{ حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } [سورة فصلت: 1-5]
تفسير الآيات بن كثير :
قوله تعالى: { حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } يعني القرآن منزل من الرحمن الرحيم، كقوله: { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ } [النحل:102]، وقوله: { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ } أي بينت معانيه وأحكمت أحكامه، { قُرْآَنًا عَرَبِيًّا } أي في حال كونه قرآناً عربياً بيناً واضحاً، فمعانيه مفصلة، وألفاظه واضحة، كقوله تعالى: { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود:1] أي هو معجز من حيث لفظه ومعناه.
وقوله تعالى: { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي إنما يعرف هذا العلماء الراسخون { بَشِيرًا وَنَذِيرًا } أي تارة يبشر المؤمنين، وتارة ينذر الكافرين، { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } أي أكثر قريش فهم لا يفهمون منه شيئاً مع بيانه ووضوحه، { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ } أي في غلف مغطاة، { مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ } أي صمم عما جئتنا به { وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } فلا يصل إلينا شيء مما تقول، { فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } أي اعمل أنت على طريقتك ونحن على طريقتنا لا نتابعك.
روى البغوي في تفسيره عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال: اجتمعت قريش يوماً فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا، فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: أنت يا أبا الوليد: فأتاه عتبة فقال: يا محمد أنت خير أم عبد اللّه؟ فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
فقال: إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى يسمع قولك، إنا واللّه ما رأينا سِخَلَةً قط أشأم على قومك منك، فرّقت جماعتنا وشتّت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً، وأن في قريش كاهناً، واللّه ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف، حتى نتفانى.
أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة، جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً واحداً وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشراً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «فرغت؟ » قال: نعم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ – حتى بلغ – فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:1-13]» فأمسك عتبة على فيه، وناشده بالرحم، ورجع إلى أهله، ولم يخرج إلى قريش، واحتبس عنهم.
فقال أبو جهل: يا معشر قريش واللّه ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك له إلا من حاجة أصابته، فانطلقوا بنا إليه، فقال أبو جهل: يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبأت إلى محمد وأعجبك طعامه، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب عتبة وأقسم أن لا يكلم محمداً أبداً، وقال: واللّه لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً، ولكني أتيته وقصصت عليه القصة، فأجابني بشيء واللّه ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، وقرأ السورة إلى قوله تعالى: { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُود } فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخشيت أن ينزل بكم العذاب.
تفسير الآيات بن كثير :
قوله تعالى: { حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } يعني القرآن منزل من الرحمن الرحيم، كقوله: { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ } [النحل:102]، وقوله: { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ } أي بينت معانيه وأحكمت أحكامه، { قُرْآَنًا عَرَبِيًّا } أي في حال كونه قرآناً عربياً بيناً واضحاً، فمعانيه مفصلة، وألفاظه واضحة، كقوله تعالى: { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود:1] أي هو معجز من حيث لفظه ومعناه.
وقوله تعالى: { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي إنما يعرف هذا العلماء الراسخون { بَشِيرًا وَنَذِيرًا } أي تارة يبشر المؤمنين، وتارة ينذر الكافرين، { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } أي أكثر قريش فهم لا يفهمون منه شيئاً مع بيانه ووضوحه، { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ } أي في غلف مغطاة، { مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ } أي صمم عما جئتنا به { وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } فلا يصل إلينا شيء مما تقول، { فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } أي اعمل أنت على طريقتك ونحن على طريقتنا لا نتابعك.
روى البغوي في تفسيره عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال: اجتمعت قريش يوماً فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا، فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: أنت يا أبا الوليد: فأتاه عتبة فقال: يا محمد أنت خير أم عبد اللّه؟ فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
فقال: إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى يسمع قولك، إنا واللّه ما رأينا سِخَلَةً قط أشأم على قومك منك، فرّقت جماعتنا وشتّت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً، وأن في قريش كاهناً، واللّه ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف، حتى نتفانى.
أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة، جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً واحداً وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشراً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «فرغت؟ » قال: نعم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ – حتى بلغ – فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:1-13]» فأمسك عتبة على فيه، وناشده بالرحم، ورجع إلى أهله، ولم يخرج إلى قريش، واحتبس عنهم.
فقال أبو جهل: يا معشر قريش واللّه ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك له إلا من حاجة أصابته، فانطلقوا بنا إليه، فقال أبو جهل: يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبأت إلى محمد وأعجبك طعامه، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب عتبة وأقسم أن لا يكلم محمداً أبداً، وقال: واللّه لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً، ولكني أتيته وقصصت عليه القصة، فأجابني بشيء واللّه ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، وقرأ السورة إلى قوله تعالى: { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُود } فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخشيت أن ينزل بكم العذاب.