الطائر الحر
Well-Known Member
شادي عبد الحافظ
11/11/2017
كل ما تراه في السماء من نجوم، سدم، وتجمعات نجمية يقع بالكامل ضمن نطاق مجرتنا، لا يمكن لك أن ترى أية نجوم من أية مجرة أخرى في السماء، وفقط المجرات الأخرى -تلك التي نرصدها كاملة بتلسكوباتنا- هي ما يقع خارج هذا النطاق، في الحقيقة قبل أواخر العشرينات من القرن الفائت لم نكن نعرف تلك المعلومة، فالجميع في الوسط العلمي تصوّر أن الكون كله هو مجرة درب التبانة، وأن المجرات هي سدم أيضًا، حتى جاء أيدوين هابل وأكد تباعد المجرات عن بعضها البعض بفعل التمدد الكوني.
موت النجوم
سوف نبدأ من منطقة كوكبة التوأم (Gemini)، ويمكن للراصد خلال أواخر الخريف، الشتاء، ونصف الربيع أن يتأملها في سماء الليل، ويمكن لك مراجعة تقرير سابق(2) يشرح ببساطة كيفية تحديد مكانها في السماء ليلًا. بتحديد النجم "سيغما" من الكوكبة، كما بالخريطة المرفقة، يمكن لك بسهولة الوصول إلى سديم الإسكيمو (Eskimo Nebula)، ويسمّى أيضًا سديم المهرج، وهو سديم كوكبي (Planetary Nebula)، ماذا يعني ذلك؟
السديم الكوكبي هو سديم ينتج في نهاية أعمار النجوم متوسطة الكتلة كالشمس، يحدث أن يبدأ النجم حياته بالتغذّي على هيدروجين السحابة النجمية الأولية التي تكوّن منها، ثم ينمو ليصبح نجما يافعا من نجوم التسلسل الرئيسي (Main Sequence Stars)، وهي مجموعة النجوم التي ما تزال تحرق هيدروجينها، بعد ذلك حينما ينضب الهيدروجين يبدأ مركز النجم في دمج عناصر أعلى -الهيليوم- مما يتسبب في تضخم نواته وطرد أغلفته الخارجية عنه.
تندفع تلك الأغلفة الخارجية في شكل رياح نجمية عاتية، تظل كذلك حتى يتبقى في مركزها قزم أبيض كثيف صغير الحجم محاط بسحابة نجمية مهولة، الآن دعنا نتأمل قليلًا صورة التلسكوب هابل الشهيرة لسديم الإسكيمو، هل تلاحظ ما يقع في مركز الصورة؟ بالضبط إنه ذلك القزم الأبيض المتبقي بعد انتهاء عمر النجم، تحيط به سحابة ضخمة من مكونات أغلفة النجم، لاحظ شكل تلك السحابة وشكل اندفاع أجزائها منطردة من المركز، إن تلك السحب تجري مندفعة بسرعة 115 ألف كيلومتر في الساعة الواحدة، هل تصدق ذلك؟
التقط التلسكوب هابل تلك الصورة سنة 1999، يدل كل لون فيها على وجود عنصر ما في تكوين هذا السديم، فالأحمر (نيتروجين)، الأخضر (هيدروجين)، والأزرق (أكسجين) والبنفسجي (هيليوم) (مواقع التواصل)
لذلك فالسديم الكوكبي لا علاقة له بالكواكب، ذلك اسم خادع في الحقيقة، لكنه ما أطلقه عليه الفلكيون قبل بضع قرون لأنهم تصوروا أن تلك هي سحب نجمية وما يقبع بداخلها هو كوكب قيد التصنيع، بينما في الحقيقة هو قزمنا الأبيض الساخن، اكتشف ويليم هيرشل سديم الإسكيمو قبل حوالي مائتي وستين سنة، ويقدر تاريخ بدء تكون تلك السحابة اللامعة التي تراها في الصورة بعشرة آلاف سنة، أي أنها بدأت تقريبًا مع بداية تكوّن حضارتنا، تظهر في السماء بقدر ظاهري حوالي 10، والقدر الظاهري هو لمعان النجم بالنسبة لنا على الأرض، ويبدأ من السالب إلى الموجب، فألمع نجوم السماء -الشعرى اليمانية- يلمع بقدر -1.46، وكلما ارتفع الرقم أصبح النجم أقل لمعانًا، وحدود العين المجردة هي القيمة 4 مثلًا، ويعني ذلك أنه سديم خافت لا يمكن تأمل محتواه بوضوح إلا عبر تلسكوب متوسط أو كبير، 8-12 بوصة مثلًا، سوف يكون التقاطه مهمة ممتعة بالفعل.
لا تستمر السدم الكوكبية كثيرًا، فهي كما قلنا عبارة عن أغلفة نجم ما تنتفض وتندفع للخارج بسرعات مهولة، يعني ذلك أنها في مرحلة ما سوف تنتشر بالكامل في الفضاء البين-نجمي تاركًة القزم الأبيض في المنتصف، كما أن هذا النجم نفسه سوف تتوقف التفاعلات فيه في النهاية، وبذلك سوف يتوقف عن إصدار الأشعة التي بدورها تضيء سحابة السديم فنراه من على الأرض، لذلك فالسدم الكوكبية قصيرة العمر نسبيًا، حول عشرة آلاف سنة مثلًا، في النهاية يتحول القزم الأبيض لقزم أسود ببطئ شديد، مليارات الأعوام ربما، نحن الآن أمام نجم ميت، يُقال إن السدم هي الورود الموضوعة على قبور النجوم بعد وفاتها.
رغم ذلك فالسدم الكوكبية تشبه طائر الفينيق/العنقاء، وهو أحد الأساطير الشهيرة بديعة الشكل التي نراها في قصص السندباد وألف ليلة وليلة، فكما تموت العنقاء لتخرج من رمادها عنقاء جديدة، كذلك تعد السدم الكوكبية ذات أهمية خاصة لنفس السبب، فهي حلقة الوصل بين مكونات النجم والفضاء البين-نجمي، حيث إنه في أثناء انطلاق تلك السحب في الفضاء البين نجمي قد تُستخدم العناصر الخارجة منها كالكربون، الكالسيوم، والأكسجين، في بناء نجوم جديدة، أو ربما كواكب صالحة للحياة حول نجوم أخرى، من الموت تخرج الحياة!
حينما ننظر إلى سديم الإسكيمو، وغيره من السدم الكوكبية، فنحن إذن ننظر إلى مستقبل الشمس، في مرحلة ما بعد حوالي خمسة مليارات من الأعوام، وبعد أن تمددت الشمس بحيث أصبحت أضخم من حجمها الحالي، في تلك المرحلة تكون الشمس قد وصلت في تضخمها إلى مدار الأرض، رغم ذلك لن تأكل الشمس الأرض ولكن سوف تدفعها للأمام، لكن سوف تكون الحياة على الأرض قد انتهت من ملايين السنين.
ملوك الروك السماوي
بجانب كوكبة التوأم يمكن لك تأمل التجمع النجمي المفتوح (M44)، التجمعات النجمية المفتوحة هي تجمعات للنجوم التي ولدت في نفس السحابة، وقد أشرنا له ولتجمع القفير (Beehive) قبل ذلك في تقريرين منفصلين(3،4)، لذلك لا حاجة لنا في التعلم عنها الآن، فقط نحن نحتاج إلى النزول قليلًا أسفل كوكبة التوأم إلى اليسار عند كوكبة الثور، عند النجم "أوبسيلون" بالضبط، إلى يمين هذا النجم يقع نوع آخر من السدم نعرفه بلسم بقايا المستعرات العظمى (Supernova Remnant)، وهي تلك السدم التي تكونت بعض أكبر وأقوى انفجارات الكون.
سديم السرطان (Crab Nebula) هو بقايا مستعر أعظم(5) نشأ من نجم أكبر في الكتلة عشر مرات من الشمس قد انفجر سنة 1054 ورآه سكان الصين واليابان وكوريا وسجّلوه في كتبهم تحت اسم "النجم الضيف (Guest Star)"، والذي أنار سماء الليل كقمر كامل لمدة تقترب من الشهر، وما نراه الآن من هذا الانفجار هو تلك السحب المندفعة منه بسرعة 3000 كيلومتر في الثانية الواحدة، هذا السديم ذا عرض يبلغ حوالي عشر سنوات ضوئية، ما يعني أنه بعرض عشر مجموعات شمسية كاملة.
وما زالت تلك البقايا تهرع إلى الفضاء المحيط بالنجم السابق تاركة في المركز ما نسميه نجم نيوتروني، لا يمكن أن نراه فهو بقطر عشرة كيلومترات أو أكبر قليلًا، لكنه رغم ذلك يحمل كتلة شمس كاملة تقريبًا، ويدور حول نفسه بسرعة مهولة -30 مرة في الثانية- مُطلقًا نبضات إشعاعية يمكن للراصد على الأرض التقاطها والتعرف عليها، خاصة حينما تطورت تلسكوبات البشر وتمكنت من رصد نطاقات في الطيف الكهرومغناطيسي غير نطاق الضوء المرئي.
يحدث المستعر الأعظم حينما تصل بعض النجوم مهولة الكتلة، ثماني كتل شمسية مثلًا، إلى نهاية أعمارها حيث تنتصر قوة الجاذبية على قوى الاندماج النووي التي خارت بعدما لم تتمكن من دمج الحديد لصنع عناصر أعلى في الجدول الدوري، في لحظة وجيزة ينهار النجم على ذاته بسرعة شديدة متسببًا في هذا الانفجار الضخم، إن المستعر الأعظم ضخم للدرجة التي يمكن معها أن نراه يحدث في مجرات تبتعد عنا ملايين السنين الضوئية، كما حدث منذ أيام في مجرة(6) الألعاب النارية والتي تقع تقريبًا على مسافة 22 سنة ضوئية.
سديم السرطان في صورة مركبة، يتخذ السديم شكل غاية في التعقد يتميز بتلك الخيوط المركبة، تعبر ألوان السديم عن العناصر المنطلقة منه (مواقع التواصل)
تشير الألوان في صورة هابل التي تراها أمامك إلى وجود عنصري الكبريت والأكسجين في الخيوط المنطلقة من الانفجار، وتحتوي تلك السحابة على كم من الكربون والسيليكا يكفي لصناعة 40 ألف كوكب كالأرض، في تقرير سابق عن المستعرات العظمى(7) تحدثنا عن الذهب ومجموعة من العناصر الأخرى التي يتسبب المستعر الأعظم في خلقها، بنفس النمط يمكن للمستعر أعظم أن يخلق من نهاية أعمار النجوم بدايات جديدة لنجوم أخرى، حيث تنطلق تلك العناصر بسرعات مهولة لتصطدم بها وتساعد في تكوين النجوم والكواكب، أضف لذلك أن سرعة انطلاق تلك الموجات من أغلفة النجم المنهار على ذاته تصطدم بقوة بالسحب النجمية المجاورة مما قد يحرك تكون نجم جديد بفعل تسخين موجات الانفجار لتلك السحابة، في الحقيقة تكونت الشمس والعناصر الأرضية التي نعرفها من بقايا نجم آخر غير الشمس قد انفجر ربما قبل خمسة مليارات من الأعوام.
سديم السرطان، لكن هذه المرة الصورة من التلسكوب تشاندرا في نطاق الأشعة السينية، كما تلاحظ يتسبب النجم النابض في المركز في حركة دائمة دوّامية للطاقة والمادة في السديم، يدور هذا النجم 30 لفة بالثانية الواحدة. (مواقع التواصل)
يلمع سديم السرطان بقدر ظاهري قيمته 8.4، ما يعني أنه يحتاج لتلسكوب متوسط كي نتبين تركيبه بوضوح، لكن -رغم ذلك- يمكن لتلسكوب صغير أن يلتقطه كغيمة صغيرة من الغبار بدون أي تحديد للتفاصيل، يسمى سديم السرطان أيضًا (M1)، وكان أول جرم أضافه تشارلز مسييه لقائمته في سنة 1771، وظل منذ تلك الفترة صاحب أهمية خاصة عند كل هواة الفلك ومتخصصيه.
إلى الآن، تعرفنا على نوعين أساسيين من تلك الورود السماوية البديعة، السدم الكوكبية، وبقايا المستعرات العظمى، سوف نحتاج الآن أن ننطلق بتلسكوباتنا شمالا باتجاه كوكبة الملتهب/قيفاوس، زوج الملكة الجميلة كاثيوبيا/ذات الكرسي وأبُ أندروميدا/المرأة المسلسلة، ما بين نجمي الذراع الأيمن والفرق، للأعلى قليلًا، حيث يمكن بتلسكوب صغير/متوسط أن تلاحظ تلك الغيمة الخفيفة اللامعة، إنه سديم القزحية (Iris Nebula، NGC 7023)، والذي يعد واحدًا من ألمع السدم الانعكاسية، دعنا أولا نتعرف إلى السديم الانعكاسي.
حضّانات النجوم
تنقسم السدم في العموم إلى ثلاثة أنواع، تعرفنا بالفعل إلى اثنين منها، الثالث هو السديم المنتشر (Diffuse Nebula)، وهو بتعريفه يبدو كأنما نتحدث عن الشكل العام للسدم، لكننا هنا نقصد ذلك السديم المرتبط بولادة النجوم وتطورها، حيث يزخر هذا السديم بكم مهول من الهيدروجين، غذاء النجوم، ويبدأ السديم المنتشر كسديم معتم (Dark Nebula)، فهو فقط سحابة من الغاز والغبار الداكن غير المشع، لذلك يظهر في التلسكوبات كمنطقة فارغة، بينما في الأصل هو دخان كثيف يمنع ضوء النجوم خلفه من الوصول إلى الراصد على الأرض، يحتوي هذا الغبار على كل شيء تقريبًا، الهيدروجين بصفة أساسية، مع مخلفّات النجوم التي انفجرت كمستعرات عظمى أو نفضت عنها أغلفتها الخارجية كسدم كوكبية، لذلك فتلك السحب المعتمة هي الحاضن الأمثل لميلاد نجوم جديدة وربما ميلاد حياة.
كما ترى، يظهر سديم القزحية العاكس بلون أزرق بديع، يظهر معظم السدم من هذا النوع باللون الأزرق، وذلك لأن عملية انعكاس الضوء الأزرق ذا الطول الموجي الأقصر تكون أكثر فاعلية من الأحمر ذا الطول الموجي الأكبر (مواقع التواصل)
بعد ذلك حينما تتجمع أجزاء من تلك السحابة بفعل موجات صدمية -مثلًا- قادمة من مستعر أعظم قريب فتبدأ في التكدس حتى ترتفع درجات حرارتها في الارتفاع حتى تصل إلى مرحلة تبدأ معها اندماجًا نوويًا، ويبدأ النجم الجديد حياته بإشعاع الضوء والحرارة، يتحول هنا السديم إلى سديم انبعاثي (Emission Nebula)، حيث تتوهج ذرات الهيدروجين في الجزء من السحابة المحيط النجم الوليد مما يجعلها تشع ضوءًا باتجاهنا، أما عن باقي السحابة المعتمة فهي الأخرى تعكس توهج ذلك النجم فتصنع سديما عاكسًا )Reflection Nebula)، الأنواع الثلاثة للسدم المنتشرة هي إذن تطور لنفس الحالة.
سديم القزحية خاصتنا هو سديم انعكاسي، يعكس ضوء نجم ضخم في مركزه، يدعى (HD 200775)، هذا النجم ذا قدر ظاهري قيمته 6، ما يعني أن الراصد بتلسكوب صغير أو متوسط سوف يرى النجم بسهولة، بينما تظهر السحب حوله كدخان لامع، وفي الصور ذات التعريض الطويل تظهر تلك السحب بلون أزرق بديع، يلمع سديمنا هذه المرة بقدر ظاهري 6.8 فقط، ما يعني أن رصده سوف يكون مهمة سهلة بالنسبة لتلسكوب صغير، ومهمة أسهل وأكثر روعة بالنسبة لتلسكوب متوسط.
لنعيد ضبط تلسكوباتنا، فتحفتنا الرابعة في تلك الرحلة السماوية التي تمتد ربما لتريليونات الكيلومترات تتواجد بالقرب من كوكبة وحيد القرن (Monoceros)، ونتمكن من رصدها بداية من أواخر الصيف، مرورًا بالشتاء وأوائل إلى منتصف الربيع، وهي سديم الوردة (Rosette Nebula)، يقع سديم الوردة إلى جوار النجم ايبسيلون من الكوكبة، ويسهّل ذلك عليك البحث عنها كثيرًا، حيث سوف يظهر النجم في التلسكوب كنقطة لا معة لا يقع إلى جوارها أي نجوم أخرى بنفس اللمعان.
يبلغ عرض هذا السديم حوالي 65 سنة ضوئية، نعم إنها كما سمعت، فهو بالفعل بعرض 65 مجموعة شمسية، ويحمل بداخله ما يساوي في كتلته عشرة آلاف شمس، والسديم هو من النوع الانبعاثي، حيث تتسبب مجموعة النجوم غاية في السخونة بمركز السديم، التجمع النجمي المفتوح الذي يحوي مئات النجوم صغيرة العمر، خمسة ملايين من السنوات فقط، في تأين السحابة وإشعاع هذا الضوء الذي نراه في صور السديم، والتي يظهر فيها كوردة سماوية ضخمة بشكل لا يمكن لنا تخيله، تتسبب تلك النجوم في المركز عبر رياحها النجمية العاتية في تكون نجوم أخرى طوال الوقت، حيث تتسبب تلك الانبعاثات في دفع أجزاء من السحابة للتكوّم على بعضها البعض مما يتسبب -كما قلنا منذ قليل- في بدء اندماج نووي، وهكذا..
كما ترى، فإن سديم الوردة يظهر كوردة مكتكلة النمو، نظرا لأن الهيدروجين يشكل أكثر من 90% من تركيب السحابة النجمية، ولأنه يحتاج إلى قدر قليل من الطاقة لكي يتأين، لذلك تظهر معظم السدم الانبعاثية باللون الأحمر، ناسا. (مواقع التواصل)
لا يمكن اصطياد سديم الوردة بسهولة عبر تلسكوب، رغم أن قدرها الظاهري قيمته 9 ويسمح ذلك لتلسكوب كبير أو متوسط برصدها، لكن سحبها خافتة للغاية وممتدة وتظهر كغمامة خفيفة، لكن يمكنك التقاطها بكاميرا مع تلسكوب، مع تعريض طويل في ليلة حالكة بمنطقة نائية، كل ما تحتاجه هو توجيه التلسكوب إلى النجم اوبسيلون وترك الكاميرا تلتقط أشعة الضوء من السديم لمدة بسيطة، كلما ازدادت مدة التعريض ظهر اللون الأحمر الخاص بالسديم أكثر توهجًا، بينما يمكن رصد التجمع النجمي المفتوح -رقم 50 في فهرس كالدويل (Caldwell)- بسهولة بالتلسكوبات الصغيرة، يبلغ عرض السديم كاملا محتويًا التجمع النجمي 130 سنة ضوئية.
الآن نقف على أعتاب نهاية رحلتنا الممتعة، وردتنا الخامسة هنا ليست سديمًا معتمًا واحدًا في الحقيقة، بل هي رحلة كاملة مستمرة في حزام المجرة، رحلة قد خضناها بالفعل في مقال سابق بعنوان(8) "نحو كاثي: الإبحار في درب التبانة"، وتبدأ من الصدع العظيم وهو مجموعة من سحب الغبار الجزيئية المظلمة، والتي تفصل بيننا وبين ذراع القوس (Sagittarius Arm) من المجرة، وهي منطقة يعتقد أنها تحتوي على ما تقترب كتلته من المليون كتلة شمسية من الغبار النجمي والبلازما، مرورًا بسحابة الدجاجة النجمية (Cygnus star cloud) والتي تمتد بامتداد خط كوكبة الدجاجة المتوجه من الجناح الأعلى حتى الرأس عند منقار الدجاجة (Alberio)، أعلى الجزء المظلم من الصدع العظيم في تلك المنطقة. يمتد الصدع بعد ذلك حتى آخر جزء منه؛ وهو صدع الدجاجة، حتى نمر بكاثيوبيا ثم لا نتوقف حتى نضرب رأس الصياد، يمكنك مراجعة هذا التقرير السابق للمزيد من التفاصيل الممتعة.
كما ترى، فالسدم المعتمة تنتشر في حزام المجرة بين كوكبتي العقرب والدجاجة، وهي تمنع ضوء النجوم في خلفيتها من الوصول إلينا. (مواقع التواصل)
حسنًا، كانت تلك رحلة طويلة ومرهقة، امتدت بطول المجرة وعرضها تقريبا، وحملت من سيرة الموت كما حملت من حكايات الحياة، فكما ترى، إن أجمل ما في دراسة السدم هو جدلية الموت والميلاد فيها، فالنجوم تموت بانفجارات مهولة أو بنفض أغلفتها الخارجية عنها، لتصنع للسحب النجمية المجاورة مادة الحياة لنجوم جديدة وليدة، وهكذا يستمر النهر الكوني العظيم في التخبط ما بين ميلاد وموت حتى نهاية عمره.
في الحقيقة، يدفعنا ذلك دائمًا للتأمل، لمحاولة تفهم حجم هذا البراح المهول بعقولنا الصغيرة، ومحاولة استلهام كل ذرة أمل ويأس ممكنة، فنحن على صغرنا وتفاهة أحجامنا كبشر في هذا الكون، قادرين كذلك على هضمه، فهمه، سبر أغواره عبر العلم، الآداة التي ابتكرناها بعقولنا الصغيرة، نحن إذن نشبه "الين واليانج"، فنحن الأكبر والأصغر، والأسهل والأعقد، ونحن الموت والحياة كذلك.