ابو مناف البصري
المالكي
{{{ دور البعثة النبوية في تغيير الواقع الإنساني }}}
بقلم
سماحة اية الله
السيد فاضل الموسوي الجابري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد المصطفى الامين وعلى واله الطيبين الطاهرين .
خصائص الحضارات قبل الإسلام
-------------------------------
أن كل الحضارات الموجودة قبل الإسلام امتازت بخصائص كثيرة متشابهة؛ لعلَّ من أبرزها ثلاثًا:
أما أولها : فهو الانحراف العقائدي الكامل؛ حيث فسدت العقائد، وعبد الناس آلهة شتى من دون الله لا تملك لأنفسها -فضلاً عن أن تملك لهم- ضرًّا ولا نفعًا؛ فعبد العرب الأصنام، وعبد الصينيون بوذا، وعبد الفُرْس النار، وتخبَّط الرومان بين الوثنية والمسيحية المحرَّفة التي ابتدعوها؛ بينما عَبَدَ المصريون القدماء آلهة متنوعة من الشمس إلى أوهام أخرى كحورس وبتاح وآمون.
وثانية الخصائص : هي الانهيار الأخلاقي التام؛ حيث انتشرت الفواحش، ولم يعد الناس يعرفون معروفًا أو يُنكرون منكرًا؛ بل انقلبت الأحوال حيث أصبح المنكر معروفًا يتداوله الناس جهرًا دون خشية، كما حدث مع الزنا والدعارة مثلاً؛ فصارت الداعرات ذوات بيوت مُشْهَرَة، كما صارت نسبة أولاد الزنا للزناة أمرًا شائعًا مشروعًا لا ينفيه أحد، ولا تُصيبه معرَّة بسببه.
وأما الخاصية الثالثة : فهي التعاظم الشديد في القوة المادية؛ فقد كانت هذه الحضارات دنيوية صِرْفة، لا يهتم ملوكها وحكامها إلا بالقوة المادية التي تزيد في ملكهم؛ لذا فقد اهتمُّوا بزيادة قوتهم؛ وتكوين جيوش ضخمة يحاولون بها السيطرة على العالم واستعباد البشر.
ومن هنا نعلم أن المسلمين حينما انطلقوا للجهاد، وواجهوا تلك الحضارات في صراعات عسكرية، كانوا يُواجهون في الواقع قوى عظمى تملك قدرات عسكرية ومادية هائلة؛ ولكن نجح المسلمون المجاهدون -بفضل الله تعالى- في الانتصار على هذه القوى بالفرق الواضح بينهم في الجوانب العقائدية والأخلاقية؛ على الرغم من التفاوت الهائل في القوى المادية.
العرب قبل بعثة النبي(ص) :
--------------------------
الوضع الديني :
على المستوى الديني كانت الوثنية هي الديانة الكبرى في شبه الجزيرة العربية.
وكانت عقيدة الشرك وعبادة الأصنام متفشية بين سكان هذه المنطقة.
ويكفي أن نذكر أن عبادتهم للأصنام كانت ملونة باللون القبلي، فلكل قبيلة، بل لكل بيت وثن وطريقة في العبادة.
ورغم أنهم كانوا يعتقدون بوجود الله وخالقيته للكون، إلا أنهم كانوا يرون أن عبادتهم للأصنام تقربهم من الله، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى:" والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى".
الوضع السياسي :
وأما على المستوى السياسي، فإن سكان شبه الجزيرة العربية أنذاك لم يخضعوا لأي سلطة أو نظام غير سلطة القبيلة، وبسبب أن معظم سكان هذه المنطقة، كانوا من البدو الرحل الذين يمسون في مكان ويصبحون في مكان أخر، هذا من جهة، وبسبب رفضهم لجميع أنواع التسلط الذي يحدّ من حرية الأفراد والأسرة والقبيلة من جهة ثانية، وبسبب بعض العوامل الاقتصادية نظرا لكون طبيعة المنطقة صحراوية لا تصلح للزراعة والعمل ولا تساعد على الاستقرار لتنظيم الحياة والانتاج من جهة ثالثة.
لأجل كل ذلك أن هذه المنطقة بقيت بعيدة عن سيطرة الدول الكبرى ونفوذها آنذاك، مثل دولة الفرس ودولة الرومان، لم تخضع هذه المنطقة لحكم ونظام أي من الرومان والفرس والاحباش، ولم تتأثر بمفاهيمهم وأديانهم كثيرا.
ومن هنا فقد نشأت من هذا الوضع ظاهرة الدويلات القبلية، فكان لكل قبيلة حاكم، ولكل صاحب قوة سلطان، ولم يكن يجمعهم نظام واحد، أو سلطة سياسية واحدة، وإنما كانوا يعيشون فراغا سياسيا في هذا الجانب.
الوضع الاجتماعي :
وأما الوضع الاجتماعي، فإن الحياة الصعبة، التي كان يعيشها الإنسان العربي في البادية. والحكم القبلي وعدم وجود روادع دينية أو وجدانية قوية دفع بالقبائل إلى ممارسة الحرب والاعتداء بعضهم على بعض كوسيلة من وسائل تقديم العيش أحياناً، وأحياناً لفرض السيطرة، وأحيانا أخرى للثائر للاقتصاص.
فكانت هذه القبيلة تغير على تلك القبيلة وتستولي على أموالها وتسبي نسائها وأطفالها، وتقتل أو تأسر من تقدر عليه من رجالها ثم تعود القبيلة المنكوبة لتتربص بالقبيلة التي غلبتها وهكذا.
ولذلك فإن من يطالع كتب التاريخ يرى بوضوح إلى حد كانت الحال الاجتماعية متردية في ذلك العصر.
فالسلب والنهب والإغارة والتعصب القبلي كان من مميزات ذلك المجتمع. وكانت لأتفه الأسباب تحدث بينهم حروب طاحنة ومدمرة يذهب ضحيتها الاف الناس.
ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما عرف بحرب داحس والغبراء.
الوضع الأخلاقي :
وأما الوضع الأخلاقي العام، فقد كانت القسوة والفاحشة وتعاطي الخمر والربا ووأد البنات والأبناء خشية العار والفقر هي السمات العامة للأخلاق المتفشية في المجتمع الجاهلي.
ويكفي أن نشير إلى بعض النماذج من العادات والتقاليد التي كانت سائدة أنذاك، والتي أشار إليها القرآن الكريم لمعرفة مدى شيوع الفاحشة وظاهرة انعدام الغيرة والتحلل الاخلاقي في تلك المجتمعات الجاهلية.
كما أن عاداتهم القبيحة أيضا الطواف حول الكعبة وهم عراة، سواء الرجال والنساء.
وكان الرجل إذا هدده الإفلاس وشعر أنه سيصاب بالفقر كان يبادر إلى قتل أولاده خوفا من أن يراهم أذلاء جائعين. ولقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك، بقوله تعالى :" ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وأياهم" .
الحروب القبلية كانت هي حياة العرب قبل الإسلام :
-----------------------------------------------
كما أننا نستطيع معرفة مدى شيوع ظاهرة وأد البنات ودفنهن وهن أحياء من تعرض القرآن الكريم لهذه العادة وإدانته لهذه الجريمة وتعنيفه لتلك المجتمعات على هذا السلوك الوحشي. فقد قال تعالى :" وإذا المؤدة سئلت بأي ذنب قتلت"، وقال أيضا :"وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به".
هذه هي أوضاع المجتمع العربي وأحواله في شبه الجزيرة أنداك. ومن قلب هذا المجتمع وهذا الجو القبلي المعقد والمشرذم الذي توافرت فيه كل أنواع الفساد والبعد عن القيم والأخلاق وأصبح بحاجة إلى عملية تغيير شاملة خرج رسول الله (ص) ليكون قائد عملية التغيير هذه. ولقد استطاع هذا الرسول العظيم في مدة وجيزة جدا أن ينقل هذه الأمة من حضيض الذل والمهانة إلى أوج العظمة والعزة والكرامة. وأن يغيير فيها كل عاداتها ومفاهيمها، وأن يقضي على كل أسباب شقائها وآلامها.
امير المؤمنين عليه السلام يصف حال العرب قبل البعثة :
----------------------------------------------------
بعَثَ اللهُ سبحانه محمّداً رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله).. وأهل الأرض يومئذ مِلَل متفرّقة، وأهواء منتشرة، وطرائق مُتشتّتة: بينَ مُشبِّهٍ لله بخَلقه، أو مُلحدٍ في اسمه، أو مُشيرٍ إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة. (من الخطبة 1)
إنّ الله بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله) نذيراً للعالَمين، وأميناً على التنزيل، وأنتم ـ معشرَ العرب ـ على شرّ دِينٍ وفي شرّ دار، مُنيخون بين حجارةٍ خُشْنٍ وحيّاتٍ صُمّ، تشربون الكَدِر، وتأكلون الجَشِب، وتسفكون دماءَكم، وتقطعون أرحامَكم.. الأصنامُ فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة.(من الخطبة 26)
إنّ الله سبحانه بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بالحقّ حين دنا من الدنيا الانقطاع، وأقبلَ من الآخرة الاطّلاع، وأظلمَتْ بهجتُها بعد إشراق، وقامت بأهلها على ساق، وخَشُنَ منها مِهاد، وأزِفَ منها قِياد، في انقطاعٍ من مدّتها، واقترابٍ من أشراطها، وتصرّمٍ من أهلها، وانفصامٍ من حَلْقتها، وانتشارٍ من سببها، وعَفاءٍ من أعلامها، وتكشُّفٍ من عوراتها، وقِصَرٍ من طولها.(من الخطبة 198)
أرسَلَه على حين فترةٍ من الرُّسُل، وطولِ هَجْعة من الأُمم، واعتزامٍ من الفتن، وانتشارٍ من الأمور، وتَلَظٍّ من الحروب، والدنيا كاسفةُ النور، ظاهرةُ الغُرور، على حينِ اصفرارٍ من وَرَقِها، وإياسٍ من ثمرها، واغورارٍ من مائها.. قد دَرَستْ منارُ الهدى، وظهرتْ أعلامُ الورى، فهي متجِّهمةٌ لأهلها، عابسةٌ في وجه طالبها، ثمرُها الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارُها الخوف، ودثارها السيف.(من الخطبة 89)
الرسول يحدث انقلابا حقيقيا :
--------------------------
لقد استطاع الاسلام في مدة قصيرة أن يحقق أعظم انجاز في منطقة كانت لها تلك الصفات والمميزات. وأن يحدث انقلابا حقيقيا وجذريا في عواطف وسلوك وعقلية وأخلاق تلك الأمة، وفي مفاهيمها وأن ينقلها من العدم إلى الوجود ومن الموت إلى الحياة. ولقد عبّر عن ذلك جعفر بن طالب لملك الحبشة بعدما بيّن له الأوضاع المتردية التي كان يعيشونها قبل مبعث الرسول (ص) فقال :"فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لتوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وأباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الامانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم ".
السلام على المبعوث رحمة للعالمين يوم ولد ويوم بعث هاديا ورسولا ويوم ارتقى إلى الرفيق الأعلى ويوم يبعث حياً .
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
السيد فاضل الموسوي الجابري
كربلاء المقدسة ليلة ٢٧ من رجب ١٤٤٥
بقلم
سماحة اية الله
السيد فاضل الموسوي الجابري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد المصطفى الامين وعلى واله الطيبين الطاهرين .
خصائص الحضارات قبل الإسلام
-------------------------------
أن كل الحضارات الموجودة قبل الإسلام امتازت بخصائص كثيرة متشابهة؛ لعلَّ من أبرزها ثلاثًا:
أما أولها : فهو الانحراف العقائدي الكامل؛ حيث فسدت العقائد، وعبد الناس آلهة شتى من دون الله لا تملك لأنفسها -فضلاً عن أن تملك لهم- ضرًّا ولا نفعًا؛ فعبد العرب الأصنام، وعبد الصينيون بوذا، وعبد الفُرْس النار، وتخبَّط الرومان بين الوثنية والمسيحية المحرَّفة التي ابتدعوها؛ بينما عَبَدَ المصريون القدماء آلهة متنوعة من الشمس إلى أوهام أخرى كحورس وبتاح وآمون.
وثانية الخصائص : هي الانهيار الأخلاقي التام؛ حيث انتشرت الفواحش، ولم يعد الناس يعرفون معروفًا أو يُنكرون منكرًا؛ بل انقلبت الأحوال حيث أصبح المنكر معروفًا يتداوله الناس جهرًا دون خشية، كما حدث مع الزنا والدعارة مثلاً؛ فصارت الداعرات ذوات بيوت مُشْهَرَة، كما صارت نسبة أولاد الزنا للزناة أمرًا شائعًا مشروعًا لا ينفيه أحد، ولا تُصيبه معرَّة بسببه.
وأما الخاصية الثالثة : فهي التعاظم الشديد في القوة المادية؛ فقد كانت هذه الحضارات دنيوية صِرْفة، لا يهتم ملوكها وحكامها إلا بالقوة المادية التي تزيد في ملكهم؛ لذا فقد اهتمُّوا بزيادة قوتهم؛ وتكوين جيوش ضخمة يحاولون بها السيطرة على العالم واستعباد البشر.
ومن هنا نعلم أن المسلمين حينما انطلقوا للجهاد، وواجهوا تلك الحضارات في صراعات عسكرية، كانوا يُواجهون في الواقع قوى عظمى تملك قدرات عسكرية ومادية هائلة؛ ولكن نجح المسلمون المجاهدون -بفضل الله تعالى- في الانتصار على هذه القوى بالفرق الواضح بينهم في الجوانب العقائدية والأخلاقية؛ على الرغم من التفاوت الهائل في القوى المادية.
العرب قبل بعثة النبي(ص) :
--------------------------
الوضع الديني :
على المستوى الديني كانت الوثنية هي الديانة الكبرى في شبه الجزيرة العربية.
وكانت عقيدة الشرك وعبادة الأصنام متفشية بين سكان هذه المنطقة.
ويكفي أن نذكر أن عبادتهم للأصنام كانت ملونة باللون القبلي، فلكل قبيلة، بل لكل بيت وثن وطريقة في العبادة.
ورغم أنهم كانوا يعتقدون بوجود الله وخالقيته للكون، إلا أنهم كانوا يرون أن عبادتهم للأصنام تقربهم من الله، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى:" والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى".
الوضع السياسي :
وأما على المستوى السياسي، فإن سكان شبه الجزيرة العربية أنذاك لم يخضعوا لأي سلطة أو نظام غير سلطة القبيلة، وبسبب أن معظم سكان هذه المنطقة، كانوا من البدو الرحل الذين يمسون في مكان ويصبحون في مكان أخر، هذا من جهة، وبسبب رفضهم لجميع أنواع التسلط الذي يحدّ من حرية الأفراد والأسرة والقبيلة من جهة ثانية، وبسبب بعض العوامل الاقتصادية نظرا لكون طبيعة المنطقة صحراوية لا تصلح للزراعة والعمل ولا تساعد على الاستقرار لتنظيم الحياة والانتاج من جهة ثالثة.
لأجل كل ذلك أن هذه المنطقة بقيت بعيدة عن سيطرة الدول الكبرى ونفوذها آنذاك، مثل دولة الفرس ودولة الرومان، لم تخضع هذه المنطقة لحكم ونظام أي من الرومان والفرس والاحباش، ولم تتأثر بمفاهيمهم وأديانهم كثيرا.
ومن هنا فقد نشأت من هذا الوضع ظاهرة الدويلات القبلية، فكان لكل قبيلة حاكم، ولكل صاحب قوة سلطان، ولم يكن يجمعهم نظام واحد، أو سلطة سياسية واحدة، وإنما كانوا يعيشون فراغا سياسيا في هذا الجانب.
الوضع الاجتماعي :
وأما الوضع الاجتماعي، فإن الحياة الصعبة، التي كان يعيشها الإنسان العربي في البادية. والحكم القبلي وعدم وجود روادع دينية أو وجدانية قوية دفع بالقبائل إلى ممارسة الحرب والاعتداء بعضهم على بعض كوسيلة من وسائل تقديم العيش أحياناً، وأحياناً لفرض السيطرة، وأحيانا أخرى للثائر للاقتصاص.
فكانت هذه القبيلة تغير على تلك القبيلة وتستولي على أموالها وتسبي نسائها وأطفالها، وتقتل أو تأسر من تقدر عليه من رجالها ثم تعود القبيلة المنكوبة لتتربص بالقبيلة التي غلبتها وهكذا.
ولذلك فإن من يطالع كتب التاريخ يرى بوضوح إلى حد كانت الحال الاجتماعية متردية في ذلك العصر.
فالسلب والنهب والإغارة والتعصب القبلي كان من مميزات ذلك المجتمع. وكانت لأتفه الأسباب تحدث بينهم حروب طاحنة ومدمرة يذهب ضحيتها الاف الناس.
ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما عرف بحرب داحس والغبراء.
الوضع الأخلاقي :
وأما الوضع الأخلاقي العام، فقد كانت القسوة والفاحشة وتعاطي الخمر والربا ووأد البنات والأبناء خشية العار والفقر هي السمات العامة للأخلاق المتفشية في المجتمع الجاهلي.
ويكفي أن نشير إلى بعض النماذج من العادات والتقاليد التي كانت سائدة أنذاك، والتي أشار إليها القرآن الكريم لمعرفة مدى شيوع الفاحشة وظاهرة انعدام الغيرة والتحلل الاخلاقي في تلك المجتمعات الجاهلية.
كما أن عاداتهم القبيحة أيضا الطواف حول الكعبة وهم عراة، سواء الرجال والنساء.
وكان الرجل إذا هدده الإفلاس وشعر أنه سيصاب بالفقر كان يبادر إلى قتل أولاده خوفا من أن يراهم أذلاء جائعين. ولقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك، بقوله تعالى :" ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وأياهم" .
الحروب القبلية كانت هي حياة العرب قبل الإسلام :
-----------------------------------------------
كما أننا نستطيع معرفة مدى شيوع ظاهرة وأد البنات ودفنهن وهن أحياء من تعرض القرآن الكريم لهذه العادة وإدانته لهذه الجريمة وتعنيفه لتلك المجتمعات على هذا السلوك الوحشي. فقد قال تعالى :" وإذا المؤدة سئلت بأي ذنب قتلت"، وقال أيضا :"وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به".
هذه هي أوضاع المجتمع العربي وأحواله في شبه الجزيرة أنداك. ومن قلب هذا المجتمع وهذا الجو القبلي المعقد والمشرذم الذي توافرت فيه كل أنواع الفساد والبعد عن القيم والأخلاق وأصبح بحاجة إلى عملية تغيير شاملة خرج رسول الله (ص) ليكون قائد عملية التغيير هذه. ولقد استطاع هذا الرسول العظيم في مدة وجيزة جدا أن ينقل هذه الأمة من حضيض الذل والمهانة إلى أوج العظمة والعزة والكرامة. وأن يغيير فيها كل عاداتها ومفاهيمها، وأن يقضي على كل أسباب شقائها وآلامها.
امير المؤمنين عليه السلام يصف حال العرب قبل البعثة :
----------------------------------------------------
بعَثَ اللهُ سبحانه محمّداً رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله).. وأهل الأرض يومئذ مِلَل متفرّقة، وأهواء منتشرة، وطرائق مُتشتّتة: بينَ مُشبِّهٍ لله بخَلقه، أو مُلحدٍ في اسمه، أو مُشيرٍ إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة. (من الخطبة 1)
إنّ الله بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله) نذيراً للعالَمين، وأميناً على التنزيل، وأنتم ـ معشرَ العرب ـ على شرّ دِينٍ وفي شرّ دار، مُنيخون بين حجارةٍ خُشْنٍ وحيّاتٍ صُمّ، تشربون الكَدِر، وتأكلون الجَشِب، وتسفكون دماءَكم، وتقطعون أرحامَكم.. الأصنامُ فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة.(من الخطبة 26)
إنّ الله سبحانه بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بالحقّ حين دنا من الدنيا الانقطاع، وأقبلَ من الآخرة الاطّلاع، وأظلمَتْ بهجتُها بعد إشراق، وقامت بأهلها على ساق، وخَشُنَ منها مِهاد، وأزِفَ منها قِياد، في انقطاعٍ من مدّتها، واقترابٍ من أشراطها، وتصرّمٍ من أهلها، وانفصامٍ من حَلْقتها، وانتشارٍ من سببها، وعَفاءٍ من أعلامها، وتكشُّفٍ من عوراتها، وقِصَرٍ من طولها.(من الخطبة 198)
أرسَلَه على حين فترةٍ من الرُّسُل، وطولِ هَجْعة من الأُمم، واعتزامٍ من الفتن، وانتشارٍ من الأمور، وتَلَظٍّ من الحروب، والدنيا كاسفةُ النور، ظاهرةُ الغُرور، على حينِ اصفرارٍ من وَرَقِها، وإياسٍ من ثمرها، واغورارٍ من مائها.. قد دَرَستْ منارُ الهدى، وظهرتْ أعلامُ الورى، فهي متجِّهمةٌ لأهلها، عابسةٌ في وجه طالبها، ثمرُها الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارُها الخوف، ودثارها السيف.(من الخطبة 89)
الرسول يحدث انقلابا حقيقيا :
--------------------------
لقد استطاع الاسلام في مدة قصيرة أن يحقق أعظم انجاز في منطقة كانت لها تلك الصفات والمميزات. وأن يحدث انقلابا حقيقيا وجذريا في عواطف وسلوك وعقلية وأخلاق تلك الأمة، وفي مفاهيمها وأن ينقلها من العدم إلى الوجود ومن الموت إلى الحياة. ولقد عبّر عن ذلك جعفر بن طالب لملك الحبشة بعدما بيّن له الأوضاع المتردية التي كان يعيشونها قبل مبعث الرسول (ص) فقال :"فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لتوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وأباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الامانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم ".
السلام على المبعوث رحمة للعالمين يوم ولد ويوم بعث هاديا ورسولا ويوم ارتقى إلى الرفيق الأعلى ويوم يبعث حياً .
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
السيد فاضل الموسوي الجابري
كربلاء المقدسة ليلة ٢٧ من رجب ١٤٤٥