::سيف العراقي::
Well-Known Member
زرياب، هوَ ابو الحسن علي بن نافع ولد في بغداد .. وكُني بـ (زرياب) بسبب سواد بشرته وفصاحته. فزرياب في اللغة هو اسم الطير الاسود ذي الصوت الرخيم .. وهو فنان عراقي عاش في بدايات القرن التاسع الميلادي وكان مولى من موالي الخليفة العباسي المهدي ثم اصبح تلميذاً للمطرب (اسحاق الموصلي) ولم يؤم بلاط الخلفاء إلا في زمن هارون الرشيد حيث بهرت الخليفة شخصيته الالمعية ومواهبه الفذة ونبوغه بالموسيقى .. وقد استبان القوم من مواهبه حينما رفض العزف على عود أستاذه الموصلي وحبذ استعمال عوده الذي يتمتع بمواصفات خاصة كان قد أخفاها عليه ومنها انه أول من اضاف وتراً خامساً الى العود بعد ان كانت أربعة أوتار .. مما أدى الى تعلق هارون الرشيد به وسبب في تحرك غرائز الغيرة لدى استاذه الموصلي فتحاشى تحدي رجل كبير ذي بأس وحظوة وغادر بغداد بلا رجعة.
لم يحمل زرياب في ترحاله عوده الخماسي معه فقط فقد نقل معه ذلك الكم الهائل من الأعراف الحضارية والأفكار النيرة التي سمت اليها الحضارة الاسلامية على قواعدها العراقية الواردة من أعماق التأريخ .. وقد شهدت تلك الفترة رحيل الكثير من العائلات من المشرق الى المغرب لغرض الكسب أو الاستقرار، فهاجر زرياب مع هذا الدفق الى المغرب ومكث في تونس وأخذ يغني في مجلس واليها زيادة الله الأول الأغلبي في القيروان وذات مساء غنى أحدى قصائد عنترة العبسي التي يقول فيها (فأن تك أمي غرابية من أبناء حام بها عبتني) وقد استشاط الوالي غضباً من جراء ذلك بما كان ينعكس عليه أو يمس مشاعره بعلم أم بلا علم من زرياب عاثر الحظ فأمر بجلده ثم طرده مما دفعه الى الرحيل ثانية باتجاه المغرب الأقصى .
وقد ورد سماعه عن الحظوة التي يتبوأها المطربون في الاندلس من لدن مليكها الأموي الحكم الأول بن هشام الذي بعث ركباً يستقبله وعلى رأسه (منصور اليهودي) المغني صاحب الحظوة لدى الأمير ليبارك عبوره البحر ووصوله أول أرض الأندلس وهي جزيرة الخضراء وقدمت له العطايا باسم العاهل وسرعان ما وصل اليهم خبر وفاته في قرطبة مما ولّد حالة تشاؤم لدى زرياب بما حمله ذلك من فأل نحس وأراد الرجوع لكن أثناه الرسول عن ذلك ورغبّه في ان يقصد قائم المقام في الحكم عبدالرحمن الذي لم يكن أقل إجلالاً له عن أبيه.
كان زرياب عالماً في سائر الفنون الموسيقية مع حفظه عشرة آلاف مقطوعة من الأغاني بألحانها .. وقد ذكر ابن خلدون أن أكبر الأثر الذي تركه زرياب يعود الى تأسيسه لمعهد الموسيقى في قرطبة .
ويعتقد ان وفاته كانت عام 854م وخلف وراءه ذرية اشتهرت بالغناء وترك لأهل الاندلس أعراف الملبس والمأكل واللياقة والكياسة ومعسول الحديث التي تقمصها الغربيون لاسيما الفرنسيين واطنبوا في تقديسها وهي في حقيقتها ليست إلا اعراف رافدينية جلبها زرياب من بغداد الى قرطبة .