تفسير بعض آيات من سورة البقرة ( 12)
57 – (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ) أي السحاب ، كان يظلّهم عن الشمس وذلك في التيه (وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ) المنّ 1 شيء كالسكّر أبيض اللون حلو الطعم ينحلّ في الشمس ويكون لزجاً يسقط على الأشجار أو على الأرض في أماكن مخصوصة ويكون سقوطه من وقت الفجر إلى طلوع الشمس ، ويسقط أحياناً في لواء [محافظة] السليمانية من ألوية [محافظات] العراق ، وأصله إفرازات حشرة أكبر من الذبابة وأصغر من الزنبور تطير في الفضاء وفوق الأشجار وتفرز المنّ قبل طلوع الشمس ، وهي كالنحلة التي تفرز العسل .
والسلوى طير يعرف بالسمّاني 2 كانت تعيش على شاطئ البحر فأرسل الله عليها ريحاً فرفعتها وألقتها على بني إسرائيل بكثرة فأخذوا يصيدونَها و يأكلونَها (كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) أي وقلنا لهم كلوا من هذه الطيّبات التي جعلناها رزقاً لكم ، وهي المنّ والسلوى والأنعام التي كانت معهم عندما خرجوا بِها من مصر (وَمَا ظَلَمُونَا) أي وما أصابونا من ضرر (وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) لأنّ شرّهم يعود عليهم .
------------------------------------------------
1 [لَمّا رأوه قال بعضهم لبعض (من هو ) يعني ما هذا الذي نراه , فقال موسى هو الطعام الذي وعدكم الله به . فمن ذلك سمّي (المنّ ) – المراجع ]
2 [وهي تشبه الدرّاج وقد تكون الدرّاج عينه – المراجع ]
58 – (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ ) أي قرية أريحا ، فإنّ الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يحاربوا الكنعانيين ويأخذوا بلادهم (فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ ) من حبوبِها وأثمارها وأنعامها وطيورها (رَغَداً ) أي موسّعاً عليكم (وَادْخُلُواْ الْبَابَ ) يعني باب القرية (سُجَّداً ) أي منقادين لأمرنا طائعين غير عاصين ، لأنّهم امتنعوا عن دخولِها خيفة أهلها ، أي خوف الحرب ، وقد ذكرها سبحانه في سورة المائدة أيضاً فقال : {ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} ولكنّهم امتنعوا عن الدخول و{قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ، (وَقُولُواْ حِطَّةٌ) الحطّة طلب الغفران من الله ، وباب حطّة في المقدس ، يعني باب الغفران ، والمعنى : استغفروا لذنوبكم وقولوا الله حطّ عنّا أوزارنا (نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ) التي سبقت إذا فعلتم ما أمِرتم به (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) منكم زيادة على ما يستحقّونه من الأجر والثواب .
59 – (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ) قومهم (قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ) : لَمّا أمرهم الله تعالى أن يدخلوا أرض كنعان بعث موسى إثني عشر رجلاً من كلّ سبط واحداً ليتجسّسوا أرض كنعان وذلك حسب طلب بني إسرائيل ، فقالوا لَهم اذهبوا وتجسّسوا هل هي كثيرة الخيرات من المزارع والبساتين والفواكه والأنعام أم هي عكس ذلك ، ويجب عليكم أن تقولوا الحقّ في ذلك ولا تكذبوا ، فإن كانت كثيرة الخيرات كما أخبرنا موسى فإننّا نحارب الكنعانيّين وندخلها ، وإذا كانت عكس ذلك فلا نحارب ولا ندخلها .
فلمّا ذهب الرجال وتجسّسوا خيراتِها وجدوها على أحسن ما يكون ولكن رأوا أهلها أقوياء طوالاً غلاظاً فخافوا منهم . فلمّا رجعوا لم يتكلّموا عنها بما هو الصواب بل أخذوا في ذمّها وذلك خيفة أن يقاوموا أهلها بالحرب ، إلاّ رجلين منهم تكلّما بالصواب وأخذا في مدحها ومدح خيراتِها وأتيا بعنب وتين ورمّان من بساتينها .
فلمّا سمع قوم موسى أنّ هؤلاء العشرة يذمّونَها امتنعوا عن دخولِها وعن محاربة أهلها ، فهذا معنى قوله تعالى (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ) قومهم (قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) يعني كان جوابُهم على غير ما أوصوا به ، حيث أنّ قومهم أوصوهم بأن يقولوا الحقّ ويتكلّموا الصدق ، ولكنّهم فعلوا عكس ذلك تكلّموا بالباطل وكذبوا على قومهم وعلى نبيّهم وظلموهم بذلك وكانوا سبب امتناعهم عن الدخول إلى تلك الأرض (فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء) أي عذاباً من السماء، فإنّ الله تعالى أنزل الطاعون على هؤلاء العشرة فماتوا ، وأمّا الإثنان اللذان تكلّما بالصدق فلم ينزل عليهما الطاعون بل أطال الله عمريهما حتّى دخلا أرض كنعان بعد ذلك وأكلا من أثمارها وهما يوشع بن نون وكالب بن يفنّة ، وقوله (بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) أي كان الطاعون جزاءً على أعمالِهم السيّئة .
آراء المفسّرين
جاء في مجمع البيان صفحة 119 في تفسير قوله تعالى {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} قال : "إنّ الله تعالى قال لَهم {قُولُواْ حِطَّةٌ} ، فبدّلوا وقالوا حنطة وقيل أنّهم قالوا بالسريانية (هاطاسماقاتا) ومعناه حنطة حمراء فيها شعيرة ، وكان قصدهم في ذلك الاستهزاء ومخالفة الأمر ."
منقول من كتاب المتشابه من القرآن
لـ( محمد علي حسن ) رحمه الله تعالى
===========================
ننقل هنا من التفسير الميسر للمقارنه والتوضيح
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( 57 )
واذكروا نعمتنا عليكم حين كنتم تتيهون في الأرض; إذ جعلنا السحاب مظللا عليكم من حَرِّ الشمس, وأنزلنا عليكم المنَّ, وهو شيء يشبه الصَّمغ طعمه كالعسل, وأنزلنا عليكم السَّلوى وهو طير يشبه السُّمانَى, وقلنا لكم: كلوا من طيِّبات ما رزقناكم, ولا تخالفوا دينكم, فلم تمتثلوا. وما ظلمونا بكفران النعم, ولكن كانوا أنفسهم يظلمون; لأن عاقبة الظلم عائدة عليهم.وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ( 58 )
واذكروا نعمتنا عليكم حين قلنا: ادخلوا مدينة « بيت المقدس » فكلوا من طيباتها في أي مكان منها أكلا هنيئًا, وكونوا في دخولكم خاضعين لله, ذليلين له, وقولوا: ربَّنا ضَعْ عنَّا ذنوبنا, نستجب لكم ونعف ونسترها عليكم, وسنزيد المحسنين بأعمالهم خيرًا وثوابًا.