بسم الله الرحمن الرحيم
”من الآيات الملفتة في الجزء التاسع من القرآن الكريم، هي الآيات التي تناولت قصة النبي موسى (ع) وتبدأ بقوله تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)
1 كان الميقات ثلاثين يوما فزاد الله موسى عشرة تفضلا منه عليه. وما نستفيده من هذه الآية: أن العطاء الإلهي يمدد للإنسان بالدعاء الحثيث وبإحرا القابلية. وقد عبر سبحانه عن مدة اللقاء باليلة فقال أربعين ليلة ولم يقل: أربعين يوما وهذا خلاف للمعروف من القياس بالأيام. وما ذلك إلا للدلالة على خصوصية الليل في اللقاء برب العالمين، وليدل على أن اللقاء تم بين موسى (ع) وربه في الليل.
لقد كان اللقاء بين نبي من أنبياء الله العظام كموسى (ع) وبين الله عز وجل وفي واد مقدس كطور سيناء ولكن كان يختلف الليل عن النهار واختار سبحانه أن يتم اللقاء في الليل لما في الليل من خاصية. وينبغي للمؤمنين الالتفات إلى هذه الخصوصية واغتنام الليل.
وقد انزلق بعض المفسرين في البحث وقالوا: أن موسى (ع) طلب الرؤية الحسية وقد أثبتنا أنها لا تجوز على نبي كموسى (ع). وبالتأكيد إن الرؤية التي طلبها موسى (ع) كانت رؤية ممكنة. تلك الرؤية التي لا تحتاج إلى حس وإنما هي من سنخ مشاهدة القلب، كما روي عن أمير المؤمنين (ع): (لاَ يُدْرِكُ اَللَّهَ جَلَّ جَلاَلُهُ اَلْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ اَلْعَيَانِ وَلَكِنْ تُدْرِكُهُ اَلْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ اَلْإِيمَانِ)5, فالذي تجلى للعيون من خلال الشجر والماء والأفلاك والمجرات وما في السماء من زينة، يتجلى لعباده المخلصين بلون آخر من التجلي وهو ما أراده موسى (ع).
وما المانع من أن يقتدي المسلم بنبي الله موسى (ع) في طلب التجليات والرؤية المتناسبة مع عظمة الربوبية؟ فقال سبحانه لموسى (ع): (لَنْ تَرَانِي)، وهي إجابة غريبة إذا رأينا أن طلب موسى (ع) هي الرؤية المعنوية، فهذه الإجابة تشير إلى رؤية حسية. فإذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا طلب موسى (ع) هذه الرؤية؟ وهنا قد يبدو شيء من التعارض بين جزئي الآية ولكن من خلال البحث يرتفع هذا الإشكال.
إن أفضل إجابة على هذا الإشكال الذي يجمع بين آراء المفسرين؛ هو أن الله سبحانه قال لموسى (ع): يا موسى إنك تراني ولكن طبيعة الحياة الدنيا وطبيعة هذا الجسم المادي لا يمكنه إدراك التجلي الخاص وإن كانت هناك مراتب من التجلي قد ظهرت لموسى (ع) إلا أن التجلي الحقيقي والكامل سيكون في يوم القيامة. وقد قال سبحانه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)6 ,. وبعبارة واضحة قال له: يا موسى..! لي تجليات في الدنيا وتجليات في الأخرى؛ فأما تجليات الدنيا فتشاهدها من خلال العبادة والمناجاة والحديث معي وقسم مدخر للآخرة. كما أن الرحمة الإلهية لم تظهر في هذه الدنيا إلا اليسير منها وكان منها بعثة النبي الأكرم (ص) ولكن الجزء الكبير منها سيتجلى في يوم القيامة.
ثم قال الرب لموسى (ع): يا موسى..! سأعطيك عينة من أن التجلي الخاص لا تحتمله المادة؛ فالجبل عنصر مادي وكذلك موسى (ع) وكلاهما يخضعان لقوانين الطبيعة. ولذلك قالت الآية: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)7 , وهذا درس للمؤمن في أن يقنع بما يفيضه الله عز وجل عليه من الدرجات المعنوية؛ فقد يحجب سبحانه عن عبده بعض الدرجات لا بخلا منه وحاشاه وإنما لعدم تحمل العبد تلك الفيوضات، فالله سبحانه هو العالم الخبير بقابليات العباد وبما يستحقونه من قوت مادي أو معنوي.“
”من الآيات الملفتة في الجزء التاسع من القرآن الكريم، هي الآيات التي تناولت قصة النبي موسى (ع) وتبدأ بقوله تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)
1 كان الميقات ثلاثين يوما فزاد الله موسى عشرة تفضلا منه عليه. وما نستفيده من هذه الآية: أن العطاء الإلهي يمدد للإنسان بالدعاء الحثيث وبإحرا القابلية. وقد عبر سبحانه عن مدة اللقاء باليلة فقال أربعين ليلة ولم يقل: أربعين يوما وهذا خلاف للمعروف من القياس بالأيام. وما ذلك إلا للدلالة على خصوصية الليل في اللقاء برب العالمين، وليدل على أن اللقاء تم بين موسى (ع) وربه في الليل.
لقد كان اللقاء بين نبي من أنبياء الله العظام كموسى (ع) وبين الله عز وجل وفي واد مقدس كطور سيناء ولكن كان يختلف الليل عن النهار واختار سبحانه أن يتم اللقاء في الليل لما في الليل من خاصية. وينبغي للمؤمنين الالتفات إلى هذه الخصوصية واغتنام الليل.
اهتمام موسى (عليه السلام) بأمر أمته في قمة انشغاله المعنوي
إن موسى (ع) توجه إلى ميقات ربه ولكنه كان في الأثناء يحمل هم أمته، فقال لأخيه هارون: (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ)2 . لقد كان لقائه بالله لقاء خاصا وأعطي ما لم يعط الأنبياء من قبله وقد كلمه الله من خلال خلق الكلام له، ولكنه قلبه مع أمته، وهذه هي الجامعية في التكليف. فينبغي للمؤمن حتى في قمة انشغاله المعنوي في صلاة ليله أن لا يهمل أمر الأمة ويهتم بمن هم حوله من الزوجة والأولاد والجيران والمجتمع؛ إذ يتبين من هذه الآية أن الانشغال بالمناجاة والذوبان والفناء في الله عز وجل لم يشغل موسى (ع) عن تكليفه الاجتماعي. ورغم علم موسى (ع) بقصر ليالي الميقات إلا أنه عين لهم خليفة ونصب لهم وصيا. ولكن فقد النبي يجعل المفسد الذي كان يخفي فساده يعيث في الأمة فسادا. ولذلك بفقد نبينا (ص) وقعت الواقعة وانقلبت الأمة بفعل المفسدين والمنافقين على عقبيها وانحرفت عن الخط الذي رسمه الله سبحانه وأكد عليه النبي (ص).الرؤية التي طلبها موسى (عليه السلام)
ومن دروس هذه القصة في قوله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي)3 , وهي آية تضاربت فيها آراء المفسرين كثيرا، أن موسى (ع) وهو من أنبياء أولى العزم وهو أعرف الناس بالله عز وجل وبصفات كماله وجماله؛ لا يطلب بالتأكيد الرؤية الحسية المادية التي لا يطلبها مؤمن عادي وهذه من أوليات الاعتقادات، وقد قال سبحانه: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ)4 ,ومفهوم الآية حقيقة يفهمها جميع الأنبياء وأتباعهم، فكيف تخفى على موسى (ع)؟وقد انزلق بعض المفسرين في البحث وقالوا: أن موسى (ع) طلب الرؤية الحسية وقد أثبتنا أنها لا تجوز على نبي كموسى (ع). وبالتأكيد إن الرؤية التي طلبها موسى (ع) كانت رؤية ممكنة. تلك الرؤية التي لا تحتاج إلى حس وإنما هي من سنخ مشاهدة القلب، كما روي عن أمير المؤمنين (ع): (لاَ يُدْرِكُ اَللَّهَ جَلَّ جَلاَلُهُ اَلْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ اَلْعَيَانِ وَلَكِنْ تُدْرِكُهُ اَلْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ اَلْإِيمَانِ)5, فالذي تجلى للعيون من خلال الشجر والماء والأفلاك والمجرات وما في السماء من زينة، يتجلى لعباده المخلصين بلون آخر من التجلي وهو ما أراده موسى (ع).
وما المانع من أن يقتدي المسلم بنبي الله موسى (ع) في طلب التجليات والرؤية المتناسبة مع عظمة الربوبية؟ فقال سبحانه لموسى (ع): (لَنْ تَرَانِي)، وهي إجابة غريبة إذا رأينا أن طلب موسى (ع) هي الرؤية المعنوية، فهذه الإجابة تشير إلى رؤية حسية. فإذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا طلب موسى (ع) هذه الرؤية؟ وهنا قد يبدو شيء من التعارض بين جزئي الآية ولكن من خلال البحث يرتفع هذا الإشكال.
إن أفضل إجابة على هذا الإشكال الذي يجمع بين آراء المفسرين؛ هو أن الله سبحانه قال لموسى (ع): يا موسى إنك تراني ولكن طبيعة الحياة الدنيا وطبيعة هذا الجسم المادي لا يمكنه إدراك التجلي الخاص وإن كانت هناك مراتب من التجلي قد ظهرت لموسى (ع) إلا أن التجلي الحقيقي والكامل سيكون في يوم القيامة. وقد قال سبحانه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)6 ,. وبعبارة واضحة قال له: يا موسى..! لي تجليات في الدنيا وتجليات في الأخرى؛ فأما تجليات الدنيا فتشاهدها من خلال العبادة والمناجاة والحديث معي وقسم مدخر للآخرة. كما أن الرحمة الإلهية لم تظهر في هذه الدنيا إلا اليسير منها وكان منها بعثة النبي الأكرم (ص) ولكن الجزء الكبير منها سيتجلى في يوم القيامة.
ثم قال الرب لموسى (ع): يا موسى..! سأعطيك عينة من أن التجلي الخاص لا تحتمله المادة؛ فالجبل عنصر مادي وكذلك موسى (ع) وكلاهما يخضعان لقوانين الطبيعة. ولذلك قالت الآية: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)7 , وهذا درس للمؤمن في أن يقنع بما يفيضه الله عز وجل عليه من الدرجات المعنوية؛ فقد يحجب سبحانه عن عبده بعض الدرجات لا بخلا منه وحاشاه وإنما لعدم تحمل العبد تلك الفيوضات، فالله سبحانه هو العالم الخبير بقابليات العباد وبما يستحقونه من قوت مادي أو معنوي.“