ناطق العبيدي
Well-Known Member
- إنضم
- 16 نوفمبر 2013
- المشاركات
- 5,189
- مستوى التفاعل
- 1,631
- النقاط
- 113
تفسير آيات - سورة الواقعة -: الإنسان خلق ليبقى
أيها الإخوة الكرام، الإنسان خلق ليبقى، وما الموت في الحياة الدنيا إلا حالةٌ طارئة تلابس وجوده يعني يكون في حال، ينتقل إلى حالٍ آخر، حال أهل الدنيا بنظامٍ وكيفيةٍ خاصة، وحال أهل الأخرى بنظامٍ وكيفيةٍ خاصة، فالإنسان باقي، وقالوا:
﴿ يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾
[ سورة الزخرف ]
الإنسان خلق ليبقى، الموت، يذوق الموت ولا يموت، يذوق الموت، بقيَّ أن هذه النعم التي أنعم الله على الإنسان في الدنيا بها، إن انتقل إلى الدار الآخرة، واتصلت نعم الآخرة بنعم الدنيا، فهذا من أعظم العطاء، أن تتصل نعم الدنيا بنعم الآخرة، أما أشد شيءٍ على النفس السلب بعد العطاء، أشد شيءٍ على النفس في الدنيا، تصور إنسان يسكن في بيت، أربع مئة متر، في أرقى أحياء دمشق، فجأة نقل إلى بيت تحت الأرض تسعين متر، ليس فيه شمس وفي أسوأ أحياء دمشق، شيء لا يحتمل، إنسان عنده هاتف سحب منه، عنده مركبة أخذت منه كان بصحة، فقد الصحة، الانتقال من العطاء إلى السلب من أشد الأشياء على النفس، العكس مقبول، العطاء بعد الحرمان جيد، يقول الله عز وجل:
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾
[ سورة الواقعة ]
الذي غفل عن الله عز وجل، وأوتي من الدنيا ما أوتي، ثم جاءه الموت سوف يسلب منه كل هذا، من كل شيء، إلى لا شيء، من بيت واسعٍ فخمٍ،إلى قبرٍ، من سعادة موهومة، إلى عذاب أبدي.
لذلك هذه الآية:
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾
يعني وقوعها حق، يعني لا بد من أن تقع يعني وقوعها محقق، ثابت، وقع
﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾
[ سورة النحل الآية: 1 ]
﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾
، من هم العقلاء؟ من هم الأذكياء؟ من هم الموفقون؟ من هم الفالحون؟ من هم الناجحون؟ من هم المتفوقون؟ الذين يسعون لنعم في الآخرة تتصل بنعم الدنيا.
لذلك ملخص ذكاء الإنسان، وحكمته أنه إذا جاءه ملك الموت يقول: مرحباً بالموت، لأنه ينتقل من دار العمل إلى دار الخلود، من دار محدودة إلى دار ممدودة من دار التكليف إلى دار التشريف، من دار العمل والجد والسعيّ إلى دار التكريم، أما أشقى الناس هؤلاء الذين يعيشون في بحبوحة، ثم يأتيهم ملك الموت، فُتسلب كل هذه النعم منهم
﴿ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾
تصور هذه اللعبة التي يلعبها الصغار، هذا القلاب، أناسٌ في الحضيض بعد حين صاروا في الأوج، أناسُ في الأوج صاروا في الحضيض، المقياس مقدار نفعك لبني البشر إذا كنت مستقيماً، إذا كنت مطبقاً لمنهج الله، إذا كنت منتبها لمهمتك في الدنيا، تأتي نعم الآخرة لتتصل بنعم الدنيا، كل عقلك، وكل ذكاءك، أن تجعل من نعم الآخرة استمراراً لنعم
الدنيا
﴿ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾
لذلك من الأدعية المأثورة:
((اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، نعوذ بك من شماتة الأعداء، نعوذ بك من عضال الداء))
الإنسان كما تعلمون يولد وهو يبكي، وكل من حوله يضحك، أما حينما يموت كل من حوله يبكي، كل بطولته، وكل عقله، وكل ذكاءه أن يضحك وحده.
" واكربتاه يا أبتا، قال: لا كربة على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه".
سيدنا سعد بن الربيع جاءه أحد أصحاب النبي ليتفقده، قال: "يا سعد أبين الأحياء أنت أم بين الأموات؟ قال: أنا بين الأموات، لكن أقرأ رسول الله مني السلام، وقل له: جزاك الله خيراً، جزاك الله خير ما جزا نبياً عن أمته، وقل لأصحابه: لا عذر لكم إذا خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف".
في أي سعادةٍ هو في هذه اللحظة، حينما يغادر الدنيا، لينتقل إلى الدار الآخرة والدنيا ساعة، أجعلها طاعة، الآن رمضان، الذي صامه افرضه في الصيف، في أشهر الصيف التي لا تحتمل، الذي صامه، وجاء عيد الفطر، انتهت مشقة الصيام، وبقي الأجر والثواب، والذي أفطره، انتهت متعة الأكل والشرب في رمضان، وبقي الإثم والجزاء، كل شيء يمضي.
كنت أقول لكم دائماً: الموت ينهي كل شيء، ينهي قوة القوي وضعف الضعيف صحة الصحيح، ومرض المريض، وسامة الوسيم، وذمامة الذميم، وفقر الفقير، ينهي، كل شيء ينهي، يبقى الجزاء، ويبقى الثواب، فهذه الآية وحدها:
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾
يعني نحن نذكرها، الله عز وجل قال:
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
[ سورة الإسراء الآية: 21 ]
يعني يوازى رجل من كبار التجار، أو من أحد التجار الكبار في البلد، مع بائع متجول؟ يعمل عشرين ساعة، ليحصل قوت يومه، وتبح حنجرته، أيوازى منصب رفيع جداً في الجيش، رئيس أركان، مع جندي غر، في أول خط مواجهة، في أيام الشتاء، والمطر تهطل، هذا يوازى مع هذا؟ من حيث النواحي المادية، يوازى طبيب جراح مختص، مع ممرض يعمل عملاً شاقاً والأجر قليل؟ يتوازى أستاذ في جامعة، مع أستاذ في قرية، في أقاصي البلاد؟ يعني هل يوازى إنسان يسكن في بيت فخم جداً، مع كوخ حقير؟.
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾
[ سورة الإسراء ]
مراتب الدنيا مؤقتة، ولا تعني شيئاً، الله أعطى الملك لمن لا يحب، أعطاه لمن يحب، ليست مقياساً، الملك لا يعني شيئاً، لأنه أعطاه لسيدنا سليمان، وهو نبيٌّ كريم، ربي:
﴿ وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾
[ سورة ص الآية: 35 ]
وأعطاه لفرعون وهو لا يحبه، أعطى المال لقارون، وهو لا يحبه، أعطاه لعبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه، أعطاه لعثمان ابن عفان، إذاً مراتب الدنيا لا تعني شيئاً، لا تقيم عند الله بحجمك المالي، ولا بمستوى معيشتك، تقيم بطاعتك، وتقواك، لكن مراتب الآخرة دقق، تعني كل شيء وهي أبدية، من هو العاقل؟ هل العاقل الذي يسعى لمرتبةٍ في الدنيا مؤقتة؟ أم الذي يسعى لمرتبةٍ في الآخرة ثابتة؟ كل من يسعى لمرتبةٍ في الدنيا مؤقتة، هو إنسان خسر خسارةً كبيرة، مؤقتة.
لذلك من أجل أن تجعل من نعم الآخرة متصلة بنعم الدنيا، يجب أن تعرف الله وطلب العلم فريضة، وأخطر شيء في حياة الإنسان إيمانه، وعقيدته، واستقامته، لأن الموت حق، الموت مصير كل حي، وكل هؤلاء الذين، كلنا جميعاً بعد مئة عام لن تجد منا واحداً على وجه الأرض كلنا، وقبل مئة عام ما كان منا واحدٌ على وجه الأرض، الدنيا حلم، الأيام
تمضي سريعاً، الوقت يسير سريعاً، الآن نحن بحياتنا، آتى رمضان، اليوم أربعة وعشرين تقريباً، البارحة كان أول يوم، الآن يأتي العيد، يأتي العيد الكبير، يأتي الشتاء، يأتي الصيف يأتي عام سبعة وستين، ثمانية وتسعين، تسعة وتسعين، العام ألفين، إلى أن تأتي ساعة هي النهاية، يعني الناس كلهم يقرؤوا نعوتنا، أنه اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا، لا ينفعنا إلا عملنا:
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾
شيء آخر، يعني الله عز وجل لا يرى بالعين، ولكن يرى بالعقل، قال:
﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ* أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾
[ سورة الواقعة ]
يعني هذاالحيوان المنوي، هذه الخلية الصغيرة، التي فيها غشاء، وفيها هيولة وفيها ونواة، وفيها معلومات مبرمجة، يعني تزيد عن الأعداد الكبيرة جداً، هذا الحوين المنوي من خلقه؟ هذه الخصية لماذا هي خارج الجسم؟ هل فكرتم في هذا؟ هذا يٌصّنع في ثمانية عشر يوماً، وتعطل فاعليته، ثم إذا انطلق تحرك ليلقح البويضة، عملية خلق الإنسان، هذه العملية من أعظم العمليات في جسم الإنسان:
﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ* أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ* نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ﴾
[ سورة الواقعة]
خمس مئة مليون حوين تنطلق من الرجل، والبويضة تحتاج إلى حوين واحد خمس مئة مليون في اللقاء، تحتاج البويضة إلى حوين واحد، وهذا الحوين في مادة نبيلة في رأسه، مغطاة بغشاء، المادة النبيلة تشبه قرنية العين، يعني الخلية الأولى تتغذى، وتعطي أختها وهذا من عظمة الله عز وجل، الإنسان كل جسمه خلايا، كل الخلية تأخذ نصيبها من الغذاء عن طريق شبكة أوعية دقيقة جداً، إلا العين، لو أن هناك الطريقة المتبعة سابقاً، ستجد أن هناك أوعية دموية في قرنية العين، كأنك ترى من شبكة، من أجل نقاء الرؤية، العين وحدها قرنية العين وحدها تتغذى بطريقةٍ فريدة، أول خليةٍ تأخذ حظها من الغذاء، وحظ جارتها وينتقل الغذاء عبر الأغشية بين الخلايا، دون أن تكون هناك شبكة تعيق الرؤية، والمادة النبيلة الثانية في رأس الحوين المنوي، هذه المادة مغطاة بغشاء، فإذا اصطدم الحوين بالبويضة تمزق الغشاء، وهذه المادة النبيلة ساهمت بإحداث فجوةٍ في البويضة، يدخل منها الحوين إلى البويضة، ويبدأ التلقيح وتنقسم إلى عشرة آلاف قسم، وهي في طريقها إلى الرحم، دون أن يزداد حجمها، الإنسان إذا اضطلع على علم الأجنة يرى الشيء الذي لا يصدق، يعني كيف خلقنيَّ الله عز وجل؟ انظر إلى خلق ابنك، هو أمامك، إنسان، طفل، دماغ، وأوعية وأعصاب ورئتين، وقلب، وكليتين ومعدة، وأمعاء، وعظام، هذا كله من نقطة ماء، و:
﴿ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾
[ سورة المرسلات ]
تستحي به، تستحي به لو أنه كان على الثوب:
﴿ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾
وخرج من عورةٍ، ودخل في عورة، ثم خرج من عورة، هذا أصل الإنسان، فلماذا الكبر؟ الله عز وجل لا يرى بالعين، ولكن يرى بالعقل.
﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ* أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ* نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾
[ سورة الواقعة ]
﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ* أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴾
[ سورة الواقعة ]
في بعض الموسوعات العلمية يقولون: إن أعظم معمل صنعه الإنسان حتى الآن تريد مفاعل نووي، كيف يوجد معامل معقدة جداً؟ إن أعظم معملٍ صنعه الإنسان حتى الآن يبدو أمام ورقة النبات تافهاً، الورقة معمل، معمل بكل معنى هذه الكلمة، قضية النبات، ظاهرة النبات وحدها من أعظم الظواهر، يعني هذا النسغ الصاعد، ثمانية عشرة معدن محلول بالماء هذا الجذير ينتهي بقلنسوة، هذه تستطيع أن تفتت الصخر، وأن تسري عبر الصخر، هذا الخيط الرفيع الذي لا يحتمل أن تمسكه بيدك، هذا مجهز لثقب الصخر، أيام ترى نبات متغلغل في الصخر، عن طريق هذا الخيط الذي ينتهي بكرةٍ صغيرة، تفرز مادة مذيبة للصخر وأحياناً في أشجار وصل طول جذرها إلى ثلاثين متراً، والجذر يتبع الماء، قد تجد جذر الشجرة نحو اليمين أو نحو اليسار، أو متغلغل في أعماق التربة، من علمه؟ ومن صممه، النبات وحده ظاهرة.
طيب الماء كيف يصعد نحو الأعلى بعكس الجاذبية الأرضية؟ قال: بالخاصة الشعرية، طيب يصعد نحو الأعلى بأوعيةٍ فيها دسامات، تسمح للماء أن يصعد دون أن يرجع كالإنسان تماماً، الذي معه دوالي تضعف هذه الدسامات، يعني هذا الدم حينما يضخ في وريقات، إذا ضخ الدم هكذا الوريقة فتحت، انتهى الضخ رجعت وأغلقت، الدم وهو صاعد في أوعية يصعد دون أن يرجع بخاصة الدسامات التي في الأوردة التي في الجسم، وكذلك النبات هذا النسغ الصاعد يصل للورقة، الورقة فيها كوتون، فيها يخضور، تأخذ أزوت من الجو تصنع نسغ نازل، من عنده سائل يحقن مرةً فيكون كاوشوك؟ ويحقن مرة فيكون حديد؟ يحقن مرة فيكون خشب؟ نحن عندنا في بني البشر سائل موحد، تحقنه يخرج مئة نوع؟ هذا النسغ النازل يصبح جذر، يصبح ساق، يصبح أوراق، يصبح أزهار، يصبح ثمار، سائل واحد مصنع بالورقة، الورقة معمل:
أيها الإخوة الكرام، الإنسان خلق ليبقى، وما الموت في الحياة الدنيا إلا حالةٌ طارئة تلابس وجوده يعني يكون في حال، ينتقل إلى حالٍ آخر، حال أهل الدنيا بنظامٍ وكيفيةٍ خاصة، وحال أهل الأخرى بنظامٍ وكيفيةٍ خاصة، فالإنسان باقي، وقالوا:
﴿ يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾
[ سورة الزخرف ]
الإنسان خلق ليبقى، الموت، يذوق الموت ولا يموت، يذوق الموت، بقيَّ أن هذه النعم التي أنعم الله على الإنسان في الدنيا بها، إن انتقل إلى الدار الآخرة، واتصلت نعم الآخرة بنعم الدنيا، فهذا من أعظم العطاء، أن تتصل نعم الدنيا بنعم الآخرة، أما أشد شيءٍ على النفس السلب بعد العطاء، أشد شيءٍ على النفس في الدنيا، تصور إنسان يسكن في بيت، أربع مئة متر، في أرقى أحياء دمشق، فجأة نقل إلى بيت تحت الأرض تسعين متر، ليس فيه شمس وفي أسوأ أحياء دمشق، شيء لا يحتمل، إنسان عنده هاتف سحب منه، عنده مركبة أخذت منه كان بصحة، فقد الصحة، الانتقال من العطاء إلى السلب من أشد الأشياء على النفس، العكس مقبول، العطاء بعد الحرمان جيد، يقول الله عز وجل:
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾
[ سورة الواقعة ]
الذي غفل عن الله عز وجل، وأوتي من الدنيا ما أوتي، ثم جاءه الموت سوف يسلب منه كل هذا، من كل شيء، إلى لا شيء، من بيت واسعٍ فخمٍ،إلى قبرٍ، من سعادة موهومة، إلى عذاب أبدي.
لذلك هذه الآية:
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾
يعني وقوعها حق، يعني لا بد من أن تقع يعني وقوعها محقق، ثابت، وقع
﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾
[ سورة النحل الآية: 1 ]
﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾
، من هم العقلاء؟ من هم الأذكياء؟ من هم الموفقون؟ من هم الفالحون؟ من هم الناجحون؟ من هم المتفوقون؟ الذين يسعون لنعم في الآخرة تتصل بنعم الدنيا.
لذلك ملخص ذكاء الإنسان، وحكمته أنه إذا جاءه ملك الموت يقول: مرحباً بالموت، لأنه ينتقل من دار العمل إلى دار الخلود، من دار محدودة إلى دار ممدودة من دار التكليف إلى دار التشريف، من دار العمل والجد والسعيّ إلى دار التكريم، أما أشقى الناس هؤلاء الذين يعيشون في بحبوحة، ثم يأتيهم ملك الموت، فُتسلب كل هذه النعم منهم
﴿ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾
تصور هذه اللعبة التي يلعبها الصغار، هذا القلاب، أناسٌ في الحضيض بعد حين صاروا في الأوج، أناسُ في الأوج صاروا في الحضيض، المقياس مقدار نفعك لبني البشر إذا كنت مستقيماً، إذا كنت مطبقاً لمنهج الله، إذا كنت منتبها لمهمتك في الدنيا، تأتي نعم الآخرة لتتصل بنعم الدنيا، كل عقلك، وكل ذكاءك، أن تجعل من نعم الآخرة استمراراً لنعم
الدنيا
﴿ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾
لذلك من الأدعية المأثورة:
((اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، نعوذ بك من شماتة الأعداء، نعوذ بك من عضال الداء))
الإنسان كما تعلمون يولد وهو يبكي، وكل من حوله يضحك، أما حينما يموت كل من حوله يبكي، كل بطولته، وكل عقله، وكل ذكاءه أن يضحك وحده.
" واكربتاه يا أبتا، قال: لا كربة على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه".
سيدنا سعد بن الربيع جاءه أحد أصحاب النبي ليتفقده، قال: "يا سعد أبين الأحياء أنت أم بين الأموات؟ قال: أنا بين الأموات، لكن أقرأ رسول الله مني السلام، وقل له: جزاك الله خيراً، جزاك الله خير ما جزا نبياً عن أمته، وقل لأصحابه: لا عذر لكم إذا خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف".
في أي سعادةٍ هو في هذه اللحظة، حينما يغادر الدنيا، لينتقل إلى الدار الآخرة والدنيا ساعة، أجعلها طاعة، الآن رمضان، الذي صامه افرضه في الصيف، في أشهر الصيف التي لا تحتمل، الذي صامه، وجاء عيد الفطر، انتهت مشقة الصيام، وبقي الأجر والثواب، والذي أفطره، انتهت متعة الأكل والشرب في رمضان، وبقي الإثم والجزاء، كل شيء يمضي.
كنت أقول لكم دائماً: الموت ينهي كل شيء، ينهي قوة القوي وضعف الضعيف صحة الصحيح، ومرض المريض، وسامة الوسيم، وذمامة الذميم، وفقر الفقير، ينهي، كل شيء ينهي، يبقى الجزاء، ويبقى الثواب، فهذه الآية وحدها:
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾
يعني نحن نذكرها، الله عز وجل قال:
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
[ سورة الإسراء الآية: 21 ]
يعني يوازى رجل من كبار التجار، أو من أحد التجار الكبار في البلد، مع بائع متجول؟ يعمل عشرين ساعة، ليحصل قوت يومه، وتبح حنجرته، أيوازى منصب رفيع جداً في الجيش، رئيس أركان، مع جندي غر، في أول خط مواجهة، في أيام الشتاء، والمطر تهطل، هذا يوازى مع هذا؟ من حيث النواحي المادية، يوازى طبيب جراح مختص، مع ممرض يعمل عملاً شاقاً والأجر قليل؟ يتوازى أستاذ في جامعة، مع أستاذ في قرية، في أقاصي البلاد؟ يعني هل يوازى إنسان يسكن في بيت فخم جداً، مع كوخ حقير؟.
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾
[ سورة الإسراء ]
مراتب الدنيا مؤقتة، ولا تعني شيئاً، الله أعطى الملك لمن لا يحب، أعطاه لمن يحب، ليست مقياساً، الملك لا يعني شيئاً، لأنه أعطاه لسيدنا سليمان، وهو نبيٌّ كريم، ربي:
﴿ وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾
[ سورة ص الآية: 35 ]
وأعطاه لفرعون وهو لا يحبه، أعطى المال لقارون، وهو لا يحبه، أعطاه لعبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه، أعطاه لعثمان ابن عفان، إذاً مراتب الدنيا لا تعني شيئاً، لا تقيم عند الله بحجمك المالي، ولا بمستوى معيشتك، تقيم بطاعتك، وتقواك، لكن مراتب الآخرة دقق، تعني كل شيء وهي أبدية، من هو العاقل؟ هل العاقل الذي يسعى لمرتبةٍ في الدنيا مؤقتة؟ أم الذي يسعى لمرتبةٍ في الآخرة ثابتة؟ كل من يسعى لمرتبةٍ في الدنيا مؤقتة، هو إنسان خسر خسارةً كبيرة، مؤقتة.
لذلك من أجل أن تجعل من نعم الآخرة متصلة بنعم الدنيا، يجب أن تعرف الله وطلب العلم فريضة، وأخطر شيء في حياة الإنسان إيمانه، وعقيدته، واستقامته، لأن الموت حق، الموت مصير كل حي، وكل هؤلاء الذين، كلنا جميعاً بعد مئة عام لن تجد منا واحداً على وجه الأرض كلنا، وقبل مئة عام ما كان منا واحدٌ على وجه الأرض، الدنيا حلم، الأيام
تمضي سريعاً، الوقت يسير سريعاً، الآن نحن بحياتنا، آتى رمضان، اليوم أربعة وعشرين تقريباً، البارحة كان أول يوم، الآن يأتي العيد، يأتي العيد الكبير، يأتي الشتاء، يأتي الصيف يأتي عام سبعة وستين، ثمانية وتسعين، تسعة وتسعين، العام ألفين، إلى أن تأتي ساعة هي النهاية، يعني الناس كلهم يقرؤوا نعوتنا، أنه اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا، لا ينفعنا إلا عملنا:
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾
شيء آخر، يعني الله عز وجل لا يرى بالعين، ولكن يرى بالعقل، قال:
﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ* أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾
[ سورة الواقعة ]
يعني هذاالحيوان المنوي، هذه الخلية الصغيرة، التي فيها غشاء، وفيها هيولة وفيها ونواة، وفيها معلومات مبرمجة، يعني تزيد عن الأعداد الكبيرة جداً، هذا الحوين المنوي من خلقه؟ هذه الخصية لماذا هي خارج الجسم؟ هل فكرتم في هذا؟ هذا يٌصّنع في ثمانية عشر يوماً، وتعطل فاعليته، ثم إذا انطلق تحرك ليلقح البويضة، عملية خلق الإنسان، هذه العملية من أعظم العمليات في جسم الإنسان:
﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ* أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ* نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ﴾
[ سورة الواقعة]
خمس مئة مليون حوين تنطلق من الرجل، والبويضة تحتاج إلى حوين واحد خمس مئة مليون في اللقاء، تحتاج البويضة إلى حوين واحد، وهذا الحوين في مادة نبيلة في رأسه، مغطاة بغشاء، المادة النبيلة تشبه قرنية العين، يعني الخلية الأولى تتغذى، وتعطي أختها وهذا من عظمة الله عز وجل، الإنسان كل جسمه خلايا، كل الخلية تأخذ نصيبها من الغذاء عن طريق شبكة أوعية دقيقة جداً، إلا العين، لو أن هناك الطريقة المتبعة سابقاً، ستجد أن هناك أوعية دموية في قرنية العين، كأنك ترى من شبكة، من أجل نقاء الرؤية، العين وحدها قرنية العين وحدها تتغذى بطريقةٍ فريدة، أول خليةٍ تأخذ حظها من الغذاء، وحظ جارتها وينتقل الغذاء عبر الأغشية بين الخلايا، دون أن تكون هناك شبكة تعيق الرؤية، والمادة النبيلة الثانية في رأس الحوين المنوي، هذه المادة مغطاة بغشاء، فإذا اصطدم الحوين بالبويضة تمزق الغشاء، وهذه المادة النبيلة ساهمت بإحداث فجوةٍ في البويضة، يدخل منها الحوين إلى البويضة، ويبدأ التلقيح وتنقسم إلى عشرة آلاف قسم، وهي في طريقها إلى الرحم، دون أن يزداد حجمها، الإنسان إذا اضطلع على علم الأجنة يرى الشيء الذي لا يصدق، يعني كيف خلقنيَّ الله عز وجل؟ انظر إلى خلق ابنك، هو أمامك، إنسان، طفل، دماغ، وأوعية وأعصاب ورئتين، وقلب، وكليتين ومعدة، وأمعاء، وعظام، هذا كله من نقطة ماء، و:
﴿ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾
[ سورة المرسلات ]
تستحي به، تستحي به لو أنه كان على الثوب:
﴿ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾
وخرج من عورةٍ، ودخل في عورة، ثم خرج من عورة، هذا أصل الإنسان، فلماذا الكبر؟ الله عز وجل لا يرى بالعين، ولكن يرى بالعقل.
﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ* أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ* نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾
[ سورة الواقعة ]
﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ* أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴾
[ سورة الواقعة ]
في بعض الموسوعات العلمية يقولون: إن أعظم معمل صنعه الإنسان حتى الآن تريد مفاعل نووي، كيف يوجد معامل معقدة جداً؟ إن أعظم معملٍ صنعه الإنسان حتى الآن يبدو أمام ورقة النبات تافهاً، الورقة معمل، معمل بكل معنى هذه الكلمة، قضية النبات، ظاهرة النبات وحدها من أعظم الظواهر، يعني هذا النسغ الصاعد، ثمانية عشرة معدن محلول بالماء هذا الجذير ينتهي بقلنسوة، هذه تستطيع أن تفتت الصخر، وأن تسري عبر الصخر، هذا الخيط الرفيع الذي لا يحتمل أن تمسكه بيدك، هذا مجهز لثقب الصخر، أيام ترى نبات متغلغل في الصخر، عن طريق هذا الخيط الذي ينتهي بكرةٍ صغيرة، تفرز مادة مذيبة للصخر وأحياناً في أشجار وصل طول جذرها إلى ثلاثين متراً، والجذر يتبع الماء، قد تجد جذر الشجرة نحو اليمين أو نحو اليسار، أو متغلغل في أعماق التربة، من علمه؟ ومن صممه، النبات وحده ظاهرة.
طيب الماء كيف يصعد نحو الأعلى بعكس الجاذبية الأرضية؟ قال: بالخاصة الشعرية، طيب يصعد نحو الأعلى بأوعيةٍ فيها دسامات، تسمح للماء أن يصعد دون أن يرجع كالإنسان تماماً، الذي معه دوالي تضعف هذه الدسامات، يعني هذا الدم حينما يضخ في وريقات، إذا ضخ الدم هكذا الوريقة فتحت، انتهى الضخ رجعت وأغلقت، الدم وهو صاعد في أوعية يصعد دون أن يرجع بخاصة الدسامات التي في الأوردة التي في الجسم، وكذلك النبات هذا النسغ الصاعد يصل للورقة، الورقة فيها كوتون، فيها يخضور، تأخذ أزوت من الجو تصنع نسغ نازل، من عنده سائل يحقن مرةً فيكون كاوشوك؟ ويحقن مرة فيكون حديد؟ يحقن مرة فيكون خشب؟ نحن عندنا في بني البشر سائل موحد، تحقنه يخرج مئة نوع؟ هذا النسغ النازل يصبح جذر، يصبح ساق، يصبح أوراق، يصبح أزهار، يصبح ثمار، سائل واحد مصنع بالورقة، الورقة معمل: