الطائر الحر
Well-Known Member
فقدان المياه في بحر قزوين يحرم الأسماك والطيور والفقمات من الموائل ومناطق التفريخ ومصادر الغذاء (يوريك ألرت)
في الوقت الذي يرتفع فيه منسوب مياه محيطات كوكب الأرض بسبب ذوبان الأنهار الجليدية، فإن العكس تماما هو ما يحدث في البحار والبحيرات المغلقة، حيث إن الحرارة والجفاف يستنزفان مياهها الثمينة.
ووفقا لدراسة جديدة نُشرت في دورية "كومينيكشنز إيرث آند إنفيرونمنت" (Communications Earth and Environment)، في 23 ديسمبر/كانون الأول الجاري، فإن بحر قزوين -أكبر كتلة مائية مغلقة على وجه الأرض- يشهد تدهورا حادا بشكل خاص.
ويحذر العلماء من أنه في حال استمرار الانبعاثات، فإن مياه البحر المالحة ستنخفض من 9 إلى 18 مترا بحلول نهاية هذا القرن.
ويقول الباحثون إن هذا الانخفاض الكبير في منسوب المياه يعني أنه سيتبخر تقريبا كامل الجرف الشمالي لبحر قزوين وبعض الجرف التركماني إلى الجنوب الشرقي. كما أن الشاطئ الشرقي سيكون "جافا تماما".
وفي أسوأ السيناريوهات المتمثلة في انخفاض مستوى سطح البحر بمقدار 18 مترا، تُظهر النماذج أن 34% من مساحة سطح هذا البحر ستتقلص.
حجم الأزمة
يعتبر العلماء بحر قزوين المغلق الذي يقع في غرب آسيا، بحرا وليس بحيرة نظرا لحجمه الذي يصل إلى حوالي 371 ألف كيلومتر مربع، ونظرا لمستويات ملوحته العالية.
ويطل على بحر قزوين على 5 دول، هي روسيا وإيران وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان.
ووفقا للتقرير الصحفي المنشور على موقع "ساينس ألرت" (Science Alert)، فإنه بالرغم من الأزمة الهائلة التي يتعرض لها، فإن المجتمع العلمي غير مدرك بشكل كبير لما يحدث.
فعلى سبيل المثال، لم تتناول اللجنة الدولية للتغيرات المناخية (The International Panel on Climate Change) مسألة تبخر البحر الناجم عن تغير المناخ في أيٍّ من تقاريرها، كما لم تتناول الأمم المتحدة هذه القضية في أهداف التنمية المستدامة الخاصة بها.
ولا تخص هذه المشكلة بحر قزوين وحده، فقد أظهرت بعض الدراسات الحديثة انخفاض مستويات المياه في البحار المغلقة وأنظمة البحيرات، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الجفاف القاري الناجم عن تغير المناخ.
ونظرا لأن البحيرات لا يوجد بها تدفق خارجي، فهي معرضة بشكل خاص لخطر ارتفاع درجات الحرارة. ويتم تحديد مستوى مياهها تقريبا من خلال هطول الأمطار وتدفق الأنهار والتبخر. وينطبق الشيء نفسه على بحر قزوين، الذي يعتمد على نهر الفولغا، أطول أنهار أوروبا وأغزرها، لتدفقه.
الجسم المائي الداخلي لبحر قزوين ينخفض بمعدل 6 إلى 7 سنتيمترات كل عام (ويكيبيديا)
هل فات الأوان؟
يرى العلماء أن هناك حاجة ماسة إلى نماذج دقيقة لتراجع البحيرات حول العالم لإنقاذ هذه الأنظمة البيئية الثمينة والاقتصادات والمجتمعات التي تدعمها.
أما بالنسبة لبحر قزوين، فإنه لسوء الحظ ربما يكون قد فات الأوان لإنقاذه. حيث ينخفض الجسم المائي الداخلي بمعدل 6 إلى 7 سنتيمترات كل عام بالفعل.
استنادا إلى حالة بحر قزوين، يدعو مؤلفو الدراسة إلى حملة عالمية لزيادة الوعي وتحسين البحث حول البحيرات المتقلصة والبحار الداخلية في العالم، حيث تم إهمالها لفترة طويلة.
ويعد النقص المطلق في البحث هو جزء من المشكلة. فلم تتم دراسة مخاطر وضعف بحر قزوين بسبب فقدان المياه على الإطلاق.
يقول ماتياس برانج، المشارك بالدراسة، والذي ابتكر نماذج مناخية في جامعة بريمن (University of Bremen) الألمانية في بيان للجامعة، إن "كثيرا من الناس لا يدركون حتى أن بحيرة داخلية قد تتقلص بشكل كبير بسبب تغير المناخ، كما تشير نماذجنا".
ويضيف أنه "يجب أن يتغير هذا، فنحن بحاجة إلى مزيد من الدراسات وفهم أفضل لعواقب الاحتباس الحراري في هذه المنطقة".
خريطة توضح المواقع الدقيقة لتغير سطح بحر قزوين (يوريك ألرت)
النظام البيئي الفريد
يقول المؤلفون إن هناك حاجة ماسة إلى فرق عمل عالمية. وإجراءات فورية ومنسقة، لأنه إذا لم يتم فعل أي شيء، فستكون العواقب على البيئة هائلة. حيث سيؤثر الانخفاض المتوقع في مستوى سطح البحر بشدة على هذا النظام البيئي الفريد، وسيؤدي فقدان المياه الضحلة في الجنوب إلى حرمان الأسماك والطيور والفقمات المستوطنة من الموائل التي لا تقدر بثمن، ومناطق التفريخ ومصادر الغذاء.
وتخلص الورقة الجديدة إلى أن "الآثار المتصاعدة المتوقعة لانخفاض مستوى سطح البحر في بحر قزوين من المرجح أن تؤدي إلى إعادة تنظيم شاملة للنظم البيئية، وتهدد الكائنات الحية الفريدة في بحر قزوين التي كانت تتطور في الحوض على مدى ملايين السنين".
ووفقا للدراسة، فإن العواقب الجيوسياسية مقلقة للغاية، حيث إن الاقتصادات المحلية التي تعتمد على صيد الأسماك والتجارة البحرية ستتأثر بشكل لا رجعة فيه، وكذلك الموانئ الساحلية، التي ستجد نفسها فجأة بعيدة عن المياه.
ومن المرجح أيضا أن تؤدي الخسارة إلى تفاقم قضايا ندرة المياه في المنطقة القاحلة، مما يتسبب بلا شك في نزاعات دولية.
ويتنبأ الخبراء بأنه "نظرا لأن سبل كسب الرزق والأمن الغذائي لملايين الأشخاص تعتمد على بحر قزوين، فإن فقدان خدمات النظام البيئي هذه، ستكون له عواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة، وقد يؤدي إلى صراعات محلية وإقليمية، في منطقة متنوعة إثنيا وتعج بالتوترات بالفعل".