لوحة "السيدة شالوت" للرسام البريطاني جون وليام ووترهاوس (مواقع التواصل الاجتماعي)
كتب عملاق الأدب الإنجليزي ويليام شكسبير في مسرحيته العالمية "هاملت" عام 1599، واحدة من الشخصيات التي ستُلهم الكثير من الرسّامين على مر القرون الآتية.
تلك الشخصية هي أوفيليا، حبيبة هاملت التي ماتت موتًا مأساويا للغاية، إذ أغرقت نفسها في الماء حين أدركت أنها عاجزة تمامًا عن تغيير أي من الأحداث التراجيدية التي تدور حولها، وأنه لا أمل لها في أن تكون مع الرجل الذي أحبته، وهو هاملت.
أما هاملت فهو أمير الدانمارك، الذي يكتشف أنّ أمه تواطأت مع عمه على قتلِ أبيه، ليتزوج عمه أمه ويُصبح بذلك ملك الدانمارك عوضًا عن هاملت الوريث الشرعي للعرش.
يفقد هاملت ثقته في كل النساء بعد ما فعلته أمه، ويقرر الانتقام لأبيه، وفي خضم انتقامه يقرر عدم الزواج من أوفيليا ويقتل والدها الذي كان مغرما بأمه. فتنتحر حبيبته أوفيليا بإغراق نفسها في جدول ماء.
ظهرت أوفيليا في عدة لوحات كرمز للحبيبة المُعذبة التي تهرب من مأساتها بالانتحار. وقد كان الرسام الإنجليزي جون إيفرت ميليه (1829-1896) واحدا من الرسامين الذين قدموها في مشهد متخيل في لوحته التي حملت الاسم نفسه.
تُعدّ اللوحة إحدى أشهر اللوحات التي مثّلت انتحار أوفيليا بسبب دقة محاكاتها لتفاصيل الانتحار، كما جاءت في الفصل الرابع (المشهد الخامس) مِن المسرحية.
لوحة "انتحار أوليفيا" للرسام الإنجليزي جون إيفرت ميليه (مواقع التواصل الاجتماعي)
تصور اللوحة التفاصيل الطبيعية المحيطة بأوفيليا بدقة، مثل زهور البنفسج والخشخاش والبابونج والزيزفون والأعشاب، المنتشرة في المياة ومن حولها.
كما صوّر ميليه تفاصيل وجه أوفيليا متسقة مع السرد المسرحي، حيث كانت تناجي نفسها أثناء إغراق نفسها. كذلك يعطي مشهد استلقائها على صفحة الماء إحساسًا بالاستسلام أمام فجيعتها، لا شيء منها يسير ضد التيار أو يقاوم الموت، حورية جميلة نامت باستسلام على صفحة الماء للأبد.
الفارس الأسود واختطاف ريبيكا
لوحة تراجيدية أخرى مستوحاة من الأدب العالمي هي "اختطاف ريبيكا" (The Abduction of Rebecca). وهي لوحة من منتصف القرن الـ19 للرسّام الفرنسي أوجين ديلاكروا (1798-1863)، تصوّر مشهدًا من رواية السير وولتر سكوت "الفارس الأسود" أو "إيفانهو" (Ivanhoe) التي اختُطفت فيها البطلة ريبيكا.
اعتمد ديلاكروا، طيلة مساره الفني، على أعمال السير وولتر سكوت السرديّة كمصدر ثري للموضوعات الغريبة والعنيفة، شأنه في ذلك شأن معظم الرسّامين الرومانسيين الفرنسيين. تصوّر اللوحة عددا من العبيد يختطفون ريبيكا بأمر من الفارس الأسود بوا غلبرت، الذي لطالما اشتهاها لنفسه.
يقدم ديلاكروا المشهد بشكل درامي مكثّف من خلال الأوضاع الملتوية للأجسام والمساحة المضغوطة المحشور فيها عدد كبير من الأفراد، مع التركيز على تناقض الألوان وتدرجها بين الفاتح والغامق، ليعطي إحساسا بالدرامية والتراجيدية. كل هذا دفع النقاد المعاصرين بمن فيهم بودلير للإشادة بعفوية العمل وقوته.
رسم ديلاكروا اللوحة في ذروة الحركة الرومانسية الفرنسية والتي كانت تميل للمواضيع الخيالية والتفاصيل الملحمية هربًا من الثورة الصناعية التي كانت تسيطر على كل شيء. قُدم العمل في صالون باريس عام 1846. واللوحة موجودة حاليًا في مجموعة متحف متروبوليتان للفنون.
لوحة اختطاف ريبيكا للرسام الفرنسي أوجين ديلاكروا (مواقع التواصل)
أسطورة السيدة شالوت
قدم جون وليام ووترهاوس (1849-1917)، وهو رسام بريطاني اشتهر برسم لوحات لشخصيات نسائية من الأساطير والأدب، لوحة السيدة شالوت (Lady Shalott) عام 1888، وكانت كعادته مستوحاة من قصيدة الشاعر الإنجليزي ألفريد تينيسون، التي نُشرت لأول مرة عام 1832 وتحمل الاسم نفسه.
تحكي القصيدة قصة الشابة النبيلة إيلين، من أسطورة قلعة إستولات للملك آرثر، التي تعاني من لعنة لم يُكشف عنها. تعيش منعزلة في برج على جزيرة تسمى شالوت على نهر يتدفق من قلعة الملك آرثر في كاميلوت. تتمثل لعنتها في أنها لا يجب أن تنظر للعالم بشكل مباشر من برجها العالي. يُسمح لها فقط برؤية العالم من خلال انعكاسه في المرآة.
لمحت إيلين صورة للفارس الوسيم لإنسلوت منعكسة في مرآتها في أحد الأيام. ففتنت به ولم تستطع مقاومة النظر إليه مباشرة من الشباك. تحل عليها اللعنة بعد ذلك بأن تتشقق المرآة من جانب إلى آخر لتلقى عقوبتها المتمثلة في صعودها على متن قارب صغير يجري بها في مجرى النهر حتى المصب فتغرق وتموت. إلا أن سيدة جزيرة شالوت تموت قبل الوصول للمصب من الحزن والحسرة.
رسم ووترهاوس المشهد بطريقة واقعية وطبيعية للغاية. ويُقال إن العارضة التي تظهر في اللوحة هي زوجة الفنان نفسه. تظهر إيلين، أو السيدة شالوت، في قارب الموت الذي سيحملها للنهاية، وهي تجلس على سجادة نسجتها من المشاهد التي كانت تراها منعكسة أمامها في المرآة.
السجادة مرسومة بدقة وكذلك تفاصيل ثياب إيلين والنباتات التي تنمو على ضفتي النهر. الألوان المستخدمة أقرب للزاهية، وهو الأمر الذي تميزت به حركة ما قبل الرفائيلية التي ظهرت كأخويّة أسس لها عدد من الرسّامين والنقاد والشعراء عام 1848.
كانت المدرسة نوعا من الاحتجاج على المستوى المتدني الذي وصل له الفن، وتتسم لوحاتها بالبساطة والعمق وعدم التكلُّف، وتلك البساطة جاءت كثورة ضد التقاليد الفنية للأكاديمية الملكية، حيث اعتبر مؤسسو الأخوية أن الفن البريطاني يحتضر، ويجب أن يسترجعوا المكانة القوية التي كان يشغلها عبر اتباع أساليب الفن الإيطالي قبل عصر رافائيل.
وتبنت الأخويّة عددًا مِن المبادئ التي مِن شأنها أن تسمو بالعمل الفني، مثل أن تكون الفكرة أصيلة/حقيقية بما يكفي وليست تافهة.
