✿قہہمہہر✿
بزونة المنتدى
- إنضم
- 22 أبريل 2016
- المشاركات
- 129,653
- مستوى التفاعل
- 2,419
- النقاط
- 114
تسير السورة على نهج واضح و هو عرض مجموعة من نعم الله ثم التذكير بأن المنعم هو الله تعالى, ثم تحذر من سوء استخدام النعم و بالمقابل تحض على شكر نعم الله تعالى و توظيفها في ما خلقت له.
سورة ابراهيم و سورة النحل
سورة ابراهيم أيضاً سورة النعم, و لكنها تحدثت عن نعمة واحدة و هي أعظم النعم, نعمة التوحيد. أما سورة النحل فتركز على كل النعم من أمور الحياة البسيطة, وصولاً إلى نعمة التوحيد أعظم النعم. و لذلك تجد نفس البداية مع سورة إبراهيم 1 – 2 (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ – يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ)
عرض مستمر
تبدأ السورة بعرض نعم الله تعالى:
2 (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ) نعمة الوحي
3 (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) نعمة إيجاد السموات و الأرض
4 (خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ) نعمة خلق الإنسان من العدم
5 (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) نعمة الأنعام للغذء و الملبس و التنقلات, و قوله تعالى (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُون) يشير إلى وسائط النقل الحديثة التي لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه و سلم.
10 (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُون) نعمة الماء المنزل من السماء
11 (يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) نعم الزرع
12 (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) نعمة تسخير الكون
13 (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) نعمة تجميل الأرض
ساعد قلبك
تذكر النعم مهم لصلاح القلوب, فإذا أصبت بمرض عدم التدبر في النعم فعليك أن تتبع الوصفة التالية:
• أكتب نعم الله التي تعرفها بالورقة و القلم و تحرها و استشعرها في قلبك.
• اجعل لسانك رطباً بقولك: الحمد لله رب العالمين و لو في الطريق.
• تفكر في كل ركعة من صلواتك, أثناء قراءة الفاتحة و قولك الحمد لله رب العالمين, بنعمة من نعم الله, و كرر ذلك في كل ركعة مع نعمة جديدة , حتى تستشعر النعمة و تشكر الله عليها.
و يقول الدكنور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه الحب في القرآن و دور الحب في حياة الإنسان, و يؤكد على أن السبيل الأول لتنمي حب الله في قلبك هو تذكر نعم الله عليك و استشعارها في قلبك و ردها إلى الله الذي أنعمها عليك, فالنفوس جبلت على حب من أحسن إليها, و هذا من أقوى الطرق لتنمية حب الله في قلبك, فمصيبة الإنسان في هذا العصر انه اعتاد النعم و نسي ردها إلى منعمها عز و جل, فلنتذكر نعم الله و نشكره عليها, فالشكر قيد النعمة و السبيل إلى زيادتها بوعد الله لنا (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ). فالإنسان يشكر أقرانه من بني البشر فكم مرة يشكر واهب البشر النعم و كم مرة يقول فيها الحمد لله رب العالمين في نفس اليوم.
مزيد من النعم
ثم تحدثنا الآيات عن نعم جديدة, يخرجها رب العالمين من حيث لا نتصور:
14 (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فالبحر المخيف يخرج لنا لحماً نأكل منه.
15 (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) نعمة خلق الجبال
16 (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) نعمة خلق النجوم
66 (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ) نعمة الألبان التي تخرج من بين الفرث و الدم سائغة للشاربين
78 (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمة العلم و السمع و الأبصار
79 (أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) نعمة الطير
و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
18 (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فنحن لن نحصي نعمة واحدة فكيف بكل نعم الله تعالى, و قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيم) لأن الإنسان لا يشكر الله على نعمه و لولا أن الله يغفر و يرحم لعذبنا عذاباً شديداَ على عدم الشكر لنعمه الجليلة.
استعمال النعم في غير أهدافها
كما تركز السورة على عدم استعمال النعم في غير أهدافها و توظيفها في غير ما خلقت له
24 (وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) تنكر على من لا يقدر نعمة الوحي بل و يكذبها
و الآية 26 (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ) تصور مشهداً رهيباً لمن جحد بأنعم الله
و بالمقابل تبشر الآيات من أحسن استخدام النعم 30 – 32 (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ – جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ – الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
نعمة الرسل و الهداية
و من النعم التي تتكرر في السورة, نعمة الرسل و الهداية
36 (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) و هي من أعظم نعم الله علينا على مر العصور
43 – 44 (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ – بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)
و ما بكم من نعمة فمن الله
53 (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) لتلفت النظر إلى أن استشعار النعمة هو بداية التمهيد لشكر الخالق, فالنعمة قيدها الشكر و الشكر ضمان لاستمرار النعمة (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) إبراهيم, 7.
سوء استخدام النعم
تصف لنا الآيات فريقاً من الناس يدعون الله عند المصائب ثم يشركون به في السراء 53 – 55 (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ – ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ – لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) فماذا كان مصيرهم, 55 (لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) تتحول نعم الله عليهم إلى استدراج و استمهال فإذا رأيت نعم الله عليك تتوالى و أنت مقصر في شكرها, فاحذر أن يكون ذلك استدراجاً من الله لك.
و من أبشع صور استخدام النعمة وأد البنات 58 – 59 (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ – يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) فهي من أبشع صور استخدام النعمة في غير ما خلقها الله له.
و من صور استخدام النعمة في غير ما خلقها الله له الخمر التي تصنع من العنب 67 (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
نعمة الرحمة و الستر
61 (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)
تخيل لو أن الله رفع ستره عنا, فماذا سيكون حالنا و تخيل لو أن الله فعل بنا كما فعل ببني اسرائيل, فكان الرجل يرتكب الذنب في الليل فيستيقظ و قد كتبت ذنوبه على بابه, و منهم من يكتب على جبينه فعل كذا كذا, أو كان لكل ذنب رائحة؟ ماذا كنا سنفعل؟
إن من أعظم نعم الله علينا أنه لا يظهر منا إلا كل حسن و محمود من الأعمال, و يستر كل قبيح من الذنوب, فلله الحمد و المنة و الفضل.
نعمة الوحي و المطر
و من النعم التي تأتي متلازمة في السورة نعمتا الوحي و المطر, فكلاهما ينزل بالخير من السماء 64 (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
فالمطر يحيي الأرض بعد موتها و الوحي و القرآن يحيي القلوب بعد موتها ايضاً, و كم من قلوب حنت لربها فما أدرك صابحها الدواء و تركها على ما هي عليه, فكانت حياته ناقصة يملؤها الحزن و هو لا يدري ما السبب.
فالغذاء كما يقول العلماء ثلاثة: غذاء للجسم و هو الطعام. غذاء للعقل و هوالعلم, و غذاء للروح و هو القرآن و ذكر الله و عبادته. و الكثير منا يحرص على غذاء الجسم و العقل, و لكنه يتجاهل غذاء الروح, فيشعر بالضيق و لا يدري ما السبب, يشعر أن هناك ما ينقصه و لا يعرف ما هو, و ما درى أن روحه جائعة!
النعم الاجتماعية
و لا تغفل السورة عن ذكر النعم الاجتماعية كالأسرة و الزوجة 72 (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) فالاستقرار في الحياة الزوجية من أعظم نعم الله علينا, لذلك تأتي موجة من الآيات لتحذر من كفر النعمة 72 – 73 (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ – وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ) و تستعرض السورة مزيداً من النعم
80 (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ)
81 (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ)
ثم تأتي آية محورية 81 (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) و التحذير من سوء الاستخدام 83 (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ).
و تأتي آيات شديدة في التحذير من نقض العهد مع الله بعد أن أعطانا هذه النعم
92 (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)
94 (وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
95 (وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)
96 (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)
إبراهيم عليه السلام: شاكراً لأنعم الله
و تختم السورة بمثال لشاكر لنعم الله, سيدنا إبراهيم عليه السلام, و بعد أن أصبح شاكراً لأنعم الله 121 (شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)
سبب التسمية
68 – 69 (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ – ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) لماذ النحل؟
أولاً لأن النحل و تنظيم مملكته و طريقة إخراجه للعسل هي نعمة عظيمة من الله و آياته في الكون.
ثانياً, الآيات بدأت بقوله تعالى (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) فهي تشير للوحي الرباني للنحل و طاعتها له, و لإرشادات الله لها (اتَّخِذِي) (كُلِي) (فَاسْلُكِي).
فلما أطاع النحل الله و نفذ أوامره, أخرج الله من بطونها عسلاً فيه شفاء للناس, و اللطيف أن الله قال (يَخْرُجُ) و ليس (أخرجي) و كذلك عندما تطاع أوامر الله و شرعه, يخرج عسل الهداية و النور للمجتمع.
و من اللطيف أيضاً ان مملكة النحل قائمة على الإناث, و ليس للذكور إلا دور بسيط جداً. و كانت الأوامر كلها بصيغة المؤنث (اتَّخِذِي) (كُلِي) (فَاسْلُكِي). و كذلك في المجتمع تلعب الأمهات الدور الأساسي في إقامة الحضارة و بناءها.
القرآن و العسل... شفاءان, للروح و الأبدان
كلمة شفاء لم ترد في القرآن إلا مرتين, مرة مع العسل و مرة مع القرآن لتؤكد لك ان في هذ القرآن شفاء لروحك مما تعانيه. فلو أحسنا استخدام هذه النعمة, نعمة القرآن, لكان في ذلك شفاء للعقول و القلوب و الأرواح...
فقدم ثمناً لهذا العسل الإلهي و تذكر نعم الله عليك حتى تزداد حباً للمنعم عز و جل, و استخدم نعم الله فيما يرضيه, لا في معاصيه. و خف من الآية 112 (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)
و ليس أجمل من أن تسجل نعم الله في سورة النحل ثم تحاول اسقاطها على حياتك, ثم تفكر كيف توظف هذه النعم فيما يرضي الله عز و جلو جرب ذلك و سترى بماذا ستشعر..
سورة ابراهيم و سورة النحل
سورة ابراهيم أيضاً سورة النعم, و لكنها تحدثت عن نعمة واحدة و هي أعظم النعم, نعمة التوحيد. أما سورة النحل فتركز على كل النعم من أمور الحياة البسيطة, وصولاً إلى نعمة التوحيد أعظم النعم. و لذلك تجد نفس البداية مع سورة إبراهيم 1 – 2 (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ – يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ)
عرض مستمر
تبدأ السورة بعرض نعم الله تعالى:
2 (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ) نعمة الوحي
3 (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) نعمة إيجاد السموات و الأرض
4 (خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ) نعمة خلق الإنسان من العدم
5 (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) نعمة الأنعام للغذء و الملبس و التنقلات, و قوله تعالى (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُون) يشير إلى وسائط النقل الحديثة التي لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه و سلم.
10 (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُون) نعمة الماء المنزل من السماء
11 (يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) نعم الزرع
12 (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) نعمة تسخير الكون
13 (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) نعمة تجميل الأرض
ساعد قلبك
تذكر النعم مهم لصلاح القلوب, فإذا أصبت بمرض عدم التدبر في النعم فعليك أن تتبع الوصفة التالية:
• أكتب نعم الله التي تعرفها بالورقة و القلم و تحرها و استشعرها في قلبك.
• اجعل لسانك رطباً بقولك: الحمد لله رب العالمين و لو في الطريق.
• تفكر في كل ركعة من صلواتك, أثناء قراءة الفاتحة و قولك الحمد لله رب العالمين, بنعمة من نعم الله, و كرر ذلك في كل ركعة مع نعمة جديدة , حتى تستشعر النعمة و تشكر الله عليها.
و يقول الدكنور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه الحب في القرآن و دور الحب في حياة الإنسان, و يؤكد على أن السبيل الأول لتنمي حب الله في قلبك هو تذكر نعم الله عليك و استشعارها في قلبك و ردها إلى الله الذي أنعمها عليك, فالنفوس جبلت على حب من أحسن إليها, و هذا من أقوى الطرق لتنمية حب الله في قلبك, فمصيبة الإنسان في هذا العصر انه اعتاد النعم و نسي ردها إلى منعمها عز و جل, فلنتذكر نعم الله و نشكره عليها, فالشكر قيد النعمة و السبيل إلى زيادتها بوعد الله لنا (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ). فالإنسان يشكر أقرانه من بني البشر فكم مرة يشكر واهب البشر النعم و كم مرة يقول فيها الحمد لله رب العالمين في نفس اليوم.
مزيد من النعم
ثم تحدثنا الآيات عن نعم جديدة, يخرجها رب العالمين من حيث لا نتصور:
14 (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فالبحر المخيف يخرج لنا لحماً نأكل منه.
15 (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) نعمة خلق الجبال
16 (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) نعمة خلق النجوم
66 (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ) نعمة الألبان التي تخرج من بين الفرث و الدم سائغة للشاربين
78 (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمة العلم و السمع و الأبصار
79 (أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) نعمة الطير
و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
18 (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فنحن لن نحصي نعمة واحدة فكيف بكل نعم الله تعالى, و قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيم) لأن الإنسان لا يشكر الله على نعمه و لولا أن الله يغفر و يرحم لعذبنا عذاباً شديداَ على عدم الشكر لنعمه الجليلة.
استعمال النعم في غير أهدافها
كما تركز السورة على عدم استعمال النعم في غير أهدافها و توظيفها في غير ما خلقت له
24 (وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) تنكر على من لا يقدر نعمة الوحي بل و يكذبها
و الآية 26 (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ) تصور مشهداً رهيباً لمن جحد بأنعم الله
و بالمقابل تبشر الآيات من أحسن استخدام النعم 30 – 32 (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ – جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ – الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
نعمة الرسل و الهداية
و من النعم التي تتكرر في السورة, نعمة الرسل و الهداية
36 (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) و هي من أعظم نعم الله علينا على مر العصور
43 – 44 (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ – بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)
و ما بكم من نعمة فمن الله
53 (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) لتلفت النظر إلى أن استشعار النعمة هو بداية التمهيد لشكر الخالق, فالنعمة قيدها الشكر و الشكر ضمان لاستمرار النعمة (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) إبراهيم, 7.
سوء استخدام النعم
تصف لنا الآيات فريقاً من الناس يدعون الله عند المصائب ثم يشركون به في السراء 53 – 55 (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ – ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ – لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) فماذا كان مصيرهم, 55 (لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) تتحول نعم الله عليهم إلى استدراج و استمهال فإذا رأيت نعم الله عليك تتوالى و أنت مقصر في شكرها, فاحذر أن يكون ذلك استدراجاً من الله لك.
و من أبشع صور استخدام النعمة وأد البنات 58 – 59 (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ – يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) فهي من أبشع صور استخدام النعمة في غير ما خلقها الله له.
و من صور استخدام النعمة في غير ما خلقها الله له الخمر التي تصنع من العنب 67 (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
نعمة الرحمة و الستر
61 (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)
تخيل لو أن الله رفع ستره عنا, فماذا سيكون حالنا و تخيل لو أن الله فعل بنا كما فعل ببني اسرائيل, فكان الرجل يرتكب الذنب في الليل فيستيقظ و قد كتبت ذنوبه على بابه, و منهم من يكتب على جبينه فعل كذا كذا, أو كان لكل ذنب رائحة؟ ماذا كنا سنفعل؟
إن من أعظم نعم الله علينا أنه لا يظهر منا إلا كل حسن و محمود من الأعمال, و يستر كل قبيح من الذنوب, فلله الحمد و المنة و الفضل.
نعمة الوحي و المطر
و من النعم التي تأتي متلازمة في السورة نعمتا الوحي و المطر, فكلاهما ينزل بالخير من السماء 64 (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
فالمطر يحيي الأرض بعد موتها و الوحي و القرآن يحيي القلوب بعد موتها ايضاً, و كم من قلوب حنت لربها فما أدرك صابحها الدواء و تركها على ما هي عليه, فكانت حياته ناقصة يملؤها الحزن و هو لا يدري ما السبب.
فالغذاء كما يقول العلماء ثلاثة: غذاء للجسم و هو الطعام. غذاء للعقل و هوالعلم, و غذاء للروح و هو القرآن و ذكر الله و عبادته. و الكثير منا يحرص على غذاء الجسم و العقل, و لكنه يتجاهل غذاء الروح, فيشعر بالضيق و لا يدري ما السبب, يشعر أن هناك ما ينقصه و لا يعرف ما هو, و ما درى أن روحه جائعة!
النعم الاجتماعية
و لا تغفل السورة عن ذكر النعم الاجتماعية كالأسرة و الزوجة 72 (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) فالاستقرار في الحياة الزوجية من أعظم نعم الله علينا, لذلك تأتي موجة من الآيات لتحذر من كفر النعمة 72 – 73 (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ – وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ) و تستعرض السورة مزيداً من النعم
80 (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ)
81 (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ)
ثم تأتي آية محورية 81 (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) و التحذير من سوء الاستخدام 83 (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ).
و تأتي آيات شديدة في التحذير من نقض العهد مع الله بعد أن أعطانا هذه النعم
92 (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)
94 (وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
95 (وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)
96 (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)
إبراهيم عليه السلام: شاكراً لأنعم الله
و تختم السورة بمثال لشاكر لنعم الله, سيدنا إبراهيم عليه السلام, و بعد أن أصبح شاكراً لأنعم الله 121 (شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)
سبب التسمية
68 – 69 (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ – ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) لماذ النحل؟
أولاً لأن النحل و تنظيم مملكته و طريقة إخراجه للعسل هي نعمة عظيمة من الله و آياته في الكون.
ثانياً, الآيات بدأت بقوله تعالى (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) فهي تشير للوحي الرباني للنحل و طاعتها له, و لإرشادات الله لها (اتَّخِذِي) (كُلِي) (فَاسْلُكِي).
فلما أطاع النحل الله و نفذ أوامره, أخرج الله من بطونها عسلاً فيه شفاء للناس, و اللطيف أن الله قال (يَخْرُجُ) و ليس (أخرجي) و كذلك عندما تطاع أوامر الله و شرعه, يخرج عسل الهداية و النور للمجتمع.
و من اللطيف أيضاً ان مملكة النحل قائمة على الإناث, و ليس للذكور إلا دور بسيط جداً. و كانت الأوامر كلها بصيغة المؤنث (اتَّخِذِي) (كُلِي) (فَاسْلُكِي). و كذلك في المجتمع تلعب الأمهات الدور الأساسي في إقامة الحضارة و بناءها.
القرآن و العسل... شفاءان, للروح و الأبدان
كلمة شفاء لم ترد في القرآن إلا مرتين, مرة مع العسل و مرة مع القرآن لتؤكد لك ان في هذ القرآن شفاء لروحك مما تعانيه. فلو أحسنا استخدام هذه النعمة, نعمة القرآن, لكان في ذلك شفاء للعقول و القلوب و الأرواح...
فقدم ثمناً لهذا العسل الإلهي و تذكر نعم الله عليك حتى تزداد حباً للمنعم عز و جل, و استخدم نعم الله فيما يرضيه, لا في معاصيه. و خف من الآية 112 (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)
و ليس أجمل من أن تسجل نعم الله في سورة النحل ثم تحاول اسقاطها على حياتك, ثم تفكر كيف توظف هذه النعم فيما يرضي الله عز و جلو جرب ذلك و سترى بماذا ستشعر..