عطري وجودك
Well-Known Member
- إنضم
- 5 أغسطس 2019
- المشاركات
- 81,740
- مستوى التفاعل
- 2,758
- النقاط
- 113
ذاكرة / خمس ساعات في متحف شخصي الموثق كريم العماري وحكاياته الممتعة مع سينمات البصرة
طرزانات الشاشة الفضية
شاهد على الاندثار
رغم حرارة غرفته التي لم يكن يلطف اجواءها إلا مروحة سقفية ، فإن مضيفي يقضي جل وقته بين اركانها وقبالة مجلداتها التي عني بتجليدها وصيانتها من غبار الزمن . وبعد تناول وجبة الغداء السخية على بساطتها ، اطلعني على البوم يضم صورا فوتوغرافية التقطتها آلة تصويره العتيقة الطراز . كانت الصور بمثابة توثيق كافح صاحبها لملاحقة دور السينما في ايام احتضارها الاخيرة . والواقع ان اندثار هذه الدور بدأ منذ ايام التسعينات ثم تفاقم بعد حرب 2003 فتهاوت تلك الدور واحدة تلو الاخرى لتتحول اما الى مولات او معارض اجهزة كهربائية وهلم جرا فسينما الحمراء القديمة الشتوي او الكرنك حل محلها مول عصري يتصدر شارع دينار في منطلقه باتجاه المعقل . اما سينما الوطني الشتوي فأصبحت ساحة مرشحة لأن تتحول الى مرأب للسيارات ثم جاء الدور على سينما الوطني الصيفي لتصبح معرضا للاجهزة الكهربائية وغير الكهربائية بينما احتل مرسم لأحد النحاتين البصريين مدخل سينما النصر في منطقة ( البريهة ) عدا عدد قليل من السينمات التي بقيت شاشاتها رموزا شاخصة لأنوار مجد قديم اعتراه الأفول !
يردد مضيفي اكثر من حسرة على ماض أجهزت عليه معاول الجشع وازدراء الفن والجمال قائلا " كان يجب المحافظة على مثل هذه الأبنية من اجل ان تكون شاهدا على ما يقارب القرن من عالم سحري اجتذب عبر السنين اليه ملايين عشاق المغامرات والباحثين عن ملاذات ملونة على شاشات عملاقة تروي حكاياتهم وتعكس احلامهم وتشبع
رغباتهم الى المغامرة وترتقي بوعيهم الى ارفع المستويات ، غير ان قوى الظلام جاءت كاسحة لكل ما هو عميق وجميل بحيث لم تتوفر ولو دار واحدة للسينما لكي تتحول الى متحف يكون شاهدا على زمن حاشد بالاحداث "
غادرت بيت كريم كاظم العماري المكنى بأبي مشتاق وأنا اردد بيني وبين نفسي قولا يتجسد من وقت لآخر في ذهني :
" نحن ابناء الغبار .. أليس كذلك يا صديقي الموثق العزيز ؟ ! "
ذاكرة /خمس ساعات في متحف شخصي الموثق كريم العماري وحكاياته الممتعة مع سينمات البصرة
محمد سهيل احمد
مستلات
* / قضيت خمس ساعات ممتعة وأنا أقلب صفحات مانشيتاته التي جمعها من واقع عمله القريب من دور السينما وهي سجلات أنيقة التبويب سهلة التقليب /
** / جوني ويسمولر لم يكن اول من ادى دور طرزان في السنما الهوليوودية اذ ان لدى مضيفي لوحة توضيحية كتبها بخط يده الجميل تقول بأن أول من ادى الدور كان الممثل المو لنكن في عام 1918/
** / جوني ويسمولر لم يكن اول من ادى دور طرزان في السنما الهوليوودية اذ ان لدى مضيفي لوحة توضيحية كتبها بخط يده الجميل تقول بأن أول من ادى الدور كان الممثل المو لنكن في عام 1918/
تعرفت عليه في المكتبة الأهلية في البصرة القديمة ومع تجاذبات الحديث اتفقنا على اللقاء الذي جرى في بيته باحدى مناطقنا الشعبية بالمدينة .
ميساني الجذور بصري المعايشة عراقي الهوى بامتياز . في بيته التقيت بغرفته المعزولة المتواضعة المزودة بمروحة سقفية . تلك الغرفة ـ المتحف كانت ملاذه الاول والاخير في مدينة أبى مغادرتها الا يوم اقتيد اسيرا في سجون ايران ابان حرب الثماني سنوات العبثية ولخمس عشرة سنة بالغة القسوة .
اذن فقد تقلبت جولاته في بوادي الغرب الامريكي وغابات افريقيا جنبا الى جنب طرزان وكاري كوبر وفرجينا مايو وسلفانا منكانو واخريات سلبن لب المتفرج البصري لعشرات السنين .
مكتبته الصغيرة حافلة بمجلدات تضم مانشيتات مئات الافلام التي عرضت في سينمات المدينة وبشتى الجنسيات .
له ماض مجيد كبطل من ابطال كمال الاجسام ، وهو بالاضافة لذلك رسام بورتريهات انصبت هوايته على رسم فاتن حمامة وتحية كاريوكا وزبيدة ثروت وغيرهن من اميرات الفن السابع .
يتميز بخط يد لايخلو من الجمالية .منذ بواكير فتوته وهو يصارع من اجل لقمة العيش يشهد بذلك مقصفه الصغير في سينما الحمراء الجديدة الشتوي حين كنا نستمتع بسندويجات البارد والفلافل والمخ والزلاطة ومكسرات الحب والفول السوداني . قضيت خمس ساعات ممتعة وأنا أقلب صفحات مانشيتاته التي جمعها من واقع عمله القريب من دور السينما وهي سجلات أنيقة التبويب سهلة التقليب رغم عوادي الزمن تضم مئات المانشيتات التي جمعها بدأب ودراية ومتابعة لاكثر من خمس وستين سنة . يمتلك البوما مصورا تم تصويره بكامرته الخاصة التي أطلعني عليها وهي كاميرا بوكس ذات الصور الثمان .
طرزانات الشاشة الفضية
وأبو مشتاق متابع مثابر لشخصية ( طرزان ) سالبة ألباب فتيان الزمن الذي كانت مثل هذه الملاذات تجعله بالوهم جميلا وهي مفقودة في يومنا هذا ليمسي شبابنا اسرى عوالم الهواتف ووسائل الاتصال الاجتماعي والعاب الببجي والانكباب على عوالم البورنو ( الجنس ) حتى لم يتبق للأنثى تلك الصورة المموهة الرومانسية الجميلة بعد ان امعنت وسائل السوشيال ميديا في تعرية كل بوصة من جسدها المخبوء والحافل بالأسرار.
أطلعني مضيفي الكريم على صور لجوني ويسموللر ، اشهر من أدى دور طرزان والذي عرفته السينمات من خلال زيه المتميز وصديقته الممثلة الشهيرة مورين او سوليفان (جين ) والقردة شيتا وسكينه المتعلقة بسرواله القصير وصرخة النصر التي يطلقها كلما اجهز على عدو شرير.
ويقول ابو مشتاق ان جوني ويسموللر لم يكن اول من ادى دور طرزان في السينما الهوليوودية اذ ان لدى مضيفي لوحة توضيحية كتبها بخط يده الجميل تقول بأن اول من ادى الدور كان الممثل المو لنكن في عام 1918 تحت عنوان ( طرزان الرجل القرد ) وكان الفيلم صامتا وبالاسود والابيض طبعا ، تلاه بالتعاقب كل من غوردون غريفث ، دمبسي تبلر ، جيني بولار، بستر كراب ، وفرانك ميريل ولغاية الثلاثينات حيث سطع نجم جوني ويسموللر (ولد 1904 ـ وتوفي1984) والذي كان اشهر من مثل تلك الشخصية الاسطورية . وهو من اصول جرمانية حيث كان ابوه المانيا وامه من هنغاريا.. وعرف عن ويسموللر انه اصبح سباحا عالميا قبل ان يلتصق اسمه باثني عشر فيلما طرزانيا بين عامي 1934 و 1948.
وقد اعقبه عدد من الممثلين ممن ادوا دور طرزان امثال بستر كراب وليكس باركر وجاك ماهوني وكرستوفر لامبرت . ومعلوم ان مبتكر شخصية طرزان هو الروائي الاشهر ( ادغار رايس بورو ) حيث يقال ان شخصية طرزان تحمل طابعا كولونياليا استعماريا قصد منه توكيد افضلية الرجل الابيض على الاسود بل وعلى بقية المخلوقات البشرية .
شاهد على الاندثار
رغم حرارة غرفته التي لم يكن يلطف اجواءها إلا مروحة سقفية ، فإن مضيفي يقضي جل وقته بين اركانها وقبالة مجلداتها التي عني بتجليدها وصيانتها من غبار الزمن . وبعد تناول وجبة الغداء السخية على بساطتها ، اطلعني على البوم يضم صورا فوتوغرافية التقطتها آلة تصويره العتيقة الطراز . كانت الصور بمثابة توثيق كافح صاحبها لملاحقة دور السينما في ايام احتضارها الاخيرة . والواقع ان اندثار هذه الدور بدأ منذ ايام التسعينات ثم تفاقم بعد حرب 2003 فتهاوت تلك الدور واحدة تلو الاخرى لتتحول اما الى مولات او معارض اجهزة كهربائية وهلم جرا فسينما الحمراء القديمة الشتوي او الكرنك حل محلها مول عصري يتصدر شارع دينار في منطلقه باتجاه المعقل . اما سينما الوطني الشتوي فأصبحت ساحة مرشحة لأن تتحول الى مرأب للسيارات ثم جاء الدور على سينما الوطني الصيفي لتصبح معرضا للاجهزة الكهربائية وغير الكهربائية بينما احتل مرسم لأحد النحاتين البصريين مدخل سينما النصر في منطقة ( البريهة ) عدا عدد قليل من السينمات التي بقيت شاشاتها رموزا شاخصة لأنوار مجد قديم اعتراه الأفول !
يردد مضيفي اكثر من حسرة على ماض أجهزت عليه معاول الجشع وازدراء الفن والجمال قائلا " كان يجب المحافظة على مثل هذه الأبنية من اجل ان تكون شاهدا على ما يقارب القرن من عالم سحري اجتذب عبر السنين اليه ملايين عشاق المغامرات والباحثين عن ملاذات ملونة على شاشات عملاقة تروي حكاياتهم وتعكس احلامهم وتشبع
رغباتهم الى المغامرة وترتقي بوعيهم الى ارفع المستويات ، غير ان قوى الظلام جاءت كاسحة لكل ما هو عميق وجميل بحيث لم تتوفر ولو دار واحدة للسينما لكي تتحول الى متحف يكون شاهدا على زمن حاشد بالاحداث "
غادرت بيت كريم كاظم العماري المكنى بأبي مشتاق وأنا اردد بيني وبين نفسي قولا يتجسد من وقت لآخر في ذهني :
" نحن ابناء الغبار .. أليس كذلك يا صديقي الموثق العزيز ؟ ! "