فتنةة العصر
رئيسة اقسام الصور 🌹شيخة البنات 🌹
- إنضم
- 7 أغسطس 2015
- المشاركات
- 1,312,930
- مستوى التفاعل
- 173,879
- النقاط
- 113
- الإقامة
- السعودية _ الأحساء ♥️
بسم الله الرّحمن الرّحيم
والـحمدُ للَّه ربّ الـعالَـمـين
ولا حولَ ولا قوّةَ إلاّ باللَه العَليّ العظيم
صلاةً وسلاماً لاحدّ له علي الروح الطاهرة المطهّرة لخاتم الانبياء محمّد المصطفي ، ووصيّه ذيالمحتد الكريم عليّ المرتضي وأولاده الاماجد الاحد عشر ، وخاصّة وليّ دائرة عالم الإمكان ، إمامالزمان : محمّد بن الحسن قائم آل محمّد ؛ الذين يقودون قافلة عالم الوجود بالمحبّة والجاذبيّة في الحركة إلي عالم الإطلاق والتوحيد لحضرة الحقّ جلّ وعلا :
وَ جَعَلْنَـ'هُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَتِ وَ إِقَامَ الصَّلَو'ةِ وَ إِيتَآءَ الزَّكَو'ةِ وَ كَانُوا لَنَا عَـ'بِدِينَ.[1]
ونظراً لانّ فترة إمامة الإمامين الحسن المجتبي وسيّد الشهداء عليهما السلام من أصعب الفترات وأحلكها من جهة تسلّط و ضغط الحكم الامويّ الجائر بحيث وصل الاختناق والمدالسة والتزييف والجهل والرياء والكذب والخداع إلي أقصاه ، كما هو مشهود منخطبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أواخر عمره الشريف ، حيث يقول :
وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَهُ أَنَّكُمْ فِي زَمَانٍ الْقَائِلُ فِيهِ بِالْحَقِّ قَلِيلٌ ؛ وَاللِسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ ؛ واللاَزِمُ لِلْحَقِّ ذَلِيلٌ ؛ أَهْلُهُ مُعْتَكِفُونَ عَلَي الْعِصْيَانِ ، مُصْطَلِحُونَ عَلَي الإدْهَانِ .
فَتَاهُمْ عَارِمٌ ؛ وَشَائِبُهُمْ آثِمٌ ؛ وَعَالِمُهُمْ مُنَافِقٌ ؛ وَقَارِئُهُمْ مُمَاذِقٌ . لاَيُعَظِّمُ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ ؛ وَلاَ يَعُولُ غَنِيُّهُمْ فَقِيرَهُمْ . [2]
وبالرغم من طول مدّة حياة هذين الإمامَين الهمامين ، وعلاوة علي أنّ مدّة إمامة وولاية كلّ منهما قد دامت لوحدها حدود عشر سنوات ، بحيث كان ينبغي بالطبع أن يكون قد وصلنا منهما آلاف الروايات والاحاديث والخطب والمواعظ في تفسير القرآن وغير ذلك ؛ إلاّ أنّه لم يصلنا منهما أكثر من حديث أو حديثَين في الفقه وعدّة أحاديث في التفسير ، وكانت خطبهما ومواعظهما وكلماتهما هي الاُخري في غاية الاختصار والإيجاز والقلّة ، وذلك علي الرغم من أنّ آلاف الاحاديث المختلقة والكاذبة من تجّار الحديث منأمثال أبي هريرة وغيره التي يحكي مضمونها عنمسايرة سياسة ذلك الوقت ، قد ملات الكتب والدفاتر وصفحات التاريخ .
ومن الجليّ أنـّه مع وجود تلك الظلمة والإبهام والضغط ، فإنّه لم يكن ليُرجع ـ أُصولاً ـ إلي أُولئك الاجلّة أو يُستفاد من بحر علومهم الموّاج الزاخر أو أنّ الروايات المرويّة عنهم قد أُصيبت بالزوال والاضمحلال نتيجة رعب وخوف واضطراب الرواة ، فلم تنتقل إلي الطبقات التالية منهم. وقد وصل من سيّد الشهداء عليه السلام القليل من الخطب والمواعظ ، الذي هو معلّم درس الحريّة والحكمة والإيمان والإيقان ، وجليّ أنّها رشحت منمصدر الولاية :
وَإِنَّا لاَمَرَاءُ الْكَلاَمِ ؛ وَفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ ؛ وَعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصُونُهُ. [3]
وتبعاً لذلك فإنّهم هم الذين يمتلكون أصل الكلام وفرعه الممثّلينِ لاُصول المعاني والحقائق وفروعها .
وكم كان جميلاً أن تُكتب كلماته عليه السلام الحاوية لعالمٍ من العزّة والشرف والشموخ والاستقلال والإيمان والإيقان والصبر والثبات والفتوّة في اللوحات واللافتات وتُنصب في مجالس العزاء كما يُفعل بأشعار المحتشم (القاسانيّ) ، ليفيد الواردون إلي تلك المجالس والمشاركون فيها استفادة بصريّة مقترنة بالاستفادة السمعيّة من الخطباء والمتكلّمين ذوي الصدق والاستقامة ، فيحفظوا نصوص تلك الكلمات ويجعلوها أُنموذج حياتهم وعملهم .
والكرّاسة التي يطالعها القرّاء الاعزّاء فعلاً ، هي نصوص بعض كلمات الإمام سيّد الشهداء عليه السلام نقلها هذا الحقير عن الكتب المعتبرة مع ذكر تلك المصادر ، متجنّباً شرحها وبسطها ، ليمكّن الإيجاز والاختصار من كتابتها علي اللوحات واللافتات ووضعها في المجالس والمحافل بمرأيً من الحاضرين ، ولتكون في الوقت نفسه قابلةً ببساطتها لاستفادة عموم الإخوة في الدين .
والمنتظَر من طلاّب العلوم الدينيّة وطلبة الجامعات الملتزمين أن يحفظوا نصوص هذه الكلمات والخطب ، ويُنيروا أذهان عامّة الناس في خطبهم وأحاديثهم باللمعات الوهّاجة للانوار الساطعة للحسين عليهالسلام، وينقلوا إلي الاجيال اللاحقة هذا الميراث الثمين الذي وصلنا من مداد العلماء ودماء الشهداء السَلَف.
شَكَرَ اللهُ مَساعِيَهُمُ الْجَميلَةَ وَزادَهُمْ إيماناً وتقوي وعِلْماً وعَمَلاً .
والسَّلام عَلينا وعَليهم وعلي عِباد الله الصَّالحين ورحمة الله وبركاته
السيِّد محمّد الحُسين الحُسينيّ الطهرانيّ
أذان ظهر يوم عاشوراء / 1402 هجريّة قمريّة
فيمشهد الرضويّة المقدّسة علي ساكنها السلام.
الرجوع الي الفهرس
لَمَعاتُ الحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلامُ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
و صلَّي اللهُ علي محمّد و آله الطّاهرينَ
و لعنةُ الله علي أَعدائهم أجمعين من الآن إلي يَوْمِ الدين
و لا حَوْلَ و لا قُوَّةَ إلاّ باللهِ العليِّ العَظِيمِ
كلام سيّد الشهداء عليه السلام في لزوم معرفة الله
* من كلامٍ للإمام سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين ابن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام خطب به أصحابه يوماً :
أَيُّهَا النَّاسُ ! إنَّ اللَهَ مَا خَلَقَ خَلْقَ اللَهِ إلاَّ لِيَعْرِفُوهُ؛ فَإذَا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ ؛ وَاسْتَغْنَوْا بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِواهُ .
فَقَالَ رَجُلٌ : يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ ! فَمَا مَعْرِفَةُ اللَهِ عَزَّوَجَلَّ ؟
فَقَالَ : مَعْرِفَةُ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ ، إمَامَهُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ . [4]
الرجوع الي الفهرس
خطبته عليه السّلام لإصلاح الناس
* وقال في نهاية الخطبة التي أنشأها عليه السلام وتطرّق فيها إلي ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلي الثورة علي الظَّلَمة وحكّام الجور ، وتحدّث فيها مفصّلاً عن محروميّة المظلومين والتفرّق عن الحقّ ؛ وذكّر ضمناً بأنّ : مَجَارِي الاْمُورِ وَالاْحْكَامِ عَلَي أَيْدِي الْعُلَمَآءِ بِاللَهِ ، الاْمَنَآءِ عَلَي حَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ ، قال :
اللَهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَا كَانَ مِنَّا [5] تَنَافُساً فِيسُلْطَانٍ ، وَلاَ الْتِمَاساً مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ ، وَلَكِنْ لِنَرَي الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ ، وَنُظْهِرَ الإصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ، وَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ ، وَيُعْمَلَ بِفَرَائِضِكَ وَسُنَنِكَ وَأَحْكَامِكَ .
فَإنْ لَمْ تَنْصُرُونَا [6] وَتُنْصِفُونَا قَوِيَ الظَّلَمَةُ عَلَيْكُمْ ، وَعَمِلُوا فِي إطْفَاءِ نُورِ نَبِيِّكُمْ ؛ وَحَسْبُنَا اللَهُ ، وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا، وَإلَيْهِ أَنَبْنَا ، وَإلَيْهِ الْمَصِيرُ. [7]
الرجوع الي الفهرس
وصيّته عليه السّلام إلي محمّد بن الحنفيّة
* وحين عَزَم عليه السلام علي الخروج منالمدينة المنوّرة إلي مكّة المكرّمة ، فكتب وصيّةً وطواها وختمها بخاتمه ودفعها إلي أخيه محمّد بن الحنفيّة ، ثمّ ودّعه وسار في جوف الليل بجميع أهل بيته إلي مكّة ليلة الثالث من شعبان لسنة ستّين هجريّة ؛ وتلك الوصيّة هي :
بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ ؛ هَذَا مَا أَوْصَي بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِيطَالِبٍ إلَي أَخِيهِ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ :
إنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ؛ وَأَنَّ مُحَمَّداً صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ . وَأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ ؛ ) وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ) .
إنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلاَ بَطِراً وَلاَ مُفْسِداً وَلاَظَالِماً؛ وَإنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاَحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي مُحَمَّدٍ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ؛ أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَي عَنِ الْمُنْكَرِ ؛ وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَسِيرَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .
فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ ، فَاللَهُ أَوْلَي بِالْحَقِّ ؛ وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا ، أَصْبِرُ حَتَّي يَقْضِيَ اللَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ ؛ ) وَهُوَ خَيْرُ الْحَـ'كِمِينَ ) .
وَهَذِهِ وَصِيَّتِي إلَيْكَ يَا أَخِي ؛ ) وَمَا تَوْفِيقِي´ إلاَّ بِاللَهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) ؛ وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَي مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَي ؛ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ . [8]
االرجوع الي الفهرس
الحثّ علي المكارم
* ومن جملة خطبه عليه السلام التي أوردها عليّ ابن عيسي الإربليّ :
خَطَبَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ؛ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ! نَافِسُوا فِي الْمَكَارِمِ ، وَسَارِعُوا فِي الْمَغَانِمِ ، وَلاَتَحْتَسِبُوا بِمَعْرُوفٍ لَمْ تَعْجَلُوا ؛ وَاكْسِبُوا الْحَمْدَ بِالنُّجْحِ، وَلاَ تَكْتَسِبُوا بِالْمَطْلِ ذَمّاً ؛ فَمَهْمَا يَكُنْ لاِحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ صَنِيعَةٌ لَهُ رَأَي أَنَّهُ لاَ يَقُومُ بِشُكْرِهَا فَاللَهُ لَهُ بِمُكَافَأَتِهِ ؛ فَإنَّهُ أَجْزَلُ عَطَاءً وَأَعْظَمُ أَجْراً . [9]
وَاعْلَمُوا أَنَّ حَوَائِجَ النَّاسِ إلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِ اللَهِ عَلَيْكُمْ ؛ فَلاَ تَمَلُّوا النِّعَمَ فَتَحُورَ نِقَماً . [10]
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمَعْرُوفَ مُكْسِبٌ حَمْداً ، وَمُعْقِبٌ أَجْراً . فَلَوْ رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ رَجُلاً رَأَيْتُمُوهُ حَسَناً جَمِيلاً يَسُرُّ النَّاظِرِينَ ؛ وَلَوْ رَأَيْتُمُ اللُؤْمَ رَأَيْتُمُوهُ سَمِجاً مُشَوَّهاً تَنَفَّرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ ، وَتَغُضُّ دُونَهُ الاْبْصَارُ . [11]
أَيُّهَا النَّاسُ ! مَنْ جَادَ سَادَ ، وَ مَنْ بَخِلَ رَذِلَ . وَ إنَّ أَجْوَدَ النَّاسِ مَنْ أَعْطَي مَنْ لاَ يَرْجُوهُ ؛ وَإنَّ أَعْفَي النَّاسِ مَنْ عَفَا عَنْ قُدْرَةٍ ؛ وَإنَّ أَوْصَلَ النَّاسِ مَنْ وَصَلَ مَنْ قَطَعَهُ.
وَالاْصُولُ عَلَي مَغَارِسِهَا بِفُرُوعِهَا تَسْمُو ؛ فَمَنْ تَعَجَّلَ لاِخِيهِ خَيْراً وَجَدَهُ إذَا قَدِمَ عَلَيْهِ غَداً .
وَمَنْ أَرَادَ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَي بِالصَّنِيعَةِ إلَي أَخِيهِ كَافَأَهُ بِهَا فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ ، وَصَرَفَ عَنْهُ مِنْ بَلاَءِ الدُّنْيَا مَاهُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ . وَمَنْ نَفَّسَ كُرْبَةَ مُؤْمِنٍ فَرَّجَ اللَهُ عَنْهُ كُرَبَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ . وَمَنْ أَحْسَنَ أَحْسَنَ اللَهُ إلَيْهِ ، وَاللَهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [12] .
الرجوع الي الفهرس
أُسلوب اجتناب المعاصي
* و من جملة مواعظه عليه السلام :
رُوِيَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ جَاءَهُ رَجُلٌ وَقَالَ : أَنَا رَجُلٌ عَاصٍ ، وَلاَ أَصْبِرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ ؛ فَعِظْنِي بِمَوْعِظَةٍ !
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : افْعَلْ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ ؛ وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ !
فَأَوَّلُ ذَلِكَ : لاَ تَأْكُلْ رِزْقَ اللَهِ ؛ وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ !
وَالثَّانِي : اخْرُجْ مِنْ وِلاَيَةِ اللَهِ ؛ وَأَذْنِبْ مَاشِئْتَ !
وَالثَّالِثُ : اطْلُبْ مَوْضِعاً لاَ يَرَاكَ اللَهُ ؛ وَأَذْنِبْ مَاشِئْتَ !
وَالرَّابِـعُ : إذَا جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَكَ فَادْفَعْهُ عَنْ نَفْسِكَ ؛ وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ !
وَالْخَامِسُ : إِذَا أَدْخَلَكَ مَالِكٌ فِي النَّارِ فَلاَ تَدْخُلْ فِي النَّارِ ، وَأَذْنِبْ مَاشِئْتَ ! [13]
الرجوع الي الفهرس
مواعظ سيّد الشهداء عليه السلام
* وورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال :
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ أَنَّ رَجُلاً مِنْأَهْلِ الْكُوفَةِ كَتَبَ إلَي أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَاالسَّلاَمُ:
يَا سَيِّدِي ؛ أَخْبِرْنِي بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ !
فَكَتَبَ صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَيْهِ : بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . أَمَّا بَعْدُ ، فَإنَّ مَنْ طَلَبَ رِضَـا اللَهِ بِسَخَطِ النَّاسِ ، كَفَاهُ اللَهُ أُمُورَ النَّاسِ ؛ وَمَنْ طَلَبَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَهِ ، وَكَلَهُ اللَهُ إلَي النَّاسِ ؛ وَالسَّلاَمُ . [14]
* ورُوي عن كتاب «أعلام الدين» :
قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : دِرَاسَةُ الْعِلْمِ لِقَاحُ الْمَعْرِفَةِ ؛ وَطُولُ التَّجَارِبِ زِيَادَةٌ فِي الْعَقْـلِ؛ وَالشَّرَفُ التَّقْوَي ؛ والْقُنُوعُ رَاحَةُ الاْبْدَانِ . وَمَنْ أَحَبَّكَ نَهَاكَ ؛ وَمَنْأَبْغَضَكَ أَغْرَاكَ . [15]
* و من مواعظه عليه السلام :
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إيَّاكَ وَمَا تَعْتَذِرُ مِنْهُ ؛ فَإنَّ الْمُؤْمِنَ لاَيُسِيءُ وَلاَيَعْتَذِرُ ، وَالْمُنَافِقُ كُلَّ يَوْمٍ يُسِيءُ وَيَعْتَذِرُ . [16]
* ومن مواعظه عليه السلام :
وَقَالَ لاِبْنِهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ :
أَيْ بُنَيَّ ! إيَّاكَ وَظُلْمَ مَنْ لاَ يَجِدُ عَلَيْكَ نَاصِراً إلاَّاللَهَ جَلَّ وَعَزَّ . [17]
الرجوع الي الفهرس
خطبته عليه السلام بمني وتنوير الاذهان في زمن معاوية
* وفي كتاب سليم بن قيس :
لمّا مات الحسن بن عليّ عليهما السلام (استشهد الإمام الحسن المجتبي عليه السلام بالسمّ في سنة 49 هجريّة علي يد زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس بإيعاز من معاوية [18] )، لمتزل الفتنة والبلاء يعظمان ويشتدّان (علي الشيعة) ، فلم يبقَ وليّ للّه إلاّ خائفاً علي دمه ، (وفي رواية أُخري : إلاّ خائفاً عليدمه أنّه مقتول)، وإلاّ طريداً وإلاّ شريداً ، ولم يبق عدوّ للّه إلاّ مظهراً حجّته غير مستتر ببدعته وضلالته ؛ فلمّا كان قبل موت معاوية بسنة [19] حجّ الحسينُ بنُ عليّ صلوات الله عليه وعبد الله بن عبّاس وعبد الله بن جعفر معه ، فجمع الحسينُ عليه السلام بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم ومن الانصار ممّن يعرفه الحسين عليه السلام وأهل بيته ، ثمّ أرسل رسلاً لاتَدَعوا أحداً ممّن حجّ العام من أصحاب رسول الله صلّي الله عليه وآله المعروفين بالصلاح والنسك إلاّاجمعهم [20] لي ، فاجتمع إليه بمني أكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادقه ، عامّتهم من التابعين ونحو منمائتي رجل من أصحاب النبيّ صلّي الله عليه وآله .
فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيباً ، فَحَمِدَ اللَهَ وَأَثْنَي عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ :
أَمَّا بَعْدُ ؛ فَإنَّ هَذَا الطَّاغِيَةَ [21] قَدْ فَعَلَ بِنَا وَبِشِيعَتِنَا مَاقَدْ رَأَيْتُمْ وَعَلِمْتُمْ وَشَهِدْتُمْ !
وَإنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكُمْ عَنْ شَيْءٍ ؛ فَإِنْ صَدَقْتُ فَصَدِّقُونِي ، وَإِنْ كَذَبْتُ فَكَذِّبُونِي !
وَأَسْأَلُكُمْ بِحَقِّ اللَهِ عَلَيْكُمْ وَحَقِّ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَقَرَابَتِي مِنْ نَبِيِّكُمْ لَمَّا سَيَّرْتُمْ مَقَامِي هَذَا وَوَصَفْتُمْ مَقَالَتِي ، وَدَعَوْتُمْ أَجْمَعِينَ فِي أَمْصَارِكُمْ مِنْ قَبَائِلِكُمْ مَنْ آمَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ (وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَي بَعْدَ قَوْلِهِ : فَكَذِّبُونِي : اسْمَعُوا مَقَالَتِي وَاكْتُبُوا قَوْلِي ، ثُمَّ ارْجِعُوا إلَي أَمْصَارِكُمْ وَقَبَائِلِكُمْ فَمَنْ آمَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ) وَوَثِقْتُمْ بِهِ فَادْعُوهُمْ إلَي مَا تَعْلَمُونَ مِنْ حَقِّنَا ؛ فَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ يَدْرُسَ هَذَا الاْمْرُ وَيَذْهَبَ الْحَقُّ وَيُغْلَبَ ؛ ) وَاللَهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَـ'فِرُونَ ) .
وَمَا تَرَكَ شَيْئاً مِمَّا أَنْزَلَ اللَهُ فِيهِمْ مِنَ الْقُرآنِ إلاَّتَلاَهُ وَفَسَّرَهُ ؛ وَلاَ شَيْئاً مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِيهِ وَأَخِيهِ وَأُمِّهِ وَفِي نَفْسِهِ وَأَهْلِبَيْتِهِ إلاَّ رَوَاهُ . وَكُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ أَصْحَابُهُ : اللَهُمَّ نَعَمْ! وَقَدْ سَمِعْنَا وَشَهِدْنَا ؛ وَ يَقُولُ التَّابِعِيُّ : اللَهُمَّ قَدْحَدَّثَنِي بِهِ مَنْ أُصَدِّقُهُ وَأَئْتَمِنُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ .
الرجوع الي الفهرس
مناشدته عليه السلام للاصحاب والتابعين
فَقَالَ : أَنْشُدُكُمُ اللَهَ إلاَّ حَدَّثْتُمْ بِهِ مَنْ تَثِقُونَ بِهِ وَبِدِينِهِ !
قَالَ سُلَيْمٌ : فَكَانَ فِيمَا نَاشَدَهُمُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَذَكَّرَهُمْ أَنْ قَالَ :
أَنْشُدُكُمُ اللَهَ ! أَتَعْلَمُونَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَأَخَا رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ آخَي بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَآخَي بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ وَقَالَ : أَنْتَ أَخِي وَأَنَا أَخُوكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؟
قَالُوا : اللَهُمَّ نَعَمْ !
قَالَ : أَنْشُدُكُمُ اللَهَ ! أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَصَبَهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَنَادَي لَهُ بِالْوِلاَيَةِ ؛ وَقَالَ : لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ؟
قَالُوا : اللَهُمَّ نَعَمْ !
قَالَ : أَنْشُدُكُمُ اللَهَ ! أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ فِي آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا : إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ : كِتَابَ اللَهِ وَأَهْلَ بَيْتِي فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْتَضِلُّوا؟
قَالُوا : اللَهُمَّ نَعَمْ !
و بعد نقل فِقْرات كثيرة من هذه المناشدة ، قال :
ثُمَّ نَاشَدَهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوهُ يَقُولُ : مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي وَيُبْغِضُ عَلِيّاً فَقَدْ كَذَبَ ؛ لَيْسَ يُحِبُّنِي وَيُبْغِضُ عَلِيّاً. فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَهِ ! وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟
قَالَ : لاِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ ؛ مَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِي ، وَمَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللَهَ ؛ وَمَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي ، وَمَنْ أَبْغَضَنِي فَقَدْ أَبْغَضَ اللَهَ ؟
فَقَالُوا : اللَهُمَّ نَعَمْ ! قَدْ سَمِعْنَا . وَتَفَرَّقُوا عَلَي ذَلَكَ . [22]
الرجوع الي الفهرس
خطبته عليه السلام عند خروجه من مكّة
* خطبته عليه السلام في مكّة المكرّمة حين عزم علي الخروج إلي كربلاء :
وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا عَزَمَ عَلَي الْخُرُوجِ إلَي الْعِرَاقِ قَامَ خَطِيباً ، فَقَال : الْحَمْدُ لِلَّهِ ؛ مَاشَاءَ اللَهُ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ ؛ وَصَلَّي اللَهُ عَلَي رَسُولِهِ .
خُطَّ الْمَوْتُ عَلَي وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلاَدَةِ عَلَي جِيدِ الْفَتَاةِ . وَمَا أَوْلَهَنِي إلَي أَسْلاَفِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إلَي يُوسُفَ . وَخُيِّرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لاَقِيهِ ؛ كَأَنِّي بَأَوْصَالِي تَتَقَطَّعُهَا عُسْلاَنُ الْفَلَوَاتِ بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَكَرْبَلاَءَ ؛ فَيَمْلاَنَ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً ، وَأَجْرِبَةً سُغْباً .
لاَ مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ . رِضَا اللَهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ ؛ نَصْبِرُ عَلَي بَلاَئِهِ ، وَيُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ.
لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لُحْمَتُهُ ، وَهِيَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ ، تَقِرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ ، وَيُنْجَزُ لَهُمْ وَعْدُهُ .
مَنْ كَانَ فِينَا بَاذِلاً مُهْجَتَهُ ، وَمُوَطِّناً عَلَي لِقَاءِ اللَهِ نَفْسَهُ ، فَلْيَرْحَلْ مَعَنَا ؛ فَإنَّنِي رَاحِلٌ مُصْبِحاً إنْ شَاءَ اللَهُ تَعَالَي . [23]
الرجوع الي الفهرس
أشعاره عليه السلام في جواب الفرزدق و محادثته معه
* وقد التقاه (عليه السلام) وهو متوجّه إلي الكوفة الفرزدقُ بن غالب (الشاعر المعروف في ذلك العصر) وقال له :
يابنَ رسولِ الله ؟ كيفَ تَركَنُ إلي أهل الكوفةِ وهم الذين قَتلوا ابنَ عَمِّك مسلمَ بنَ عقيل وشيعته ؟
فترحّمَ (الحسينُ) علي مُسلمٍ وقال : صار إلي رَوْحِ اللَهِ ورِضوانِهِ ، أما إنَّهُ قَضَي مَا عَلَيهِ وبَقِي مَا عَلَيْنَا وأنشده:
وَإنْ تَكُنِ الدُّنْيَا تُعَدُّ نَفِيسَةً فَدَارُ ثَوَابِ اللَهِ أَعْلَي وَأَنْبَلُ
وَإنْ تَكُنِ الاْبْدَانُ لِلْمَوْتِ أُنْشِئَتْ فَقَتْلُ امْرِيً بِالسَّيْفِ فِي اللَهِ أَفْضَلُ
وَإنْ تَكُنِ الاْرْزَاقُ قِسْمـاً مُقَـدَّراً فَقِلَّةُ حِرْصِ الْمَرْءِ فِي الْكَسْبِ أَجْمَلُ
وَإنْ تَكُنِ الاْمْوَالُ لِلتَّرْكِ جَمْعُهَا فَمَا بَالُ مَتْرُوكٍ بِهِ الْمَرْءُ يَبْخَلُ [24]
وقال الكثير من أصحاب المقاتل إنّه عليه السلام كان يرتجز يوم عاشوراء ويقاتل بسيفه ، ويتمثّل فيرجزه بهذه الاشعار ؛ مثل المحدّث القمّيّ في «نفسالمهموم» والشيخ سليمان القندوزيّ في «ينابيع المودّة». [25]
* يقول عليّ بن عيسي الإربِليّ :
قَالَ الْفَرَزْدَقُ : لَقِيَنِي الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِيمُنْصَرَفِي مِنَ الْكُوفَةِ؛
فَقَالَ : مَا وَرَاكَ يَا أَبَا فِرَاسٍ؟
قُلْتُ : أَصْدُقُكَ ؟!
قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : الصِّدْقَ أُرِيدُ !
قُلْتُ : أَمَّا الْقُلُوبُ فَمَعَكَ ؛ وَأَمَّا السُّيُوفُ فَمَعَ بَنِي أُمَيَّةَ ؛ وَالنَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَهِ .
قَالَ : مَا أَرَاكَ إلاَّ صَدَقْتَ ! النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا وَالدِّينُ لَغْوٌ عَلَي أَلْسِنَتِهِمْ ؛ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ بِهِ مَعَايِشُهُمْ ؛ فَإذَا مُحِّصُوا بِالْبَلاَءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ . [26]
الرجوع الي الفهرس
خطبة الإمام عليه السلام عند ممانعة الحرّ إيّاه
* وحين اعترض الحرُّ بن يزيد الرياحيّ الإمامَ ومنعه بشدّة من التوجّه إلي الكوفة أو الرجوع إلي المدينة، فقام عليه السلام في «ذي حَسَم» وفق رواية الطبريّ فيتأريخه عن عَقَبة بن أبي العيزار :
فَحَمِدَ اللَهَ وَأَثْنَي عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، إنَّهُ قَدْ نَزَلَ مِنَ الاْمْرِ مَا قَدْ تَرَوْنَ ؛ وَإنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنَكَّرَتْ وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا وَاسْتَمَرَّتْ حَذَّاءَ ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإنَاءِ ، وَخَسِيسُ عَيْشٍ كَالْمَرْعَي الْوَبِيلِ .
أَلاَ تَرَوْنَ أَنَّ الْحَقَّ لاَيُعْمَلُ بِهِ ، وَأَنَّ الْبَاطِلَ لاَيُتَنَاهَي عَنْهُ ؟! لِيَرْغَبِ الْمُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللَهِ مُحِقّاً ؛ فَإنِّي لاَ أَرَي الْمَوتَ إلاَّ سَعَادَةً ، وَلاَ الْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إلاَّبَرَماً . [27]
وزاد في كتاب «تحف العقول» هذه الجملة بعد ذكره لهذه الجملات من الخطبة : قال عليه السلام :
إنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنيَا ، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَي أَلْسِنَتِهِمْ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ ؛ فَإذَا مُحِّصُوا بِالْبَلاَءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ . [28]
فقام آنذاك زُهَيْر بن القَيْن ونافِع بن هِلال وبُرَيْر ابن خُضير ، كلاّ بدوره ، فتكلّموا وأظهروا موالاتهم ومساندتهم للإمام .
* وأقبل الحرّ بن يزيد يُساير الإمام ولا يُفارقه وهو يقول له : يَا حسين ! إنّي أُذكِّركَ اللهَ في نفسكَ ، فإنّي أشهَد لَئن قاتلتَ لَتُقْتَلَنَّ .
الرجوع الي الفهرس
كلامه عليه السلام في جواب تهديد الحرّ
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَفَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي ؟! وَهَلْ يَعْدُو بِكُمُ الْخَطْبُ إنْ تَقْتُلُونِي ؟! [29]
وَسَأَقُولُ كَمَا قَالَ أَخُو الاْوْسِ لاِبْنِ عَمِّهِ وَهُوَ يُرِيدُ نُصْرَةَ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ؛ فَخَوَّفَهُ ابْنُعَمِّهِ وَقَالَ : أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ فَإنَّكَ مَقْتُولٌ .
فَقَالَ :
سَأَمْضِي وَ مَا بِالْمَوْتِ عَارٌ عَلَي الْفَتَي إذَا مَا نَوَي حَقّاً وَ جَاهَدَ مُسْلِمَا
وَ وَاسَي الرِّجَالَ الصَّالِحِينَ بِنَفْسِهِ وَ فَارَقَ مَثْبُوراً وَ خَالَفَ مُجْرِمَا
فَإنْ عِشْتُ لَمْ أَنْدَمْ وَ إنْ مِتُّ لَمْ أُلَمْ كَفَي بِكَ ذُلاّ أَنْ تَعِيشَ وَ تُرْغَمَا [30]
الرجوع الي الفهرس
كلام سيّد الشهداء عليه السلام في استعداده للشهادة
* وربّما كانت تلك الكلمات القيّمة كالدرر التي أوردها العلاّمة المعاصر توفيق أبوعلم في كتابه الموسوم بـ «أهل البيت» كانت إجابة سيّد الشهداء عليه السلام فيهذا المكان للحرّ بن يزيد الرياحيّ ، حيث يقول :
لَيْسَ شَأْنِي شَأْنَ مَنْ يَخَافُ الْمَوْتَ . مَا أَهْوَنَ الْمَوْتَ عَلَي سَبِيلِ نَيْلِ الْعِزِّ وَإحْيَاءِ الْحَقِّ . لَيْسَ الْمَوْتُ فِي سَبِيلِ الْعِزِّ إلاَّ حَيَاةً خَالِدَةً ؛ وَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ مَعَ الذُّلِّ إلاَّ الْمَوْتَ الَّذِي لاَ حَيَاةَ مَعَهُ .
أَفَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي ؟! هَيْهَاتَ ؛ طَاشَ سَهْمُكَ ، وَخَابَ ظَنُّكَ ! لَسْتُ أَخَافُ الْمَوْتَ .
إنَّ نَفْسِي لاَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ ، وَهِمَّتِي لاَعْلَي مِنْ أَنْأَحْمِلَ الضَّيْمَ خَوْفاً مِنَ الْمَوتِ ؛ وَهَلْ تَقْدِرُونَ عَلَيأَكْثَرَ مِنْ قَتْلِي ؟!
مَرْحَباً بِالْقَتْلِ فِي سَبيلِ اللَهِ ! وَلَكِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَي هَدْمِ مَجْدِي وَمَحْوِ عِزَّتِي وَشَرَفِي ؛ فَإذاً لاَ أُبَالِي مِنَ الْقَتْلِ . [31]
* وسيّد الشهداء هو القائل :
مَوْتٌ فِي عِزٍّ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي ذُلٍّ . [32]
* وهو الذي كان يرتجز في الحرب حين يحمل علي جيش الاعداء فيقول :
الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْعَارِ وَالْعَارُ أَوْلَي مِنْ دُخُولِ النَّارِ [33] و [34]
الرجوع الي الفهرس
خطبته عليه السلام في أصحابه و أصحاب الحرّ
* ونُقل عن الطبري أنّ أبا مخنف روي عن عَقَبَة ابن أبي العيزار أنّ الحسين عليه السّلام خطب أصحابه وأصحاب الحرّ في «البَيْضَة» :
فَحَمِدَ اللَهَ وَأَثْنَي عَلَيْهِ ؛ ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ! إنَّرَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ : مَنْ رَأَي سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلاّ لِحُرَمِ اللَهِ ، نَاكِثاً لِعَهْدِ اللَهِ ، مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، يَعْمَلُ فِي عِبَادِاللَهِ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، فَلَمْ يُعَيِّرْ ] يُغَيِّرْ [ عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلاَقَوْلٍ ؛ كَانَ حَقّاً عَلَي اللَهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ . أَلاَ وَإنَّ هَؤُلاَءِ [35] قَدْلَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ ، وَتَرَكُوا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ، وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ ، وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ ، وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ ، وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللَهِ ، وَحَرَّمُوا حَلاَلَهُ ؛ وَأَنَا أَحَقُّ مِنْ غَيْرٍ [36]] مَنْ غَيَّرَ ؛ مَنْ عَيَّرَ [ .
وَقَدْ أَتَتْنِي كُتُبُكُمْ ، وَقَدِمَتْ عَلَيَّ رُسُلُكُمْ بِبَيْعَتِكُمْ أَنَّكُمْ لاَ تُسَلِّمُونِي وَلاَ تَخْذُلُونِي ؛ فَإنْتَمَمْتُمْ عَلَي بَيْعَتِكُمْ تُصِيبُوا رُشْدَكُمْ .
فَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، وَابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِاللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ؛ نَفْسِي مَعَ أَنْفُسِكُمْ ، وَأَهْلِي مَعَ أَهْلِيكُمْ [37] ؛ فَلَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ . [38]
وإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَنَقَضْتُمْ عَهْدَكُمْ ، وَخَلَعْتُمْ بَيْعَتِي مِنْ أَعْنَاقِكُمْ ، فَلَعَمْرِي مَا هِيَ لَكُمْ بِنُكْرٍ ؛ لَقَدْ فَعَلْتُمُوهَا بِأَبِي وَأَخِي وَابْنِ عَمِّي مُسْلِمٍ .
وَالْمَغْرُورُ مَنِ اغْتَـرَّ بِـكُمْ ؛ فَحَظَّكُمْ أَخْطَأْتُمْ ؛ وَنَصِيبَكُمْ ضَيَّعْتُمْ ؛ وَ مَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَي' نَفْسِهِ. وَسَيُغْنِي اللَهُ عَنْكُمْ . وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَهِ وَبَرَكَاتُهُ . [39]
* وحين نزل سيّد الشهداء عليه السلام كربلاء دعا بدواة وبياض وكتب نظير هذه الخطبة التي ذُكرت ، إليأشراف الكوفة ممّن يُظَنّ أنـّه علي رأيه [40] ، ثمّ طوي الكتاب وختمه بخاتمه الشريف ودفعه إلي قَيْس بن مُسْهر الصَّيداويّ وأمره أن يسير إلي الكوفة .
الرجوع الي الفهرس
خطبة الإمام ليلة عاشوراء في أصحابه
* جمع سيّد الشهداء عليه السلام أصحابه عند قرب المساء ليوم تاسوعاء ؛ قال عليّ بن الحسين زينالعابدين عليهما السلام : فدنوتُ منه لاسمع ما يقول لهم، وكنتُ إذ ذاك مريضاً ، فسمعتُ أبي يقول لاصحابه:
أُثْنِي عَلَي اللَهِ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ ؛ وَأَحْمَدُهُ عَلَيالسَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ .
اللَهُمَّ إنِّي أَحْمَدُكَ عَلَي أَنْ أَكْرَمْتَنَا بِالنُّبُوَّةِ ، وَعَلَّمْتَنَا الْقُرْآنَ ، وَفَقَّهْتَنَا فِي الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَإنِّي لاَ أَعْلَمُ أَصْحَاباً أَوفَي وَلاَ خَيْراً مِنْأَصْحَابِي ، وَلاَ أَهْلَ بَيْتٍ أَبَرَّ وَ لاَ أَوْصَلَ مِنْ أَهْلِبَيْتِي ؛ فَجَزَاكُمُ اللَهُ عَنِّي خَيْرَ الْجَزَاءِ.
أَلاَ وَ إنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ فَانْطَلِقُوا جَمِيعاً فِي حِلٍّ ؛ لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنِّي ذِمَامٌ. هَذَا اللَيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلاً . [41]
فنهض إخوته وأبناؤه وأبناء إخوته وأبناء عبدالله بن جعفر ، ومسلم بن عوسجة ، وزهير بن القين وجماعة آخرون من الاصحاب فتكلّم كلٌّ منهم معتذراً كلاماً معناه : لا بقينا بعدك ! لا أبقانا الله بعدك ! لن يكون ذلك منّا أبداً! لوددنا لو كان لدينا عدّة أرواح لنفديك بها جميعاً !
الرجوع الي الفهرس
دعاؤه عليه السلام صبيحة يوم عاشوراء
* ويُروي عن سيّد الساجدين وزين العابدين عليهالسلام أنّه قال :
لَمَّا صَبَّحَتِ الْخَيْلُ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، رَفَعَ يَدَيْهِ وَ قَالَ :
اللَهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ ؛ وَأَنْتَ رَجَائِي فِيكُلِّ شِدَّةٍ ؛ وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِـي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ .
كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فِيهِ الْفُؤَادُ ، وَتَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ ، وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّدِيقُ ، وَيَشْمَتُ فِيهِ الْعَدُوُّ ؛ أَنْزَلْتُهُ بِكَ ، وَشَكَوْتُهُ إلَيْكَ ، رَغْبَةً مِنِّي إلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ ؛ فَفَرَّجْتَهُ عَنِّي ، وَكَشَفْتَهُ ، وَكَفَيْتَهُ .
فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ ، وَمُنْتَهَي كُلِّ رَغْبَةٍ . [42]
والـحمدُ للَّه ربّ الـعالَـمـين
ولا حولَ ولا قوّةَ إلاّ باللَه العَليّ العظيم
صلاةً وسلاماً لاحدّ له علي الروح الطاهرة المطهّرة لخاتم الانبياء محمّد المصطفي ، ووصيّه ذيالمحتد الكريم عليّ المرتضي وأولاده الاماجد الاحد عشر ، وخاصّة وليّ دائرة عالم الإمكان ، إمامالزمان : محمّد بن الحسن قائم آل محمّد ؛ الذين يقودون قافلة عالم الوجود بالمحبّة والجاذبيّة في الحركة إلي عالم الإطلاق والتوحيد لحضرة الحقّ جلّ وعلا :
وَ جَعَلْنَـ'هُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَتِ وَ إِقَامَ الصَّلَو'ةِ وَ إِيتَآءَ الزَّكَو'ةِ وَ كَانُوا لَنَا عَـ'بِدِينَ.[1]
ونظراً لانّ فترة إمامة الإمامين الحسن المجتبي وسيّد الشهداء عليهما السلام من أصعب الفترات وأحلكها من جهة تسلّط و ضغط الحكم الامويّ الجائر بحيث وصل الاختناق والمدالسة والتزييف والجهل والرياء والكذب والخداع إلي أقصاه ، كما هو مشهود منخطبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أواخر عمره الشريف ، حيث يقول :
وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَهُ أَنَّكُمْ فِي زَمَانٍ الْقَائِلُ فِيهِ بِالْحَقِّ قَلِيلٌ ؛ وَاللِسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ ؛ واللاَزِمُ لِلْحَقِّ ذَلِيلٌ ؛ أَهْلُهُ مُعْتَكِفُونَ عَلَي الْعِصْيَانِ ، مُصْطَلِحُونَ عَلَي الإدْهَانِ .
فَتَاهُمْ عَارِمٌ ؛ وَشَائِبُهُمْ آثِمٌ ؛ وَعَالِمُهُمْ مُنَافِقٌ ؛ وَقَارِئُهُمْ مُمَاذِقٌ . لاَيُعَظِّمُ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ ؛ وَلاَ يَعُولُ غَنِيُّهُمْ فَقِيرَهُمْ . [2]
وبالرغم من طول مدّة حياة هذين الإمامَين الهمامين ، وعلاوة علي أنّ مدّة إمامة وولاية كلّ منهما قد دامت لوحدها حدود عشر سنوات ، بحيث كان ينبغي بالطبع أن يكون قد وصلنا منهما آلاف الروايات والاحاديث والخطب والمواعظ في تفسير القرآن وغير ذلك ؛ إلاّ أنّه لم يصلنا منهما أكثر من حديث أو حديثَين في الفقه وعدّة أحاديث في التفسير ، وكانت خطبهما ومواعظهما وكلماتهما هي الاُخري في غاية الاختصار والإيجاز والقلّة ، وذلك علي الرغم من أنّ آلاف الاحاديث المختلقة والكاذبة من تجّار الحديث منأمثال أبي هريرة وغيره التي يحكي مضمونها عنمسايرة سياسة ذلك الوقت ، قد ملات الكتب والدفاتر وصفحات التاريخ .
ومن الجليّ أنـّه مع وجود تلك الظلمة والإبهام والضغط ، فإنّه لم يكن ليُرجع ـ أُصولاً ـ إلي أُولئك الاجلّة أو يُستفاد من بحر علومهم الموّاج الزاخر أو أنّ الروايات المرويّة عنهم قد أُصيبت بالزوال والاضمحلال نتيجة رعب وخوف واضطراب الرواة ، فلم تنتقل إلي الطبقات التالية منهم. وقد وصل من سيّد الشهداء عليه السلام القليل من الخطب والمواعظ ، الذي هو معلّم درس الحريّة والحكمة والإيمان والإيقان ، وجليّ أنّها رشحت منمصدر الولاية :
وَإِنَّا لاَمَرَاءُ الْكَلاَمِ ؛ وَفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ ؛ وَعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصُونُهُ. [3]
وتبعاً لذلك فإنّهم هم الذين يمتلكون أصل الكلام وفرعه الممثّلينِ لاُصول المعاني والحقائق وفروعها .
وكم كان جميلاً أن تُكتب كلماته عليه السلام الحاوية لعالمٍ من العزّة والشرف والشموخ والاستقلال والإيمان والإيقان والصبر والثبات والفتوّة في اللوحات واللافتات وتُنصب في مجالس العزاء كما يُفعل بأشعار المحتشم (القاسانيّ) ، ليفيد الواردون إلي تلك المجالس والمشاركون فيها استفادة بصريّة مقترنة بالاستفادة السمعيّة من الخطباء والمتكلّمين ذوي الصدق والاستقامة ، فيحفظوا نصوص تلك الكلمات ويجعلوها أُنموذج حياتهم وعملهم .
والكرّاسة التي يطالعها القرّاء الاعزّاء فعلاً ، هي نصوص بعض كلمات الإمام سيّد الشهداء عليه السلام نقلها هذا الحقير عن الكتب المعتبرة مع ذكر تلك المصادر ، متجنّباً شرحها وبسطها ، ليمكّن الإيجاز والاختصار من كتابتها علي اللوحات واللافتات ووضعها في المجالس والمحافل بمرأيً من الحاضرين ، ولتكون في الوقت نفسه قابلةً ببساطتها لاستفادة عموم الإخوة في الدين .
والمنتظَر من طلاّب العلوم الدينيّة وطلبة الجامعات الملتزمين أن يحفظوا نصوص هذه الكلمات والخطب ، ويُنيروا أذهان عامّة الناس في خطبهم وأحاديثهم باللمعات الوهّاجة للانوار الساطعة للحسين عليهالسلام، وينقلوا إلي الاجيال اللاحقة هذا الميراث الثمين الذي وصلنا من مداد العلماء ودماء الشهداء السَلَف.
شَكَرَ اللهُ مَساعِيَهُمُ الْجَميلَةَ وَزادَهُمْ إيماناً وتقوي وعِلْماً وعَمَلاً .
والسَّلام عَلينا وعَليهم وعلي عِباد الله الصَّالحين ورحمة الله وبركاته
السيِّد محمّد الحُسين الحُسينيّ الطهرانيّ
أذان ظهر يوم عاشوراء / 1402 هجريّة قمريّة
فيمشهد الرضويّة المقدّسة علي ساكنها السلام.
الرجوع الي الفهرس
لَمَعاتُ الحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلامُ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
و صلَّي اللهُ علي محمّد و آله الطّاهرينَ
و لعنةُ الله علي أَعدائهم أجمعين من الآن إلي يَوْمِ الدين
و لا حَوْلَ و لا قُوَّةَ إلاّ باللهِ العليِّ العَظِيمِ
كلام سيّد الشهداء عليه السلام في لزوم معرفة الله
* من كلامٍ للإمام سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين ابن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام خطب به أصحابه يوماً :
أَيُّهَا النَّاسُ ! إنَّ اللَهَ مَا خَلَقَ خَلْقَ اللَهِ إلاَّ لِيَعْرِفُوهُ؛ فَإذَا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ ؛ وَاسْتَغْنَوْا بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِواهُ .
فَقَالَ رَجُلٌ : يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ ! فَمَا مَعْرِفَةُ اللَهِ عَزَّوَجَلَّ ؟
فَقَالَ : مَعْرِفَةُ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ ، إمَامَهُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ . [4]
الرجوع الي الفهرس
خطبته عليه السّلام لإصلاح الناس
* وقال في نهاية الخطبة التي أنشأها عليه السلام وتطرّق فيها إلي ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلي الثورة علي الظَّلَمة وحكّام الجور ، وتحدّث فيها مفصّلاً عن محروميّة المظلومين والتفرّق عن الحقّ ؛ وذكّر ضمناً بأنّ : مَجَارِي الاْمُورِ وَالاْحْكَامِ عَلَي أَيْدِي الْعُلَمَآءِ بِاللَهِ ، الاْمَنَآءِ عَلَي حَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ ، قال :
اللَهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَا كَانَ مِنَّا [5] تَنَافُساً فِيسُلْطَانٍ ، وَلاَ الْتِمَاساً مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ ، وَلَكِنْ لِنَرَي الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ ، وَنُظْهِرَ الإصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ، وَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ ، وَيُعْمَلَ بِفَرَائِضِكَ وَسُنَنِكَ وَأَحْكَامِكَ .
فَإنْ لَمْ تَنْصُرُونَا [6] وَتُنْصِفُونَا قَوِيَ الظَّلَمَةُ عَلَيْكُمْ ، وَعَمِلُوا فِي إطْفَاءِ نُورِ نَبِيِّكُمْ ؛ وَحَسْبُنَا اللَهُ ، وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا، وَإلَيْهِ أَنَبْنَا ، وَإلَيْهِ الْمَصِيرُ. [7]
الرجوع الي الفهرس
وصيّته عليه السّلام إلي محمّد بن الحنفيّة
* وحين عَزَم عليه السلام علي الخروج منالمدينة المنوّرة إلي مكّة المكرّمة ، فكتب وصيّةً وطواها وختمها بخاتمه ودفعها إلي أخيه محمّد بن الحنفيّة ، ثمّ ودّعه وسار في جوف الليل بجميع أهل بيته إلي مكّة ليلة الثالث من شعبان لسنة ستّين هجريّة ؛ وتلك الوصيّة هي :
بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ ؛ هَذَا مَا أَوْصَي بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِيطَالِبٍ إلَي أَخِيهِ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ :
إنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ؛ وَأَنَّ مُحَمَّداً صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ . وَأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ ؛ ) وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ) .
إنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلاَ بَطِراً وَلاَ مُفْسِداً وَلاَظَالِماً؛ وَإنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاَحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي مُحَمَّدٍ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ؛ أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَي عَنِ الْمُنْكَرِ ؛ وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَسِيرَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .
فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ ، فَاللَهُ أَوْلَي بِالْحَقِّ ؛ وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا ، أَصْبِرُ حَتَّي يَقْضِيَ اللَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ ؛ ) وَهُوَ خَيْرُ الْحَـ'كِمِينَ ) .
وَهَذِهِ وَصِيَّتِي إلَيْكَ يَا أَخِي ؛ ) وَمَا تَوْفِيقِي´ إلاَّ بِاللَهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) ؛ وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَي مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَي ؛ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ . [8]
االرجوع الي الفهرس
الحثّ علي المكارم
* ومن جملة خطبه عليه السلام التي أوردها عليّ ابن عيسي الإربليّ :
خَطَبَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ؛ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ! نَافِسُوا فِي الْمَكَارِمِ ، وَسَارِعُوا فِي الْمَغَانِمِ ، وَلاَتَحْتَسِبُوا بِمَعْرُوفٍ لَمْ تَعْجَلُوا ؛ وَاكْسِبُوا الْحَمْدَ بِالنُّجْحِ، وَلاَ تَكْتَسِبُوا بِالْمَطْلِ ذَمّاً ؛ فَمَهْمَا يَكُنْ لاِحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ صَنِيعَةٌ لَهُ رَأَي أَنَّهُ لاَ يَقُومُ بِشُكْرِهَا فَاللَهُ لَهُ بِمُكَافَأَتِهِ ؛ فَإنَّهُ أَجْزَلُ عَطَاءً وَأَعْظَمُ أَجْراً . [9]
وَاعْلَمُوا أَنَّ حَوَائِجَ النَّاسِ إلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِ اللَهِ عَلَيْكُمْ ؛ فَلاَ تَمَلُّوا النِّعَمَ فَتَحُورَ نِقَماً . [10]
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمَعْرُوفَ مُكْسِبٌ حَمْداً ، وَمُعْقِبٌ أَجْراً . فَلَوْ رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ رَجُلاً رَأَيْتُمُوهُ حَسَناً جَمِيلاً يَسُرُّ النَّاظِرِينَ ؛ وَلَوْ رَأَيْتُمُ اللُؤْمَ رَأَيْتُمُوهُ سَمِجاً مُشَوَّهاً تَنَفَّرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ ، وَتَغُضُّ دُونَهُ الاْبْصَارُ . [11]
أَيُّهَا النَّاسُ ! مَنْ جَادَ سَادَ ، وَ مَنْ بَخِلَ رَذِلَ . وَ إنَّ أَجْوَدَ النَّاسِ مَنْ أَعْطَي مَنْ لاَ يَرْجُوهُ ؛ وَإنَّ أَعْفَي النَّاسِ مَنْ عَفَا عَنْ قُدْرَةٍ ؛ وَإنَّ أَوْصَلَ النَّاسِ مَنْ وَصَلَ مَنْ قَطَعَهُ.
وَالاْصُولُ عَلَي مَغَارِسِهَا بِفُرُوعِهَا تَسْمُو ؛ فَمَنْ تَعَجَّلَ لاِخِيهِ خَيْراً وَجَدَهُ إذَا قَدِمَ عَلَيْهِ غَداً .
وَمَنْ أَرَادَ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَي بِالصَّنِيعَةِ إلَي أَخِيهِ كَافَأَهُ بِهَا فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ ، وَصَرَفَ عَنْهُ مِنْ بَلاَءِ الدُّنْيَا مَاهُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ . وَمَنْ نَفَّسَ كُرْبَةَ مُؤْمِنٍ فَرَّجَ اللَهُ عَنْهُ كُرَبَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ . وَمَنْ أَحْسَنَ أَحْسَنَ اللَهُ إلَيْهِ ، وَاللَهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [12] .
الرجوع الي الفهرس
أُسلوب اجتناب المعاصي
* و من جملة مواعظه عليه السلام :
رُوِيَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ جَاءَهُ رَجُلٌ وَقَالَ : أَنَا رَجُلٌ عَاصٍ ، وَلاَ أَصْبِرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ ؛ فَعِظْنِي بِمَوْعِظَةٍ !
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : افْعَلْ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ ؛ وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ !
فَأَوَّلُ ذَلِكَ : لاَ تَأْكُلْ رِزْقَ اللَهِ ؛ وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ !
وَالثَّانِي : اخْرُجْ مِنْ وِلاَيَةِ اللَهِ ؛ وَأَذْنِبْ مَاشِئْتَ !
وَالثَّالِثُ : اطْلُبْ مَوْضِعاً لاَ يَرَاكَ اللَهُ ؛ وَأَذْنِبْ مَاشِئْتَ !
وَالرَّابِـعُ : إذَا جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَكَ فَادْفَعْهُ عَنْ نَفْسِكَ ؛ وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ !
وَالْخَامِسُ : إِذَا أَدْخَلَكَ مَالِكٌ فِي النَّارِ فَلاَ تَدْخُلْ فِي النَّارِ ، وَأَذْنِبْ مَاشِئْتَ ! [13]
الرجوع الي الفهرس
مواعظ سيّد الشهداء عليه السلام
* وورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال :
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ أَنَّ رَجُلاً مِنْأَهْلِ الْكُوفَةِ كَتَبَ إلَي أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَاالسَّلاَمُ:
يَا سَيِّدِي ؛ أَخْبِرْنِي بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ !
فَكَتَبَ صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَيْهِ : بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . أَمَّا بَعْدُ ، فَإنَّ مَنْ طَلَبَ رِضَـا اللَهِ بِسَخَطِ النَّاسِ ، كَفَاهُ اللَهُ أُمُورَ النَّاسِ ؛ وَمَنْ طَلَبَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَهِ ، وَكَلَهُ اللَهُ إلَي النَّاسِ ؛ وَالسَّلاَمُ . [14]
* ورُوي عن كتاب «أعلام الدين» :
قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : دِرَاسَةُ الْعِلْمِ لِقَاحُ الْمَعْرِفَةِ ؛ وَطُولُ التَّجَارِبِ زِيَادَةٌ فِي الْعَقْـلِ؛ وَالشَّرَفُ التَّقْوَي ؛ والْقُنُوعُ رَاحَةُ الاْبْدَانِ . وَمَنْ أَحَبَّكَ نَهَاكَ ؛ وَمَنْأَبْغَضَكَ أَغْرَاكَ . [15]
* و من مواعظه عليه السلام :
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إيَّاكَ وَمَا تَعْتَذِرُ مِنْهُ ؛ فَإنَّ الْمُؤْمِنَ لاَيُسِيءُ وَلاَيَعْتَذِرُ ، وَالْمُنَافِقُ كُلَّ يَوْمٍ يُسِيءُ وَيَعْتَذِرُ . [16]
* ومن مواعظه عليه السلام :
وَقَالَ لاِبْنِهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ :
أَيْ بُنَيَّ ! إيَّاكَ وَظُلْمَ مَنْ لاَ يَجِدُ عَلَيْكَ نَاصِراً إلاَّاللَهَ جَلَّ وَعَزَّ . [17]
الرجوع الي الفهرس
خطبته عليه السلام بمني وتنوير الاذهان في زمن معاوية
* وفي كتاب سليم بن قيس :
لمّا مات الحسن بن عليّ عليهما السلام (استشهد الإمام الحسن المجتبي عليه السلام بالسمّ في سنة 49 هجريّة علي يد زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس بإيعاز من معاوية [18] )، لمتزل الفتنة والبلاء يعظمان ويشتدّان (علي الشيعة) ، فلم يبقَ وليّ للّه إلاّ خائفاً علي دمه ، (وفي رواية أُخري : إلاّ خائفاً عليدمه أنّه مقتول)، وإلاّ طريداً وإلاّ شريداً ، ولم يبق عدوّ للّه إلاّ مظهراً حجّته غير مستتر ببدعته وضلالته ؛ فلمّا كان قبل موت معاوية بسنة [19] حجّ الحسينُ بنُ عليّ صلوات الله عليه وعبد الله بن عبّاس وعبد الله بن جعفر معه ، فجمع الحسينُ عليه السلام بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم ومن الانصار ممّن يعرفه الحسين عليه السلام وأهل بيته ، ثمّ أرسل رسلاً لاتَدَعوا أحداً ممّن حجّ العام من أصحاب رسول الله صلّي الله عليه وآله المعروفين بالصلاح والنسك إلاّاجمعهم [20] لي ، فاجتمع إليه بمني أكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادقه ، عامّتهم من التابعين ونحو منمائتي رجل من أصحاب النبيّ صلّي الله عليه وآله .
فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيباً ، فَحَمِدَ اللَهَ وَأَثْنَي عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ :
أَمَّا بَعْدُ ؛ فَإنَّ هَذَا الطَّاغِيَةَ [21] قَدْ فَعَلَ بِنَا وَبِشِيعَتِنَا مَاقَدْ رَأَيْتُمْ وَعَلِمْتُمْ وَشَهِدْتُمْ !
وَإنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكُمْ عَنْ شَيْءٍ ؛ فَإِنْ صَدَقْتُ فَصَدِّقُونِي ، وَإِنْ كَذَبْتُ فَكَذِّبُونِي !
وَأَسْأَلُكُمْ بِحَقِّ اللَهِ عَلَيْكُمْ وَحَقِّ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَقَرَابَتِي مِنْ نَبِيِّكُمْ لَمَّا سَيَّرْتُمْ مَقَامِي هَذَا وَوَصَفْتُمْ مَقَالَتِي ، وَدَعَوْتُمْ أَجْمَعِينَ فِي أَمْصَارِكُمْ مِنْ قَبَائِلِكُمْ مَنْ آمَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ (وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَي بَعْدَ قَوْلِهِ : فَكَذِّبُونِي : اسْمَعُوا مَقَالَتِي وَاكْتُبُوا قَوْلِي ، ثُمَّ ارْجِعُوا إلَي أَمْصَارِكُمْ وَقَبَائِلِكُمْ فَمَنْ آمَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ) وَوَثِقْتُمْ بِهِ فَادْعُوهُمْ إلَي مَا تَعْلَمُونَ مِنْ حَقِّنَا ؛ فَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ يَدْرُسَ هَذَا الاْمْرُ وَيَذْهَبَ الْحَقُّ وَيُغْلَبَ ؛ ) وَاللَهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَـ'فِرُونَ ) .
وَمَا تَرَكَ شَيْئاً مِمَّا أَنْزَلَ اللَهُ فِيهِمْ مِنَ الْقُرآنِ إلاَّتَلاَهُ وَفَسَّرَهُ ؛ وَلاَ شَيْئاً مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِيهِ وَأَخِيهِ وَأُمِّهِ وَفِي نَفْسِهِ وَأَهْلِبَيْتِهِ إلاَّ رَوَاهُ . وَكُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ أَصْحَابُهُ : اللَهُمَّ نَعَمْ! وَقَدْ سَمِعْنَا وَشَهِدْنَا ؛ وَ يَقُولُ التَّابِعِيُّ : اللَهُمَّ قَدْحَدَّثَنِي بِهِ مَنْ أُصَدِّقُهُ وَأَئْتَمِنُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ .
الرجوع الي الفهرس
مناشدته عليه السلام للاصحاب والتابعين
فَقَالَ : أَنْشُدُكُمُ اللَهَ إلاَّ حَدَّثْتُمْ بِهِ مَنْ تَثِقُونَ بِهِ وَبِدِينِهِ !
قَالَ سُلَيْمٌ : فَكَانَ فِيمَا نَاشَدَهُمُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَذَكَّرَهُمْ أَنْ قَالَ :
أَنْشُدُكُمُ اللَهَ ! أَتَعْلَمُونَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَأَخَا رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ آخَي بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَآخَي بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ وَقَالَ : أَنْتَ أَخِي وَأَنَا أَخُوكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؟
قَالُوا : اللَهُمَّ نَعَمْ !
قَالَ : أَنْشُدُكُمُ اللَهَ ! أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَصَبَهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَنَادَي لَهُ بِالْوِلاَيَةِ ؛ وَقَالَ : لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ؟
قَالُوا : اللَهُمَّ نَعَمْ !
قَالَ : أَنْشُدُكُمُ اللَهَ ! أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ فِي آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا : إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ : كِتَابَ اللَهِ وَأَهْلَ بَيْتِي فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْتَضِلُّوا؟
قَالُوا : اللَهُمَّ نَعَمْ !
و بعد نقل فِقْرات كثيرة من هذه المناشدة ، قال :
ثُمَّ نَاشَدَهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوهُ يَقُولُ : مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي وَيُبْغِضُ عَلِيّاً فَقَدْ كَذَبَ ؛ لَيْسَ يُحِبُّنِي وَيُبْغِضُ عَلِيّاً. فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَهِ ! وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟
قَالَ : لاِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ ؛ مَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِي ، وَمَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللَهَ ؛ وَمَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي ، وَمَنْ أَبْغَضَنِي فَقَدْ أَبْغَضَ اللَهَ ؟
فَقَالُوا : اللَهُمَّ نَعَمْ ! قَدْ سَمِعْنَا . وَتَفَرَّقُوا عَلَي ذَلَكَ . [22]
الرجوع الي الفهرس
خطبته عليه السلام عند خروجه من مكّة
* خطبته عليه السلام في مكّة المكرّمة حين عزم علي الخروج إلي كربلاء :
وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا عَزَمَ عَلَي الْخُرُوجِ إلَي الْعِرَاقِ قَامَ خَطِيباً ، فَقَال : الْحَمْدُ لِلَّهِ ؛ مَاشَاءَ اللَهُ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ ؛ وَصَلَّي اللَهُ عَلَي رَسُولِهِ .
خُطَّ الْمَوْتُ عَلَي وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلاَدَةِ عَلَي جِيدِ الْفَتَاةِ . وَمَا أَوْلَهَنِي إلَي أَسْلاَفِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إلَي يُوسُفَ . وَخُيِّرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لاَقِيهِ ؛ كَأَنِّي بَأَوْصَالِي تَتَقَطَّعُهَا عُسْلاَنُ الْفَلَوَاتِ بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَكَرْبَلاَءَ ؛ فَيَمْلاَنَ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً ، وَأَجْرِبَةً سُغْباً .
لاَ مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ . رِضَا اللَهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ ؛ نَصْبِرُ عَلَي بَلاَئِهِ ، وَيُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ.
لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لُحْمَتُهُ ، وَهِيَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ ، تَقِرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ ، وَيُنْجَزُ لَهُمْ وَعْدُهُ .
مَنْ كَانَ فِينَا بَاذِلاً مُهْجَتَهُ ، وَمُوَطِّناً عَلَي لِقَاءِ اللَهِ نَفْسَهُ ، فَلْيَرْحَلْ مَعَنَا ؛ فَإنَّنِي رَاحِلٌ مُصْبِحاً إنْ شَاءَ اللَهُ تَعَالَي . [23]
الرجوع الي الفهرس
أشعاره عليه السلام في جواب الفرزدق و محادثته معه
* وقد التقاه (عليه السلام) وهو متوجّه إلي الكوفة الفرزدقُ بن غالب (الشاعر المعروف في ذلك العصر) وقال له :
يابنَ رسولِ الله ؟ كيفَ تَركَنُ إلي أهل الكوفةِ وهم الذين قَتلوا ابنَ عَمِّك مسلمَ بنَ عقيل وشيعته ؟
فترحّمَ (الحسينُ) علي مُسلمٍ وقال : صار إلي رَوْحِ اللَهِ ورِضوانِهِ ، أما إنَّهُ قَضَي مَا عَلَيهِ وبَقِي مَا عَلَيْنَا وأنشده:
وَإنْ تَكُنِ الدُّنْيَا تُعَدُّ نَفِيسَةً فَدَارُ ثَوَابِ اللَهِ أَعْلَي وَأَنْبَلُ
وَإنْ تَكُنِ الاْبْدَانُ لِلْمَوْتِ أُنْشِئَتْ فَقَتْلُ امْرِيً بِالسَّيْفِ فِي اللَهِ أَفْضَلُ
وَإنْ تَكُنِ الاْرْزَاقُ قِسْمـاً مُقَـدَّراً فَقِلَّةُ حِرْصِ الْمَرْءِ فِي الْكَسْبِ أَجْمَلُ
وَإنْ تَكُنِ الاْمْوَالُ لِلتَّرْكِ جَمْعُهَا فَمَا بَالُ مَتْرُوكٍ بِهِ الْمَرْءُ يَبْخَلُ [24]
وقال الكثير من أصحاب المقاتل إنّه عليه السلام كان يرتجز يوم عاشوراء ويقاتل بسيفه ، ويتمثّل فيرجزه بهذه الاشعار ؛ مثل المحدّث القمّيّ في «نفسالمهموم» والشيخ سليمان القندوزيّ في «ينابيع المودّة». [25]
* يقول عليّ بن عيسي الإربِليّ :
قَالَ الْفَرَزْدَقُ : لَقِيَنِي الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِيمُنْصَرَفِي مِنَ الْكُوفَةِ؛
فَقَالَ : مَا وَرَاكَ يَا أَبَا فِرَاسٍ؟
قُلْتُ : أَصْدُقُكَ ؟!
قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : الصِّدْقَ أُرِيدُ !
قُلْتُ : أَمَّا الْقُلُوبُ فَمَعَكَ ؛ وَأَمَّا السُّيُوفُ فَمَعَ بَنِي أُمَيَّةَ ؛ وَالنَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَهِ .
قَالَ : مَا أَرَاكَ إلاَّ صَدَقْتَ ! النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا وَالدِّينُ لَغْوٌ عَلَي أَلْسِنَتِهِمْ ؛ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ بِهِ مَعَايِشُهُمْ ؛ فَإذَا مُحِّصُوا بِالْبَلاَءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ . [26]
الرجوع الي الفهرس
خطبة الإمام عليه السلام عند ممانعة الحرّ إيّاه
* وحين اعترض الحرُّ بن يزيد الرياحيّ الإمامَ ومنعه بشدّة من التوجّه إلي الكوفة أو الرجوع إلي المدينة، فقام عليه السلام في «ذي حَسَم» وفق رواية الطبريّ فيتأريخه عن عَقَبة بن أبي العيزار :
فَحَمِدَ اللَهَ وَأَثْنَي عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، إنَّهُ قَدْ نَزَلَ مِنَ الاْمْرِ مَا قَدْ تَرَوْنَ ؛ وَإنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنَكَّرَتْ وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا وَاسْتَمَرَّتْ حَذَّاءَ ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإنَاءِ ، وَخَسِيسُ عَيْشٍ كَالْمَرْعَي الْوَبِيلِ .
أَلاَ تَرَوْنَ أَنَّ الْحَقَّ لاَيُعْمَلُ بِهِ ، وَأَنَّ الْبَاطِلَ لاَيُتَنَاهَي عَنْهُ ؟! لِيَرْغَبِ الْمُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللَهِ مُحِقّاً ؛ فَإنِّي لاَ أَرَي الْمَوتَ إلاَّ سَعَادَةً ، وَلاَ الْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إلاَّبَرَماً . [27]
وزاد في كتاب «تحف العقول» هذه الجملة بعد ذكره لهذه الجملات من الخطبة : قال عليه السلام :
إنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنيَا ، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَي أَلْسِنَتِهِمْ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ ؛ فَإذَا مُحِّصُوا بِالْبَلاَءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ . [28]
فقام آنذاك زُهَيْر بن القَيْن ونافِع بن هِلال وبُرَيْر ابن خُضير ، كلاّ بدوره ، فتكلّموا وأظهروا موالاتهم ومساندتهم للإمام .
* وأقبل الحرّ بن يزيد يُساير الإمام ولا يُفارقه وهو يقول له : يَا حسين ! إنّي أُذكِّركَ اللهَ في نفسكَ ، فإنّي أشهَد لَئن قاتلتَ لَتُقْتَلَنَّ .
الرجوع الي الفهرس
كلامه عليه السلام في جواب تهديد الحرّ
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَفَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي ؟! وَهَلْ يَعْدُو بِكُمُ الْخَطْبُ إنْ تَقْتُلُونِي ؟! [29]
وَسَأَقُولُ كَمَا قَالَ أَخُو الاْوْسِ لاِبْنِ عَمِّهِ وَهُوَ يُرِيدُ نُصْرَةَ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ؛ فَخَوَّفَهُ ابْنُعَمِّهِ وَقَالَ : أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ فَإنَّكَ مَقْتُولٌ .
فَقَالَ :
سَأَمْضِي وَ مَا بِالْمَوْتِ عَارٌ عَلَي الْفَتَي إذَا مَا نَوَي حَقّاً وَ جَاهَدَ مُسْلِمَا
وَ وَاسَي الرِّجَالَ الصَّالِحِينَ بِنَفْسِهِ وَ فَارَقَ مَثْبُوراً وَ خَالَفَ مُجْرِمَا
فَإنْ عِشْتُ لَمْ أَنْدَمْ وَ إنْ مِتُّ لَمْ أُلَمْ كَفَي بِكَ ذُلاّ أَنْ تَعِيشَ وَ تُرْغَمَا [30]
الرجوع الي الفهرس
كلام سيّد الشهداء عليه السلام في استعداده للشهادة
* وربّما كانت تلك الكلمات القيّمة كالدرر التي أوردها العلاّمة المعاصر توفيق أبوعلم في كتابه الموسوم بـ «أهل البيت» كانت إجابة سيّد الشهداء عليه السلام فيهذا المكان للحرّ بن يزيد الرياحيّ ، حيث يقول :
لَيْسَ شَأْنِي شَأْنَ مَنْ يَخَافُ الْمَوْتَ . مَا أَهْوَنَ الْمَوْتَ عَلَي سَبِيلِ نَيْلِ الْعِزِّ وَإحْيَاءِ الْحَقِّ . لَيْسَ الْمَوْتُ فِي سَبِيلِ الْعِزِّ إلاَّ حَيَاةً خَالِدَةً ؛ وَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ مَعَ الذُّلِّ إلاَّ الْمَوْتَ الَّذِي لاَ حَيَاةَ مَعَهُ .
أَفَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي ؟! هَيْهَاتَ ؛ طَاشَ سَهْمُكَ ، وَخَابَ ظَنُّكَ ! لَسْتُ أَخَافُ الْمَوْتَ .
إنَّ نَفْسِي لاَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ ، وَهِمَّتِي لاَعْلَي مِنْ أَنْأَحْمِلَ الضَّيْمَ خَوْفاً مِنَ الْمَوتِ ؛ وَهَلْ تَقْدِرُونَ عَلَيأَكْثَرَ مِنْ قَتْلِي ؟!
مَرْحَباً بِالْقَتْلِ فِي سَبيلِ اللَهِ ! وَلَكِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَي هَدْمِ مَجْدِي وَمَحْوِ عِزَّتِي وَشَرَفِي ؛ فَإذاً لاَ أُبَالِي مِنَ الْقَتْلِ . [31]
* وسيّد الشهداء هو القائل :
مَوْتٌ فِي عِزٍّ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي ذُلٍّ . [32]
* وهو الذي كان يرتجز في الحرب حين يحمل علي جيش الاعداء فيقول :
الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْعَارِ وَالْعَارُ أَوْلَي مِنْ دُخُولِ النَّارِ [33] و [34]
الرجوع الي الفهرس
خطبته عليه السلام في أصحابه و أصحاب الحرّ
* ونُقل عن الطبري أنّ أبا مخنف روي عن عَقَبَة ابن أبي العيزار أنّ الحسين عليه السّلام خطب أصحابه وأصحاب الحرّ في «البَيْضَة» :
فَحَمِدَ اللَهَ وَأَثْنَي عَلَيْهِ ؛ ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ! إنَّرَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ : مَنْ رَأَي سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلاّ لِحُرَمِ اللَهِ ، نَاكِثاً لِعَهْدِ اللَهِ ، مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، يَعْمَلُ فِي عِبَادِاللَهِ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، فَلَمْ يُعَيِّرْ ] يُغَيِّرْ [ عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلاَقَوْلٍ ؛ كَانَ حَقّاً عَلَي اللَهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ . أَلاَ وَإنَّ هَؤُلاَءِ [35] قَدْلَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ ، وَتَرَكُوا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ، وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ ، وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ ، وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ ، وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللَهِ ، وَحَرَّمُوا حَلاَلَهُ ؛ وَأَنَا أَحَقُّ مِنْ غَيْرٍ [36]] مَنْ غَيَّرَ ؛ مَنْ عَيَّرَ [ .
وَقَدْ أَتَتْنِي كُتُبُكُمْ ، وَقَدِمَتْ عَلَيَّ رُسُلُكُمْ بِبَيْعَتِكُمْ أَنَّكُمْ لاَ تُسَلِّمُونِي وَلاَ تَخْذُلُونِي ؛ فَإنْتَمَمْتُمْ عَلَي بَيْعَتِكُمْ تُصِيبُوا رُشْدَكُمْ .
فَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، وَابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِاللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ؛ نَفْسِي مَعَ أَنْفُسِكُمْ ، وَأَهْلِي مَعَ أَهْلِيكُمْ [37] ؛ فَلَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ . [38]
وإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَنَقَضْتُمْ عَهْدَكُمْ ، وَخَلَعْتُمْ بَيْعَتِي مِنْ أَعْنَاقِكُمْ ، فَلَعَمْرِي مَا هِيَ لَكُمْ بِنُكْرٍ ؛ لَقَدْ فَعَلْتُمُوهَا بِأَبِي وَأَخِي وَابْنِ عَمِّي مُسْلِمٍ .
وَالْمَغْرُورُ مَنِ اغْتَـرَّ بِـكُمْ ؛ فَحَظَّكُمْ أَخْطَأْتُمْ ؛ وَنَصِيبَكُمْ ضَيَّعْتُمْ ؛ وَ مَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَي' نَفْسِهِ. وَسَيُغْنِي اللَهُ عَنْكُمْ . وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَهِ وَبَرَكَاتُهُ . [39]
* وحين نزل سيّد الشهداء عليه السلام كربلاء دعا بدواة وبياض وكتب نظير هذه الخطبة التي ذُكرت ، إليأشراف الكوفة ممّن يُظَنّ أنـّه علي رأيه [40] ، ثمّ طوي الكتاب وختمه بخاتمه الشريف ودفعه إلي قَيْس بن مُسْهر الصَّيداويّ وأمره أن يسير إلي الكوفة .
الرجوع الي الفهرس
خطبة الإمام ليلة عاشوراء في أصحابه
* جمع سيّد الشهداء عليه السلام أصحابه عند قرب المساء ليوم تاسوعاء ؛ قال عليّ بن الحسين زينالعابدين عليهما السلام : فدنوتُ منه لاسمع ما يقول لهم، وكنتُ إذ ذاك مريضاً ، فسمعتُ أبي يقول لاصحابه:
أُثْنِي عَلَي اللَهِ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ ؛ وَأَحْمَدُهُ عَلَيالسَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ .
اللَهُمَّ إنِّي أَحْمَدُكَ عَلَي أَنْ أَكْرَمْتَنَا بِالنُّبُوَّةِ ، وَعَلَّمْتَنَا الْقُرْآنَ ، وَفَقَّهْتَنَا فِي الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَإنِّي لاَ أَعْلَمُ أَصْحَاباً أَوفَي وَلاَ خَيْراً مِنْأَصْحَابِي ، وَلاَ أَهْلَ بَيْتٍ أَبَرَّ وَ لاَ أَوْصَلَ مِنْ أَهْلِبَيْتِي ؛ فَجَزَاكُمُ اللَهُ عَنِّي خَيْرَ الْجَزَاءِ.
أَلاَ وَ إنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ فَانْطَلِقُوا جَمِيعاً فِي حِلٍّ ؛ لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنِّي ذِمَامٌ. هَذَا اللَيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلاً . [41]
فنهض إخوته وأبناؤه وأبناء إخوته وأبناء عبدالله بن جعفر ، ومسلم بن عوسجة ، وزهير بن القين وجماعة آخرون من الاصحاب فتكلّم كلٌّ منهم معتذراً كلاماً معناه : لا بقينا بعدك ! لا أبقانا الله بعدك ! لن يكون ذلك منّا أبداً! لوددنا لو كان لدينا عدّة أرواح لنفديك بها جميعاً !
الرجوع الي الفهرس
دعاؤه عليه السلام صبيحة يوم عاشوراء
* ويُروي عن سيّد الساجدين وزين العابدين عليهالسلام أنّه قال :
لَمَّا صَبَّحَتِ الْخَيْلُ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، رَفَعَ يَدَيْهِ وَ قَالَ :
اللَهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ ؛ وَأَنْتَ رَجَائِي فِيكُلِّ شِدَّةٍ ؛ وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِـي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ .
كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فِيهِ الْفُؤَادُ ، وَتَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ ، وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّدِيقُ ، وَيَشْمَتُ فِيهِ الْعَدُوُّ ؛ أَنْزَلْتُهُ بِكَ ، وَشَكَوْتُهُ إلَيْكَ ، رَغْبَةً مِنِّي إلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ ؛ فَفَرَّجْتَهُ عَنِّي ، وَكَشَفْتَهُ ، وَكَفَيْتَهُ .
فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ ، وَمُنْتَهَي كُلِّ رَغْبَةٍ . [42]