أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

تفسير (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان * رب المشرقين ورب المغربين * فبأيّ آلاء ربّكما تكذبّان)

فتنةة العصر

رئيسة اقسام الصور 🌹شيخة البنات 🌹
إنضم
7 أغسطس 2015
المشاركات
1,312,930
مستوى التفاعل
173,887
النقاط
113
الإقامة
السعودية _ الأحساء ♥️
[ 20 ]
(فبأي آلاء ربّكما تكذّبان * رب المشرقين ورب المغربين * فبأيّ آلاء ربّكما تكذبّان) (سورة الرحمن، الآيات: 16 ـ 18).
فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان؟
وبعد ان ذّكر الله تعالى بنعمة خلق الإنسان من التراب، وخلق الجن من النار، خاطب الجن والإنس أن بأيّ نعمة من نعمي أنتما لا تؤمنان وتجحدان؟ اتجحد يا بن آدم نعمة خلقك من حفنة تراب وجبلناك منها فجعلناك متواضعاً فطرياً بفضل نشأتك الترابية فتيسر لك الهوّي إلى الأرض وتمريغ وجهك بترابها لتعبد ربك وتتخلى عن كبرك وعتوّك فتتواضع بعد ذلك للناس، وبعد كل هذا كيف يمكنك ان تكفر بالتراب الذي انشأ منه هيكلك العجيب وصنع بدنك المهيب؟
ولقد قلنا فيما مضى أن أحد وجوه تكذبان يعني تكفران، لأن الإنسان الكافر هو من يجحد ويكذب بشهادات جميع الكائنات بأن لله الوحدانية، بل ويجحد ويكذب بشهادة هذا التراب الذي قد صار هيكلاً وبدناً وحواساً وهو ينطق بلسان حاله شاهداً ودليلاً على وحدانية الله وعلمه وقدرته (تعالى وتبارك).
الجن ونعمة النار:
وما صحّ على الإنسان، يصح على الجن بالضرورة، فهل تكفرون بنعمة النار اللطيفة التي خلقناكم منها ومنّنا من خلالها عليكم بالقوة والقدرة الفائقتين؟.
ولقد جحد الكثير من الجن بنعم ربهم كما جحد بها اخوانهم الإنس، لأن بعض، يقتفي آثار بعضن فتراهم يستخدمون هذه القدرة والقوة التي وهبهم الله إياها في موارد الشر والاذى دون سبل الخير والإحسان، والآن ألا ترون أن ذلك هو عين كفران النعم وتكذيبها؟
علاقة آيات السورة الأُول مع بعضها:
(رب المشرقين ورب المغربين)، كلمة ـ رب ـ في هذه الآية خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو، وعليه يكون المعنى ـ الذي هو رب المشرقين ورب المغربين ـ ويكون معنى الآيات حسب السياق هو (الرب الذي خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار وهو رب المشرقين ورب المغربين). ومن يدقق النظر في هذه الآية يجدها تفسيراً للآية التي سبقتها، ففي البداية قلنا إن السورة استعرضت في فاتحتها وعلى نحو إجمالي خلق الإنسان دون ذكر كيفية هذا الخلق، بعد ذلك جاءت الآية التي مررنا بها قبل قليل لتوضح كيفية خلق الإنسان في قوله تعالى (خلق الإنسان من صلصال كالفخار)، وعن الشمس والقمر، جاءت الآيات الأُول لتحدثنا عن نظام حركتهما في قوله تعالى (والشمس والقمر بحسبان) ثم جاءت هذه الآية (رب المشرقين ورب المغربين) لتؤكد أن الحركة المنتظمة في المدار المعين، والسرعة الدقيقة للشمس هي التي أدت إلى ظهور المشرقين والمغربين على ما سنتناوله من توضيح لاحقاً.
نقطة طلوع وأُفول الشمس والقمر:
فـ (المشرقين) تثنية لكلمة المشرق ومعناها أن هناك نقطتين لشروق الشمس، وأما كلمة (المغربين) فهي الاخرى تحتمل هذا المعنى أيضاً، ومعناها هو وجود نقطتين للغروب والاختفاء عن الأنظار، وجدير ذكره أن هناك العديد من الاحتمالات حول مصاديق (المشرقين والمغربين) نورد منها:ـ
الاحتمال الأول: وهو أن يكون المراد بالمشرقين والمغربين، مشرق ومغرب الشمس والقمر، وهذا الاحتمال وإن كان لا يمتلك الوضوح الكافي إلاّ أنه أليق بهذا المقام، لأن الآيات السابقة تحدثت عن حركة الشمس والقمر ونظامهما، ثم جاءت هذه الآية لتؤكّد انبثاق المشرق والمغرب عن الحركة المنتظمة لهما، مما استدعى ذلك اعتماد هذا الاحتمال واعتباره الأنسب في معناه.
حركة الأرض من الشمال إلى الجنوب وبالعكس:
ومما لا شك فيه ان حصول الليل والنهار، والشروق والغروب هو من آثار حركة الأرض حول محورها، ولكن وكما نعرف أن للأرض حركة أخرى هي الحركة الموضعية مع وجود الحركة المحورّية، وتتمثل هذه الحركة بانتقال الأرض من الشمال إلى الجنوب، ومن الجنوب إلى الشمال في مدارها حول الشمس، ويستغرق الانتقال الواحد ستة أشهر، ولعل حركة الأرض الموضعية هذه هي أقرب شبهاً بحركة المهد وهو ما يشير إليه قوله تعالى (ألم نجعل الأرض مهاداً) (سورة النبأ، الآية: 6). من حيث الذهاب والإياب نحو نقطة وسيطة نعبّر عنها (بالاعتدال الربيعي)، حيث يتساوى في تلك النقطة طول الليل مع طول النهار، ثم يأخذ النهار بالطول والليل بالقصر بحلول فصل الصيف نتيجة حركة الأرض الموضعية نحو الجنوب ولمدة ثلاثة أشهر، لتعود بالتساوي عند نقطة وسيطة أُخرى تدعى نقطة (الاعتدال الخريفي)، ثم تنتقل الأرض في حركتها نحو الشمال ولفترة ثلاثة أشهر أيضاً ليطول الليل ويقصر النهار وكأنما قد تقمّص الليل لباس النهار وتقمّصّ النهار لباس الليل، وهو ما يعبر عنه القرآن بتعبير دقيق كما نقرأ قوله عز وجل (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) (سورة لقمان، الآية: 29). وتستمر الحركة وهكذا دواليك.
عدد المشارق والمغارب بعدد أيام السنة:
واستناداً إلى ذلك فان الشمس تظهر يومياً من نقطة معينة ثم تختفي في نقطة محددة بحيث يختلف مكان الظهور ومكان الاختفاء في كل يوم عمّا سبقه، ومنشأ ذلك هو الحركة الموضعية (الانتقالية) للأرض في مدارها، رغم ان هذه الحركة غير محسوسة لدينا، ولكننا ندرك حقيقة هذا الأمر من خلال الفاصلة الكبيرة في شروق الشمس بين نقطة شروقها الصيفي ونقطة شروقها الشتوي، وتستغرق عملية انتقال نقطة الشروق هذه فترة ستة أشهر، أي ما يقرب من مائة وثمانين يوماً، وهكذا الحال بالنسبة لنقطة الغروب، واستناداً إلى ذلك فإن للشمس مائة وثمانون مشرقاً، وما يماثل هذا العدد من نقاط المغرب، وهو ما تذهب إلى تأكيده الآية الكريمة (فلا أقسم برب المشارق والمغارب) (سورة المعارج، الآية: 40). فانظر إلى هذه القدرة الجبارة التي حركت أرضنا العظيمة وفق حسابات منتظمة ودقيقة في مدار فظهرت بذلك ظواهر تعدد المشارق والمغارب على هذه النحو المألوف، وتأمّل.
المشرقان والمغربان، في بدأ حركة الأرض وانتهائها:
الاحتمال الثاني: ويمكن أيضاً ان يكون المقصود بالمشرقين والمغربين، هو وجود المشرق الأول الناشئ عن بدأ حركة الأرض الموضعية في أوّل فصل الصيف، وحصول المشرق الثاني من انتهاء الحركة الموضعية في أوّل فصل الشتاء، وهذا يصدق أيضاً على المقصود من المغربين.
فمن خلال الاحساس بارتفاع قرص الشمس إلى أقصى ما تصل إليه وانخفاضها إلى أدنى ما تصل إليه عند النظر إليها وهي في كبد السماء في فصلي الصيف والشتاء يشاهد الرائي وجود خطّين لسير الشمس متباينين. واستناداً إلى ذلك يكون المقصود من المشرقين، هو مشرق رقم (1) على الافق، ومشرق رقم (180) على نفس ذلك الأَفق، وأما عن المغربين فهما، المغرب رقم (1) على الافق، والمغرب رقم (180) المقابل لنقطة المشرق (180).
المشرق والمغرب الجهوّيان:
ومع ذلك فنحن نجد في آية أخرى أن الباري (عز وجل) يشير إلى وجود مشرق واحد ومغرب واحد في قوله (رب المشرق والمغرب) (سورة الشعراء، الآية: 28). ويبدو أن المقصود من ذلك هو تقسيم الأفق إلى أربع جهات هي (الشمال والشرق والجنوب والغرب) وعليه يكون معنى الآية هذه هو تأكيد الله (عز وجل) على جهتي الشرق والغرب المشتملتين على نقاط المشارق والمغارب المتعددة.
إذاً نخلص إلى عدم وجود أي تناقض بين ما أوردته الآيات المتعددة من حيث الإفراد أو التثنية أو الجمع، لأن كل معنى من تلك المعاني يشير إلى جهات ونقاط معينة وجميعها يشتمل على الصحة والدقة، فالآية التي تناولت تعدد المشارق والمغارب إنما انطلقت في ذكر التعددية باعتبار تعدد أيام السنة الواحدة، والآية التي أشارت إلى التثنية في ذكر المشرق والمغرب على انهما (مشرقان ومغربان) إنما نبّهت إلى ابتداء وانتهاء حركة سير الشمس الحسيّة ووجود الفصول، بينما الآية التي أفردت ذكر المشرق والمغرب قد جاءت لتؤكد على الجهوّية في تقسيم الأفق إلى أربع جهات.
تعدّد المشارق والمغارب، لتعدّد الشموس والأجرام:
ولعل المقصود بكثرة المشارق والمغارب، هو المشارق والمغارب الخاصة بالأفلاك السماوية الأخرى سوى كوكبنا (الأرض) لتعدّد شموسهن ونجومهن، لأننا نعرف ان لكل كوكب مشرق ومغرب، وهذا الأمر لا يختص بكوكبنا لوحده، فمجرتنا (درب التبانّة) تشتمل على ملايين الشموس، وما شمسنا هذه إلاّ واحدة منها، وكما أن أرضنا تتحرك حول الشمس بمدار محدد فتلك الكواكب تتحرك هي الأخرى بشكل منتظم حول شموسها وفق ما دبّره الله تعالى لها من أنظمة ومدارات محسوبة، فأظهر (عز وجل) بذلك عنواناً من عناوين قدرته اللامحدودة في تعدّد مشارق ومغارب تلك الأفلاك جميعاً.
تأمّل السماء يبعث على كثرة الحيرة والخشية:
ولو طالعنا دعاء الجوشن الكبير وتأمّلنا عبارة (يا من في السماء عظمته) لوجدناه يشير إلى أحد أسماء الله الحسنى، فهذا النص يؤكد في معناه على تجلّي عظمة الله في بديع صنعه للسماء العظيمة، ولو أراد أحدنا أن يتأمل في عظمة الله (عز وجل) لوجد السبيل إلى ذلك مشرعة، فيرمق السماء ببصرة ثم لا يجد بدّاً حينها من الاحساس بالحيرة والدهشة العظيمتين.
يقول رسول الله (ص) كما في الرواية (ربِّ زدني فيك تحيّراً) باعتبار ان زيادة درجة حيرة العبد في عظمة ربه تؤمّن له كثرة الخوف والخشية من بارئه فيسارع إلى القول (اللّهم أنت كما اثنيت على نفسك، ولا أحصي ثناءً عليك) لأنه سيجد نفسه اصغر من ان يثني على ربه، بل وكيف نثني عليه بما أهله ونحن لمّا نعرفه حق معرفته؟!!
أبشهادة الشمس تلك، تكذّبان؟
(فبأي آلاء ربكمّا تكذبّان) أي فبأي نعمة من نعم ربكما تجحدان؟، أبنعمة المشرقين والمغربين؟ أم بشهادة الشمس على وحدانية الله وعلمه وحكمته وقدرته؟! أتكذبّان بنعمة المشرقين والمغربين الناشئين عن ارتفاع الشمس وانخفاضها (حسب الحس لا حسب الواقع)، أم بحركة الأرض الموضعية من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال، هذه النعمة الإلهية العظيمة التي تكمن عظمتها في ما يلي ذكره:ـ
الفصول الأربعة ونشؤُها عن المشرق والمغرب:
فلو افترضنا أن الشمس تبقى ثابتة في نقطة المشرق الصيفي مثلاً، فهذا يعني بقاء الصيف سرمدياً وانعدام الفصول الثلاثة الأُخرى مما سيؤدي الحال هذا بالنتيجة إلى انعدام الحياة وتلف الكائنات، لأن تواصل وديمومة الصيف سوف يُبقى الزروع (مثلاً) عاجزة عن إنتاج ثمارها ومحاصيلها، ولاستحالت النباتات كلّها إلى علف يابس، ولانقطعت الأمطار الربيعية والشتوية ولحفّت الأرض وقحلت وأجدبت، ولغارت المياه، وتصاعدت درجات الحرارة حتى يصل الضرر إلى الإنسان والحيوان وسائر الكائنات الحيّة وللحقها الموت ولأحرقت الشمس كل شيء، وعندها فليتأمل المتأمل شكل الحياة من بعد.
ولو افترضنا على العكس من ذلك ديمومة فصل الشتاء من خلال بقاء الشمس في نقطة المشرق الشتوي، لأصبحت الأرض قطعة موحلة من كثرة الأمطار، ولتجمدت التربة الرطبة من فرط البرودة، ولاندثرت الثمار والمحاصيل الصيفية، ولاستحالت الحياة على أرض باردة إذاً نحن نلحظ دورة عجلة الحياة لا تدور إلاّ بدوران الفلك، وببركة تعدد المشارق والمغارب الناشئة عن حركة الأرض نحو الشمال أو باتجاه الجنوب مع وجود حركتها المحورية.
وجود التدرج في الحرارة والبرودة، نعمة اخرى:
ولعله من الجدير بالاهتمام هو موضوع الفساد الناشئ عن الانتقال المفاجئ من حالة البرودة إلى حالة السخونة الشديدتين وبالعكس، لأن ذلك لو حصل للفظت الكثير من الأحياء أنفاسها ولتيبست أكثر الزروع واغلب الاشجار، ونحن نرى أحياناً كم يعاني المرء عند حصول الانخفاض الشديد في درجات الحرارة في فصل الشتاء فلا يلبث أن يصاب بالانفلونزا أو الرشح والزكام، فكيف لو فاجئه الشتاء القارس بُعيد الصيف القائظ مباشرة؟
ولكن الله تعالى جعل بلطفه برزخاً بين الصيف والشتاء وهو الخريف، وآخر بين الشتاء والصيف وهو الربيع بحيث ان حرارة الصيف تتدرج بالانخفاض حتى تدخل في برودة الشتاء ثم تتصاعد الحرارة تدريجياً حتى تدخل في حرارة الصيف.
ولمّا كان ذكر النعمة لوحده يعد نعمة كاملة، فتأمل عظمة نعمة المشارق والمغارب أيها الإنسان، هذه النعمة التي ينبغي علينا جميعاً أن ندركها ثم نعترف بها، خصوصاً ونحن نسبح الله بحمده ونذكره عند الطلوع وعند الغروب.
تشابه دورة حركة الشمس ودورة الحياة:
شبّه بعض العلماء دورة حركة الشمس تشبيهاً رائعاً عندما قرنوها بدورة حياة الإنسان، يقولون: عندما تريد الشمس أن تشرق، تعلن عن شروقها بطلوع الفجر الذي يقارن أيام الحمل في بطن الأُم عند الإنسان، وعندما تشرق الشمس يولد الإنسان، ثم تأخذ الشمس بالارتفاع في عرض السماء ضحىً فيمر الإنسان بمرحلة الطفولة والصبا، وعندما تتوسط الشمس كبد السماء يكون الإنسان قد وصل إلى مرحلة الشباب والنضج وتكامل العقل والقوى، ولما تأخذ الشمس بالانحدار نحو الأفول عصراً يمر الإنسان بمرحلة الكهولة وفقدان نضارة الشباب وعنفوان الرجولة والقوة، وعندما يأن العصر وتنخفض شدة حرارة أشعة الشمس ويصفّر لونها ويبهت، يمر الإنسان بمرحلة الشيخوخة والفتور والضعف، وعندما تصل الشمس إلى الغروب ويختفي قرصها ولا يبقى منها إلا الأثر من النور الباهت يكون الإنسان قد وصل وشارف على لفظ أنفاسه الأخيرة في نهاية مطاف العمر، وعندما يجن اللّيل يكون الإنسان قد فارق الحياة. وحركة الشمس هذه يمكن أن نعبّر عنها بتعبير آخر باعتبار حركتها الموضعية الانتقالية بوجود الفصول الأربعة، ففصل الربيع هو فصل الطفولة والتفتح والصبا، وفصل الصيف هو فصل الشباب والفتوة واليفاعة، وفصل الخريف هو فصل الكهولة والشيخوخة والعجز، ثم فصل الشتاء وهو فصل الاحتضار وبرودة البدن والموت.
والورد يورق في ربيع قد أتى حلو المياسم
ها قد رجعنا حفنة من تربة فوق النياسم
هي الآهات تترى أن نزول والدهر باق
وتلّفنا حقب السفين وكأنها ربصت بنا
جعلنا الله تعالى ممن التفت إلى حاله فاستيقظ من رقدة الغافلين من قبل أن يحل الموت بساحتنا. فيا أيها الناس الذين قد توهج نور الشيب في وجوههم ورؤوسهم، وشارفت شموس أعمارهم على الوصول إلى حافة الافق الغربي، وبهت شعاع السنين الذهبية، هلّموا لتدارك الأمر قبل فوات الأوان، فأن الفرصة توشك على الفوت والانقضاء.
[ 21 ]
(مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان * فبأي آلاء ربكما تكذبان * يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان * فبأي آلاء ربكما تكذبان) (سورة الرحمن، الآيات: 19 ـ 23).
الماء العذب الفرات، والماء المالح الأُجاج، لا يختلطان:
ومن الآيات الإلهية الباهرة، والشواهد الربانية الكبرى، الدالة على قدرته المطلقة، هي نعمه وآلائه المتمثلة بوجود البحار المالحة والأنهار العذبة التي تشكل بمجموعها ثلاثة أرباع سطح الأرض الوسيعة. وترتبط البحار فيما بينها، وتتصل الأنهار مع بعضها الآخر دون أن يحصل طغياناً من أحدهما على الآخر بصورة يسلبه فيه طعمه، فلا المياه المالحة تكتسح الحلوة فتصيّرها مالحة، ولا المياهُ العذبة تغلب المالحة فتحيلها عذبة المذاق. والآية (مرج البحرين يلتقيان) تشتمل على عدة معانٍ محتملة نذكر منها:ـ
1 ـ الاحتمال الأول: وهنا يكون معنى الآية الكريمة هو أن الله تعالى جعل البحرين (العذب والمالح) يلتصقان، واستدلالنا على أن المقصود من كلمة (البحرين) هما البحر المالح والبحر العذب يعود إلى قوله تعالى (وهو الذي مرج البحرين، هذا عذب فرات، وهذا ملح أجاج، وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً) (سورة الفرقان، الآية: 53). أما معنى قوله (بينهما برزخ لا يبغيان) فهو أنه سبحانه قد جعل بين البحرين حائلاً ومانعاً وحاجزاً بيد قدرته يحول دون أن يطغى أحد البحرين على الآخر فيسلبه صفته.
2 ـ الاحتمال الثاني: أن تكون كلمة (البحرين) التي صرحت بها الآية قد قُصد بها بحري الروم وفارس، إذ إن هذين البرين يتصلان مع أحدهما الآخر دون أن يحصل الطغيان من أحدهما على الثاني فيغلبه. ومهما يكن الاحتمال فان المعنى يقصد به عدم حصول الطغيان من أحد البحار على ما سواه، والشواهد المؤكدة على هذه الحقيقة كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال، نهري دجلة والفرات ونهر الكارون، فهذه الأنهار الثلاثة العذبة تصب في الخليج الفارسي، ورغم ان مستوى سطح هذه الأنهار لا يختلف عن مستوى سطح البحر، لكننا نجد أن مياههن حلوة عذبة، وقد اتصلت بالبحر المالح ولكن دون أن يطغى الماء المالح عليهن فيجعلهن مالحات، ولم يتفق العكس أيضاً، والأعجب من ذلك أن حصول المد والجزر البحري وانخفاض منسوب المياه وزيادتها تبعاً لتلك الظاهرة البحرية لم يجعل طغيان الماء المالح على العذب، أو العذب على المالح سبيلاً.
ولا تبغي البحار على اليابسات فتغرقهن:
وقد يصل عمق بعض البحار المحيطات إلى ستة آلاف قامة بحرية، مع أنه (على ما يقال) أن مياه البحار والمحيطات تتأرجح في حركة دائمة، ولعلّها تؤدي أحياناً إلى بروز أمواجْ عاتية هائلة تضاهي في عظمتها الجبال الشامخات التي تؤدي إلى تحريك رمال القاع فيتلّون ماء سطح البحر بلون رماله من شدة هيجان واضطراب البحر المخيف، وقد وصف البحارة وملاحوا السفن حالة هيجان البحر بحالة الجنون عندما تصطبغ أمواج البحر بلون رمال القاع.
ولما كانت البحار والمحيطات تغطي ثلاثة أرباع سطح الأرض، فإن هيجان هذه البحار والمحيطات مع وجود قيعانها السحيقة، فكان مما لا بدّ به ان تكتسح المياهُ سطح الأرض اليابس، ولكن هذا الأمر لم يحصل لوجود يد القدرة الإلهية التي حالت وتحول دون ذلك. وعلى هذا الأساس قال بعض المفسرين ان المقصود من كلمة (لا يبغيان) لا تعني انهما لا يطغيان على أنفسهما، وانما عنت ان البحار الحلوة والمالحة، أو بحري الروم وفارس لا يبغيان على سطح الأرض فيغرقه. ومن كل ما سبق نخلص إلى أن تفسير كلمة (لا يبغيان) له صورتان.
الأولى: وهو أن لا يبغي أحدهما على الآخر فيكتسحه.
الثاني: انهما لا يبغيان سوية على سطح الأرض فيغرقانه.
ولعل ما يؤيد المعنى الثاني في حقيقته هو مشاهداتنا الكثيرة لظاهرة المد والجزر عندما تتقدم أمواج البحر لترتطم بسواحل البحار ثم تعود ثانية على أدراجها من حيث أتت، أو مشاهداتنا لحصول حوادث السيول المدمّرة للأراضي والبنايات، فلو حصل ان طغت البحار على السواحل والمدن والأراضي لأدركنا معنى الطوفان والغرق الذي سينجم عن ذلك، ولعلّ ما نشهده أو نسمع به من تنفيس بعض البحار أو الأنهار عن غضبها وثورتها باغراق محدود لبعض الشواطئ والسواحل (كما يحصل في سواحل شبه القارة الهندية) هو آية إلهية تذكر الناس بعظم العافية بعد البلاء الذي لا يلبث أن يزول وقد اكتسح شيئاً من الأراضي والأبنية. وأزهق عدداً من النفوس، وعلى النقيض من ذلك نجد أن الكثير من الجزر التي تتوسط البحار والمحيطات (كما في أندونيسيا التي تتشكل من اكثر من ألف جزيرة كبيرة وصغيرة معمورة) لم يطغ عليهن البحر، على حد علمنا.
الحائل بين الماء المالح والعذب:
إذاً الحالة التي نألفها في حياتنا في البحار والمحيطات وكبار الأنهار هي حالة انعدام البغي والطغيان والغلبة على بعضها الآخر، أو على يابس الأرض، فنجد الأنهار العذبة تمتد جراياناً لعدة فراسخ دون أن يطال عذوبة مائها طعم التبدل والتغير، ثم يأخذ طعم الماء في ذات هذه الأنهار بالملوحة في مكان معين من النهر ليمتد جرياناً إلى مسافات أخر، أما المنطقة التي يحصل التباين فيها بين طعم الماء (ملوحة وعذوبة) نجدها تشتمل على وجود الطعمين، ولعل هذا هو الحائل الذي يسميه القرآن الكريم بالبرزخ الذي تتجسد فيه القدرة الإلهية الحائلة بين البحرين طغياناً، ولذلك سميت الفترة الفاصلة بين عالمي الدنيا والآخرة (برزخاً) وهي الفترة الممتدة من ساعة الموت وحتى البعث.
العيون العذبة تتوسط البحار المالحة:
وعادة ما تكون مياه البحار مالحة، السبب في ذلك لكي يبقي الباري تعالى على امكانية حياة الكائنات ودون حصول حالة التعفن الناشئة عن أجساد الحيوانات الميتة بعد تفسّخها، وعن كيفية ظهور الملوحة في طعم مياه البحار ذكر المختصون عدة عوامل أساسية في ذلك أحدها وجود الجبال الملحية في قعر المحيطات والبحار التي تعطي لمياه البحار هذا الطعم المالح. ورغم ان ماء البحار والمحيطات مالح فإنه في بعض الجبال الموجودة في قيعان تلك البحار تنبثق عيون وينابيع عذبة تتشكل في وسط البحار المالحة، وكثيراً ما يرتادها الغواصون عندما يضربهم العطش، ليطفئوا من مائها نيران العطش المستعرة.
ولقد سمعت ان البريطانيين قد اكتشفوا عيون ماء عذبة في سواحل البحر المحيط بالبحرين، وقد أسسوا لها شبكات من الأنابيب لإسالة مياهها العذبة إلى الأراضي البحرينية[1].
البحار نعمة، فلا تكفرانها:
(فبأي آلاء ربكما تكذبّان) أي فبأي من نعم ربكما تجحدان أيها الثقلان، فهذان البحران (العذب الفرات والمالح الأُجاج) اللذان انعم الله تعالى بهما عليكما قد جعلهما لا يطغى أحدهما على الآخر، ولا يبغيان على الأرض فيغرقانها، ألا تجدانهما يشهدان بحكمة الله وقدرته المطلقة؟، إذاً لم تعميان عن رؤية هذا البرزخ الذي اختطّته يد القدرة الإلهية فحالت دون أن يبغي أحدهما على الآخر؟! فيا حسرة على العباد الذين يرون كل هذه الألطاف والعنايات الربانية، ويشاهدون جميع أشكال الآلاء والنعم والأفضال الإلهية التي فاقت حد الوصف والحصر، ثم تزداد غفلتهم ويكثر عَمَهَهُم دون أن تزداد معرفتهم بالله أو أن يستحكم الأيمان في قلوبهم.
(يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان):
ثم يخرج المولى (عز وجل) من هذين البحرين، الدر الصغار والكبار آية عظيمة من آياته الكثيرة، وكما نعرف أن الدرّ بشكليه اللؤلؤ أو المرجان إنمّا يتم استخراجه من باطن البحار المالحة كما هو المعهود في ذلك، بينما نرى قوله تعالى (يخرج منهما) تعني ان عملية استخراج اللؤلؤ والمرجان إنما تحصل من كلا البحرين (المالح والعذب)، ولتوضيح ذلك نذكر أهم الوجوه المقبولة في بيان هذا الأمر:
إن المشهور بين الغواصين أن الأماكن التي يكثر فيها صيد اللؤلؤ، هي تلك التي يتصل فيها الماء العذب بالماء المالح، وقد ثبت مؤخراً بواسطة الاكتشافات الحديثة ان اللؤلؤ والمرجان لا يقتصر وجودهما على المياه المالحة، فقد ذكر المفسر الطنطاوي في تفسيره ما مفاده، أنه قد تم بالفعل استخراج الدر من المياه الحلوة الواقعة في سواحل أميركا والصين، وعلى هذا يكون معنى الآية ان الله تعالى يخرج اللؤلؤ والمرجان من المياه المالحة (كما هو معروف) ومن المياه العذبة أيضاً كما دلت على ذلك الاكتشافات والتحقيقات العلمية الحديثة.
بحر النبوة وبحر الولاية:
وعن باطن وتأويل قوله تعالى (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان * فبأي آلاء ربكما تكذبان* يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان * فبأي آلاء ربكما تكذبان) فقد ذكر العلماء والمفسرون والمحدثون من الخاصة، وبعض مفسري العامة أيضاً، مصاديق لهذه الآيات المباركة، فقد رُوي عن الإمام الصادق (ع) في قوله تعالى (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان) أنه قال: علي وفاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه، وقوله (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) قال (ع): الحسن والحسين (ع). وقد ذكر صاحب مجمع البيان ان (البحرين) علي وفاطمة (ع)، (وبينهما برزخ) محمد (ص) و (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) الحسن والحسين (ع).
إذاً يكون معنى قوله تعالى (مرج البحرين يلتقيان) من حيث التأويل هو التقاء مجرى النبوة والإمامة، يجريان العصمة والولاية، التقاؤهما في زواج الإمام أمير المؤمنين (ع) من فاطمة الزهراء (ع)، ولمّا التقى بحر النبوة ببحر الإمامة، بحر الولاية الإلهية مع بحر الطهارة النبوية، بحر الوفاء ببحر الحياء، بحر الخساء ببحر الطهارة واتصّلا، كان (بينهما برزخ) أي محمد (ص) لأنه هو واسطة الاتصال بين هذين البحرين، (لا يبغيان) ولا يبغي أحد هذين البحرين على الآخر، ولا يتمرّد عليه، فعلي وفاطمة روحان في جسد واحد. لقاء علي مع فاطمة كان (كما يعرف ذلك الكثيرون) حديثاً تناقلته الألسن في كل مكان، ففاطمة حينما لم تطلب لنفسها شيئاً من علي (ع) فيعجز عن الإتيان به وإذّاك تلوح على وجهه الشريف قسمات الخجل والاستحياء، لذلك تحملت وصبرت في دار علي (ع) إلى أن طلبت منه أن يأتيها بحلي، (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) فإذا ينبثق عنهما الدر، الحسن والحسين (ع).
يقول الشاعر الإيراني وصال الشيرازي في تصوير هذه اللّوحة الرائعة:
نه مرجان جون حسن يابم، نه لؤلؤچون حسين جود
لما ألفيت مرجاناً كالحسن، ولا لؤلؤاً كالحسين
 

الُفآتِـنهـہۦ،‏✿

مَـيِّمَيِّ
إنضم
21 يونيو 2018
المشاركات
11,742
مستوى التفاعل
29
النقاط
48
رد: تفسير (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان * رب المشرقين ورب المغربين * فبأيّ آلاء ربّكما تكذبّان)

عاشت الايادي ع المجهود المميز
ويارب دووم الابداع والتميز
مننحرم
تحياتي
الُفآتِـنهـہ
 
إنضم
1 ديسمبر 2017
المشاركات
47,268
مستوى التفاعل
199
النقاط
63
الإقامة
الدنمارك
رد: تفسير (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان * رب المشرقين ورب المغربين * فبأيّ آلاء ربّكما تكذبّان)

سلمتم لروعة النشر
 
إنضم
1 ديسمبر 2017
المشاركات
47,268
مستوى التفاعل
199
النقاط
63
الإقامة
الدنمارك
رد: تفسير (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان * رب المشرقين ورب المغربين * فبأيّ آلاء ربّكما تكذبّان)

سلمتم لروعة النشر.
 

فتنةة العصر

رئيسة اقسام الصور 🌹شيخة البنات 🌹
إنضم
7 أغسطس 2015
المشاركات
1,312,930
مستوى التفاعل
173,887
النقاط
113
الإقامة
السعودية _ الأحساء ♥️
رد: تفسير (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان * رب المشرقين ورب المغربين * فبأيّ آلاء ربّكما تكذبّان)

منورين وايد غوالي
الله يخليكم
 

*Marwa*

Well-Known Member
إنضم
30 يناير 2015
المشاركات
2,752
مستوى التفاعل
83
النقاط
48
الإقامة
بغداد
رد: تفسير (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان * رب المشرقين ورب المغربين * فبأيّ آلاء ربّكما تكذبّان)

طرح مميز
يعطيك العافية
 

سعد العراقي راقي

قرب شاطىء العذوبة
إنضم
10 سبتمبر 2017
المشاركات
361,389
مستوى التفاعل
7,027
النقاط
113
الإقامة
العراق
رد: تفسير (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان * رب المشرقين ورب المغربين * فبأيّ آلاء ربّكما تكذبّان)

تسلمين
جزاك الله خير
شـــــكرا لك
 

فتنةة العصر

رئيسة اقسام الصور 🌹شيخة البنات 🌹
إنضم
7 أغسطس 2015
المشاركات
1,312,930
مستوى التفاعل
173,887
النقاط
113
الإقامة
السعودية _ الأحساء ♥️
رد: تفسير (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان * رب المشرقين ورب المغربين * فبأيّ آلاء ربّكما تكذبّان)

منورين وايد غاليين
 

قيصر الحب

::اصدقاء المنتدى و اعلى المشاركين ::
إنضم
2 أغسطس 2016
المشاركات
369,315
مستوى التفاعل
3,191
النقاط
113
رد: تفسير (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان * رب المشرقين ورب المغربين * فبأيّ آلاء ربّكما تكذبّان)

جزاك الله خيرا

يًعّطيًكْ آلِعّآفيًه
عّلِى آلِمجهوَدِ آلِرٍآئعّ
وَلآعّدِمنآ جدِيًدِكْ آلِرٍآقيً
وَدِيً وَآحتِرٍآميً
 

فتنةة العصر

رئيسة اقسام الصور 🌹شيخة البنات 🌹
إنضم
7 أغسطس 2015
المشاركات
1,312,930
مستوى التفاعل
173,887
النقاط
113
الإقامة
السعودية _ الأحساء ♥️
رد: تفسير (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان * رب المشرقين ورب المغربين * فبأيّ آلاء ربّكما تكذبّان)

منورين وايد غوالي
الله يخليكم
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 2 ( الاعضاء: 0, الزوار: 2 )