عطري وجودك
Well-Known Member
- إنضم
- 5 أغسطس 2019
- المشاركات
- 82,910
- مستوى التفاعل
- 3,436
- النقاط
- 213
جريمة في ليل العراق.. من قتل الملك غازي بن فيصل الهاشمي؟!

محمد شعبان أيوب
19/7/2020
تبدو أحداث النصف الأول من القرن العشرين ذات طابع دموي في كثير منها، فما هَلّ ذلك القرن إلا ووقعت الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيتها ملايين من البشر، وتغيّرت على إثرها الخارطة السياسية في كثير من أقطار العالم، وفي القلب منها الأقطار العربية التي شهدت أراضيها وقائع دموية، وأحداث سياسية مفصلية، وتغيّرات في مضامين الحكم والسلطوية.
وفي خضم تلك الأحداث، لعبت الأسرة الهاشمية بقيادة الشريف حسين وأبنائه وأحفاده دورا بارزا فيما سُمي بـ "الثورة العربية الكبرى" التي أدّت إلى صعود الخطاب القومي العربي، وهزيمة الأتراك العثمانيين، والتقارب مع البريطانيين، وقد ارتقى ثلاثة من أبنائه؛ وهم "علي وعبد الله وفيصل الأول" إلى سدة الحكم في كلٍّ من سوريا والعراق والحجاز.
وكان من أحفاد الشريف حسين الملك غازي الأول بن فيصل الأول الذي تقلّد حكم العراق في مرحلة مفصلية وخطيرة من تاريخ العراق والمنطقة العربية، فقد تقلّد شابا في ريعان شبابه في الحادية والعشرين من عُمره، وتوفي شابا في السابعة والعشرين من عمره، على أن وفاته كانت ولا تزال غامضة تُحيط بها الأقاويل والشُّبهات، وتتناولها أيدي المؤرخين بالتحليل والتأمل والنتائج التي ترتبت عليها.


كان العراق منذ القرن السادس عشر الميلادي تحت السيادة العثمانية، مثله مثل الأقطار العربية القريبة كسوريا ومصر والحجاز وسواحل الخليج وغيرها، وقد ارتضى العراقيون بالحكم العثماني الذي دخل في طور من الضعف في نهايات القرن التاسع عشر أمام المتغيرات العالمية بصعود روسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وكانت السياسة البريطانية في عداء واضح مع الألمان الذي دخلوا في تحالف مع الدولة العثمانية، وهدفوا إلى إنشاء خط سكة حديد من برلين إلى بغداد، الأمر الذي اعتبره الإنجليز تهديدا لمصالحهم في الشرق الأوسط.
وحين قامت الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) استغل الإنجليز التحالف العثماني الألماني وهاجموا العراق، فاستطاعوا احتلال البصرة والمناطق المحيطة بها في العام 1914، وبعد سلسلة من المعارك في مواجهة الأتراك العثمانيين لاقوا فيها هزيمة ساحقة في معركة كوت العمارة في العام 1916م، استطاع الإنجليز أخيرا، وبعد هزيمة العثمانيين في أكثر من جبهة مثل قناة السويس والبلقان والقوقاز وغيرها، استطاعوا احتلال بغداد ثم فرض السيطرة الكاملة على العراق في نهاية الحرب العالمية في العام 1918م[1].

بيد أن نكوص البريطانيين والفرنسيين وخداعهم للعرب بعد اتفاق سايكس بيكو، واتفاق سان ريمو بإيطاليا في العام 1920م، ووضع المنطقة العربية الواقعة بين البحر المتوسط وإيران تحت سلطة الانتدابين البريطاني والفرنسي قد كشف عن حجم الخداع الذي تعرّض له العرب في تلك الأقاليم ومن جملتها العراق الذي رأى خداع بريطانيا لحليفه الأمير فيصل الهاشمي، الأمر الذي ولّدَ شعورا كبيرا بالكراهية والعداء، وتسبّب في ظهور الحركات الوطنية والانتفاضات الثورية المطالبة بالاستقلال، مثل حركة وثورة عام 1920م التي أجبرت الإنجليز على التوجه إلى الأسرة الهاشمية من جديد، فعُيِّن فيصل الأول بن الشريف حسين ملكا على العراق في 23 أغسطس/آب 1921م[2].
اعلان
وقد سعى الملك فيصل الأول إلى الاستقلال وإنهاء الانتداب البريطاني على العراق، وبعد مفاوضات مضنية بين الجانبين أُبرمت معاهدة عام 1922م التي دارت نصوصها حول الالتزام بتقبُّل نصوص المعاهدة مع تقبُّل المشورة والمساعدة البريطانية في كل ما يتعلق بالشؤون المالية من المعتمد البريطاني، وعدم تأجير العراق أو تنازله عن أي جزء من أراضيه لأية دولة أجنبية، وعدم إقامة علاقات سياسية مع الدول الأجنبية الأخرى إلا بموافقة بريطانيا التي تتحمل رعاية المصالح العراقية في الخارج، وغيرها من النصوص الأخرى التي حوّلت صيغة الانتداب إلى صيغة أقرب إلى الاستقلال والحكم الذاتي تحت إدارة وإشراف بريطانيا، مع توقيع بروتوكول في العام التالي تحدّد فيه إنهاء قضايا الحدود الشمالية مع تركيا والغربية مع السعوديين، والاستقرار الداخلي والمحافظة على الأمن، وإجراء انتخابات المجلس التأسيسي[3].


وُلد الملك غازي الأول في مدينة مكة المكرمة في عام 1911م، وقد جاء إلى بغداد مع والدته وشقيقاته في عام 1923م، وتلقى ثقافته الأولية في مدارس الحجاز، ثم على يد مجموعة من الأساتذة الإنجليز في بغداد، وقد سافر إلى لندن في مارس/آذار 1926م، ودرس في كلية هارو، وعند رجوعه إلى العراق درس في الكلية العسكرية لمدة أربع سنوات، وتعلم ركوب الخيل بمهارة، لكن تُشير التقارير إلى أن تقدُّمه العلمي والعسكري كان ضعيفا، وأصبح ولي عهد لوالده الملك فيصل الأول، ثم عمل نائبا للملك على العرش خلال غياب والده الأخير عن العراق في صيف سنة 1933م[5].
حين ارتقى غازي إلى عرش العراق أبلغ السفير البريطاني آنذاك همفريس بأنه سينتهج سياسة والده التي اعتمدت على الصداقة والتعاون الكامل والتحالف مع بريطانيا، بيد أن الواقع أن غازي لم يكن بالملك الذي أرادته بريطانيا، فقد كان شابا وطنيا متحمسا، وقف على مساوئ البريطانيين ووعودهم الكاذبة لجدّه الشريف حسين وللعرب، فنشأ على كُرههم، وكان يُعرقل الحكومات العراقية الموالية لهم، ويرفض التعاون المطلق مع شركة النفط البريطانية الأجنبية، وعلى الرغم من أن خطواته كانت ضئيلة وضعيفة في وجه الهيمنة البريطانية فإن إعلانه المتكرر عن ضرورة قيام حكومة وطنية تخدم الشعب العراقي أولا أعطاه شعبية في الشارع العراقي[6].
وكنتيجة لمقته لبريطانيا وسياستها تقرب غازي من الألمان، الذين أهدوه معدات لإنشاء إذاعة جديدة، جعلها في قصر الحكم، وأطلق عليها اسم "راديو قصر الزهور"، وكان يتولى بنفسه إذاعة الأخبار والتعليقات بالتعاون مع كبار الضباط العراقيين، وهو ما اعتبرته بريطانيا دعاية وطنية وقومية حادّة، فازدادت شعبيته في الدول العربية المجاورة، لا سيما في سوريا والكويت والأردن، إلى الدرجة التي وافق فيها المجلس الكويتي بأغلبية عشرة نواب من أصل أربعة عشر على الوحدة مع العراق تحت حكم الملك غازي[7]، الأمر الذي اعتبرته بريطانيا تهديدا لمصالحها وخططها في الشرق الأوسط.