ابو مناف البصري
المالكي
اهدنا الصراط المستقيم
خولة بنت جعفر الحنفية زوجة أمير المؤمنين عليه السلام
احتجاجها في مجلس أبي بكر:
روى ابن شاذان بسنده ...قال: أخبرني ميمون بن صعب المكي بمكة، قال:
كنا عند أبي العباس بن سابور المكي، فأجرينا حديث أهل الردة، فذكرنا خولة الحنفية، ونكاح أمير المؤمنين «عليه السلام» لها، فقال: أخبرني أبو الحسن عبد الله بن أبي الخير الحسيني، قال:
بلغني أن الباقر محمد بن علي «عليهما السلام» كان جالساً ذات يوم، إذ جاءه رجلان، فقالا: يا أبا جعفر، ألست القائل: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لم يرض بإمامة من تقدم؟!
قال: بلى.
فقالا له: هذه خولة الحنفية نكحها من سبيهم، وقبل هديتهم، ولم يخالفهم عن أمرهم مدة حياتهم.
فقال الباقر «عليه السلام»: من فيكم يأتيني بجابر بن عبد الله بن حزام (وكان محجوباً قد كف بصره)، فحضر، فسلم على الباقر «عليه السلام»، (فرد «عليه السلام»)، وأجلسه إلى جانبه، وقال له: يا جابر، عندي رجلان ذكرا: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي بإمامة من تقدم عليه.
فسألهما الحجة في ذلك، فذكروا له خولة.
فبكى جابر حتى اخضلت لحيته بالدموع، ثم قال: والله يا مولاي، لقد خشيت أن أخرج من الدنيا ولا أسأل عن هذه المسألة، وإني والله، كنت جالساً إلى جانب أبي بكر، وقد سبوا بنى حنيفة بعد قتل مالك بن نويرة من قبل خالد بن الوليد، وبينهم جارية مراهقة.
فلما دخلت المسجد قالت: أيها الناس، ما فعل محمد «صلى الله عليه وآله»؟!
قالوا: قبض.
فقالت: هل له بَنِيَّة نقصدها.
فقالوا: نعم، هذه تربته «صلى الله عليه وآله».
فنادت: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك عبده ورسوله، وأنك تسمع كلامي، وتقدر على رد جوابي، وإننا سبينا من بعدك، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، ثم جلست.
فوثب رجلان من المهاجرين والأنصار، أحدهما: طلحة، والآخر: الزبير. فطرحا عليها ثوبيهما.
فقالت: ما بالكم يا معاشر العرب! تصونون حلائلكم، وتهتكون حلائل غيركم.
فقيل لها: لمخالفتكم الله ورسوله حتى قلتم: إننا نزكي ولا نصلي، أو نصلي فلا نزكي.
فقالت لهما: والله، ما قالها أحد من بني حنيفة، وإنّا نضرب صبياننا على الصلاة من التسع، وعلى الصيام من السبع، وإنّا لنخرج الزكاة من حيث يبقى في جمادى الآخرة عشرة أيام، ويوصي مريضنا بها لوصيه.
والله يا قوم، ما نكثنا ولا غيرنا، ولا بدلنا، حتى تقتلوا رجالنا وتسبوا حريمنا. فإن كنت يا أبا بكر بحق، فما بال علي لم يكن سبقك علينا؟! وإن كان راضيا بولايتك، فلم لا ترسله إلينا يقبض الزكاة منا، ويسلمها إليك؟!
والله، ما رضي ولا يرضى، قتلت الرجال، ونهبت الأموال، وقطعت الأرحام، فلا نجتمع معك في الدنيا ولا في الآخرة. افعل ما أنت فاعله.
فضج الناس، وقال الرجلان اللذان طرحا ثوبيهما: إنَّا لمغالون في ثمنك.
فقالت: أقسمت بالله، وبمحمد رسول الله، إنه لا يملكني ويأخذ رقي إلا من يخبرني بما رأت أمي وهي حامل بي؟! وأي شيء قالت لي عند ولادتي؟! وما العلامة التي بيني وبينها؟! وإلا فإن ملكني أحد ولم يخبرني بذلك بقرت بطني بيدي، فيذهب ثمني، ويكون مطالباً بدمي.
فقالوا لها: ابتدري بالرؤيا، حتى نبدي لك العبارة بالرؤيا.
فقالت: الذي يملكني هو أعلم بالرؤيا مني، وبالعبارة من الرؤيا.
فأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وجلسا.
فدخل أمير المؤمنين «عليه السلام» وقال: ما هذا الرجف في مسجد رسول الله؟!
قالوا: يا علي، امرأة من بني حنيفة، حرمت نفسها على المؤمنين، وقالت: من أخبرني بالرؤيا التي رأت أمي وهي حامل بي، وعدَّها لي، فهو يملكني.
فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: ما ادعت باطلاً، أخبروها تملكوها.
فقالوا: يا أبا الحسن، ما فينا من يعلم الغيب. أما علمت أن ابن عمك رسول الله قبض، وأن اخبار السماء انقطعت من بعده.
فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: ما ادعت باطلاً، أُخبرها أملكها بغير اعتراض؟!
قالوا: نعم.
فقال «عليه السلام»: يا حنفية، أخبرك أملكك؟!
فقالت: من أنت أيها المجتري دون أصحابه.
فقال: أنا علي بن أبي طالب.
فقالت: لعلك الرجل الذي نصبه لنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» صبيحة يوم الجمعة بغدير خم علماً للناس؟!
فقال: أنا ذلك الرجل.
قالت: من أجلك أصبنا، ومن نحوك أتينا، لأن رجالنا قالوا: لا نسلم صدقات أموالنا، ولا طاعة نفوسنا إلا إلى من نصبه محمد «صلى الله عليه وآله» فينا وفيكم علماً.
فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: إن أجركم غير ضائع، وإن الله تعالى يؤتي كل نفس ما أتت من خير.
ثم قال: يا حنفية، ألم تحمل بك أمك في زمان قحط، منعت السماء قطرها، والأرض نباتها، وغارت العيون، حتى إن البهائم كانت تريد المرعى فلا تجد، وكانت أمك تقول: إنك حمل ميشوم في زمان غير مبارك.
فلما كان بعد تسعة أشهر رأت في منامها كأنها وضعتك، وأنها تقول: إنك حمل ميشوم، وفي زمان غير مبارك، وكأنك تقولين: يا أمي لا تطَّيرين بي، فأنا حمل مبارك، نشوت نشواً صالحاً، ويملكني سيد، وأرزق منه ولداً، يكون لبني حنيفة عزاً.
فقالت: صدقت يا أمير المؤمنين، فإنه كذلك.
فقال: وبه أخبرني ابن عمي رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فقالت: ما العلامة بيني وبين أمي؟!
فقال: إنها لما وضعتك كتبت كلامك والرؤيا، في لوح من نحاس، وأودعته عتبة الباب، فلما كان بعد حولين عرضته عليك، فأقررت به، فلما كانت ست سنين عرضته عليك فأقررت به، ثم جمعت بينك وبين اللوح، فقالت لك: يا بنية، إذا نزل بساحتكم سافك لدمائكم، ناهب لأموالكم، ساب لذراريكم، وسبيت فيمن سبى، فخذي اللوح معك، واجتهدي أن لا يملكك من الجماعة إلا من يخبرك بالرؤيا، وبما في هذا اللوح.
قالت: صدقت يا أمير المؤمنين، فأين اللوح؟!
قال: في عقيصتك.
فعند ذلك دفعت اللوح إلى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب «عليه السلام»، ثم قالت: يا معاشر الناس، اشهدوا أني قد جعلت نفسي له عبدة.
فقال «عليه السلام»: بل قولي زوجة.
فقالت: اشهدوا أني قد زوجت نفسي كما أمرني بعلي «عليه السلام».
فقال «عليه السلام»: قد قبلتك زوجة.
فماج الناس..
فقال جابر: والله يا أبا جعفر، ملكها بما ظهر من حجة، وتبين من بينته، فلعن الله تعالى من اتضح له الحق وجعل بينه وبين الحق ستراً.
(الفضائل لابن شاذان بن جبرئيل القمي ص269 ـ 274 و (ط المطبعة الحيدرية ـ النجف سنة 1381هـ) ص99 ـ 101 )
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
خولة بنت جعفر الحنفية زوجة أمير المؤمنين عليه السلام
احتجاجها في مجلس أبي بكر:
روى ابن شاذان بسنده ...قال: أخبرني ميمون بن صعب المكي بمكة، قال:
كنا عند أبي العباس بن سابور المكي، فأجرينا حديث أهل الردة، فذكرنا خولة الحنفية، ونكاح أمير المؤمنين «عليه السلام» لها، فقال: أخبرني أبو الحسن عبد الله بن أبي الخير الحسيني، قال:
بلغني أن الباقر محمد بن علي «عليهما السلام» كان جالساً ذات يوم، إذ جاءه رجلان، فقالا: يا أبا جعفر، ألست القائل: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لم يرض بإمامة من تقدم؟!
قال: بلى.
فقالا له: هذه خولة الحنفية نكحها من سبيهم، وقبل هديتهم، ولم يخالفهم عن أمرهم مدة حياتهم.
فقال الباقر «عليه السلام»: من فيكم يأتيني بجابر بن عبد الله بن حزام (وكان محجوباً قد كف بصره)، فحضر، فسلم على الباقر «عليه السلام»، (فرد «عليه السلام»)، وأجلسه إلى جانبه، وقال له: يا جابر، عندي رجلان ذكرا: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي بإمامة من تقدم عليه.
فسألهما الحجة في ذلك، فذكروا له خولة.
فبكى جابر حتى اخضلت لحيته بالدموع، ثم قال: والله يا مولاي، لقد خشيت أن أخرج من الدنيا ولا أسأل عن هذه المسألة، وإني والله، كنت جالساً إلى جانب أبي بكر، وقد سبوا بنى حنيفة بعد قتل مالك بن نويرة من قبل خالد بن الوليد، وبينهم جارية مراهقة.
فلما دخلت المسجد قالت: أيها الناس، ما فعل محمد «صلى الله عليه وآله»؟!
قالوا: قبض.
فقالت: هل له بَنِيَّة نقصدها.
فقالوا: نعم، هذه تربته «صلى الله عليه وآله».
فنادت: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك عبده ورسوله، وأنك تسمع كلامي، وتقدر على رد جوابي، وإننا سبينا من بعدك، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، ثم جلست.
فوثب رجلان من المهاجرين والأنصار، أحدهما: طلحة، والآخر: الزبير. فطرحا عليها ثوبيهما.
فقالت: ما بالكم يا معاشر العرب! تصونون حلائلكم، وتهتكون حلائل غيركم.
فقيل لها: لمخالفتكم الله ورسوله حتى قلتم: إننا نزكي ولا نصلي، أو نصلي فلا نزكي.
فقالت لهما: والله، ما قالها أحد من بني حنيفة، وإنّا نضرب صبياننا على الصلاة من التسع، وعلى الصيام من السبع، وإنّا لنخرج الزكاة من حيث يبقى في جمادى الآخرة عشرة أيام، ويوصي مريضنا بها لوصيه.
والله يا قوم، ما نكثنا ولا غيرنا، ولا بدلنا، حتى تقتلوا رجالنا وتسبوا حريمنا. فإن كنت يا أبا بكر بحق، فما بال علي لم يكن سبقك علينا؟! وإن كان راضيا بولايتك، فلم لا ترسله إلينا يقبض الزكاة منا، ويسلمها إليك؟!
والله، ما رضي ولا يرضى، قتلت الرجال، ونهبت الأموال، وقطعت الأرحام، فلا نجتمع معك في الدنيا ولا في الآخرة. افعل ما أنت فاعله.
فضج الناس، وقال الرجلان اللذان طرحا ثوبيهما: إنَّا لمغالون في ثمنك.
فقالت: أقسمت بالله، وبمحمد رسول الله، إنه لا يملكني ويأخذ رقي إلا من يخبرني بما رأت أمي وهي حامل بي؟! وأي شيء قالت لي عند ولادتي؟! وما العلامة التي بيني وبينها؟! وإلا فإن ملكني أحد ولم يخبرني بذلك بقرت بطني بيدي، فيذهب ثمني، ويكون مطالباً بدمي.
فقالوا لها: ابتدري بالرؤيا، حتى نبدي لك العبارة بالرؤيا.
فقالت: الذي يملكني هو أعلم بالرؤيا مني، وبالعبارة من الرؤيا.
فأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وجلسا.
فدخل أمير المؤمنين «عليه السلام» وقال: ما هذا الرجف في مسجد رسول الله؟!
قالوا: يا علي، امرأة من بني حنيفة، حرمت نفسها على المؤمنين، وقالت: من أخبرني بالرؤيا التي رأت أمي وهي حامل بي، وعدَّها لي، فهو يملكني.
فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: ما ادعت باطلاً، أخبروها تملكوها.
فقالوا: يا أبا الحسن، ما فينا من يعلم الغيب. أما علمت أن ابن عمك رسول الله قبض، وأن اخبار السماء انقطعت من بعده.
فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: ما ادعت باطلاً، أُخبرها أملكها بغير اعتراض؟!
قالوا: نعم.
فقال «عليه السلام»: يا حنفية، أخبرك أملكك؟!
فقالت: من أنت أيها المجتري دون أصحابه.
فقال: أنا علي بن أبي طالب.
فقالت: لعلك الرجل الذي نصبه لنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» صبيحة يوم الجمعة بغدير خم علماً للناس؟!
فقال: أنا ذلك الرجل.
قالت: من أجلك أصبنا، ومن نحوك أتينا، لأن رجالنا قالوا: لا نسلم صدقات أموالنا، ولا طاعة نفوسنا إلا إلى من نصبه محمد «صلى الله عليه وآله» فينا وفيكم علماً.
فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: إن أجركم غير ضائع، وإن الله تعالى يؤتي كل نفس ما أتت من خير.
ثم قال: يا حنفية، ألم تحمل بك أمك في زمان قحط، منعت السماء قطرها، والأرض نباتها، وغارت العيون، حتى إن البهائم كانت تريد المرعى فلا تجد، وكانت أمك تقول: إنك حمل ميشوم في زمان غير مبارك.
فلما كان بعد تسعة أشهر رأت في منامها كأنها وضعتك، وأنها تقول: إنك حمل ميشوم، وفي زمان غير مبارك، وكأنك تقولين: يا أمي لا تطَّيرين بي، فأنا حمل مبارك، نشوت نشواً صالحاً، ويملكني سيد، وأرزق منه ولداً، يكون لبني حنيفة عزاً.
فقالت: صدقت يا أمير المؤمنين، فإنه كذلك.
فقال: وبه أخبرني ابن عمي رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فقالت: ما العلامة بيني وبين أمي؟!
فقال: إنها لما وضعتك كتبت كلامك والرؤيا، في لوح من نحاس، وأودعته عتبة الباب، فلما كان بعد حولين عرضته عليك، فأقررت به، فلما كانت ست سنين عرضته عليك فأقررت به، ثم جمعت بينك وبين اللوح، فقالت لك: يا بنية، إذا نزل بساحتكم سافك لدمائكم، ناهب لأموالكم، ساب لذراريكم، وسبيت فيمن سبى، فخذي اللوح معك، واجتهدي أن لا يملكك من الجماعة إلا من يخبرك بالرؤيا، وبما في هذا اللوح.
قالت: صدقت يا أمير المؤمنين، فأين اللوح؟!
قال: في عقيصتك.
فعند ذلك دفعت اللوح إلى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب «عليه السلام»، ثم قالت: يا معاشر الناس، اشهدوا أني قد جعلت نفسي له عبدة.
فقال «عليه السلام»: بل قولي زوجة.
فقالت: اشهدوا أني قد زوجت نفسي كما أمرني بعلي «عليه السلام».
فقال «عليه السلام»: قد قبلتك زوجة.
فماج الناس..
فقال جابر: والله يا أبا جعفر، ملكها بما ظهر من حجة، وتبين من بينته، فلعن الله تعالى من اتضح له الحق وجعل بينه وبين الحق ستراً.
(الفضائل لابن شاذان بن جبرئيل القمي ص269 ـ 274 و (ط المطبعة الحيدرية ـ النجف سنة 1381هـ) ص99 ـ 101 )
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم