صوُتْ آنثوّيْ
Banned
- إنضم
- 6 مايو 2017
- المشاركات
- 34,949
- مستوى التفاعل
- 1,080
- النقاط
- 113
-تحديد وتوضيح:
عندما قرأت ورقة محاور هذه الندوة وحددت مساهمتي فيها، لفت نظري العنوان التالي:”دور الأسرة في تنشئة الطفل“، واستخدام كلمة تنشئة جعلني أبدأ بهذا التحديد.
– أنى أميل لاستخدام كلمة التنشئة في المصطلح التربوي الاجتماعي( التنشئة الاجتماعية) وهي برأينا جزء من التربية في العصر الحديث ونستخدمها نحن للدلالة على تلك القولبة التي يقوم بها المجتمع تجاه الفرد وفق تقاليده وعاداته وقيمه وتراثه الثقافي، إنها تطبع اجتماعي.
– أما التربية فهي برأينا ذاك العلم الذي يهتم بالنمو الشامل والمتكامل للفرد، جسدياً ونفسياً وعقلياً واجتماعياً.
– ولما كنا نعتبر أن دور الأسرة يتعدى التنشئة وفق المفهوم الذي حددناه، إلى التربية لذا استبدلنا العنوان السابق فأصبح (دور الأسرة في تربية الطفل).
فاقتضى هذا التحديد والتوضيح للأهمية……
2-تمهيد:
اختلف الباحثون في تعريف الطفولة وتحديد نسبها. وقد جمع بعضها عبد السلام النوبي في كتابه المدخل لرعاية الطفولة يمكن العودة اليه ونذكر الكتب التربوية ان هذه المرحلة من عمر الانسان لم تلق ما تستحقه من اهتمام الا مطلع هذا القرن.
-وان كان بعض الفلاسفة والعلماء ، قد حاول ملاحظة ابنائهم وتسجيل بعض المعلومات عن تطور نموهم كما فعل العالم( داروين) الذي نشر عام 1877م مقال يدور حول ملاحظات سجلها خلال مراقبته لابنه (دودي) ، وكان الفيلسوف ( ويليام بريير) في نفس الفترة تقريبا يدوًن ملاحظاته على ابنه بانتظام ثلاث مرات في اليوم وذلك منذ ولادته حتى سن الثالثة من عمره ونشرها عام 1881م بكتاب تحت عنوان ( نفس الطفل) وكان (لألفرد بينه واختباراته عن الذكاء جهد مميز لقياس ذكاء الأطفال.
-هذه المجهودان وغيرها حفّزت كريستمان عام 1893م لأن يطلق على ميدان هذه الدراسات مصطلح ((peologie أي علم الطفل الذي برز فيه عدد من الرواد منهم جان بياجيه في سويسرا. وفالون في فرنسا وجيز يل في أمريكا. وبصدور شرعية حقوق الطفل بتاريخ 20/11/1959م بدأت مسيرة الاعتراف بالطفولة وحقوقها منحى جديداً. كان من نتيجته أن أصبح الطفل موضوعاً للدراسة في مختلف سنواته الأولى ، ومن عدة جوانب(1).
-ونخلص إلى القول بأن الطفل أصبح محور التربية الحديثة ، فهو المنطلق وهو المحور، وهو الغاية على حد تعبير جون ديوي في كتابه ( التربية والمجتمع).
3- أهمية التربية المنزلية:
بعد هذه الدراسات ظهر للجميع أهمية مرحلة الطفولة في عمر الإنسان وأهمية دور الأسرة في تربية أطفالها.
وكان بعض التربويين قد أكدوا على أهمية دور الأسرة امثال بستالوتزي، وفرديل، وبرت، وكذلك علماء الاجتماع وعلماء النفس.
فالمنزل هو المؤسسة التربوية الأولى التي تحتضن الفرد طفلاً ويافعاً وشاباً، ويرسي الأسس لتفتح شخصيته، وفيه يتقرر مستقبله.
-والتربية الحديثة تؤكد على أهمية التربية المنزلية في غرس الأسس السليمة، سواء من خلال علاقة أفراد الأسرة بالطفل كأن تكون هذه العلاقة تسلطية أو ديمقراطية أو فوضوية أو اهمالية، أو من خلال علاقة الطفل بالآخرين ، كأن يكون خائفاً أو متردداً ، أو متقلباً أو عدوانيا وفيه يتشرب المفاهيم وقواعد السلوك وفيه يأخذ وحدات القياس التي سيزن بها الأمور ويحكم على ضوئها.
وفيه يحب أو يكره بعض المبادىء كالحرية والتعاون والنشاط…. الخ.
-ويتفق جميع الباحثين، على ان المنزل هو المكان الافضل لتربية الابناء وان دور الام التربوي هو الدور البارز في حياتها وحياة طفلها.
4-الخيارات الصعبة:
ونلاحظ أكثر الأمهات الجديدات في وقتنا هذا انها لا تحسن القيام بدورها على الوجه الاكمل تجاه طفلها لو اعتمدت فقط على خبرتها البسيطة ومعلوماتها العامة المستقاة من والدتها أو جاراتها، وان اكثر القواعد التربوية التي تربت عليها او سمعتها ليست ثابتة، و
1- يراجع في ذلك أبحاث ودراسات Murphy Smit,
Resenblum, Barnstem, Kessen, StoneBell, Stern, Kennel, Lewis…..
وغيرهم كثيرين
وفي أحسن الاحوال لا تستطيع استخدام هذه المعلومات الا لمواجهة بعض المشكلات الآتية:
كالعناية بنظافة المولود وتقديم وجبات الطعام له وتحديد اوقات نومه وغير ذلك وسرعان ما تكتشف ان الرعاية التي يحتاجها طفلها ليست هذه فقط، بل ستتغير احتياجاته بين شهر وشهر وبين سنة وأخرى ، وستتنوع كذلك لتشمل النواحي الجسدية والنفسية والعقلية والاجتماعية، فالتربية هي الرعاية الشاملة والمتكاملة للفرد.
– فهي امام مخلوق جديد ، اقل ما يقال انه كتلة من القدرات والاستعدادات الكامنة ، تنتظر النمو والنضج لتعبر عن نفسها، ترى ماذا تعرف هي عن هذه القدرات الكامنة؟ وماذا عليها ان تفعل لتساعدها على النمو والنضج والتفتح؟ وكيف تعرف ان معدل النمو هو المعدل المناسب لهذه الفترة او تلك؟ وكيف تعرف حالة الصحة وحالة المرض؟
– وفي مرحلة اخرى كيف تفرّق بين ما هو مفيد له وبيم ما هو ضار به؟ وأي سلوك يجب ان تشجعه عليه واي سلوك يجب ان تثنيه عنه، واي سلوك يجب ان تتجاهله؟ وكيف تثنيه؟ هل بالمنع أو بالقمع أو بالاقناع؟ وكيف تدربه على العادات الجيدة، وكيف نحكم ان هذه العادات جيدة وغيرها سيئة.
– نلاحظ من هذه التساؤلات ان التربية لم تعد تلك الخبرة البسيطة التي تلقنها الام لابنتها، بل اصبحت علماً يعلم وخبرة تكتسب ودوراً تعذ له الفتاة اعداداً جيداً ونتذكر القول المأثور ( إذا أردت ان تربي طفلاً فربي امه قبل عشرين علماً من ولادته) أو ( تربية الطفل تبدأ قبل عشرين عاماً من ولادته).
5- الاشكالية:
اذا ما تلمسنا الارض تحت اقدامنا، وتمعنا في العناصر الاساسية لمكونات تربيتنا المنزلية، نعجب لكثرة التناقضات التي تسيطر عليها، انها مزيج غريب عجيب، يتعايش فيها المعاصر مع الحديث، مع القديم مع الفارق في القدم.
ومن هذا التعايش يتكون خليط، اقل ما يقال فيه انه بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وسنحاول حصر اسباب وجود هذا الخليط المتناقض بثلاث اشكاليات.
أ- الاشكالية الأولى:
انعدام المنهجية الفكرية في تربيتنا، او بالاحرى سيادة الغموض على منهجنا الفكري في ما يخص بناء الانسان ، اللهم الا اذا اعتبرنا غموض المنهج هو ايضاً منهج تربوي.
قلت ان تربيتنا المنزلية خليط من عناصر متناقضة تلتقي فيها عناصر المنهج العقلي الذي يبدأ بالكليات وينتقل إلى الجزئيات وعناصر المنهج الواقعي او التجريبي الذي يبدأ بالجزئيات وينتهي بقانون عام وعناصر المنهج التاريخي الذي يعود بالظاهرة الى نشأتها وتطورها ، وعناصر المنهج النقدي الذي يبرز النقاط السلبية والنقاط الايجابية الموضوع، ونتباهى بهذا المزج المقصود قائلين: اننا نختار ما يعجبنا وما يتماشى مع واقعنا بحرية، والحقيقة ان في هذا القول الجميل المبني على حرية الاختيار ظاهرياً جاذبية تخفي وراءها تشويش فكري خطير، نلبسه ثوب منهج جديد نسميه( المنهج الانتقائي) الذي يتداعى عند اول صدمة يتعرض لها وتظهر هشاشته عند اول مناقشة موضوعية له.
– ان اختلاط المناهج هذا، ليس بالمر البسيط اذ ينتج عنه اختلاط في المفاهيم واهتزاز في القيم وهذا يعني ان العناصر التي دعمت استقرار الأسرة العربية في الماضي والمتمثلة بوحدة المفاهيم والقيم انتفت الآن فاهتز استقرار الأسرة واصبحت الرؤية امامها غير واضحة ويصعب عليها تبني المفاهيم الجديدة التي تناقض جذورها، أو استبدال علاقات قديمة بأخرى عصرية.
– ان اختلاط المناهج هذا، ليس بالامر البسيط اذ ينتج عنه اختلاط في المفاهيم واهتزاز في القيم وهذا يعني ان العناصر التي دعمت استقرار الأسرة العربية في الماضي والمتمثلة بوحدة المفاهيم والقيم انتفت الآن فاهتز استقرار الأسرة واصبحت الرؤية امامها غير واضحة ويصعب عليها تبني المفاهيم الجديدة التي تتناقض جذورها، او استبدال علاقات قديمة بأخرى عصرية.
– انها برأينا في مأزق تربوي، ما له الخيار القيمي الثقافي وكأنني بها تطرح الاسئلة التالية:
وفق أي نسق قيمي انشىء اولادي؟ وبالتالي وفق أي ثقافة؟ الخيار ليس نظريأ، بل واقعي، تطبيقي.
– انها تتخبط في حالة اللاقرار، بين القديم والعصري، بين التقليد والتجديد، بين الاقتداء والاجتهاد، بين الثبات والتحول.
ب- الاشكالية الثانية:
تربية الطفل وفق مفهوم التربية: قديماً ام حديثاً؟
ان مفهوم التربية قديما يستند إلى مفهوم محدد للطبيعة الانسانية الذي يقسم الانسان إلى ثنائية الروح والجسد، ثنائية الخير والشر، ويكون دور التربية هو تنمية الجانب الخيّر، وتقييد جانب الشر وتجد في كتب التربية عرض مفص\ذل لهذا المفهوم…
– اما مفهوم التربية الحديثة، فهو يستند إلى مفهوم آخر للطبيعة الانسانية مضمونه ان الانسان مخلوق متطور يتكون من قدرات، واستعدادات كامنة، تعمل التربية على اكتشافها وتنميتها إلى الحدود القصوى.
– ولكل مفهوم من هذين المفهومين دعائمه واساليبه وادواته واهدافه ، قد يكون الخيار النظري سهل ولكن التربية علم تطبيقي وعليه فالخيار في غاية الصعوبة امام العارفين ، فكيف الحال امام الآخرين؟
ج- الاشكالية الثالثة:
من خلال التدقيق والتمحيص في واقع الأسرة العربية عامة والليبية بشكل خاص لا اجد هناك مشكلة تسمى مشكلة تربوية، بل هناك ابعد من ذلك بكثير، هناك شيء ما، يمكن ان نسميه تخلف تربوي وهناك فرق بين المشكلة والتخلف.
– فالمشكلة التربوية توجد في كل المجتمعات المتقدمة منها والمتخلفة ، انها موقف غامض يشعر بها عدد من الناس، فيسعون لحلها مختارين الادوات والوسائل.
– اما التخلف فهو فهو حالة ضبابية ، او ظلامية ، انه السير وسط ليل دامس السواد، لا فرق بين مبصر وضرير، الكل يتلمس الطريق تلمساً ، الكل مكبل بسواد الليل، مقيد بسلاسل من القيود، بتراث من التقاليد ، بحبال من الاوهام.
– انها حالة يشعر فيها الفرد انه على خير ما يرام، يرتدي ثوب القناعة وباطنه الكسل، قانع بحاله ومتمسك بوضعه، انه لا يشعر بتخلفه.
– ولو افترضنا ان قلة شعرت بالتخلف، لسبب ما نجدها ايضاً تشعر بعجزها عن ايجاد حل.
– التخلف التربوي برأينا ، حالة تسبق المشكلة التربوية بزمن طويل وقد تستمر سنوات او حقبات.
– اما حالة المشكلة فهي حالة متقدمة انها مرحلة الوعي، واذا عم هذا الوعي يسعى اصحابه لايجاد حلول للمشاكل وتكون بعدها نهضة.
– وتستمر المشكلات بل وتكثر ، مع النهضة، وتستمر الحلول وتتنوع.
– ان حالة التخلف هي جمود وحد ادنى من التوتر اما النهضة فهي نشاط دائم وحركة دائمة والفرق بين الاثنين كالفرق بين سكون الجهل وقلق المعرفة، فالوعي الذي لا يرافقه سيرورة وحركة هو استمرار لحالة التخلف، هو وعي متخلف.
6-الخلاصة:
وخلاصة القول ان الأسرة في مأزق تربوي نتيجة لهذه الاشكاليات الثلاثة :
-ان معلومات الأسرة العربية عامة عن الطفل في الغالب مشوشة، قلقة مضطربة ومنهجها التربوي غامض ومشوش وخيارها القيمي متغير متذبذب، مضطرب، والعلاقة بين الأسرة والطفل تسلطية قمعية…. أمام هذه الحقائق كيف تنتظر ان تكون اجيالنا؟ فالارض المتحركة لا تنبت اشجاراً باسقة.
-في ختام هذا البحث المتواضع نرى ان خطوات العلاج تبدأ باعتماد ما يلي:
اولاً: انشاء مركز ابحاث ودراسات الطفولة تخصص لها ميزانية سنوية لا نطمح ان تتجاوز ثمن دبابة حديثة.
ثانياً: إيجاد مراكز لرعاية الأطفال في الأحياء والقرى التي يشرف عليها تربويون وتقنيون لاستغلال وقت الفراغ عند الأطفال وذلك بتنمية مواهبهم وقدراتهم.
ثالثاً: التعاون مع المؤسسات الدولية التي تهتم بالطفولة ( اليونيسيف) مثلاً ووضع برامج مشتركة تنفذ في جميع أنحاء البلاد.
رابعاً: توعية الأسرة لدورها التربوي عبر اللقاءات المباشرة وإيجاد برامج متنوعة عبر الإذاعتين المرئية والمسموعة(تلفزيون،راديو).
خامساً: استبدال فلسفة علاقة الطفل بالجامع التي تقوم على ان الجامع مكان للصلاة وحفظ القرآن فقط بعلاقة جديدة تقوم على انه أيضا مكان للنشطات الاجتماعية والثقافية حتى والترفيهية.
*************
المراجع
1- التربية عبر التاريخ، عبدالله عبد الدايم، دار العلم للملايين، بيروت.
2-التربية والمجتمع، جون ديوي،
3- التربية في الامثال الشعبية، رشراش عبد الخالق، دار الرافد، بيروت، 1985م.
4-المدخل لرعاية الطفولة، عبد السلام الدويهي، المنشأة العامة للنشر، طرابلس، 1980م.
ابحاث ودراسات:
1-آخر ما اكتشفه البحث الامريكي الشمالي حول تنشئة الطفل اجتماعيا، ادريان أي ماريس، تر، صالح البكاري.
2- مكونات العملية التربوية في المجتمع الليبي، رشراش عبد الخالق، بحث مقدم إلى المؤتمر المبنى التربوي الثاني، بنغازي 1989م.
3-دور المدرسة المتجددة في المجتمع الجماهيري، رشراش عبد الخالق، بحث مقدم إلى المؤتمر الثوري الأول حول التعليم في المجتمع الجماهيري، بنغازي 1989م.
4-الخدمات الاجتماعية في مدبنة سبها، مشروع لإنشاء رياض الاطفال، بحث مقدم إلى المؤتمر التاسع للمدن العربية مراكش المغرب، 1990م، رشراش عبد الخالق ومعتوق المتفاني.
عندما قرأت ورقة محاور هذه الندوة وحددت مساهمتي فيها، لفت نظري العنوان التالي:”دور الأسرة في تنشئة الطفل“، واستخدام كلمة تنشئة جعلني أبدأ بهذا التحديد.
– أنى أميل لاستخدام كلمة التنشئة في المصطلح التربوي الاجتماعي( التنشئة الاجتماعية) وهي برأينا جزء من التربية في العصر الحديث ونستخدمها نحن للدلالة على تلك القولبة التي يقوم بها المجتمع تجاه الفرد وفق تقاليده وعاداته وقيمه وتراثه الثقافي، إنها تطبع اجتماعي.
– أما التربية فهي برأينا ذاك العلم الذي يهتم بالنمو الشامل والمتكامل للفرد، جسدياً ونفسياً وعقلياً واجتماعياً.
– ولما كنا نعتبر أن دور الأسرة يتعدى التنشئة وفق المفهوم الذي حددناه، إلى التربية لذا استبدلنا العنوان السابق فأصبح (دور الأسرة في تربية الطفل).
فاقتضى هذا التحديد والتوضيح للأهمية……
2-تمهيد:
اختلف الباحثون في تعريف الطفولة وتحديد نسبها. وقد جمع بعضها عبد السلام النوبي في كتابه المدخل لرعاية الطفولة يمكن العودة اليه ونذكر الكتب التربوية ان هذه المرحلة من عمر الانسان لم تلق ما تستحقه من اهتمام الا مطلع هذا القرن.
-وان كان بعض الفلاسفة والعلماء ، قد حاول ملاحظة ابنائهم وتسجيل بعض المعلومات عن تطور نموهم كما فعل العالم( داروين) الذي نشر عام 1877م مقال يدور حول ملاحظات سجلها خلال مراقبته لابنه (دودي) ، وكان الفيلسوف ( ويليام بريير) في نفس الفترة تقريبا يدوًن ملاحظاته على ابنه بانتظام ثلاث مرات في اليوم وذلك منذ ولادته حتى سن الثالثة من عمره ونشرها عام 1881م بكتاب تحت عنوان ( نفس الطفل) وكان (لألفرد بينه واختباراته عن الذكاء جهد مميز لقياس ذكاء الأطفال.
-هذه المجهودان وغيرها حفّزت كريستمان عام 1893م لأن يطلق على ميدان هذه الدراسات مصطلح ((peologie أي علم الطفل الذي برز فيه عدد من الرواد منهم جان بياجيه في سويسرا. وفالون في فرنسا وجيز يل في أمريكا. وبصدور شرعية حقوق الطفل بتاريخ 20/11/1959م بدأت مسيرة الاعتراف بالطفولة وحقوقها منحى جديداً. كان من نتيجته أن أصبح الطفل موضوعاً للدراسة في مختلف سنواته الأولى ، ومن عدة جوانب(1).
-ونخلص إلى القول بأن الطفل أصبح محور التربية الحديثة ، فهو المنطلق وهو المحور، وهو الغاية على حد تعبير جون ديوي في كتابه ( التربية والمجتمع).
3- أهمية التربية المنزلية:
بعد هذه الدراسات ظهر للجميع أهمية مرحلة الطفولة في عمر الإنسان وأهمية دور الأسرة في تربية أطفالها.
وكان بعض التربويين قد أكدوا على أهمية دور الأسرة امثال بستالوتزي، وفرديل، وبرت، وكذلك علماء الاجتماع وعلماء النفس.
فالمنزل هو المؤسسة التربوية الأولى التي تحتضن الفرد طفلاً ويافعاً وشاباً، ويرسي الأسس لتفتح شخصيته، وفيه يتقرر مستقبله.
-والتربية الحديثة تؤكد على أهمية التربية المنزلية في غرس الأسس السليمة، سواء من خلال علاقة أفراد الأسرة بالطفل كأن تكون هذه العلاقة تسلطية أو ديمقراطية أو فوضوية أو اهمالية، أو من خلال علاقة الطفل بالآخرين ، كأن يكون خائفاً أو متردداً ، أو متقلباً أو عدوانيا وفيه يتشرب المفاهيم وقواعد السلوك وفيه يأخذ وحدات القياس التي سيزن بها الأمور ويحكم على ضوئها.
وفيه يحب أو يكره بعض المبادىء كالحرية والتعاون والنشاط…. الخ.
-ويتفق جميع الباحثين، على ان المنزل هو المكان الافضل لتربية الابناء وان دور الام التربوي هو الدور البارز في حياتها وحياة طفلها.
4-الخيارات الصعبة:
ونلاحظ أكثر الأمهات الجديدات في وقتنا هذا انها لا تحسن القيام بدورها على الوجه الاكمل تجاه طفلها لو اعتمدت فقط على خبرتها البسيطة ومعلوماتها العامة المستقاة من والدتها أو جاراتها، وان اكثر القواعد التربوية التي تربت عليها او سمعتها ليست ثابتة، و
1- يراجع في ذلك أبحاث ودراسات Murphy Smit,
Resenblum, Barnstem, Kessen, StoneBell, Stern, Kennel, Lewis…..
وغيرهم كثيرين
وفي أحسن الاحوال لا تستطيع استخدام هذه المعلومات الا لمواجهة بعض المشكلات الآتية:
كالعناية بنظافة المولود وتقديم وجبات الطعام له وتحديد اوقات نومه وغير ذلك وسرعان ما تكتشف ان الرعاية التي يحتاجها طفلها ليست هذه فقط، بل ستتغير احتياجاته بين شهر وشهر وبين سنة وأخرى ، وستتنوع كذلك لتشمل النواحي الجسدية والنفسية والعقلية والاجتماعية، فالتربية هي الرعاية الشاملة والمتكاملة للفرد.
– فهي امام مخلوق جديد ، اقل ما يقال انه كتلة من القدرات والاستعدادات الكامنة ، تنتظر النمو والنضج لتعبر عن نفسها، ترى ماذا تعرف هي عن هذه القدرات الكامنة؟ وماذا عليها ان تفعل لتساعدها على النمو والنضج والتفتح؟ وكيف تعرف ان معدل النمو هو المعدل المناسب لهذه الفترة او تلك؟ وكيف تعرف حالة الصحة وحالة المرض؟
– وفي مرحلة اخرى كيف تفرّق بين ما هو مفيد له وبيم ما هو ضار به؟ وأي سلوك يجب ان تشجعه عليه واي سلوك يجب ان تثنيه عنه، واي سلوك يجب ان تتجاهله؟ وكيف تثنيه؟ هل بالمنع أو بالقمع أو بالاقناع؟ وكيف تدربه على العادات الجيدة، وكيف نحكم ان هذه العادات جيدة وغيرها سيئة.
– نلاحظ من هذه التساؤلات ان التربية لم تعد تلك الخبرة البسيطة التي تلقنها الام لابنتها، بل اصبحت علماً يعلم وخبرة تكتسب ودوراً تعذ له الفتاة اعداداً جيداً ونتذكر القول المأثور ( إذا أردت ان تربي طفلاً فربي امه قبل عشرين علماً من ولادته) أو ( تربية الطفل تبدأ قبل عشرين عاماً من ولادته).
5- الاشكالية:
اذا ما تلمسنا الارض تحت اقدامنا، وتمعنا في العناصر الاساسية لمكونات تربيتنا المنزلية، نعجب لكثرة التناقضات التي تسيطر عليها، انها مزيج غريب عجيب، يتعايش فيها المعاصر مع الحديث، مع القديم مع الفارق في القدم.
ومن هذا التعايش يتكون خليط، اقل ما يقال فيه انه بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وسنحاول حصر اسباب وجود هذا الخليط المتناقض بثلاث اشكاليات.
أ- الاشكالية الأولى:
انعدام المنهجية الفكرية في تربيتنا، او بالاحرى سيادة الغموض على منهجنا الفكري في ما يخص بناء الانسان ، اللهم الا اذا اعتبرنا غموض المنهج هو ايضاً منهج تربوي.
قلت ان تربيتنا المنزلية خليط من عناصر متناقضة تلتقي فيها عناصر المنهج العقلي الذي يبدأ بالكليات وينتقل إلى الجزئيات وعناصر المنهج الواقعي او التجريبي الذي يبدأ بالجزئيات وينتهي بقانون عام وعناصر المنهج التاريخي الذي يعود بالظاهرة الى نشأتها وتطورها ، وعناصر المنهج النقدي الذي يبرز النقاط السلبية والنقاط الايجابية الموضوع، ونتباهى بهذا المزج المقصود قائلين: اننا نختار ما يعجبنا وما يتماشى مع واقعنا بحرية، والحقيقة ان في هذا القول الجميل المبني على حرية الاختيار ظاهرياً جاذبية تخفي وراءها تشويش فكري خطير، نلبسه ثوب منهج جديد نسميه( المنهج الانتقائي) الذي يتداعى عند اول صدمة يتعرض لها وتظهر هشاشته عند اول مناقشة موضوعية له.
– ان اختلاط المناهج هذا، ليس بالمر البسيط اذ ينتج عنه اختلاط في المفاهيم واهتزاز في القيم وهذا يعني ان العناصر التي دعمت استقرار الأسرة العربية في الماضي والمتمثلة بوحدة المفاهيم والقيم انتفت الآن فاهتز استقرار الأسرة واصبحت الرؤية امامها غير واضحة ويصعب عليها تبني المفاهيم الجديدة التي تناقض جذورها، أو استبدال علاقات قديمة بأخرى عصرية.
– ان اختلاط المناهج هذا، ليس بالامر البسيط اذ ينتج عنه اختلاط في المفاهيم واهتزاز في القيم وهذا يعني ان العناصر التي دعمت استقرار الأسرة العربية في الماضي والمتمثلة بوحدة المفاهيم والقيم انتفت الآن فاهتز استقرار الأسرة واصبحت الرؤية امامها غير واضحة ويصعب عليها تبني المفاهيم الجديدة التي تتناقض جذورها، او استبدال علاقات قديمة بأخرى عصرية.
– انها برأينا في مأزق تربوي، ما له الخيار القيمي الثقافي وكأنني بها تطرح الاسئلة التالية:
وفق أي نسق قيمي انشىء اولادي؟ وبالتالي وفق أي ثقافة؟ الخيار ليس نظريأ، بل واقعي، تطبيقي.
– انها تتخبط في حالة اللاقرار، بين القديم والعصري، بين التقليد والتجديد، بين الاقتداء والاجتهاد، بين الثبات والتحول.
ب- الاشكالية الثانية:
تربية الطفل وفق مفهوم التربية: قديماً ام حديثاً؟
ان مفهوم التربية قديما يستند إلى مفهوم محدد للطبيعة الانسانية الذي يقسم الانسان إلى ثنائية الروح والجسد، ثنائية الخير والشر، ويكون دور التربية هو تنمية الجانب الخيّر، وتقييد جانب الشر وتجد في كتب التربية عرض مفص\ذل لهذا المفهوم…
– اما مفهوم التربية الحديثة، فهو يستند إلى مفهوم آخر للطبيعة الانسانية مضمونه ان الانسان مخلوق متطور يتكون من قدرات، واستعدادات كامنة، تعمل التربية على اكتشافها وتنميتها إلى الحدود القصوى.
– ولكل مفهوم من هذين المفهومين دعائمه واساليبه وادواته واهدافه ، قد يكون الخيار النظري سهل ولكن التربية علم تطبيقي وعليه فالخيار في غاية الصعوبة امام العارفين ، فكيف الحال امام الآخرين؟
ج- الاشكالية الثالثة:
من خلال التدقيق والتمحيص في واقع الأسرة العربية عامة والليبية بشكل خاص لا اجد هناك مشكلة تسمى مشكلة تربوية، بل هناك ابعد من ذلك بكثير، هناك شيء ما، يمكن ان نسميه تخلف تربوي وهناك فرق بين المشكلة والتخلف.
– فالمشكلة التربوية توجد في كل المجتمعات المتقدمة منها والمتخلفة ، انها موقف غامض يشعر بها عدد من الناس، فيسعون لحلها مختارين الادوات والوسائل.
– اما التخلف فهو فهو حالة ضبابية ، او ظلامية ، انه السير وسط ليل دامس السواد، لا فرق بين مبصر وضرير، الكل يتلمس الطريق تلمساً ، الكل مكبل بسواد الليل، مقيد بسلاسل من القيود، بتراث من التقاليد ، بحبال من الاوهام.
– انها حالة يشعر فيها الفرد انه على خير ما يرام، يرتدي ثوب القناعة وباطنه الكسل، قانع بحاله ومتمسك بوضعه، انه لا يشعر بتخلفه.
– ولو افترضنا ان قلة شعرت بالتخلف، لسبب ما نجدها ايضاً تشعر بعجزها عن ايجاد حل.
– التخلف التربوي برأينا ، حالة تسبق المشكلة التربوية بزمن طويل وقد تستمر سنوات او حقبات.
– اما حالة المشكلة فهي حالة متقدمة انها مرحلة الوعي، واذا عم هذا الوعي يسعى اصحابه لايجاد حلول للمشاكل وتكون بعدها نهضة.
– وتستمر المشكلات بل وتكثر ، مع النهضة، وتستمر الحلول وتتنوع.
– ان حالة التخلف هي جمود وحد ادنى من التوتر اما النهضة فهي نشاط دائم وحركة دائمة والفرق بين الاثنين كالفرق بين سكون الجهل وقلق المعرفة، فالوعي الذي لا يرافقه سيرورة وحركة هو استمرار لحالة التخلف، هو وعي متخلف.
6-الخلاصة:
وخلاصة القول ان الأسرة في مأزق تربوي نتيجة لهذه الاشكاليات الثلاثة :
-ان معلومات الأسرة العربية عامة عن الطفل في الغالب مشوشة، قلقة مضطربة ومنهجها التربوي غامض ومشوش وخيارها القيمي متغير متذبذب، مضطرب، والعلاقة بين الأسرة والطفل تسلطية قمعية…. أمام هذه الحقائق كيف تنتظر ان تكون اجيالنا؟ فالارض المتحركة لا تنبت اشجاراً باسقة.
-في ختام هذا البحث المتواضع نرى ان خطوات العلاج تبدأ باعتماد ما يلي:
اولاً: انشاء مركز ابحاث ودراسات الطفولة تخصص لها ميزانية سنوية لا نطمح ان تتجاوز ثمن دبابة حديثة.
ثانياً: إيجاد مراكز لرعاية الأطفال في الأحياء والقرى التي يشرف عليها تربويون وتقنيون لاستغلال وقت الفراغ عند الأطفال وذلك بتنمية مواهبهم وقدراتهم.
ثالثاً: التعاون مع المؤسسات الدولية التي تهتم بالطفولة ( اليونيسيف) مثلاً ووضع برامج مشتركة تنفذ في جميع أنحاء البلاد.
رابعاً: توعية الأسرة لدورها التربوي عبر اللقاءات المباشرة وإيجاد برامج متنوعة عبر الإذاعتين المرئية والمسموعة(تلفزيون،راديو).
خامساً: استبدال فلسفة علاقة الطفل بالجامع التي تقوم على ان الجامع مكان للصلاة وحفظ القرآن فقط بعلاقة جديدة تقوم على انه أيضا مكان للنشطات الاجتماعية والثقافية حتى والترفيهية.
*************
المراجع
1- التربية عبر التاريخ، عبدالله عبد الدايم، دار العلم للملايين، بيروت.
2-التربية والمجتمع، جون ديوي،
3- التربية في الامثال الشعبية، رشراش عبد الخالق، دار الرافد، بيروت، 1985م.
4-المدخل لرعاية الطفولة، عبد السلام الدويهي، المنشأة العامة للنشر، طرابلس، 1980م.
ابحاث ودراسات:
1-آخر ما اكتشفه البحث الامريكي الشمالي حول تنشئة الطفل اجتماعيا، ادريان أي ماريس، تر، صالح البكاري.
2- مكونات العملية التربوية في المجتمع الليبي، رشراش عبد الخالق، بحث مقدم إلى المؤتمر المبنى التربوي الثاني، بنغازي 1989م.
3-دور المدرسة المتجددة في المجتمع الجماهيري، رشراش عبد الخالق، بحث مقدم إلى المؤتمر الثوري الأول حول التعليم في المجتمع الجماهيري، بنغازي 1989م.
4-الخدمات الاجتماعية في مدبنة سبها، مشروع لإنشاء رياض الاطفال، بحث مقدم إلى المؤتمر التاسع للمدن العربية مراكش المغرب، 1990م، رشراش عبد الخالق ومعتوق المتفاني.