرقه، يسود المحصول، لدقائق، أحياناً دقائق، محصول ثمنه نصف مليون ليرة يذهب بدقائق.
﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ* فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾
[ سورة القلم ]
وكأنها مقطوعة، مجنية،
﴿ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ* أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ* فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ* أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ* وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ* فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ﴾
[ سورة القلم ]
ليس هذا بستاننا:
﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ* قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾
[ سورة القلم ]
ظلموا أنفسهم حينما منعوا الفقير حقه، حينما منعوا الفقير حقه أتلف الله لهم مزروعاتهم، وجعلها:
﴿ كَالصَّرِيمِ ﴾
بـ
﴿ طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ ﴾
أنا أذكر قبل خمس أعوام جاءت موجة صقيع على الساحل، الساحل من أربعين سنة حرارته في الشتاء ستة، سبعة، في سنة ثمانية تحت الصفر على الساحل، يعني
محصول الخضراوات المحمية، بمئات الملايين أتلف في ثانية، هذا:
﴿ طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
يصيب أي منطقة، هنا:
﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ* قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ* عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴾
[ سورة القلم ]
هذه القصة مفتاحها في كلمة واحدة:
﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾
[ سورة القلم الآية: 33 ]
يعني يا عبادي أيُّ عذابٍ أسوقه لكم من هذا القبيل؟ عذاب تربوي، عذاب تأديبي عذاب لكي ترجع إلى الله عز وجل، عذاب لتتوب إليه، عذاب لتقبل عليه.
﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة القلم ]
يعني الله عز وجل يسوق لنا العذاب الأدنى ليحمينا من العذاب الأكبر، يعني الإنسان يختار الأدنى على الأكبر، الآن آلام السن لا تحتمل أحياناً، إن ذهبت إلى الطبيب كي يقلعه، ينزعه، لابد من تخدير، التخدير مؤلم في أوله، تقبل بالتخدير، بشكة الإبرة تقبلها في النيرة وهي مؤلمة، كي تتلافى ألماً مديداً، وكبيراً، الإنسان يقبل الأقل من أجل تلافي الأكبر وربنا عز وجل قال:
﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾
إلا أن هذا العذاب في الدنيا أقل بكثير من عذاب الآخرة:
﴿ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
شيء آخر: يعني المستقبل ربنا عز وجل يطلعنا عليه في كتابه إطلاعاً مباشراً قال:
﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ* فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴾
[ سورة الحاقة الآية: 18-19 ]
كان من المؤمنين
﴿ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ* إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾
[ سورة الحاقة ]
﴿ ظَنَنْتُ ﴾
بمعنى أيقنت:
﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ* قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾
[ سورة الحاقة ]
أيام الإنسان كما قال النبي عن الأنصار، قال:
(( فإنهم قد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم ))
[ أخرجه الإمام أحمد، عن: رجل من الصحابة ]
المؤمن أدى في الدنيا ما عليه، بقي الذي له.
يعني أنا أذكر مثل: طالب نال الدرجة الأولى، التعب انتهى، الآن بقي التكريم بقي حفل التخرج، بقي أن يدعى من قبل رئيس الدولة ليكرمه، بقي ليعطيه بعثةً في بلدٍ هو يريده، بقي ليختار مستقبلاً زاهراً، الذي عليه أداه بقي الذي له.
كذلك:
﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾
واحد أدى الصلوات بأوقاتها، صام رمضان، دفع زكاة ماله، غض بصره، ضبط لسانه، ضبط جوارحه أقام الإسلام في بيته، ربى بناته على طاعة الله، ربى أولاده، فعل كل ما يستطيع، وانتهت حياته، وانتهى التعب، لذلك رأى النبي الكريم جنازة، قال:
(( مستريح، أو مُسْتَراح منه، فقالوا: يا رسول الله ما المستريحُ، وما المستَراح منه؟ فقال: العبد المؤمنُ يستريح من نَصَب الدنيا، والعبد الفاجرُ: يستريح منه العبادُ والبلادُ، والشجر والدواب ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ومالك، عن: أبو قتادة ]
يعني هو تقوم حياته على إيقاع الأذى بالناس
﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ* يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ* مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ* هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ* خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ﴾
[ سورة الحاقة ]
السبب، ماذا فعل هذا؟ ما الذنب الذي ارتكبه؟ قال:
﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
[ سورة الحاقة ]
يعني إذا الإنسان ما أمن بالله العظيم، يستحق هذا العذاب الأليم؟ العلماء قالوا: لأنه لم:
﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
لم يطبق شرعه الحكيم، فلما لم يطبق شرعه الحكيم صار في عدوان على الآخرين، استحق من خلال هذا العدوان العذاب المهين، يعني إن لم تعظم الله عز وجل لا تستقيم على أمره، فالتعظيم سبب، والنتيجة الاستقامة على أمر الله.
النقطة الدقيقة: أن منهج الله عز وجل تأخذ ما لك، وتعطي ما لغيرك، أما إذا خرجت عن منهج الله لابد من أن تأخذ ما ليس لك، لابد من أن تعتدي على أموال الناس، لابد من أن تعتدي على أعراضهم، من لوازم عدم معرفة الله عز وجل أن تؤمن عندئذٍ بشهوتك الإنسان يحركه شيئين، يحركه عقله، تحركه شهوته، فإذا آمن بالله عز وجل أعانه عقله على طاعة الله، لما أطاع الله عز وجل أخذ ماله، ولم يأخذ ما ليس له، فهو في سلام، في بحبوحة نجا، أما لو أنه لم يؤمن بالله، بماذا إذاً هو مؤمن؟ بشهوته، ومن أجل أن يروي شهواته بطريقةٍ واسعةٍ جداً، لابد أن يأخذ ما ليس له، إما بالمال، أو بالنساء، لذلك يستحق العذاب الأليم، لا لأنه لم:
﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
فحسب، بل لأن عدم إيمانه،
﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
كان سبب انحرافه الشديد، والعقاب على انحرافٍ شديد كان بسبب عدم الإيمان
﴿ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
شيء آخر: المصلي الحقيقي ليس جزوعاً، ولا منوعاً:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً* إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
[ سورة المعارج
المصلي الحقيقي ليس جزوعاً، وليس منوعاً، الجزع أن تنهار أمام المصيبة والمنوع هو الحريص على ما في يديه، يعني بالضغط ينهار، بالإغراء يتعلق، هذه من صفات الإنسان قبل أن يؤمن، الإنسان مطلق الإنسان، أما الإنسان إذا أمن ليس جزوعاً، وليس منوعاً:
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾
[ سورة الجن ]
هذا كلام ربنا كذلك، يعني الإنسان لما يستقيم، ويثبت على استقامته، ويبتغي باستقامته وجه الله عز وجل، الله عز وجل وعده بحياةٍ طيبة، بطريقةٍ أو بأخرى يرضاها الله له:
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً* لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً* وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾
[ سورة الجن ]
المساجد لله، لا تحتمل أن تقوم فيها دعوةٌ لغير الله:
﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ﴾
بنيت لله، ويجب أن يلقى فيها العلم لوجه الله، وأن تكون الدعوة فيها إلى الله، ولا يحتمل مسجد الله عز وجل أن يكون فيه دعوةٌ لغير الله.
والحمد لله رب العالمين
جزا الله تعالى كل الخير للشيخ الفاضل
محمد النابلسي
والاخوة القائمين على هذا العمل الطيب وتقديمه لاخوانهم المسلمين
شيءٌ آخر: الآن العذاب ما مهمته؟ قصةٌ قصيرة وردت في سورة القلم:
﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ* وَلَا يَسْتَثْنُونَ* فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
[ سورة القلم ]
الآن تسمع أنه في صقيع ستة تحت الصفر، هذا الصقيع:
﴿ طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ ﴾
قد يأتي على محصولٍ فيحرقه، يسود المحصول، لدقائق، أحياناً دقائق، محصول ثمنه نصف مليون ليرة يذهب بدقائق.
﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ* فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾
[ سورة القلم ]
وكأنها مقطوعة، مجنية،
﴿ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ* أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ* فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ* أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ* وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ* فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ﴾
[ سورة القلم ]
ليس هذا بستاننا:
﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ* قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾
[ سورة القلم ]
ظلموا أنفسهم حينما منعوا الفقير حقه، حينما منعوا الفقير حقه أتلف الله لهم مزروعاتهم، وجعلها:
﴿ كَالصَّرِيمِ ﴾
بـ
﴿ طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ ﴾
أنا أذكر قبل خمس أعوام جاءت موجة صقيع على الساحل، الساحل من أربعين سنة حرارته في الشتاء ستة، سبعة، في سنة ثمانية تحت الصفر على الساحل، يعني
محصول الخضراوات المحمية، بمئات الملايين أتلف في ثانية، هذا:
﴿ طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
يصيب أي منطقة، هنا:
﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ* قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ* عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴾
[ سورة القلم ]
هذه القصة مفتاحها في كلمة واحدة:
﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾
[ سورة القلم الآية: 33 ]
يعني يا عبادي أيُّ عذابٍ أسوقه لكم من هذا القبيل؟ عذاب تربوي، عذاب تأديبي عذاب لكي ترجع إلى الله عز وجل، عذاب لتتوب إليه، عذاب لتقبل عليه.
﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة القلم ]
يعني الله عز وجل يسوق لنا العذاب الأدنى ليحمينا من العذاب الأكبر، يعني الإنسان يختار الأدنى على الأكبر، الآن آلام السن لا تحتمل أحياناً، إن ذهبت إلى الطبيب كي يقلعه، ينزعه، لابد من تخدير، التخدير مؤلم في أوله، تقبل بالتخدير، بشكة الإبرة تقبلها في النيرة وهي مؤلمة، كي تتلافى ألماً مديداً، وكبيراً، الإنسان يقبل الأقل من أجل تلافي الأكبر وربنا عز وجل قال:
﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾
إلا أن هذا العذاب في الدنيا أقل بكثير من عذاب الآخرة:
﴿ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
شيء آخر: يعني المستقبل ربنا عز وجل يطلعنا عليه في كتابه إطلاعاً مباشراً قال:
﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ* فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴾
[ سورة الحاقة الآية: 18-19 ]
كان من المؤمنين
﴿ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ* إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾
[ سورة الحاقة ]
﴿ ظَنَنْتُ ﴾
بمعنى أيقنت:
﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ* قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾
[ سورة الحاقة ]
أيام الإنسان كما قال النبي عن الأنصار، قال:
(( فإنهم قد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم ))
[ أخرجه الإمام أحمد، عن: رجل من الصحابة ]
المؤمن أدى في الدنيا ما عليه، بقي الذي له.
يعني أنا أذكر مثل: طالب نال الدرجة الأولى، التعب انتهى، الآن بقي التكريم بقي حفل التخرج، بقي أن يدعى من قبل رئيس الدولة ليكرمه، بقي ليعطيه بعثةً في بلدٍ هو يريده، بقي ليختار مستقبلاً زاهراً، الذي عليه أداه بقي الذي له.
كذلك:
﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾
واحد أدى الصلوات بأوقاتها، صام رمضان، دفع زكاة ماله، غض بصره، ضبط لسانه، ضبط جوارحه أقام الإسلام في بيته، ربى بناته على طاعة الله، ربى أولاده، فعل كل ما يستطيع، وانتهت حياته، وانتهى التعب، لذلك رأى النبي الكريم جنازة، قال:
(( مستريح، أو مُسْتَراح منه، فقالوا: يا رسول الله ما المستريحُ، وما المستَراح منه؟ فقال: العبد المؤمنُ يستريح من نَصَب الدنيا، والعبد الفاجرُ: يستريح منه العبادُ والبلادُ، والشجر والدواب ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ومالك، عن: أبو قتادة ]
يعني هو تقوم حياته على إيقاع الأذى بالناس
﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ* يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ* مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ* هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ* خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ﴾
[ سورة الحاقة ]
السبب، ماذا فعل هذا؟ ما الذنب الذي ارتكبه؟ قال:
﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
[ سورة الحاقة ]
يعني إذا الإنسان ما أمن بالله العظيم، يستحق هذا العذاب الأليم؟ العلماء قالوا: لأنه لم:
﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
لم يطبق شرعه الحكيم، فلما لم يطبق شرعه الحكيم صار في عدوان على الآخرين، استحق من خلال هذا العدوان العذاب المهين، يعني إن لم تعظم الله عز وجل لا تستقيم على أمره، فالتعظيم سبب، والنتيجة الاستقامة على أمر الله.
النقطة الدقيقة: أن منهج الله عز وجل تأخذ ما لك، وتعطي ما لغيرك، أما إذا خرجت عن منهج الله لابد من أن تأخذ ما ليس لك، لابد من أن تعتدي على أموال الناس، لابد من أن تعتدي على أعراضهم، من لوازم عدم معرفة الله عز وجل أن تؤمن عندئذٍ بشهوتك الإنسان يحركه شيئين، يحركه عقله، تحركه شهوته، فإذا آمن بالله عز وجل أعانه عقله على طاعة الله، لما أطاع الله عز وجل أخذ ماله، ولم يأخذ ما ليس له، فهو في سلام، في بحبوحة نجا، أما لو أنه لم يؤمن بالله، بماذا إذاً هو مؤمن؟ بشهوته، ومن أجل أن يروي شهواته بطريقةٍ واسعةٍ جداً، لابد أن يأخذ ما ليس له، إما بالمال، أو بالنساء، لذلك يستحق العذاب الأليم، لا لأنه لم:
﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
فحسب، بل لأن عدم إيمانه،
﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
كان سبب انحرافه الشديد، والعقاب على انحرافٍ شديد كان بسبب عدم الإيمان
﴿ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
شيء آخر: المصلي الحقيقي ليس جزوعاً، ولا منوعاً:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً* إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
[ سورة المعارج
المصلي الحقيقي ليس جزوعاً، وليس منوعاً، الجزع أن تنهار أمام المصيبة والمنوع هو الحريص على ما في يديه، يعني بالضغط ينهار، بالإغراء يتعلق، هذه من صفات الإنسان قبل أن يؤمن، الإنسان مطلق الإنسان، أما الإنسان إذا أمن ليس جزوعاً، وليس منوعاً:
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾
[ سورة الجن ]
هذا كلام ربنا كذلك، يعني الإنسان لما يستقيم، ويثبت على استقامته، ويبتغي باستقامته وجه الله عز وجل، الله عز وجل وعده بحياةٍ طيبة، بطريقةٍ أو بأخرى يرضاها الله له:
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً* لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً* وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾
[ سورة الجن ]
المساجد لله، لا تحتمل أن تقوم فيها دعوةٌ لغير الله:
﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ﴾
بنيت لله، ويجب أن يلقى فيها العلم لوجه الله، وأن تكون الدعوة فيها إلى الله، ولا يحتمل مسجد الله عز وجل أن يكون فيه دعوةٌ لغير الله.
والحمد لله رب العالمين
جزا الله تعالى كل الخير للشيخ الفاضل
محمد النابلسي
والاخوة القائمين على هذا العمل الطيب وتقديمه لاخوانهم المسلمين