سما العراق
Well-Known Member
- إنضم
- 28 يونيو 2020
- المشاركات
- 13,633
- مستوى التفاعل
- 52
- النقاط
- 48
الحديقة الخامسة
وفيها
* حب الله تعالى لنا وعداوة الشيطان
*حب الأمهات فيض حب الله تعالى
* الأحكام الشرعية تفيض حباً لنا
* قضاء حوائجنا، مظهر حبه لنا
* أليست النار مظهر حب
* شهر ضيافته والحب
* دعاء اليوم الخامس
* صلاة الليلة السادسة
* حب الله تعالى لنا وعداوة الشيطان
حبُّ الله تعالى لنا لا يعادله حب على الإطلاق، "فلم أرَ مولىً كريماً أصبر على عبد لئيم منك عليّ يا رب، إنك تدعوني فأُوَلّي عنك وتتحبب إليّ فأتبغّض إليك، وتتودد إليّ فلا أقبل منك كأن لي التطوُّل عليك، فلم يمنعك ذلك من الرحمة لي والإحسان إليّ والتفضل عليّ بجودك وكرمك".
كل ما بنا من نِعمَ فمنه عز وجل، يريد لنا الخير، والسموّ، وعلّيين، ونحن نُعرض عنه. كل ما نأخذه من أيٍّ كان، ونحصل عليه فهو في الحقيقة منه عز وجل. نأخذ منه ونمدح غيره، وهو مع ذلك يحبنا.
وفي المقابل عداوة الشيطان لنا لاتشبهها عداوة. عدوٌّ مبين، مُمعنٌ في العداوة، يريد لنا الإسفاف، والإنحطاط، يريد لنا النار و الهاوية، ونحن نركض خلفه.
ينقل بعض العلماء أن عابداً رأى شيطاناً، كان العابد طاعناً في السن قال للشيطان: أما تتركني، ثم وضع العابد يده على لحيته وقال له: أصبحت هرماً في هذا السن ألا تتركني، قال له الشيطان: أنظر جهة يمينك، نظر فرأى وادياً سحيقاً جداً، قال له: أترى هذا الوادي؟ قال: بلى، قال: لو تمكنت منك لألقيتك في قعر الوادي وليس في قلبي أي ذرّة رحمة لك.
عندما يخبرنا ربنا عز وجل أن الشيطان عدوٌ مبين فإن عداوته تبلغ الحدود التي لا نستطيع أن نتصورها ومع ذلك فإذا خُيّرنا بين عمل يريده الله عز وجل وعملٍ يريده الشيطان ترانا نسارع في اتّباع الهوى، أي اتّباع أوامر الشيطان ونُعرض عن طاعة الرحمن عز وجل، ونوَلّي عنها بجموح ومنتهى الرغبة.
و يرانا ربنا سبحانه وتعالى نركض خلف الشيطان وفي أوديته أودية الطيش والجهل، ونُعرض عن طاعة الرحمن ومع ذلك فهو يحبنا، بل كل ما نشعر به في الوجود من حب فهو من مظاهر حب الله تعالى لنا.
*حب الأمهات فيض حب الله تعالى
"من حبِّه لنا عطف علينا قلوب الأمهات، فقيّض لنا من يغمرنا بالحنان ونحن أحوج ما نكون إليه.
إن الأب والأم والدان، فلماذا نجد فيضاً من الحب والحنان من الأم لا يعادله فيض حب الأب؟ أراد الله تعالى للأم وهي المباشرة لعملية التربية بما يشمل مرحلة الجنين، أن يكون فيض حبها غامراً فكان ذلك، والحب يفيضه سبحانه على من يشاء:"وألقيت عليك محبة مني".
أي إنسان يغمر إنساناً بحب، وحنان وعطف، ويحسن إليه، أليس مصدر ذلك كله هو حب الله تعالى لنا؟
فهل نشعر بحب الله عز وجل لنا، كما نشعر بحب الأمهات؟ مع أن حب الأم ليس إلا غيضاً من فيض حب الله تعالى.
* الأحكام الشرعية تفيض حباً لنا
والأحكام الشرعية تطفح بالحب لنا.
هل ندرك ما في حرمة الغيبة من مخزون حب الله تعالى لنا؟
لو أن شخصاً أخبرك قائلاً: كنا في مجلس وأراد شخص أن يغتابك فدافع عنك فلان دفاعاً شديداً وقال: لا أرضى بأن يُذكر بسوء، ألا تشعر بحب تجاه هذا الشخص؟ ألا تشعر بأن حبه لك يستتبع تلقائياً حبك له؟
إن الله عز وجل يحرّم غيبتنا مع أنا مردنا على الجرأة عليه وقبيح العصيان، أليس في هذا التحريم فيضاً من مخزون حبه لنا؟
وكم هو مخزون حبه عز وجل الذي تجسده حرمة الأذى؟
لقد حرّم الله تعالى أذى المؤمن بشكل خاص، و أذى الإنسان، أليس في هذا مخزون حبٍ عارم؟
وكم هو مخزون حبه في سائر أحكام حفظ الكرامة والحقوق، التي تطبع الفقه الإسلامي بطابعها، فإذا هو فقه كرامة الإنسان.
* قضاء حوائجنا، مظهر حبه لنا
كم اهتم الله تعالى بقضاء حوائجنا؟ وكم أكّد على قضاء الحوائج، "من فرَّج كربة ملهوف، فرّج الله تعالى كربته" كم في ذلك من دفء الحنان؟
ولقد جعل سبحانه الجهاد في سبيلنا ومن أجلنا، لتحريرنا من الطواغيت ووضع إصرهم عنا والأغلال، جهاداً في سبيله ومن أجله، وأعطى المجاهدين ثواباً لا يقدّر، ومن استشهد في هذا الطريق، طريق الدفاع عن عباد الله فهو من أمراء الجنة!
إنه عز وجل يحبنا حباً لا نظير له على الإطلاق.
صحيح أن من واجبنا أن نحب الله تعالى، إلا أن من واجبنا أيضاً أن نعرف حبه عز وجل لنا، بل لا يمكننا أن نحبه تقدّست أسماؤه إلا إذا انطلقنا من حبه لنا، من عطفه علينا، من رحمته بنا، "إنك تدعوني فأوَلي عنك وتتحبب إلي فأتبغض إليك وتتودد إليّ فلا أقبل منك".
أيها العزيز: لو أننا رأينا من شخص نُحسن إليه إساءةً بعد إساءة، فواجهناه بالإحسان ثم واجهنا بالإساءة، فكم نستطيع أن نستمر في مقابلته بالإحسان وهو يقابل بالإساءة؟
قد يستطيع بعضنا أن يحتمل ذلك ممن يتعامل معه بهذه الطريقة، ويواجه إحسانه بالإساءة، عدة مرات. ثم ماذا؟ في النتيجة لا يستطيع التحمُّل.
ويرانا الله عز وجل نعصيه جهاراً نهاراً، عشرين سنة، بل ستين، وسبعين! وبمجرد أن نرجع إليه يصغي القلب إلى لغة حنان لاعهد له بها: " كنت أنتظر عودتك، وها قد رجعت فقر عيناً "!!
ألحمد لله الذي يحلم عني كأني لاذنب لي، فربي أحمد شيء عندي وأحق بحمدي!!
ترى، ألا نستطيع من خلال ذلك أن نكتشف بيسر وبكل وضوح أن الله عز وجل لا يريد لأحد منا أن يدخل النار، ومهما كانت معاصينا فإنه عز وجل يتقبلنا إذا رجعنا إليه بصدق، وكانت توبتنا توبةً صادقة نصوحاً؟
* أليست النار مظهر حب
ثم من قال إن النار ليست مظهراً من مظاهر حب الله عز وجل لنا؟
أما التهديد بها والتخويف منها، فيشبهه ترهيب الأم لابنها من اللعب بالنار حتى لايحترق، وبمقدارمحبتها يكون الترهيب.
وأما عندما يُصرّ الإنسان على تشويه نفسه ومسخ فطرته والإمعان في الإسفاف والحيوانية، فإنه يصل إلى مرحلة يصبح فيها علاجه متوقفاً على الصهر والصقل من جديد أي متوقفاً على النار، ومن هنا فإن النار في حد ذاتها مستشفى كما يعبّر الشهيد آية الله دستغيب رضوان الله عليه، بقوله " مستشفى جهنم" ويوضح رضوان الله عليه الفكرة في مقام آخر بمثال هذا حاصله: لو أننا أحضرنا دابة ووضعناها في قصر مجهز بمختلف التجهيزات التقنية الحديثة جداً، فماذا يمكن أن تستفيد هذه الدابة من هذا القصر وتجهيزاته الحديثة وثلاجاته الممتلئة بأنواع المآكل، إن الدابة بحاجة إلى علف، وليست بحاجة إلى غرف نوم وأزرار ألكترونية، وثلاجات تستجيب لكلمة فتفتح أبوابها وتقدم مايطلب منها!
يريد الشهيد دستغيب عليه الرحمة أن يوضح أن الإنسان بإصراره على المعاصي يصل إلى مرحلة لو أن الله تعالى أدخله الجنة فإن ذلك سيكون عذاباً له، أصبح بحيث لا يمكنه إلا أن يكون في النار، هذه النار التي احتطبها على ظهره في الدنيا قد أحاطت به في الآخرة، ومقتضى العدل أنه لا بد وأن يحيط به عمله، ويواجه الجزاء الذي هو عمله إلى أن يرجع إلى فطرته شيء من الصفاء، وإلى نفسه شيء من النور، ولولا ذلك فرحمته عز وجل في يوم القيامة كما ورد في بعض الروايات تمتد لها عنق إبليس، ومعنى ذلك أنه لا يدخل النار إلا من لا يبقى أي مجال له ليكون في غيرها.
ومظاهر حبه عز وجل لنا لا تتناهى.
* شهر ضيافته والحب
ومن حبه لنا أنه منَّ علينا بشهره، شهر رمضان.
يريد لنا أن نصل، يريد للمقصّر منا أن يصبح في الطليعة.
يريد للغارق في بحار المعاصي أن ينجو ويصل إلى شاطيء الأمن والأمان، شاطيء لا يحزنهم الفزع الأكبر.
و ليس شهر رمضان للعبّاد فقط، كما تقدم. إنه لكل الناس، بل هو للعاصين! إنه لناكي نعود إلى ربنا ونخرج من لجج الضلال، وقد خاطبنا عز وجل في آيات الصوم بقوله ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
أي مخزون من الحب والحنان في هذا النداء الإلهي العظيم، إذا سألك عبادي عني فإني قريب، إذاً، عليّ أن أدعوَ والله عز وجل قريب، إلهي أنت أمرتنا بالدعاء ووعدت بالإجابة، وها نحن ندعوك.
هذا الخطاب المحبَّب ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهَِ﴾ وكأنه يقول لنا أحبكم، أريدكم، لا تيأسوا مهما كانت معاصيكم عودوا إليَّ. إذاً، كيف ينبغي أن نتعامل مع هذا الحب الإلهي العظيم لنا؟
بسط لنا موائد رحمته في شهر رمضان لكي نصل، أولا نريد أن نصل! إنه يدعونا عز وجل، يريدنا أن نصوم صوماً حقيقياً، أن نُحسّن أخلاقنا، أن نكفَّ أذانا، أن نكثر من تلاوة كتابه، يريدنا أن نكثر من الصدقة، من فعل الخير، من إكرام اليتيم. هذا شهر الرحمة والمغفرة. يريدنا أن نكثر من الإستغفار خصوصاً في أوقات الصلاة، وأن ندعو ونطلب منه عز وجل كل ما نريد ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
* دعاء اليوم الخامس
"أللهم اجعلني فيه من المستغفرين، واجعلني فيه من عبادك الصالحين القانتين، واجعلني فيه من أوليائك المقرّبين برأفتك يا أرحم الراحمين".
أنا العاصي الغارق في المآثم يسمح لي ربي بحبه لي، برأفته بي أن أدعوه وكأني لا ذنب لي، ويسمح لي بل يحب لي أن أطلب منه الدرجات العلى، إنه يقول لي: أٌطلب أن أجعلك من الصالحين، من القانتين، أُطلب أن أجعلك من أوليائي المقرّبين. إلهي أُدرِك خطورة ذنبي فأحاول أن أستغفر، وأتوب وأطلب منك الصفح والمغفرة فيزيِّن لي الشيطان حب المعاصي فإذا باستغفاري شكل بلا محتوى،و قشر بلا لب.
سيدي، إجعلني في هذا اليوم من المستغفرين بحقٍّ، الذين تغفر لهم وتغمرهم بوابل رحمتك، "إستغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً" واجعل ذلك التوفيق يا إلهي محطة على طريق الوصول إلى ذرى عبادك الصالحين القانتين واللحاق بموكبهم موكب النور، لأصِل عبر براق الصلاح إلى حرم الولاية فأصبح من أوليائك، وهنيئاً لأصحاب النعيم نعيمهم "من أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي".
سيدي، تُرى تَمُنُّ على هذه الذرّة التائهة في عالم الوجود بدفء حنان وفيْض رحمة فأصبح برأفتك من أوليائك، تبلسم جراح قلبي وتنقذني من بيداء التيه والضلال والضياع، يا قابل السحرة اقبلني بالزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها برحمتك يا أرحم الراحمين.
* صلاة الليلة السادسة
1- عشرون ركعة، في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد مرة أو ثلاث أو خمس أو سبع أو عشر، ثماني ركعات منها بعد صلاة المغرب واثنا عشرة ركعة بعد صلاة العشاء.
2- عن رسول الله صلى الله عليه وآله:ومن صلى في الليلة السادسة من شهر رمضان أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد وتبارك الذي بيده الملك، فكأنما صادف ليلة القدر.
3- قال الكفعمي: "ويستحب أن يصلي في كل ليلة من شهر رمضان ركعتين بالحمد مرة، والتوحيد ثلاثا، فإذا سلَّم قال: سبحان من هو حفيظ لايغفل، سبحان من هو رحيم لايعجل، سبحان من هو قائم لايسهو، سبحان من هو دائم لايلهو. ثم يقول التسبيحات الأربع سبعاً، ثم يقول: سبحانك سبحانك ياعظيم. إغفر لي الذنب العظيم. ثم تصلي على النبي عشراً. من صلاها غفر الله له سبعين ألف ذنب. ".
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى بالنبي المصطفى وآله.
والحمد لله رب العالمين 1.
وفيها
* حب الله تعالى لنا وعداوة الشيطان
*حب الأمهات فيض حب الله تعالى
* الأحكام الشرعية تفيض حباً لنا
* قضاء حوائجنا، مظهر حبه لنا
* أليست النار مظهر حب
* شهر ضيافته والحب
* دعاء اليوم الخامس
* صلاة الليلة السادسة
* حب الله تعالى لنا وعداوة الشيطان
حبُّ الله تعالى لنا لا يعادله حب على الإطلاق، "فلم أرَ مولىً كريماً أصبر على عبد لئيم منك عليّ يا رب، إنك تدعوني فأُوَلّي عنك وتتحبب إليّ فأتبغّض إليك، وتتودد إليّ فلا أقبل منك كأن لي التطوُّل عليك، فلم يمنعك ذلك من الرحمة لي والإحسان إليّ والتفضل عليّ بجودك وكرمك".
كل ما بنا من نِعمَ فمنه عز وجل، يريد لنا الخير، والسموّ، وعلّيين، ونحن نُعرض عنه. كل ما نأخذه من أيٍّ كان، ونحصل عليه فهو في الحقيقة منه عز وجل. نأخذ منه ونمدح غيره، وهو مع ذلك يحبنا.
وفي المقابل عداوة الشيطان لنا لاتشبهها عداوة. عدوٌّ مبين، مُمعنٌ في العداوة، يريد لنا الإسفاف، والإنحطاط، يريد لنا النار و الهاوية، ونحن نركض خلفه.
ينقل بعض العلماء أن عابداً رأى شيطاناً، كان العابد طاعناً في السن قال للشيطان: أما تتركني، ثم وضع العابد يده على لحيته وقال له: أصبحت هرماً في هذا السن ألا تتركني، قال له الشيطان: أنظر جهة يمينك، نظر فرأى وادياً سحيقاً جداً، قال له: أترى هذا الوادي؟ قال: بلى، قال: لو تمكنت منك لألقيتك في قعر الوادي وليس في قلبي أي ذرّة رحمة لك.
عندما يخبرنا ربنا عز وجل أن الشيطان عدوٌ مبين فإن عداوته تبلغ الحدود التي لا نستطيع أن نتصورها ومع ذلك فإذا خُيّرنا بين عمل يريده الله عز وجل وعملٍ يريده الشيطان ترانا نسارع في اتّباع الهوى، أي اتّباع أوامر الشيطان ونُعرض عن طاعة الرحمن عز وجل، ونوَلّي عنها بجموح ومنتهى الرغبة.
و يرانا ربنا سبحانه وتعالى نركض خلف الشيطان وفي أوديته أودية الطيش والجهل، ونُعرض عن طاعة الرحمن ومع ذلك فهو يحبنا، بل كل ما نشعر به في الوجود من حب فهو من مظاهر حب الله تعالى لنا.
*حب الأمهات فيض حب الله تعالى
"من حبِّه لنا عطف علينا قلوب الأمهات، فقيّض لنا من يغمرنا بالحنان ونحن أحوج ما نكون إليه.
إن الأب والأم والدان، فلماذا نجد فيضاً من الحب والحنان من الأم لا يعادله فيض حب الأب؟ أراد الله تعالى للأم وهي المباشرة لعملية التربية بما يشمل مرحلة الجنين، أن يكون فيض حبها غامراً فكان ذلك، والحب يفيضه سبحانه على من يشاء:"وألقيت عليك محبة مني".
أي إنسان يغمر إنساناً بحب، وحنان وعطف، ويحسن إليه، أليس مصدر ذلك كله هو حب الله تعالى لنا؟
فهل نشعر بحب الله عز وجل لنا، كما نشعر بحب الأمهات؟ مع أن حب الأم ليس إلا غيضاً من فيض حب الله تعالى.
* الأحكام الشرعية تفيض حباً لنا
والأحكام الشرعية تطفح بالحب لنا.
هل ندرك ما في حرمة الغيبة من مخزون حب الله تعالى لنا؟
لو أن شخصاً أخبرك قائلاً: كنا في مجلس وأراد شخص أن يغتابك فدافع عنك فلان دفاعاً شديداً وقال: لا أرضى بأن يُذكر بسوء، ألا تشعر بحب تجاه هذا الشخص؟ ألا تشعر بأن حبه لك يستتبع تلقائياً حبك له؟
إن الله عز وجل يحرّم غيبتنا مع أنا مردنا على الجرأة عليه وقبيح العصيان، أليس في هذا التحريم فيضاً من مخزون حبه لنا؟
وكم هو مخزون حبه عز وجل الذي تجسده حرمة الأذى؟
لقد حرّم الله تعالى أذى المؤمن بشكل خاص، و أذى الإنسان، أليس في هذا مخزون حبٍ عارم؟
وكم هو مخزون حبه في سائر أحكام حفظ الكرامة والحقوق، التي تطبع الفقه الإسلامي بطابعها، فإذا هو فقه كرامة الإنسان.
* قضاء حوائجنا، مظهر حبه لنا
كم اهتم الله تعالى بقضاء حوائجنا؟ وكم أكّد على قضاء الحوائج، "من فرَّج كربة ملهوف، فرّج الله تعالى كربته" كم في ذلك من دفء الحنان؟
ولقد جعل سبحانه الجهاد في سبيلنا ومن أجلنا، لتحريرنا من الطواغيت ووضع إصرهم عنا والأغلال، جهاداً في سبيله ومن أجله، وأعطى المجاهدين ثواباً لا يقدّر، ومن استشهد في هذا الطريق، طريق الدفاع عن عباد الله فهو من أمراء الجنة!
إنه عز وجل يحبنا حباً لا نظير له على الإطلاق.
صحيح أن من واجبنا أن نحب الله تعالى، إلا أن من واجبنا أيضاً أن نعرف حبه عز وجل لنا، بل لا يمكننا أن نحبه تقدّست أسماؤه إلا إذا انطلقنا من حبه لنا، من عطفه علينا، من رحمته بنا، "إنك تدعوني فأوَلي عنك وتتحبب إلي فأتبغض إليك وتتودد إليّ فلا أقبل منك".
أيها العزيز: لو أننا رأينا من شخص نُحسن إليه إساءةً بعد إساءة، فواجهناه بالإحسان ثم واجهنا بالإساءة، فكم نستطيع أن نستمر في مقابلته بالإحسان وهو يقابل بالإساءة؟
قد يستطيع بعضنا أن يحتمل ذلك ممن يتعامل معه بهذه الطريقة، ويواجه إحسانه بالإساءة، عدة مرات. ثم ماذا؟ في النتيجة لا يستطيع التحمُّل.
ويرانا الله عز وجل نعصيه جهاراً نهاراً، عشرين سنة، بل ستين، وسبعين! وبمجرد أن نرجع إليه يصغي القلب إلى لغة حنان لاعهد له بها: " كنت أنتظر عودتك، وها قد رجعت فقر عيناً "!!
ألحمد لله الذي يحلم عني كأني لاذنب لي، فربي أحمد شيء عندي وأحق بحمدي!!
ترى، ألا نستطيع من خلال ذلك أن نكتشف بيسر وبكل وضوح أن الله عز وجل لا يريد لأحد منا أن يدخل النار، ومهما كانت معاصينا فإنه عز وجل يتقبلنا إذا رجعنا إليه بصدق، وكانت توبتنا توبةً صادقة نصوحاً؟
* أليست النار مظهر حب
ثم من قال إن النار ليست مظهراً من مظاهر حب الله عز وجل لنا؟
أما التهديد بها والتخويف منها، فيشبهه ترهيب الأم لابنها من اللعب بالنار حتى لايحترق، وبمقدارمحبتها يكون الترهيب.
وأما عندما يُصرّ الإنسان على تشويه نفسه ومسخ فطرته والإمعان في الإسفاف والحيوانية، فإنه يصل إلى مرحلة يصبح فيها علاجه متوقفاً على الصهر والصقل من جديد أي متوقفاً على النار، ومن هنا فإن النار في حد ذاتها مستشفى كما يعبّر الشهيد آية الله دستغيب رضوان الله عليه، بقوله " مستشفى جهنم" ويوضح رضوان الله عليه الفكرة في مقام آخر بمثال هذا حاصله: لو أننا أحضرنا دابة ووضعناها في قصر مجهز بمختلف التجهيزات التقنية الحديثة جداً، فماذا يمكن أن تستفيد هذه الدابة من هذا القصر وتجهيزاته الحديثة وثلاجاته الممتلئة بأنواع المآكل، إن الدابة بحاجة إلى علف، وليست بحاجة إلى غرف نوم وأزرار ألكترونية، وثلاجات تستجيب لكلمة فتفتح أبوابها وتقدم مايطلب منها!
يريد الشهيد دستغيب عليه الرحمة أن يوضح أن الإنسان بإصراره على المعاصي يصل إلى مرحلة لو أن الله تعالى أدخله الجنة فإن ذلك سيكون عذاباً له، أصبح بحيث لا يمكنه إلا أن يكون في النار، هذه النار التي احتطبها على ظهره في الدنيا قد أحاطت به في الآخرة، ومقتضى العدل أنه لا بد وأن يحيط به عمله، ويواجه الجزاء الذي هو عمله إلى أن يرجع إلى فطرته شيء من الصفاء، وإلى نفسه شيء من النور، ولولا ذلك فرحمته عز وجل في يوم القيامة كما ورد في بعض الروايات تمتد لها عنق إبليس، ومعنى ذلك أنه لا يدخل النار إلا من لا يبقى أي مجال له ليكون في غيرها.
ومظاهر حبه عز وجل لنا لا تتناهى.
* شهر ضيافته والحب
ومن حبه لنا أنه منَّ علينا بشهره، شهر رمضان.
يريد لنا أن نصل، يريد للمقصّر منا أن يصبح في الطليعة.
يريد للغارق في بحار المعاصي أن ينجو ويصل إلى شاطيء الأمن والأمان، شاطيء لا يحزنهم الفزع الأكبر.
و ليس شهر رمضان للعبّاد فقط، كما تقدم. إنه لكل الناس، بل هو للعاصين! إنه لناكي نعود إلى ربنا ونخرج من لجج الضلال، وقد خاطبنا عز وجل في آيات الصوم بقوله ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
أي مخزون من الحب والحنان في هذا النداء الإلهي العظيم، إذا سألك عبادي عني فإني قريب، إذاً، عليّ أن أدعوَ والله عز وجل قريب، إلهي أنت أمرتنا بالدعاء ووعدت بالإجابة، وها نحن ندعوك.
هذا الخطاب المحبَّب ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهَِ﴾ وكأنه يقول لنا أحبكم، أريدكم، لا تيأسوا مهما كانت معاصيكم عودوا إليَّ. إذاً، كيف ينبغي أن نتعامل مع هذا الحب الإلهي العظيم لنا؟
بسط لنا موائد رحمته في شهر رمضان لكي نصل، أولا نريد أن نصل! إنه يدعونا عز وجل، يريدنا أن نصوم صوماً حقيقياً، أن نُحسّن أخلاقنا، أن نكفَّ أذانا، أن نكثر من تلاوة كتابه، يريدنا أن نكثر من الصدقة، من فعل الخير، من إكرام اليتيم. هذا شهر الرحمة والمغفرة. يريدنا أن نكثر من الإستغفار خصوصاً في أوقات الصلاة، وأن ندعو ونطلب منه عز وجل كل ما نريد ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
* دعاء اليوم الخامس
"أللهم اجعلني فيه من المستغفرين، واجعلني فيه من عبادك الصالحين القانتين، واجعلني فيه من أوليائك المقرّبين برأفتك يا أرحم الراحمين".
أنا العاصي الغارق في المآثم يسمح لي ربي بحبه لي، برأفته بي أن أدعوه وكأني لا ذنب لي، ويسمح لي بل يحب لي أن أطلب منه الدرجات العلى، إنه يقول لي: أٌطلب أن أجعلك من الصالحين، من القانتين، أُطلب أن أجعلك من أوليائي المقرّبين. إلهي أُدرِك خطورة ذنبي فأحاول أن أستغفر، وأتوب وأطلب منك الصفح والمغفرة فيزيِّن لي الشيطان حب المعاصي فإذا باستغفاري شكل بلا محتوى،و قشر بلا لب.
سيدي، إجعلني في هذا اليوم من المستغفرين بحقٍّ، الذين تغفر لهم وتغمرهم بوابل رحمتك، "إستغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً" واجعل ذلك التوفيق يا إلهي محطة على طريق الوصول إلى ذرى عبادك الصالحين القانتين واللحاق بموكبهم موكب النور، لأصِل عبر براق الصلاح إلى حرم الولاية فأصبح من أوليائك، وهنيئاً لأصحاب النعيم نعيمهم "من أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي".
سيدي، تُرى تَمُنُّ على هذه الذرّة التائهة في عالم الوجود بدفء حنان وفيْض رحمة فأصبح برأفتك من أوليائك، تبلسم جراح قلبي وتنقذني من بيداء التيه والضلال والضياع، يا قابل السحرة اقبلني بالزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها برحمتك يا أرحم الراحمين.
* صلاة الليلة السادسة
1- عشرون ركعة، في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد مرة أو ثلاث أو خمس أو سبع أو عشر، ثماني ركعات منها بعد صلاة المغرب واثنا عشرة ركعة بعد صلاة العشاء.
2- عن رسول الله صلى الله عليه وآله:ومن صلى في الليلة السادسة من شهر رمضان أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد وتبارك الذي بيده الملك، فكأنما صادف ليلة القدر.
3- قال الكفعمي: "ويستحب أن يصلي في كل ليلة من شهر رمضان ركعتين بالحمد مرة، والتوحيد ثلاثا، فإذا سلَّم قال: سبحان من هو حفيظ لايغفل، سبحان من هو رحيم لايعجل، سبحان من هو قائم لايسهو، سبحان من هو دائم لايلهو. ثم يقول التسبيحات الأربع سبعاً، ثم يقول: سبحانك سبحانك ياعظيم. إغفر لي الذنب العظيم. ثم تصلي على النبي عشراً. من صلاها غفر الله له سبعين ألف ذنب. ".
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى بالنبي المصطفى وآله.
والحمد لله رب العالمين 1.
1-مناهل الرجاء / الشيخ حسين كوراني.