الطائر الحر
Well-Known Member
بحسب كتاب معلمة المغرب فإن سجلماسة كانت تضم مباني جميلة قارنها ابن حوقل بمباني الكوفة وأكد غيره على جمالية معالمها المعمارية.. وقد ذكرها كثير من المؤرخين والرحالة في مؤلفاتهم.
لا شيء يعلو على الصمت والهدوء في موقع سجلماسة الأثري، وخلف ستار الصمت تتحدث أطلال وبقايا أسوار طينية متناثرة عن مدينة عريقة وقديمة دفنت تحت الأرض، وما زالت رغم توالي الحفريات لم تكشف بعد عن كل أسرارها.
بجوار مدينة الريصاني -التي تبعد عن الرباط حوالي 550 كلم- يمتد موقع سجلماسة الأثري الذي يسرد حكاية ثاني مدينة بنيت بالغرب الإسلامي بعد القيروان، كانت لها أهمية إستراتيجية اكتسبتها من موقعها الذي كان يربط القوافل التجارية العابرة بين المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء، في الفترة ما بين القرن الثامن والرابع عشر الميلادي، قبل أن تتحول إلى خراب.
من أسوار الموقع الأثري سجلماسة ناحية مدينة الريصاني
منذ تسجيلها تراثا وطنيا قبل 4 سنوات، تعمل وزارة الثقافة المغربية بخطوات حثيثة على إعادة الاعتبار لهذا الموقع، عبر عدد من الإجراءات بهدف تحويله إلى وجهة سياحية وطنية وعالمية، والتعريف بقيمته الأثرية والمعمارية بالنسبة للذاكرة التاريخية المغربية.
مركز حضاري
يرجح المؤرخون أن مدينة سجلماسة بنيت عام 757 م لتصبح عاصمة بني مدرار الخارجية الصفرية وهي أول إمارة بالمغرب الأقصى مستقلة عن الخلافة بالمشرق، ومركزا حضاريا وفلاحيا وتجاريا مهما.
وحسب كتاب معلمة المغرب فإن المدينة كانت تضم مباني جميلة قارنها ابن حوقل بمباني الكوفة، وأكد غيره على جمالية معالمها المعمارية.
يرجح الباحثون أن "الباب الشمالي" أحد أبواب سجلماسة خضع مؤخرا للترميم والصيانة من قبل وزارة الثقافة
وقد وصفها كثير من المؤرخين والرحالة في مؤلفاتهم، ومنهم ذو الوزارتين لسان الدين بن الخطيب، في كتابه "معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار" إذ وصفها بأنها " أم البلدان، المجاورة لحدود السودان، فتقصدها -بالتبر- القوافل، وتهدي إلى محرابها النوافل، والرفاهية بها فاشية، والنشافي الحلية ناشية. لكنها معركة غبار، وقتيل عقربها جبار، ولباسها خامل، والجفاء بها شامل، والجو يسفر عن الوجه القطوب، والمطر معدود من الخطوب".
مزولة (ساعة شمسية) من رخام عثر عليها في موقع سجلماسة وتعود للفترة المرينية بالقرن الرابع عشر
أهمية تاريخية
ويكتسي الموقع الأثري لسجلماسة أهمية تاريخية، كما قال للجزيرة نت عبد الرحمن احميداني المدير المكلف بإدارة مركز الدراسات والبحوث العلوية بالريصاني.
ويعزو ذلك لكونه يضم شواهد حية على فترات ازدهار حاضرة كبيرة من حواضر العصر الوسيط كان لها دور كبير بالسياسة والاقتصاد، حيث كانت منطلقا لبعض الدول التي حكمت المغرب (العلويين) وكان استتباب الأمن بها دليلا على قوة الدولة الحاكمة وبعدها عن مخاطر السقوط والتدهور.
ويؤكد أيضا دورها التجاري حيث كانت معبرا حيويا للتجارة العابرة لشمال أفريقيا سواء كانت قادمة أو متجهة إلى المشرق أو دول أفريقيا جنوب الصحراء.
أحد القصور بالجنوب الشرقي نموذج من العمارة الطينية التي كانت سائدة في سجلماسة قبل خرابها
وإلى جانب شهرتها بنشاطها التجاري واقتران اسمها بالتجارة الصحراوية، عرفت بوفرة إنتاجها الفلاحي وجودة مصنوعاتها الصوفية والمعدنية مما يؤكد أنها لم تكن مجرد محطة للعبور، بل قطب إنتاج مهم زود التجار بحاجياتهم من السلع التي تلقى إقبالا ورواجا بالأسواق الصحراوية.
جزء من الموقع الأثري سجلماسة نواحي مدينة الريصاني
حفريات لعقود
وهي تحت الأنقاض، أثارت سجلماسة فضول الباحثين وعلماء الآثار، إذ توالت عليها منذ سبعينيات القرن الماضي بعثات علمية مغربية وإيطالية وأميركية في محاولة لاستنطاق أعماقها، وإعطاء صورة واضحة عما كانت عليه سجلماسة.
ويقول احميداني إن الموقع الأثري لسجلماسة كشف عن عدد كبير من الآثار والأسرار معظمها إنشاءات هندسية مطمورة تحت ركام الأتربة (منازل، أحواض، قنوات) إلى جانب كم كبير من القطع الفخارية تعود إلى فترات مختلفة من التاريخ، وتختلف من حيث درجة الإتقان في الصناعة ومن حيث الأحجام والأعداد.
الباحثون يرجحون أن هذا أحد أبواب سجلماسة وقد خضع مؤخرا للترميم والصيانة
ومن بين ما كشف عنه البحث الأثري سكة للمنبر بجانب المحراب في المسجد الذي ما زالت بعض أسواره قائمة، والموقع الأثري سجلماسة بمثابة خزان للشواهد الأثرية على التاريخ.
وبحسب احميداني فإن الموقع يكمل ما جاءت به النصوص في كتب المؤرخين وكتاب الرحلات والأدباء بملء ما تركت من فراغ، ويعضد الروايات أو يدحضها بناء على ما يقدمه للباحث الأثري من دلائل مادية تاريخية، ويضيف إلى ذلك أهميته الراهنة المتمثلة في كونه رافعة للتنمية المحلية إذا أحسن توظيفه فيما يتصل بالسياحة الثقافية والتراثية.
أطلال الموقع الأثري سجلماسة ناحية الريصاني
انهارت وبقيت ثقافتها
ويكشف أستاذ التاريخ لحسن تاوشيخت -في ورقة علمية بعنوان "البحث الأثري بموقع سجلماسة الحصيلة الأولية والإشكالات"- أن موقع سجلماسة عرف عدة تغييرات بنائية خلال مختلف العصور وحتى بعد تخريب المدينة.
ويضيف "فقد أحرقها الفاطميون، ودكها المرابطون قبل السيطرة عليها، وهاجمها الموحدون بقوة، وأطلق عليها المرينيون المنجنيق، وكانت مسرحا لثورات كثيرة وللصراع بين الحكام والأمراء، وفي الأخير ثار سكانها على عامل المرينيين بها فكان ذلك إيذانا بنهايتها، إذ تهدمت بناياتها وهجرها السكان ليستقروا بالضواحي".
أحد آثار الموقع الأثري سجلماسة بالقرب من الريصاني
ورغم انهيار المدينة وتدميرها، فإن ثقافتها ونمط عيش سكانها وأسلوبها المعماري لم يختف بل حمله سكانها معهم حيثما توزعوا في مختلف منطقة تافيلالت، وظهر ذلك في المباني والقصبات التي حافظت على نفس أسلوب التصميم ومواد البناء المعتمد على الطوبية أو العمارة الطينية، وهو الأسلوب المعماري الذي ما زال مستمرا إلى اليوم بالمنطقة.
إعادة الاعتبار
منذ تسجيله ضمن لائحة التراث الوطني عام 2017، عملت وزارة الثقافة على إعادة الاعتبار لموقع سجلماسة التاريخي حيث باشرت عمليات أركيولوجية ووقائية لحماية الموقع وصيانته وإدراجه ضمن المسالك السياحية عبر تحسين خدمات الاستقبال به والتسويق له كوجهة سياحية عالمية.
رغم انهيار المدينة وتدميرها فإن ثقافتها ونمط عيش سكانها وأسلوبها المعماري لم يختف بل حمله سكانها معهم
وقدمت وزارة الثقافة برنامجا لمركز للتعريف بتراث وآثار الموقع، استنادا إلى تقنيات توثيق التراث المعماري والأثري الوطني الحديثة، وبرنامجا للبحث الأثري بالموقع بهدف تمكين الباحثين من الاستفادة من أعمال البحث والتنقيب والنشر حول الموقع، والتعريف بقيمته الأثرية والمعمارية للذاكرة التاريخية الوطنية.
لا شيء يعلو على الصمت والهدوء في موقع سجلماسة الأثري، وخلف ستار الصمت تتحدث أطلال وبقايا أسوار طينية متناثرة عن مدينة عريقة وقديمة دفنت تحت الأرض، وما زالت رغم توالي الحفريات لم تكشف بعد عن كل أسرارها.
بجوار مدينة الريصاني -التي تبعد عن الرباط حوالي 550 كلم- يمتد موقع سجلماسة الأثري الذي يسرد حكاية ثاني مدينة بنيت بالغرب الإسلامي بعد القيروان، كانت لها أهمية إستراتيجية اكتسبتها من موقعها الذي كان يربط القوافل التجارية العابرة بين المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء، في الفترة ما بين القرن الثامن والرابع عشر الميلادي، قبل أن تتحول إلى خراب.
من أسوار الموقع الأثري سجلماسة ناحية مدينة الريصاني
منذ تسجيلها تراثا وطنيا قبل 4 سنوات، تعمل وزارة الثقافة المغربية بخطوات حثيثة على إعادة الاعتبار لهذا الموقع، عبر عدد من الإجراءات بهدف تحويله إلى وجهة سياحية وطنية وعالمية، والتعريف بقيمته الأثرية والمعمارية بالنسبة للذاكرة التاريخية المغربية.
مركز حضاري
يرجح المؤرخون أن مدينة سجلماسة بنيت عام 757 م لتصبح عاصمة بني مدرار الخارجية الصفرية وهي أول إمارة بالمغرب الأقصى مستقلة عن الخلافة بالمشرق، ومركزا حضاريا وفلاحيا وتجاريا مهما.
وحسب كتاب معلمة المغرب فإن المدينة كانت تضم مباني جميلة قارنها ابن حوقل بمباني الكوفة، وأكد غيره على جمالية معالمها المعمارية.
يرجح الباحثون أن "الباب الشمالي" أحد أبواب سجلماسة خضع مؤخرا للترميم والصيانة من قبل وزارة الثقافة
وقد وصفها كثير من المؤرخين والرحالة في مؤلفاتهم، ومنهم ذو الوزارتين لسان الدين بن الخطيب، في كتابه "معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار" إذ وصفها بأنها " أم البلدان، المجاورة لحدود السودان، فتقصدها -بالتبر- القوافل، وتهدي إلى محرابها النوافل، والرفاهية بها فاشية، والنشافي الحلية ناشية. لكنها معركة غبار، وقتيل عقربها جبار، ولباسها خامل، والجفاء بها شامل، والجو يسفر عن الوجه القطوب، والمطر معدود من الخطوب".
مزولة (ساعة شمسية) من رخام عثر عليها في موقع سجلماسة وتعود للفترة المرينية بالقرن الرابع عشر
أهمية تاريخية
ويكتسي الموقع الأثري لسجلماسة أهمية تاريخية، كما قال للجزيرة نت عبد الرحمن احميداني المدير المكلف بإدارة مركز الدراسات والبحوث العلوية بالريصاني.
ويعزو ذلك لكونه يضم شواهد حية على فترات ازدهار حاضرة كبيرة من حواضر العصر الوسيط كان لها دور كبير بالسياسة والاقتصاد، حيث كانت منطلقا لبعض الدول التي حكمت المغرب (العلويين) وكان استتباب الأمن بها دليلا على قوة الدولة الحاكمة وبعدها عن مخاطر السقوط والتدهور.
ويؤكد أيضا دورها التجاري حيث كانت معبرا حيويا للتجارة العابرة لشمال أفريقيا سواء كانت قادمة أو متجهة إلى المشرق أو دول أفريقيا جنوب الصحراء.
أحد القصور بالجنوب الشرقي نموذج من العمارة الطينية التي كانت سائدة في سجلماسة قبل خرابها
وإلى جانب شهرتها بنشاطها التجاري واقتران اسمها بالتجارة الصحراوية، عرفت بوفرة إنتاجها الفلاحي وجودة مصنوعاتها الصوفية والمعدنية مما يؤكد أنها لم تكن مجرد محطة للعبور، بل قطب إنتاج مهم زود التجار بحاجياتهم من السلع التي تلقى إقبالا ورواجا بالأسواق الصحراوية.
جزء من الموقع الأثري سجلماسة نواحي مدينة الريصاني
حفريات لعقود
وهي تحت الأنقاض، أثارت سجلماسة فضول الباحثين وعلماء الآثار، إذ توالت عليها منذ سبعينيات القرن الماضي بعثات علمية مغربية وإيطالية وأميركية في محاولة لاستنطاق أعماقها، وإعطاء صورة واضحة عما كانت عليه سجلماسة.
ويقول احميداني إن الموقع الأثري لسجلماسة كشف عن عدد كبير من الآثار والأسرار معظمها إنشاءات هندسية مطمورة تحت ركام الأتربة (منازل، أحواض، قنوات) إلى جانب كم كبير من القطع الفخارية تعود إلى فترات مختلفة من التاريخ، وتختلف من حيث درجة الإتقان في الصناعة ومن حيث الأحجام والأعداد.
الباحثون يرجحون أن هذا أحد أبواب سجلماسة وقد خضع مؤخرا للترميم والصيانة
ومن بين ما كشف عنه البحث الأثري سكة للمنبر بجانب المحراب في المسجد الذي ما زالت بعض أسواره قائمة، والموقع الأثري سجلماسة بمثابة خزان للشواهد الأثرية على التاريخ.
وبحسب احميداني فإن الموقع يكمل ما جاءت به النصوص في كتب المؤرخين وكتاب الرحلات والأدباء بملء ما تركت من فراغ، ويعضد الروايات أو يدحضها بناء على ما يقدمه للباحث الأثري من دلائل مادية تاريخية، ويضيف إلى ذلك أهميته الراهنة المتمثلة في كونه رافعة للتنمية المحلية إذا أحسن توظيفه فيما يتصل بالسياحة الثقافية والتراثية.
أطلال الموقع الأثري سجلماسة ناحية الريصاني
انهارت وبقيت ثقافتها
ويكشف أستاذ التاريخ لحسن تاوشيخت -في ورقة علمية بعنوان "البحث الأثري بموقع سجلماسة الحصيلة الأولية والإشكالات"- أن موقع سجلماسة عرف عدة تغييرات بنائية خلال مختلف العصور وحتى بعد تخريب المدينة.
ويضيف "فقد أحرقها الفاطميون، ودكها المرابطون قبل السيطرة عليها، وهاجمها الموحدون بقوة، وأطلق عليها المرينيون المنجنيق، وكانت مسرحا لثورات كثيرة وللصراع بين الحكام والأمراء، وفي الأخير ثار سكانها على عامل المرينيين بها فكان ذلك إيذانا بنهايتها، إذ تهدمت بناياتها وهجرها السكان ليستقروا بالضواحي".
أحد آثار الموقع الأثري سجلماسة بالقرب من الريصاني
ورغم انهيار المدينة وتدميرها، فإن ثقافتها ونمط عيش سكانها وأسلوبها المعماري لم يختف بل حمله سكانها معهم حيثما توزعوا في مختلف منطقة تافيلالت، وظهر ذلك في المباني والقصبات التي حافظت على نفس أسلوب التصميم ومواد البناء المعتمد على الطوبية أو العمارة الطينية، وهو الأسلوب المعماري الذي ما زال مستمرا إلى اليوم بالمنطقة.
إعادة الاعتبار
منذ تسجيله ضمن لائحة التراث الوطني عام 2017، عملت وزارة الثقافة على إعادة الاعتبار لموقع سجلماسة التاريخي حيث باشرت عمليات أركيولوجية ووقائية لحماية الموقع وصيانته وإدراجه ضمن المسالك السياحية عبر تحسين خدمات الاستقبال به والتسويق له كوجهة سياحية عالمية.
رغم انهيار المدينة وتدميرها فإن ثقافتها ونمط عيش سكانها وأسلوبها المعماري لم يختف بل حمله سكانها معهم
وقدمت وزارة الثقافة برنامجا لمركز للتعريف بتراث وآثار الموقع، استنادا إلى تقنيات توثيق التراث المعماري والأثري الوطني الحديثة، وبرنامجا للبحث الأثري بالموقع بهدف تمكين الباحثين من الاستفادة من أعمال البحث والتنقيب والنشر حول الموقع، والتعريف بقيمته الأثرية والمعمارية للذاكرة التاريخية الوطنية.