بيان تذكر السورة كفران الإِنسان لنعم ربه وحبه الشديد للخير عن علم منه به وهو حجة عليه وسيحاسب على ذلك. والسورة مدنية بشهادة ما في صدرها من الإِقسام بمثل قوله { والعاديات ضبحاً } الخ الظاهر في خيل الغزاة المجاهدين على ما سيجيء، وإنما شرّع الجهاد بعد الهجرة ويؤيد ذلك ما ورد من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أن السورة نزلت في علي عليه السلام وسريته في غزوة ذات السلاسل، ويؤيده أيضاً بعض الروايات من طرق أهل السنة على ما سنشير إليه في البحث الروائي التالي إن شاء الله. قوله تعالى { والعاديات ضبحاً } العاديات من العدو وهو الجري بسرعة والضبح صوت أنفاس الخيل عند عدوها وهو المعهود المعروف من الخيل وإن ادعي أنه يعرض لكثير من الحيوان غيرها، والمعنى أُقسم بالخيل اللاتي يعدون يضبحن ضبحاً. وقيل المراد بها إبل الحاج في ارتفاعها بركبانها من الجمع إلى منى يوم النحر، وقيل إبل الغزاة، وما في الآيات التالية من الصفات لا يلائم كون الإِبل هو المراد بالعاديات. قوله تعالى { فالموريات قدحاً } الإِيراء إخراج النار والقدح الضرب والصك المعروف يقال قدح فأورى إذا أخرج النار بالقدح، والمراد بها الخيل تخرج النار بحوافرها إذا عدت على الحجارة والأرض المحصبة. وقيل المراد بالإِيراء مكر الرجال في الحرب، وقيل إيقادهم النار، وقيل الموريات ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به، وهي وجوه ظاهرة الضعف. قوله تعالى { فالمغيرات صبحاً } الإِغارة والغارة الهجوم على العدو بغتة بالخيل وهي صفة أصحاب الخيل ونسبتها إلى الخيل مجاز، والمعنى فاقسم بالخيل الهاجمات على العدو بغتة في وقت الصبح. وقيل المراد بها الآبال ترتفع بركبانها يوم النحر من جمع إلى منى والسنة أن لا ترتفع حتى تصبح، والإِغارة سرعة السير وهو خلاف ظاهر الإِغارة. قوله تعالى { فأثرن به نقعاً } أثرن من الإِثارة بمعنى تهييج الغبار ونحوه، والنقع الغبار، والمعنى فهيّجن بالعدو والإِغارة غباراً. قيل لا بأس بعطف { أثرن } وهو فعل على ما قبله وهو صفة لأنه اسم فاعل وهو في معنى الفعل كأنه قيل اقسم باللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن. قوله تعالى { فوسطن به جمعاً } وسط وتوسّط بمعنى، وضمير { به } للصبح والباء بمعنى في أو الضمير للنقع والباء للملابسة. والمعنى فصرن في وقت الصبح في وسط جمع والمراد به كتيبة العدو أو المعنى فتوسطن جمعاً ملابسين للنقع. وقيل المراد توسط الآبال جمع منى وأنت خبير بأن حمل الآيات الخمس بما لمفرداتها من ظواهر المعاني على إبل الحاج الذين يفيضون من جمع إلى منى خلاف ظاهرها جداً. فالمتعين حملها على خيل الغزاة وسياق الآيات وخاصة قوله { فالمغيرات صبحاً } { فوسطن به جمعاً } يعطي أنها غزاة بعينها أقسم الله فيها بخيل المجاهدين العاديات والفاء في الآيات الأربع تدل على ترتب كل منها على ما قبلها.