الطائر الحر
Well-Known Member
معلومات شحيحة عن أثر زينب خاتون، ربما لأنها امرأة! وربما لأنها كانت مختلفة، لم تفضل أن تبقى سيرتها عبر الزمان محض معلومات متواترة، لكنها اختارت أن يخلد تاريخها في بيت عتيق، ليبقى اسمها طالما بقي الأثر.
زينب خاتون الجارية المعتوقة التي صارت أميرة، والأم التي خلدتها جدران منزلها وقصص الحجرات، والبطلة التي وقفت في وجه الحملة الفرنسية، وتحوّل بيتها إلى مركز للفدائيين ومقبرة للغزاة.
خلف الجامع الأزهر، يعرف أهالي الحي ذلك المنزل العتيق، إنه "بيت زينب خاتون"، لكنّ قليلين هم من يعرفون من هي زينب؟ وما قصة البيت الذي شهد قصة حب، كانت شاهدة على صعود زينب من خادمة وجارية إلى أميرة، تحوز اللقب وشرف النسب؟
قبل أن يحمل البيت اسم زينب كان ملكا للأميرة شقراء هانم، حفيدة السلطان الناصر بن قلاوون، أحد سلاطين المماليك، والمنسوب إليه مشفى قلاوون في حي الجمالية بالقاهرة، إذ بنت الأميرة البيت في عام 1486، وظل ملكا لها حتى دخول العثمانيين لمصر وزوال حكم المماليك، فغادرته شقراء، وتوالى على البيت العديد من السكان، ثم جاءت زينب وبقت.
المهر بيت الأمراء
كانت جارية في قصر محمد بك الألفي، أحد أهم رجال العصر المملوكي، لم يستدل على تاريخ ومكان مولدها، انتسبت إلى "عبد الله"، وهو الاسم الذي كانت تنسب له الجواري غير المعروفات الأصل والنسب، لم تكن كسائر الجواري، كانت ذات علم وجمال، حررها الألفي، قبل هروبه من القاهرة، ليتزوجها من بعده الأمير الشريف حمزة الخربوطلي، أحبها الخربوطلي ذو النسب الشريف، فمنحها لقب الإمارة، وصارت الأميرة الشريفة زينب، ومعه حملت اللقب العثماني "خاتون"، وهو لقب تركي يعني الأميرة، كما قرر الخربوطلي أن يمنحها بيتا من أجمل بيوت القاهرة، وأكثر عمائرها فنا ومهارة، فكان بيت شقراء هانم قلاوون، الذي صار منذ عام 1517 منزل زينب خاتون.
لم تذكر المراجع التاريخية قصة زينب بمعلومات موثقة، لكن تناقلتها ألسنة العامة، حيث ارتبطت بهم وارتبطوا بها، فبحسب بحث قدمه أستاذ العمارة الإسلامية الدكتور مصطفى نجيب، فإن قصة زينب لم تنته عند كونها الجارية التي أضحت أميرة، لكن يبقى ذلك الرابط الذي جمع تاريخها بتاريخ المصريين، فقد كانت عاشقة لمصر ومدافعة عن فدائييها الذين وقفوا في وجه الفرنسيين إبان الحملة الفرنسية على مصر، وحوّلت الحرملك، وهو المكان المخصص لجلسات النساء في المنزل، إلى مأوى خاص للرجال الفدائيين المصريين.
أما الطابق الثاني، فقد خصصته للثائرات من النساء، وكانت تمدهن بالمؤن والأموال، ولم تبخل عليهن أيضا بسراديب البيت، فبعد قرون من وفاة زينب تولّت وزارة الآثار المصرية الإشراف على المكان وبدأت في ترميمه في تسعينيات القرن الماضي، وهو ما سمح باكتشاف عدد من سراديب المنزل، التي خصصتها زينب لدفن جرحى المقاومة الذين قتلوا في معاركهم مع الفرنسيين، حيث تم العثور على 27 رفاة في سرداب أسفل المنزل، ومعهم كنز زينب.
كنز زينب وغرف الولادة
قادت الصدفة البحتة الأثريين إلى اكتشاف جرتين من الفخار، كانتا تحت عتبة غرفة الدفن، وهي الغرفة التي وجدت بها رفات رجال المقاومة، حوت الجرتان 3611 قطعة ذهبية، يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وأكثر من 2000 قطعة ذهبية تم صكها في إسبانيا وإيطاليا والبرتغال والمجر، وكانت تستخدم في أسواق القاهرة القديمة، الكنز الذي تركته خاتون للمصريين، تم حفظه في المتحف الإسلامي بالقاهرة والذي افتتح منذ سنوات قريبة بعد تطويره.
لم تنته عجائب بيت زينب، فيذكر الباحث المصري في بحثه، كيف حرصت خاتون على وجود غرفة لدفن الموتى في بيتها العامر، كانت حريصة أيضا على وجود غرفة خاصة لاستقبال المواليد، وأسمتها غرفة الولادة، ومعها ما أطلقت عليه "غرفة الصندلة"، حيث أعدت الغرف لرعاية الحوامل من النساء، حيث تقيم الحامل في غرفة الولادة حتى تضع مولودها، ثم تنتقل إلى غرفة الصندلة وتبقى بها 40 يوما حتى تتم فترة النفاس، وتكون في عزل تام هي ووليدها بعيدا عن الأمراض المنتشرة في ذلك الوقت بين المصريين، لتحمي الصغار أصحاب المناعة الهشة.
في الطابق العلوي للمنزل، نجد المقعد الصيفي، وهو المكان المخصص لاستقبال الرجال، ثم إسطبل الخيل "المزيرة"، وهو المكان المهيأ لتخزين المياه واحتياجات المطبخ وسلال الطعام.
أما النساء، فكان لهن المشربيات، لكن زينب كانت مولعة بالقراءة، فأقامت المكتبات، لتقرأ وتستمتع بنسمات الهواء التي تأتيها من المشربيات دون خوف من أن يحرجها جار قريب أو بعيد، ويتصل بركن النساء حمام خاص، وضعت فيه سبل العناية بالنساء من تكييس وتنعيم، فكما كانت السيدة تهوى القراءة لم تكن تهمل الجمال.
تحوّلت ساحة بيت "زينب خاتون" لمقهى ومطعم يزوره السائحون (الأناضول)
المنزل الذي تحولت ساحته لمقهى ومطعم، يزوره السياح وعشاق القاهرة الفاطمية، تولته اللجنة المصرية الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية في عام 2011، في إطار إعادة تأهيله ليكون مقرا لمشروع الإحياء العمراني للقاهرة التاريخية بالتعاون مع اليونسكو.
زينب خاتون الجارية المعتوقة التي صارت أميرة، والأم التي خلدتها جدران منزلها وقصص الحجرات، والبطلة التي وقفت في وجه الحملة الفرنسية، وتحوّل بيتها إلى مركز للفدائيين ومقبرة للغزاة.
خلف الجامع الأزهر، يعرف أهالي الحي ذلك المنزل العتيق، إنه "بيت زينب خاتون"، لكنّ قليلين هم من يعرفون من هي زينب؟ وما قصة البيت الذي شهد قصة حب، كانت شاهدة على صعود زينب من خادمة وجارية إلى أميرة، تحوز اللقب وشرف النسب؟
قبل أن يحمل البيت اسم زينب كان ملكا للأميرة شقراء هانم، حفيدة السلطان الناصر بن قلاوون، أحد سلاطين المماليك، والمنسوب إليه مشفى قلاوون في حي الجمالية بالقاهرة، إذ بنت الأميرة البيت في عام 1486، وظل ملكا لها حتى دخول العثمانيين لمصر وزوال حكم المماليك، فغادرته شقراء، وتوالى على البيت العديد من السكان، ثم جاءت زينب وبقت.
المهر بيت الأمراء
كانت جارية في قصر محمد بك الألفي، أحد أهم رجال العصر المملوكي، لم يستدل على تاريخ ومكان مولدها، انتسبت إلى "عبد الله"، وهو الاسم الذي كانت تنسب له الجواري غير المعروفات الأصل والنسب، لم تكن كسائر الجواري، كانت ذات علم وجمال، حررها الألفي، قبل هروبه من القاهرة، ليتزوجها من بعده الأمير الشريف حمزة الخربوطلي، أحبها الخربوطلي ذو النسب الشريف، فمنحها لقب الإمارة، وصارت الأميرة الشريفة زينب، ومعه حملت اللقب العثماني "خاتون"، وهو لقب تركي يعني الأميرة، كما قرر الخربوطلي أن يمنحها بيتا من أجمل بيوت القاهرة، وأكثر عمائرها فنا ومهارة، فكان بيت شقراء هانم قلاوون، الذي صار منذ عام 1517 منزل زينب خاتون.
لم تذكر المراجع التاريخية قصة زينب بمعلومات موثقة، لكن تناقلتها ألسنة العامة، حيث ارتبطت بهم وارتبطوا بها، فبحسب بحث قدمه أستاذ العمارة الإسلامية الدكتور مصطفى نجيب، فإن قصة زينب لم تنته عند كونها الجارية التي أضحت أميرة، لكن يبقى ذلك الرابط الذي جمع تاريخها بتاريخ المصريين، فقد كانت عاشقة لمصر ومدافعة عن فدائييها الذين وقفوا في وجه الفرنسيين إبان الحملة الفرنسية على مصر، وحوّلت الحرملك، وهو المكان المخصص لجلسات النساء في المنزل، إلى مأوى خاص للرجال الفدائيين المصريين.
أما الطابق الثاني، فقد خصصته للثائرات من النساء، وكانت تمدهن بالمؤن والأموال، ولم تبخل عليهن أيضا بسراديب البيت، فبعد قرون من وفاة زينب تولّت وزارة الآثار المصرية الإشراف على المكان وبدأت في ترميمه في تسعينيات القرن الماضي، وهو ما سمح باكتشاف عدد من سراديب المنزل، التي خصصتها زينب لدفن جرحى المقاومة الذين قتلوا في معاركهم مع الفرنسيين، حيث تم العثور على 27 رفاة في سرداب أسفل المنزل، ومعهم كنز زينب.
كنز زينب وغرف الولادة
قادت الصدفة البحتة الأثريين إلى اكتشاف جرتين من الفخار، كانتا تحت عتبة غرفة الدفن، وهي الغرفة التي وجدت بها رفات رجال المقاومة، حوت الجرتان 3611 قطعة ذهبية، يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وأكثر من 2000 قطعة ذهبية تم صكها في إسبانيا وإيطاليا والبرتغال والمجر، وكانت تستخدم في أسواق القاهرة القديمة، الكنز الذي تركته خاتون للمصريين، تم حفظه في المتحف الإسلامي بالقاهرة والذي افتتح منذ سنوات قريبة بعد تطويره.
لم تنته عجائب بيت زينب، فيذكر الباحث المصري في بحثه، كيف حرصت خاتون على وجود غرفة لدفن الموتى في بيتها العامر، كانت حريصة أيضا على وجود غرفة خاصة لاستقبال المواليد، وأسمتها غرفة الولادة، ومعها ما أطلقت عليه "غرفة الصندلة"، حيث أعدت الغرف لرعاية الحوامل من النساء، حيث تقيم الحامل في غرفة الولادة حتى تضع مولودها، ثم تنتقل إلى غرفة الصندلة وتبقى بها 40 يوما حتى تتم فترة النفاس، وتكون في عزل تام هي ووليدها بعيدا عن الأمراض المنتشرة في ذلك الوقت بين المصريين، لتحمي الصغار أصحاب المناعة الهشة.
في الطابق العلوي للمنزل، نجد المقعد الصيفي، وهو المكان المخصص لاستقبال الرجال، ثم إسطبل الخيل "المزيرة"، وهو المكان المهيأ لتخزين المياه واحتياجات المطبخ وسلال الطعام.
أما النساء، فكان لهن المشربيات، لكن زينب كانت مولعة بالقراءة، فأقامت المكتبات، لتقرأ وتستمتع بنسمات الهواء التي تأتيها من المشربيات دون خوف من أن يحرجها جار قريب أو بعيد، ويتصل بركن النساء حمام خاص، وضعت فيه سبل العناية بالنساء من تكييس وتنعيم، فكما كانت السيدة تهوى القراءة لم تكن تهمل الجمال.
تحوّلت ساحة بيت "زينب خاتون" لمقهى ومطعم يزوره السائحون (الأناضول)
المنزل الذي تحولت ساحته لمقهى ومطعم، يزوره السياح وعشاق القاهرة الفاطمية، تولته اللجنة المصرية الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية في عام 2011، في إطار إعادة تأهيله ليكون مقرا لمشروع الإحياء العمراني للقاهرة التاريخية بالتعاون مع اليونسكو.