أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

سيرة الامام الحسين رضي الله عنه

انباريه ثائره

Well-Known Member
إنضم
25 أكتوبر 2012
المشاركات
530
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
عراق_انبار_حديثه

السلام عليك ياحبيب ابا عبد الاله

الحمد لله ربّ
العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدِنا وحبيبِ قلوبنا أبي القاسم محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الغر الميامين وعلى من اتبع أثرهم إلى يوم الدين ، وبعــد :

محمد صلى الله عليه وسلم
، أحيا الله به الأرواح من الجهل والشرك والخرافة، حتى كانت خير أمة أخرجت للناس ، فاللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم أرنا الحق حقًا، والباطل باطلاً ، اللهم وفقنا لاتباع الحق والعمل به والدعوة إليه والصبر على الأذى في ابتغاء وجهك، وطلب مرضاتك (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنّا سيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ ) .

أحبتي
في الله .. من مبادئنا الأصيلة، ومن تعاليمنا الجليلة، أن نفتخر بهذا الدين، وأن نتشرف بأن جعلنا الله مسلمين، فمن لم يتشرف بالدين ومن لم يفتخر بكونه من المسلمين، ففي قلبه شك وقلة يقين :

وممـــا زادنــــي
شـــــــــرفـًـا وفخـــــرًا وكدتُ بأخمصي أَطأُ الثريَّا

دخولي
تحت قولك »يا عبادي«
وأن صيَّرت أحمــد لــينبـيِّا

الشرف كل الشرف ليس في
الدور، ولا القصور، ولا في الأموال، ولا في* الأولاد، ولا في الهيئات ولا في الذوات، الشرف أن تكون عبدًا لرب الأرض والسماوات، الشرف أن تكون من أولياء الله، الذين يعملون الصالحات، ويجتنبون المحرّمات.

روى أحمد في مسنده عن حذيفة : ( أنه تبع النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العشاء ، فعرض للنبي عارضٌ فناجاه ثم ذهب ، يقول حذيفة : فاتبعته فسمع صوتي فقال : من هذا ؟ فقلت : حذيفة ، قال : ما لك ؟ قلت : استغفر لي ولأمي ، فقال : غفر الله لك ولأمك ، ثم قال : أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل ، قلت : بلى ، قال : فهو ملك من الملائكة لم يهبط الأرض قبل هذه الليلة ، فاستأذن ربه أن يسلم علي ، ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأن فاطمة سيدةُ نساء أهل الجنة ) 1 ، فرضي الله عنهم جميعًا .

إخواني من أين أبدأ ؟ .. أتدرون عن من أتكلم هذه الليلة ، ( بينا كان عمرو بن العاص في ظلّ الكعبة جالسًا ، إذ رأى طيفًا قادما ، فقال : هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم ، فلمّا أقبل فإذا هو الحسين بن علي ) 2 ، كيف أسرد لكم قصته .. من أين أبدؤها ؟ وكيف أصوغها ؟ وبأيّ شعرٍ يستفيض بياني ؟ فالكلمات لا تسعفني .. والعبارات تخونني .. والعبرات تسبقني ..

أقدم اليوم رمزًا من رموز الشهادة على مرّ تاريخ الإنسان ، أقدمه لكم غضًّا طريًّا ، وأنا أشعر بالحرج ، لأنني مهما قلت، مهما ذكرت .. فسوف أقصّر في سيرته وترجمته، إنه حياة لضمير الأجيال .. رمز من رموز الإسلام ،إنه الرجل الذي لمّا مات أمست مدن الإسلام في مصيبة وعزاء .

إنه الرجل الذي قال فيه جابر : ( من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة ؛ فلينظر إلى الحسين بن علي ) 3 ، إنّه الرجل الذي أقبل عليه أبو هريرة فأخذ ينفض بثوبه التراب عن قدم الحسين 4 ، إنه الرجل الذي كان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ الركاب له ولأخيه الحسن إذا ركبا ، ويرى هذا من النعم عليه 5 ، إنّه الرجل الذي حجّ خمسا وعشرين حجة ماشيا على قدميه 6 ، فاللهم أرنا وجه جدّيَ الحسين في الجنة ، واحشرنا مع نبينا محمد في مقعد صدق عند مليك مقتدر، واجمع بيننا وبينه ، ولا تفرّق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله .

من ههنا .. السلام عليك يا أبا عبد الله ، وبيننا وبينك أربعة عشر قرناً ، السلام عليك يوم ولدت ، ويوم قتلت ، ويوم تبعث حيا .

عليك سلامُ اللـه وقفًا فإننـي رأيت الكريم الحرَّ ليس له عُمْر
ثوى طاهر الأردان لم تبْقَ بقعةٌ غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبرُ


إذا لم نخرج بالحسين أمام العالَم ، فبمن نخرج ؟ ما النموذج الذي نُقدمه إذا لم نُقدّم أمثال هؤلاء الأبطال ؟ هنا مواقف مؤثرة ، في حياة الحسين ، سجلها التاريخ، ووقف أمامها، وأنصت لها .. من مدرسة النبوة‏ ..‏ تخرّج الإمام الحسين بن علي ، ليكون تلميذا من تلاميذها العظام .

وقبل البداية أحبّ أن أشير إلى أمرٍ في غاية الأهمية .. ألا وهو أنّ أغلب التراجم للحسين ركّزت على محورين فقط في حياته ، الأول : فضائله ، والأخير : استشهاده رضي الله عنه .

مما حرمنا من التمتّع بسيرته العطرة من ميلاده وحتى استشهاده ، وما واكب ذلك من مواقف مشرفة ، نحتاج لأن نقتدي بها ، مما أغراني بأن أغوص في هذا البحر الفيّاض ، وأتكلم عن تلك الحقبة ، فأعرض أمامكم بعض اللآلئ في تاريخ هذا الرجل ، من منّا يعلم أنّ الحسين شارك في فتح أفريقيا ؟ هل تعلمون أن الحسين شارك الجيش المسلم الذي غزا أوروبا ؟ كثير منّا لا يعلم ذلك !!

لكن اليوم بإذن الله التاريخ نقرأ ، وأعدكم بأني سأجتنب الروايات المكذوبة والموضوعة ، ولا يمنعني ذلك أن أرجع إلى مصادر غير أهل السنة والجماعة .

( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) 7 .

من هو الحسين بن علي ؟

إنّي لتطربني الخلال كريمة طرب الغريب بأوبة وتلاق
ويهزّني ذكرُ المروءة والندى بين الشمائل هِزّة المشتاق

كنيته واسمه ونسبه :

أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب ( عبد مناف ) 8 بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان 9 ، القرشي الهاشمي .

لقبـه :

سِبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وريحانته من الدنيا ، وهو سيد شباب أهل الجنة .

تكوين الشخصية :

لم يكن تكوين تلك الشخصية العظيمة من فراغ ، وإنما كانت هناك عوامل بيئية ووراثية تجمّعت في هذه الشخصية ، لتكوّن لنا شخصية الحسين بن علي رضي الله عنهما .

نشأته :

لم يعش آباء الحسين رضي الله عنه وأجداده في قلب الصحراء ، المترامية الأطراف والرمال ، بعيدين عن الحضارة والتقدم ، وإنما كانوا يعيشون في مكة التي تعتبر عاصمةً لشبه الجزيرة العربية ، تتجه إليها الأنظار ، وتشد إليها الرحال ، وتَشْخُص لها الأبصار .

وذلك لمركزها في تجارة بلاد العرب كلها ، والتي يحج إليها العرب فيطوفون حول الكعبة ، ويزورون بيت الله .. الذي بناه أجداده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، ولقد أراد المولى سبحانه وتعالى أن تكون مكة هي مهبط الرسالة لجد الحسين عليه الصلاة والسلام ، ومنها انتقلت الحضارة والمجد والعز إلى المدينة التي ولد بها الحسين بن علي رضي الله عنهما .

شبل من أسد :

ولعوامل الوراثة أثرها الواضح والبين على شخصية الحسين رضي الله عنه ، وإظهارها المشَرِّف بالمتعارف عليه عند الناس من الشجاعة والإقدام ، وعلو الهمة والبعد عن الدنايا ، والتضحية بالنفس والنفيس في سبيل المبادئ العظيمة .

لقد كان الأجداد الذين ينتسب إليهم الحسين رضي الله عنه عظماء ، عظماء بمعنى الكلمة ، فمنهم نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام ، بتاريخهما المعروف بالرسالة والنبوة ، والهمة والشجاعة .

ومن الامتداد الوراثي لأصل الحسين رضي الله عنه الجد : ( قصي بن كلاب ) وكان من المكانة وحسن الرأي ما جعله موضع احترام أهل مكة ، وولّوه كل المناصب المتصلة بالكعبة والبيت الحرام ، ثم أقرُّوا له بالملك عليهم .

ومن الامتداد الوراثي الجد : ( هاشم ) وقد كان كبيراً في قومه ذا يسار ، فَولي السقاية والرفادة ، ودعا الناس إلى إطعام الحاج أثناء الموسم ، وكان من أعماله أنه سنّ رحلتي الشتاء والصيف ، واتصل بالممالك المجاورة ، فلما تولى من بعده ( عبد المطلب ) اتصل بيثرب وبأخواله هناك فكانوا عوناً له ، فساعدوه على أن يتولى ما كان هاشم يتولاه .

ومن أولاد عبد المطلب : ( أبو طالب ) والد علي رضي الله عنه ، و ( عبد الله ) والد سيدنا محمد والد فاطمة الزهراء أم الحسين ، عن واثلةَ بنِ الأسْقَع رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( إنَّ اللهَ اصطفى كِنانَةَ مِن ولدِ إسماعيل، واصطفى قريشاً من كِنَانَة، واصطفى مِن قريشٍ بَنِي هاشِم، واصطفانِي مِن بَنِي هاشِم ) 10 .

ذلك هو الأصل العريق الذي انتهى إلى الحسين بن علي ، من جهة أبيه ومن جهة أمه ، وتلك هي الشجرة المباركة التي انتسب إليها ، فكلهم عظماءُ وقتهم ، وقد تحقّق هذا في شخصيتنا هذه : أبي عبد الله / الحسين بن علي ، وما امتاز به من : هيبة وذكاء .. وشجاعة وإقدام .. والتي أدى بها دوره في الحياة كما قدّرها الله عز وجل له ، لينال منزلةً عاليةً في الآخرة ، فيكون سيّد شباب أهل الجنة .

والديّ الحسين :

الأب : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والأم : سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء رضي الله عنها .

أجـداه :

جدّه لأمه : محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وجدته لأمه : خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، وجدّه لأبيه : أبو طالب ( عبد مناف بن عبد المطلب ) ، وجدّته لأبيه : فاطمة بنت أسد الهاشمية رضي الله عنها .

إخوانه :

من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحسن ، زينب الكبرى ، أم كلثوم الكبرى .
من خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة : محمد الأكبر ( محمد الحنفية ) .
من ليلى بنت مسعود بن خالد بني تميم : عبيد الله ، وأبو بكر .
من أم البنين بنت حزام بن خالد بن جعفر بن ربيعة : العباس الأكبر ، عثمان ، جعفر الأكبر ، عبد الله .
من أسماء بنت عميس الخثعمية : يحيى ، عون .
من الصهباء ( أم حبيب بنت ربيعة بن جبر ) : عمر الأكبر ، رقيّة .
من أمامة بنت العاص بن الربيع : محمد الأوسط .
من أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي : أم الحسن ، رملة الكبرى .
من حياة بنت امرئ القيس : ابنة هلكت وهي جارية .
من أمّهات أولاد : محمد الأصغر ، أم هانئ ، ميمونة ، زينب الصغرى ، رملة الصغرى ، أم كلثوم الصغرى ، فاطمة ، أمامة ، خديجة ، أم الكرام ، أم سلمة ، أم جعفر ، جمانة ، نفيسة .

قال ابن سعد : لم يصحّ لنا من ولد علي رضي الله عنه غير هؤلاء 11 .


***

المصادر :

(1) أخرجه أحمد برقم ( 22240 ) .
(2) أورده الذهبي في السير ( 3/285 ) ، وروى ابن حجر عن عبد الله بن عمرو بن العاص .
(3) السلسلة الصحيحة رقم ( 4003 ) .
(4) أورده الذهبي في سيره ( 3/287 ) عن أبي المهزم قال : ( كنا في جنازة فأقبل أبو هريرة ينفض بثوبه التراب عن قدم الحسين ) .
(5) أورده الذهبي في السير .
(6) أورده الذهبي في السير عن مصعب الزبيري ( 3/287 ) ، الطبراني ( 2844 ) وقال الهيثمي بأنه منقطع .
(7) أخرجه مسلم برقم ( 1289 ) .
(8)أبو طالب اسمه : عبد مناف .
(9) الطبقات الكبرى ( 3/19 ) ، الإصابة ( 1/507 ) .
(10) أخرجه مسلم برقم ( 4221 ) .
(11) الطبقات الكبرى ( 3/20 ) .
 

انباريه ثائره

Well-Known Member
إنضم
25 أكتوبر 2012
المشاركات
530
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
عراق_انبار_حديثه
رد: سيرة الامام الحسين رضي الله عنه

.: الحلقة الثانية :.

قطوف من سيرة الحسين العطرة :

هو علم من أعلام تاريخنا الإسلامي ، قلما خلا التاريخ من سيرته وأخباره ، وقد تحدث عنه كثيرون ، لما عرف عنه ، من بذل النفس في سبيل الحق والمبدأ ، ولما تركه من الأثر العظيم على مر العصور.

قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني ) أخرجه ابن ماجه برقم ( 140 )، وانظر صحيح ابن ماجه ( 117 ) ، ولد رضي الله عنه لخمس خلون من شهر شعبان سنة أربع من الهجرة ، وذلك بالمدينة المنورة ، ونالت سيرته العطرة منزلةً عظيمة ، مما لم تنله سيرة كثير من العظماء ، فهو إلى اليوم .. يذكرُ له المسلمون يومَ تضحيته بحياته ، فيجعلون منه مثلاً أعلى لما قام به من تقديم نفسه للاستشهاد في سبيل الدفاع عن منهجه ومبدئه ، القائم على إتباع الكتاب والسنة ، فأصبح الناس بين : حزين متألم لما ناله ومن معه من قتلٍ وتعذيب وهوان ، وبين من يحاول أن يتأسى به ، فيضحي بحياته في سبيل العزة والكرامة .

الصفات الخَلقية للحسين رضي الله عنه :

لقد كان الحسين سيدًا وسيمًا جميلاً ، كيف لا ! وقد كان من بركات الله سبحانه وتعالى على الحسين : أنّه كان أشبه الناس بجدّه صلى الله عليه وآله وسلم ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( كان الحسين أشبههم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) أخرجه البخاري برقم ( 3465 ) .

وعن عبيد الله بن أبي يزيد قال : ( رأيت الحسين بن علي : أسود الرأس واللحية إلا شعرات في مقدم لحيته ) ، وعن عمر بن عطاء : ( رأيت الحسين يصبغ بالوَسمة ، كان رأسه ولحيته شديدي السواد )أورده الذهبي في السير ( 3/281 ) ، وعن السدي قال : ( رأيت الحسين وله جُمة خارجة من تحت عمامته ) والجمة : مجتمع شعر الرأس .

هذه بعض أوصاف الإمام الحسين ، كما ذكرتها كتب التراجم ، للمزيد يمكنكم الرجوع إلى كتاب سير أعلام النبلاء ، للحافظ الذهبي .

علم الحسين رضي الله عنه :

لقد ترعرع الغلام في بيت سيّد الأنام ـ عليه الصلاة والسلام ـ يتأدّب بأدبه ويتعلّم من علمه ، ويتربّى على تربيته ، حتى بلغ الذَّروة في العلم والأدب ، كيف لا وقد تلقى علومه الأولى على يد جده رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثم على يد والده علىٍ رضي الله عنه ، وعلى أيدي كرامِ الصحابة ، حفظ القرآن وهو صغير ، وروى عن جده الأحاديث ، وأيضا روى عن أبيه وأخيه ، وطائفةٍ من الصحابة رضي الله عنهم .

وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعلّم الناس كتاب الله تعالى ، ومن بينهم : الحسنُ والحسين ، فتعلما منه منهجه لبيان الحكمِ الشرعي ، وطريقتَه في الاستنباط ، والتي كان ملامحها :
الالتزام بظاهر القرآن الكريم ، وحمل المطلق على المقيّد ، وحمل المجمل على المفسّر ، والعلمِ بالناسخ والمنسوخ ، والنظرِ في لغة العرب ، وفهمِ النّص بنصٍ آخر .. إلى غير ذلك .

كان القرآن الكريم لذلك الجيل ومنهم : الحسين بن علي : هو المنهج التربوي ، إضافة إلى الهدي النبوي ، فكان للآيات التي سمعها من والده أمير المؤمنين علي ، أثرها في علمه وصياغة شخصيته ، فقد تطهّر قلبه وزكت نفسه ، وتفاعلت معه روحه ، فأبصر الحقائق في عالم الوجود .

قال الحافظ ابن حجر في كتاب الإصابة : ( وقد حفظ الحسين أيضا عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وروى عنه ، أخرج له أصحاب السنن أحاديث يسيرة ، وروى عن أبيه وأمه وخاله هند بن أبي هالة، وعن عمر .

وروى عنه أخوه : الحسن ، وبنوه : على زين العابدين وفاطمة وسكينة ، وحفيدُه الباقر والشعبيُ وعكرمةُ وسِنان الدؤلي ، وكَرزُ التيمي ، وآخرون )
الإصابة .

وقال الحافظ الذهبي في سيره : ( حدث عن جده، وأبويه، وصهرِه عمر ـ بن الخطاب ـ وطائفة ، حدَّث عنه : وَلدَاه علي وفاطمة، وعبيدُ بن حنين، وهَمّامُ الفرزدق، وعكرمة، والشعبيُ ، وطلحةُ العقيلي، وابنُ أخيه زيد بن الحسن، وحفيدُه محمد بن علي الباقر، وابنته سكينة ، وآخرون ) سير أعلام النبلاء (3/280) .

عبادته ومحبته لربه :

كان الحسين بن علي رضي الله عنهما ، من المجتهدين في العبادة ، ومارس مفهوم العبادة الشامل في حياته ، فقد رضع العبادة ، مع ما رضعه من معدن النبوة ، وتربية الزهراء ، التي جاءت إلى أبيها عليه الصلاة والسلام لتطلب خادمًا ، فدلّها على ما هو أفضل من ذلك : ألا وهو التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير .

وقال لها ولزوجها في الليل وهما في الفراش : ( ألا تقومانِ تصلِِيان ) ؟ .. فأطلّ الحسين على الحياة ، في بيت الزهد والعبادة .. والورع والتقى .. والحلم والصبر .. فانغمس الحسين في هذه المفاهيم .. والمثل والمبادئ .. حتى غدا مثالاً من مثُلها .. يشهد له بذلك معاصروه من الصحابة الأبرار .

فكان رضي الله عنه .. كثير الصوم والصلاة .. والحج والصدقة .. وأفعال الخير جميعها ، قال مصعب الزُبيري : ( حج الحسين خمسا وعشرين حِجة ماشيا على قدميه ) أورده الذهبي في السير عن مصعب الزبيري ( 3/287 ) ، الطبراني ( 2844 ) وقال الهيثمي بأنه منقطع

، وإبله تقاد بين يديه – كما كان يفعل أخوه – لكنه كان يسلك طريقاً غير الذي يسلكه الناس ، حتى لا يشقوا على أنفسهم في تقليده فيمشون في الطريق الذي مشى فيه ، وكان الحسن والحسين إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطّمونهما مما يزدحمون عليهما ، للسلام عليهما ( رضي الله عنهما ) .

كان يكثر من الصلاة بالليل والنهار ، وقد وصف الله عبادة المتقين بقوله : ( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون ) ، ولم يترك قيام الليل حتى في آخر ليلة من حياته رضي الله عنه ، أتدرون لماذا ؟ لأن قيام الليل شرف المؤمن ، كما قال جدّ الحسين صلى الله عليه وآله وسلم : ( شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزّه استغناؤه عن الناس ) صحيح الجامع ، رقم 3701 .

ومهما كثُرت دعاوى المحبة ، طُولب أصحابها بالدليل .. وشَهِدت عليهم ساعات الليل .. فالبيّنة على من ادّعى .. فأهل القيام .. هم الأشرف بين النّاس .. أما أهل النوم والغفلة ـ كأمثالنا ـ فقد فضحتهم تلك الساعات .. فأسْقَطَت ذكرهم .. وأدنَت شرفهم .

أمّا الحسين رضي الله عنه ، فقد كان كثير الدعاء والتضرّع ، وإظهار الافتقار إلى الله وحده ، فنراه في وقعة الطف 61 هـ يغتسل ويتطيب بالمسك ، ثم يركب فرسه ويستقبل القوم رافعاً يديه يدعو : ( اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت فيما نزل بي ثقة، وأنت وليُ كل نعمة، وصاحبُ كل حسنة ) سير أعلام النبلاء ( 3/275 ) .

لقد كان الحسين عالما فقيها ورعا ، يخاف ربه ويخشاه ، كما أنه تعلَّم منذ الصغر فنون العلم والأدب ، ولقد آتاه الله عز وجل ملكة الخطابة ، وطلاقة اللسان ، وحُسنَ البيان .

جهاده رضي الله عنه :

للحسين رضي الله عنه السهْمُ الوافر ، والقَدَحُ المعلّى في الشجاعة ، نصرةً لهذا الدين وإعلاءً لكلمة الله عزّ وجل ، كيف لا ، وجدّه عليه الصلاة والسلام يقول : ( والذي نفس محمد بيده ، لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل ) أخرجه أحمد برقم ( 8623 ) .

هذا كلام القائد فكيف يكون الجند ؟ هذا الأستاذ ، فكيف يكون الطلاب ؟ كانوا قمماً من العزّة والتضحية ، وقذائفَ من البذل والعطاء .

إنَّ ما كان عليه الحسين بن علي من عبادة ، وورع وتدريس للعلم ، لم يُنسِه دورَه في محاربة أعداء الإسلام ، وفتح الثغور لنشر دين الله عز وجل ، لأن ذلك من تمام الواجبات ، وهي تاج العزة وسياحة المؤمن ، ولقد ضرب لنا الحسين في ذلك أروع الأمثلة في الصبر والجهاد في سبيل الله ، فقام بواجبه وأدى دوره كما يجب أن يكون .

ولعل أفضل ما نبرهن به على ذلك : جهاده على أرض أفريقيا في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، ثم رجع مع المنتصرين ليبشروا الخليفة عثمان بالنصر على الرومانِ المحتلين الغاصبين .

وكذلك شهد موقعة ( طبرستان ) مع سعيد بن العاص ، الذي أرسله الخليفة عثمانُ بن عفان ، لنشر الإسلام وفتح البلاد ، وضمها لبلاد الإسلام .

ولا ننسى الدور الذي قام به الحسين في عهد معاوية رضي الله عنهما ، فلقد شارك بروحه وجسمه ونفسه في إعلاء كلمة لا إله إلا الله ، يصل إلى القسطنطينية مجاهدًاً مقاتلاً ، سنة 50 للهجرة ، مع الجيوش المسلمة المجاهدة لفتح أوربا ، وأدى دوره في إيمان وشجاعة ، ثم عاد إلى المدينة .

مجلس الحسين رضي الله عنه :

أكرم المجالس مجالس العلم والذكر ، فما بالك إذا توسّط والد سيدا شباب أهل الجنّة ( علىِ ) رضي الله عنه بحديثه وتعليمه وتوجيهه ، كان من صفاء مجلسه ونقاء سريرته : أن يردَّ المخطئ ، ويعلّمَ الجاهل ، وينبّهَ الغافل ، ولا يقبلُ في مجلسه إلا كلَ خير .

ولذلك نجد أنّه لما تجرّأ البعض على سبّ الصحابة رضوان الله عليهم ، وانتقاصِ قدرهم والطعنِ فيهم ، ما كان من ( علي ) رضي الله عنه إلا أنه أنكر تلك الغيبة والنميمة والبهتان ! وردّ عن أعراض إخوانه من الصحابة وبيّن فضلهم .

قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : ( أوصيكم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لا تسبّوهم فإنهم أصحاب نبيّكم ، وهم أصحابه الذين لم يبتدعوا في الدين شيئًا ، ولم يوقّروا صاحب بدعة ، نعم أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هؤلاء ) حياة القلوب للمجلسي ( 2/621 ).

هكذا تعلّم الحسين رضي الله عنه من أبيه ، كيف تعمّرُ المجالس ، وكيف يدافَع عن عرض الآخرين ، خاصة الصحابة رضوان الله عليهم ، كيف لا وهو يسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( من ذبّ عن لحمِ أخيه بالغيبة ، كان حقًا على الله أن يُعتقه من النّار ) أخرجه أحمد برقم ( 26327 ) .

فالحسين عليه رضوان الله ، تزكية جدّه صلى الله عليه وسلم ، الذي بعثه الله لتزكية النفوس وتربيتها ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) الجمعة : 2 .

وهذا ما علّمه الحسين رضي الله عنه لأبناءه ، وإليك هذه القصة التي رواها علي الأربلي ، عن علي بن الحسين – رضي الله عنهما – قال : ( جاء إلى الإمام نفر من العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - ، أي ذكروهم بسوء .

فلما فرغوا من كلامهم قال لهم : ألا تخبرونني ؟ أأنتم المهاجرون الأولون { الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } ؟ والآية تعني المهاجرين ، قالوا : لا .

قال : فأنتم الذين { تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } ؟ والآية تعني الأنصار ، قالوا :لا .

قال : أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين ، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم : { يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا } اخرجوا عني ، فعل الله بكم )
كشف الغمة ( 2/ 78 ) ط.إيران

. طردهم رضي الله عنه .. لما سمع منهم قبيح القول في الخلفاء الراشدين .. وفي رواية : ( ليس من هؤلاء .. من سبّ هؤلاء ) !! الله أكبر .. هذه تربية الحسين رضي الله عنه لابنه علي زينِ العابدين .

نريد أن نتحدّث عن الزواج المبارك ، الذي أخرج لنا هذا الرجل العظيم .. زواج أمير المؤمنين علي ، بسيدة نساء العالمين فاطمة .. لا شك أنكم مشتاقون لسماع أخبار ذلك النكاح العظيم .. لكن الزمن قل أزف على الرحيل .. في الحلقة القادمة بإذن الله .. سيكون حديثنا عن ذلك الزواج المبارك ..




 

انباريه ثائره

Well-Known Member
إنضم
25 أكتوبر 2012
المشاركات
530
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
عراق_انبار_حديثه
رد: سيرة الامام الحسين رضي الله عنه

جولة في بيت الحسين

هذه المشاركة .. لنا جولة في بيت الحسين .. إنّ الرحلة إلى حيث بيت الحسين رضي الله عنه ، ورؤية دقائق حياته وأسلوب معاملته أمرٌ مشوّق للغاية .. سنعود قرونًا خلت .. ونقلّب صفحات مضت .. نقرأ فيها .. نتأمّل سطورها .. نقوم بزيارة الحسين رضي الله عنه في بيته عبر الحروف والكلمات .. نعم سندخل بيته .. ونرى حاله وواقعه .. نستلهم الدروس .. ونستنير بالقول والفعل .. جادّين في تطبيق ما نراه ونعرفه.. علّنا نربّي أنفسنا ونطبّق ذلك في بيوتنا .

ها نحن نطلّ على المدينة المنوّرة ، وهذا أكبر معالمها البارزة بدأ يظهر أمامنا ، إنه جبل أحد ، الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا جبلٌ يحبّنا ونحبّه ) أخرجه البخاري برقم ( 2675 )، وها نحن نشاهد المسجد العظيم .. إنّه مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم .. إنّه المسجد الذي يصطفّ فيه الصحابة الكرام يصلّون .. خلف من ؟ .. خلف أعظمِ البشر .. سيدِ ولد آدم .. صلى الله عليه وآله وسلم .. إنه المسجد الذي يصلي فيه الحسين .. رضي الله عنه .. إنّه المسجد الذي شرع لنا شدّ الرحال إليه .

وقبل أن نلج بيت الحسين رضي الله عنه ونرى بناءه وهيكله .. لا نتعجّب إن رأينا المسكن الصغير ، والفراش المتواضع ، فإنّ ( عليًا ) رضي الله عنه والد الحسين من أزهد الناس في الدنيا ، لا ينظر إلى زخارفها وأموالها .

أوصاف بيت الحسين :

وقد أقبلنا على بيت الحسين رضي الله عنه .. نستحثّ الخُطا ، سائرون في طرق المدينة .. ها هو قد بدا بيت الحسين ، مبنيٌ من جريدٍ عليه طين ، من حجارة مرضومة (مرصوفه فوق بعضها البعض)، وسقفه من جريد ! نعم .. هكذا كانت بيوت الصحابة رضي الله عنهم ، حتى يقول الحسن ( كما في الطبقات الكبرى ) : ( كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان بن عفّان فأتناول سقُفَها بيدي ) !

لاشك إنّه بيتٌ متواضع ، ومكانٌ ضيّق .. لكنه عامرٌ بالطاعة والإيمان .. حيّ بالوحي والقرآن .

ونحن نقترب من بيت الحسين رضي الله عنه ونطرق بابه استئذانا .. أذن لنا ، واستقر بنا المقام في وسَط البيت ، لنجيل النظر .. وينقل لنا الصحابة رضوان الله عليهم واقع هذا البيت من فرشٍ وأثاثٍ وأدواتٍ وغيرها .. إنّه بيتٌ أساسه التواضع ورأس ماله التقوى ، والبركة تحلّ في نواحيه .. بل الملائكة تحفّه !!

ألا ترى أنّ جدرانه تخلو من الصور التي يعلّقها كثير من الناس اليوم !! فقد قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ، فقال : لا تدع صورة إلا محوتها ، ولا قبراً إلا سويته ) وسائل الشيعة 3/562
كما ورد في كتاب الوسائل ، وجاء في كتاب الكافي : عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال جبريل عليه السلام : ( يا رسول الله إنا لا ندخل بيتاً فيه صورة انسان ) الكافي 3/393 .

بعض أدوات البيت :

أطلق بصرك .. لترى بعضًا مما كان يستعمل في الحياة اليومية .. فهناك ( الدرع الحطمية ) التي شهدت بطولات علي رضي الله عنه ، ومعاركَه الحربية وأيامَ البأسِ والشدّة .. وفي تلك الزاوية توجد ( جرتان ) للماء ، وهما اللتان بعث بهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت علي رضي الله عنه أخرجه أحمد برقم ( 797 ) .

وانظر إلى تلك الناحية .. إنّه ( الفراش ) الذي ينام عليه أهل البيت رضوان الله عليهم ، فهو من جلد كبش ينامون عليه في الليل ، وفي النهار تعلف عليه فاطمةُ ناضحهم
كنز العمال ( 7/133 ) ، المرتضى للندوي ص 41،
و ( الوسادة ) فمن الجلد المدبوغ حشوها ليف ، أما ( اللحاف ) فهو متواضع وقصير !! قطيفة إذا غطيت الرؤوس تكشفت الأقدام ! وإذا غطيت الأقدام تكشفت الرؤوس ! فلا إله إلا الله .. أخرجه أحمد برقم ( 797 )

ولو أطلقنا النظر ، شاهدنا ( الرحى ) .. نعم إنه الرحى .. الذي كانت فاطمة رضي الله عنها تطحن فيه حتى تأثّرت يداها ، فبدأت تشكو مما تلقى في يدها من الرحى !

كانت حياتها في غاية البساطة ، والقصة التالية تصوّر لنا حال السيدة فاطمة من التعب وصبرها ، ففي صحيح البخاري ، عن علي أنّ فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى ، وبلغها أنه جاءه رقيقٌ ( أي سبي ) ، فلم تجده في البيت ، فذكرت ذلك لعائشة ، فلما جاء الرسول أخبرته عائشة ، قال : فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم ، فقال : ( على مكانكما ، فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني ، فقال : ألا أدلكما على خير مما سألتما ، إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما ، فسبحا ثلاثا وثلاثين ، واحمدا ثلاثا وثلاثين ، وكبرا أربعا وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم ) . الله أكبر .. هذا البيت نشأ فيه الحسين !!
أخرجه البخاري برقم ( 4942 )

طعـام الحسين :

قد يتساءل البعض .. يا ترى كيف كان طعام الحسين وشرابه ! أعيشة الملوك ؟ أم أرفع وأعظم ! عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما شَبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أخرجه مسلم برقم ( 5276 )
، قال الحافظ ابن حجر في الفتح : ( والذي يظهر أن سببَ عدمِ شبعهم غالبا ، كان بسبب قلّة الشيء عندهم , على أنهم كانوا قد يَجِدُونَ ولكن يُؤْثِرُونَ علَى أَنفسهم ) .

ولا تعجب إن كان الحسين رضي الله عنه أحيانًا لا يجد ما يأكل ! فينام طاويا لا تدخل جوفَه اللقمة ! فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاءً ، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير ) أخرجه الترمذي برقم ( 2283 ) ، وابن ماجه برقم ( 3338 ) ، وأحمد برقم ( 2189 ) .. هكذا كانت معيشةُ علي وفاطمة والحسن والحسين ، معيشةَ زهدٍ وتقشف ، وصبرٍ وجَهْد .ومع ذلك .. فإنه بيت مبارك شعّ منه العلم والتقوى ..

الحسين خارج البيت :

ولما كَـبُر الحسين رضي الله عنه قليلاً كانت أولى خطواته الصغيرة تخطو للمسجد النبوي الشريف ، ولقاء جدّه صلى الله عليه وآله وسلم نبي هذه الأمة ، في صحبة أخيه الحسن رضي الله عنه .

فذات يومٍ اصطحب الحسن أخاه الحسين رضي الله عنهما إلى المسجد النبوي ، وقد اجتمع الصحابة رضوان الله عليهم فيه ، يستمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخطبهم من أعلى منبره ، فدخل الحسن ، وقد امسك بيمين الحسين ، وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان ، ويمشيان وسط الناس ، فلما رآهما جدّهما صلى الله عليه وسلم فنـزل وأخذهما فصعد بهما ، ثم قال : " صدق الله : ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ... ) ثم قال : ( نظرت إلى هذين فلم أصبر ) ثم أخذ في الخطبة أخرجه أبو داود برقم ( 935 ) ، صحيح أبي داود ( 981 ) . هكذا كانت محبة الجدّ لحفيده رضي الله عنه ..

وقد كان الحسين رضي الله عنه معتادًا المسجد ، فلم يكن يمنعه ظلام الليل من أن يحظى بروحانية المسجد النبوي ، وصحبة جدّه صلى الله عليه وسلم ، ثمّ تأمّل معي هذا الحديث العظيم ، الذي يكشف لنا كيف أنّ الله كان يحرس تلك الخطوات وينير لها الطريق .

جاء في السلسلة الصحيحة للألباني ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره ، وإذا رفع رأسه أخذهما ، بيده من خلفه أخذا رفيقا ، فوضعهما وضعا رفيقا، فإذا عاد؛ عادا، فلما صلى وضعهما على فخذيه واحدا ههنا ، وواحدا ههنا .
قال أبو هريرة رضي الله عنه : فجئته، فقلت : يا رسول الله ! ألا أذهب بهما إلى أمهما ؟! قال : لا ، فبرقت بَرقَةٌ ، فقال : الحقا بأمكما ، فما زالا يمشيان في ضوئها ؛ حتى دخلا إلى أمهما
) أورده الألباني في السلسلة الصحيحة رقم ( 3325 )
، فسبحان الله .. ضوءٌ إلهي يضيء لهما ظلامَ الليل ، كرامةٌ وأي كرامة !!

ومع هذا فقد نشأ الحسين رضي الله عنه ، نشأةً طبيعية كغيره من الصغار ، سوِيَّ النفس يحب الخروج من البيت ، فيلعب أحيانًا مع أترابه من الصحّابة الصّغار .

أخرج ابن ماجه وأحمد ، عن يعلى بن مرة : أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعوا له ، فإذا حسينٌ يلعب في السِّكة ، قال : فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ، وبسَط يديه ، فجعل الغلام يفرُّ ها هنا وها هنا ويضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فأس رأسه فقبَّله ، وقال : ( حسين مني وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحب حسيناً ، حسينٌ سِبطٌ من الأسباط ) أخرجه ابن ماجه برقم ( 141 ) ، والترمذي برقم ( 3708 ) ، وأحمد برقم ( 16903 ) .

زيارة الرسول لبيت الحسين رضي الله عنه :

قد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم محبًّا للحسين ، حتى إنّه إذا افتقده في المسجد ، ذهب يبحث عنه في البيت ، رُغم ما وكل إليه من شرف الرّسالة وهمومها ، لكنّ الحبّ لآل البيت عليهم السلام .. يجعله يأخذ من وقته الثمين .. جزءًا ينفقه على الحسين وأخيه وأبويه ، بل يبشّرهم بأنّ هذه الصحبة وتلك الرفقة .. إنما هي باقية إلى ما بعد الموت .. في رياض الجنّة .

خرج الإمام أحمد في مسنده ، عن علي رضي الله عنه قال : ( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم على المنامة ، فاستسقى الحسن أو الحسين ، قال : فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى شاةٍ لنا بكر فحلبها فدرَّت ، فجاءه الحسن فنحَّاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت فاطمة : يا رسول الله كأنه أحبُّهما إليك ، قال : لا ولكنه استسقى قبله ، ثم قال : إني وإياك وهذين وهذا الراقد ـ يعني عليًا ـ في مكان واحد يوم القيامة ) أخرجه أحمد في مسنده برقم : ( 753 ) ، وانظر السلسلة الصحيحة رقم ( 3319 )
.

أبشروا .. ثم أبشروا .. ثم أبشروا .. يا محبّي آلَ بيتِ رسول الله .. صلى الله عليه وآله وسلم .. أنتم مع محمد .. مع علي .. مع فاطمة ، مع خديجة وعائشة ، مع جعفر والعباس ، مع الحسن والحسين ، في مكان واحد في الجنة ، لماذا ؟؟ لأن المرء مع من أحبّ يوم القيامة !! فسيروا على نهجهم .. واقتفوا أثرهم .. تفلحوا .

أثر الواقع الاجتماعي على تربية الحسين :

إن البيئة الاجتماعية المحيطة لها دورٌ فعال ومهم في صناعة الرجال وبناء شخصيتهم ، فالحسين بن علي رضي الله عنه ، عاش في زمن ساد فيه الصحابة ، ساد الرعيلُ الأول ، الذي تربى على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهيمنت الفضيلة والتقوى والصلاح على ذلك المجتمع الفريد ، وكثر الإقبال على طلب العلم والعمل بالكتاب والسنة .

فهذه الحالة دفعت الحسين بن علي إلى الاستفادة والاقتداء بالمجتمع الذي يعيش فيه ، فكان الصحابة الذين استوطنوا المدينة في حياة الرسول ، صلى الله عليه وسلم .. كمٌ كبير ..

وإن مجتمعاً عاش فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وتربى فيه على يديه أولئك الرجال ، لهو مجتمع لا يدانيه أي مجتمع آخر .. كيف لا .. والله تعالى يقول
: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ... ) .

فقد شاهد هذا المجتمع : الوحيَ وصاحبَ الدعوة .. صلى الله عليه وسلم ، فكان لهذه الملازمة والصحبة آثارٌ نفسية ومعان إيمانية ، وتعلقٌ روحيٌ ، هذا المجتمع المبارك .. مجتمع المربي محمد صلى الله عليه وسلم .. ومجتمع التلامذة المخلصين رضوان الله عليهم .. هذا المجتمع صاغ .. شخصية الحسين بن علي ، من الناحية التربوية والعلمية .

في ختام هذه المشاركة أقول .. بعدما عشنا مع الحسين .. في مجتمعه المبارك .. ورأينا الحسين عن قرب في بيته ومسكنه ومجتمعه .. بقي لنا أن نعرف ، كيف كانت علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بالحسين .
 

انباريه ثائره

Well-Known Member
إنضم
25 أكتوبر 2012
المشاركات
530
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
عراق_انبار_حديثه
رد: سيرة الامام الحسين رضي الله عنه

نكمل سيرة الحسين رضي الله عنه

الحسين في عهد الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم :

الحسين في خلافة أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنهما :

كان للحسن والحسين بن علي رضي الله عنهما ، مكانةٌ مرموقةٌ لدى الصديق وعمرَ وعثمانَ وعلي ، رضي الله عن الجميع ، فقد كانوا يحبّونهم ، ويتعاملون معهم بشكلٍ خاصٍ.

وحينما تولى أبو بكر رضي الله عنه الخلافة كان الحسين في دور الطفولة ، فكان أبو بكرٍ يدعو الناس إلى محبّةِ النبي صلى الله عليه وسلم وآلِ بيته ، ويقول : ( ارقبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في آل بيته ) أخرجه البخاري برقم ( 3436 )
، قال الحافظ ابن حجر في شرحه : ( يخاطِبُ بذلك الناسَ ويوصيهم به ، والمراقبةُ للشيء : المحافظةُ عليه ، فلا تؤذوهم ولا تُسيئوا إليهم ) .

كان رضي الله عنه حينما يرى الحسين يُقبل عليه .. ويـبُشُّ له ، وهو القائل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد فاضت عيناه من الدموع : ( والذي نفسي بيدِه ، لَقرابةُ رسول ، أحبُّ إليَّ أنْ أَصِلَ من قرابَتِي ) أخرجه البخاري برقم ( 3913 ) .

كان الصدّيق رضي الله عنه يعبّر في كلماته عن آل البيت وحبه للحسين ، وكان يحبه حباً جماً ، وهذا الحبُّ صادرٌ من شخصٍ ، كان هو الرفيق الصادق لجد الحسين صلى الله عليه وسلم .

وأيضًا حظى ( الحسن ) شقيق الحسين رضي الله عنهما ، برعاية أبي بكر رضي الله عنه وحبّه ومداعبته ، فعن عُقبة بن الحارث رضي الله عنه قال : ( صلَّى أبو بكر رضي الله عنه العصرَ ، ثم خرج يَمشي ، فرأى الحسنَ يلعبُ مع الصِّبيان ، فحمله على عاتقه ، وقال :

بأبي شبيهٌ بالنبي ** لا شـبيـهٌ بعلي

وعليٌّ يضحك
) أخرجه البخاري برقم ( 3278 ) ، وقال ابن حجر : ( زاد الإسماعيلي في رواية : " بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بليالٍ ، وعليٌ يمشي إلى جانبه " ... " يضحك " : أي رضًا بقول أبي بكر وتصديقًا له ) .

قال الحافظ في شرحه : ( قوله : (بأبي) : فيه حذفٌ تقديره أَفديه بأبي ) ، وقال أيضاً : ( وفي الحديث فضلُ أبي بكر ومَحبَّتُه لقرابةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ) .

وقد تتعجّبون بأنّ الحسين رضي الله عنه ، بلغ تأثره بسيرة الصدّيق ، حتى أنه سمّى أحد أبنائه على اسم : أبي بكر ! ( أبي بكر بن الحسين ) وكما تعلمون بأنه لا يسمّي أحدٌ من الناس أسماءً على شخصٍ معينٍ ، إلا نتيجة حبٍ ومعرفةٍ مفصلة بسيرته .

الحسين في خلافة عمر الفاروق رضي الله عنهما :

كان عمر رضي الله عنه يجلّ الحسين ويعظّمه ويكرمه ويحبّه ويتفدّاه ، كيف لا وهو صهره ، فهو زوج أخته ( أمِ كلثوم ) بنت علي وفاطمة أخت الحسين رضي الله عنهم أجمعين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلُّ سببٍ ونسبٍ منقطعٌ يوم القيامةِ إلاَّ سبَبِي ونسبِي ) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ( 3/129/1 ) ، وانظر السلسلة الصحيحة رقم (2036) .
وفي بعض طرق هذا الحديث .. أنَّ هذا الحديث هو الذي جعل عمر رضي الله عنه .. يرغبُ في الزواج من أمِّ كلثوم بنت عليٍّ وفاطمة رضي الله عنهم ، وذكر الذهبي أنّ ( عمر ) رضي الله عنه أصدقها أربعين ألفا .. إكرامًا لها ولأبيها . سير أعلام النبلاء ( ج3/501 )

خطب عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ابنته من فاطمة ، وأكثر تردّده إليه ، فقال : يا أبا الحسن ! ما يحملني على كثرة تردّدي إليك إلا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلُّ سببٍ ونسبٍ منقطعٌ يوم القيامةِ إلاَّ سبَبِي ونسبِي ) فأحببت أن يكون لي منكم أهل البيت سببٌ وصهر .

فأنكحه عليٌ .. فأتى عمر إلى المهاجرين فقال : " ألا تهنّوني ؟ فقالوا : بمن يا أمير المؤمنين ؟ فقال : أمِ كلثوم بنتِ علي وابنةِ فاطمة بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، وولدت له أم كلثوم ( زيد ) بن عمر بن الخطاب ، فعاش حتى كان رجلاً ثم مات
السلسلة الصحيحة (2036) .

وقصة زواج عمر من ابنة فاطمة ثابتة حتى في مصادر غير أهل السنة ، كما ذكر المجلسي في كتابه ( مرآة العقول ) قال المجلسي : " ... وكذا إنكار المفيدِ أصلَ الواقعة ؛ إنما هو لبيان أنه لم يثبت ذلك من طرقهم وإلا فبعد ورود تلك الأخبار وما سيأتي بأسانيد أن علياً - عليه السلام – لما توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته وغير ذلك مما أوردته في كتاب بحار الأنوار ، إنكار عجيب .. " الخ (ج2ص45 من مرآة العقول) .
فكيف لا يحبّ الحسين ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه ، وهو صهره وكذلك خال ابنه ( زيد ) بن عمر بن الخطاب ؟

وكان الخليفة عمر رضي الله عنه يحبّ الحسن والحسين حبّا كبيرا ، وكان يفضلهما على ولده ، فقد جاءه ولده يومًا يطالبه بأن يساوي بينه وبين الحسن والحسين في العطاء ، فقال عمر : ( ائتني بأبٍ كأبيهما ، وأم كأمهما ، وجدّ كجدهما ، أعطك عطاءهما ) لأنه كان يلحقهما بعلي بن أبي طالب . سيرة الصحابة ( 422 )

ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة : عن ابن حُنين أنه قال : حدثني الحسين بن علي رضي الله عنهما قال : ( صعدت المنبر إلى عمر ، فقلت له : انزل عن منبر أبي ، واذهب إلى منبر أبيك ! فقال عمر : إنّ أبي لم يكن له منبر ، فأقعدني معه ، فلما نزل قال : أي بنيّ ! من علمك هذا ؟ قلت : ما علّمنيه أحد ، قال : أي بني ، وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا الله ثم أنتم ! ووضع يده على رأسه وقال : أي بنيّ ! لو جعلت تأتينا وتغشّانا ) ذكره الذهبي في السير ( 3/285 ) وقال : ( إسناده صحيح ) ، وكذا ابن حجر في الإصابة وقال : ( سنده صحيح وهو عند الخطيب ) .

وذكر الذهبي في سيره : أنّه قدم على عمر حللٌ من اليمن ، فكسا الناس ، فراحوا في الحلل ، وهو جالس بين القبر والمنبر ، والناس يأتون فيسلمون عليه ويدعون ، فخرج الحسن والحسين ابنا علي رضي الله عنهم من بيت أمهما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخطيان الناس ، وليس عليهما من تلك الحلل شيء ، وعمر حزين ، لأنه لم يكن في تلك الحلل ما يصلح للحسن والحسين ; فأرسل إلى عامله في اليمن أن يرسل له حلتين للحسن والحسين وأن يعجّل بهما ، فأرسل إليه حلتين فكساهما وقال : ( الآن طابت نفسي ) أورده الذهبي في السير ( 3/285 ) .

وفي كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، قال : ( وانظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين وضع الديوان ، وقالوا له : يبدأ أميرُ المؤمنين بنفسِه ، فقال : لا ! ولكن ضَعُوا عمر حيث وضعه الله ، فبدأ بأهل بيت رسول الله جاءت نوْبَتُه في بَنِي عديٍّ ، وهم متأخِّرون عن أكثر بطون قريش ) .

وورد أيضًا أنّ عمر رضي الله عنه لمّا عمل الديوان ، فرض للحسن والحسين مع أهل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف ، وذلك إلحاقًا لهما بفريضة أبيهما ( علي ) مع أهل بدر ، لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم . روى الواقدي عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبيه : ( أن عمر ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما لقرابتهما من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكل واحد خمسة آلاف ) أورده الذهبي في السير ( 3/285 )

هذا الموقف وغيره وغيره .. ألا يظهر لنا حقيقة محبة عمر رضي الله عنه لآلِ البيتِِ رضي الله عنهم عمومًا ، والحسنِ والحسينِ خصوصًا ، حيث خصّهم بأن جعلهم مع الطبقة الأولى من سادات الصحابة في العطاء ، وما ذلك إلا محضُ المحبةِ لهما ، وتقديرًا لهما ، من مكانتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

هكذا كانت علاقة عمر بالحسين رضي الله عنهما ، ومن العجيب أن تجد البعض ينتسب إلى الحسين ، لكنه ينتقص عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فأمثال هؤلاء لا بدّ أن يعلموا فضل عمر رضي الله عنه على آل البيت عمومًا ، وعلى نسل الحسين خصوصًا !! فلولا الله ثمّ عمر لما كان لنسل الحسين وجود!! أتعلمون لماذا ؟

لأن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه ، لما أتته غنائم الفرس ، أعطى الحسينَ رضي الله عنه ابنة ملك الفرس ( يز دجرد ) ، فولدت له زينَ العابدين عليَ بن الحسين ، والذي لم يبق من أبناء الحسين غيرُه ، وكلّ ذريّة الحسين تناسلوا منه وينتسبون إليه
( عمدة الطالب في أنساب أبي طالب ) الفصل الثاني ، تحت عنوان : ( عقب الحسين ) . .

وعندما قام المجوسي أبو لؤلؤة بطعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وُضع على سريره ، يقول ابن عباس : ( وضع عمر على سريره ، فتكنّفه الناس ، يدعون ويصلون قبل أن يرفع ، وأنا فيهم فلم يَرعَني إلا رجل آخذٌ منكبي ، فإذا به علي بن أبي طالب .

فترحّم على عمر وقال : ( ما خَلّفت أحدا أحب إلي أن ألقي الله ، بمثل عمله منك ، وايم الله .. إن كنتُ لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ، وحَسِبتُ أني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر
) البخاري ، رقم 3685 .

هكذا استدلّ ( علي بن أبي طالب ) على فضل ومنزلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، بأنّه كان رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا ، في ذهابه ومجيئه ، ودخوله وخروجه ، بل أكرمه الله .. بأنّ جعله رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في موضع مضجعه ومرقده .. حريٌ بعدها أن يُبعث مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكونَ معه في الجنة .

الحسين في خلافة ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنهما :

قبل الحديث عن هذه المرحلة ، أحبّ أن أبشّركم بأن الحسين قد تزوجّ ، بل وأنجب الأولاد منهم : علي الأكبر ، وجعفر، وعبد الله ، وفاطمة ، وسكينة ، وعلي زين العابدين ، وسمّى أحد أبناءه ( عمر ) لمحبّته ا لشديدة لصهره ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه .

ولما تولى الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه الخلافة بعد ( عمر ) رضي الله عنه ، كانت العلاقة بينهما علاقة تسودها المحبة والتقدير ، فلا ننسى أنّه بين عثمان والحسين مصاهرة ، نعم فـ ( عثمان ) رضي الله عنه زوج خالتي الحسين ، فهو ذو النورين ، الذي تزوّج ( رقية ) بنتَ محمد صلى الله عليه وسلم ، وبعد وفاتها تزوج ( أمَّ كلثوم ) بنتَ رسول صلى الله عليه وسلم ، أختا فاطمة الزهراء ، خالتا ( الحسين ) رضي الله عنه .

في عهد عثمان رضي الله عنه اكتملت رجولة الحسين ، فتدرب على الحرب والقتال ، وأصبح قوياً وفي قدرته أن يحضر المعارك ، وأن يجاهد في سبيل الله ، وأن يكون مستعداً لنداء الجهاد ، لقد حضر فتح أفريقية مع القائد عبد الله بن أبي السرح
الشرف والتسامي بحركة الفتح الإسلامي ، للدكتور علي للصلابي ص 19
،
فسل رمال أفريقيا من مشى عليها ، ستجيبك إنهم جند محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وفيهم ابنه الحسين رضي الله عنه :

من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا
كنّا جبالا في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا


وبعد انتصارهم الكبير على أعدائهم ، اتّجه الحسن والحسين ، ومعهما ثلّة مباركة من المسلمين ، إلى عاصمة الخلافة ، وقلبُهما مفعمٌ بالسرور والارتياح ، لتوسّع النفوذ الإسلامي ، وانتشار دين رب العالمين .

وبعد حصول الفتنة العظيمة التي قادها الحاقدون والأعلاج ، من غوغاء القبائل وسفلة الأطراف والأراذل ، والتي تسبّبت في مقتل عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، نرى أنّه لما اشتدّ الحصار عليه حتى منع من الحضور للصلاة في المسجد ، بل مُنع عنه الماء ، وهو صابرٌ محتسب كما أمره الرسول بذلك ، أدرك الصحابة رضوان الله عليهم أنّ الأمر عظيم ، فعرضوا عليه أن يدافعوا عنه ، ويخرجوا الغوغاء عن المدينة ، إلا أنّ عثمان رفض أن يراق دمٌ بسببه !

ومع ذلك أرسل كبار الصحابة أبناءهم في سبيل ذلك ، ومن هؤلاء الحسن والحسين وعبد الله بن الزبير وابن عمر وغيرهم .. فكانوا مع الخليفة عثمان في الدّار ، وقد صحّت الروايات أنّ الحسن حمل جريحًا من الدار يوم الدار ، وعلي بن أبي طالب أرسل ثلاث قِربٍ مملوءة ماءً إلى بيت عثمان ، عندما كاد أهله أن يموتوا عطشًا ، لمنع البغاة والخارجين الماءَ عنه وعن أهل بيته .
لكن الأحداث تسارعت .. فوثب الغوغاء على عثمانَ وقتلوه ! حتى غضب عليٌ وقال لأبنائه وأبناء أخيه : ( كيف قتل عثمان وأنتم على الباب ؟ اللهم إنّي أبرأ إليكم من دمه ) .

هكذا كان الحسين وأخوه ووالده .. كان لهم الموقف المشرّف في الدفاع عن عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، والوقوفِ بجانبه في محنته ، فرضي الله عن الجميع .

وبعد استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه .. أتت خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .. رضي الله عنه .. فكيف عاش الحسين في ظلّ تلك الخلافة الراشدة
 

انباريه ثائره

Well-Known Member
إنضم
25 أكتوبر 2012
المشاركات
530
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
عراق_انبار_حديثه
رد: سيرة الامام الحسين رضي الله عنه

.: الحلقة الثالثة :.


خطبة علي لفاطمة رضي الله عنهما :

تعالوا معنا يا أحبابنا ، وبسرعة نخترق العصور راجعين إلى الوراء ، ونتجاور القرون ، ثمّ نأتي لنقف عند باب تلك الغرفة ، تلك الحجرة الصغيرة ، إنها حجرة علي رضي الله عنه ، وعلي جالس يفكّر في الزواج ، ممّن ؟ من ابنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ( فاطمة الزهراء ) ، لكنه يستحى أن يكلم رسول الله في ذلك .

فقام إليه رجلان من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ورغّبا علي على ذلك الزواج وشجّعاه على التقدّم لخطبة ( فاطمة ) ، أتدرون من هما ؟ إنهما الصحابيين أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، كما أورد ذلك المجلسي في بحاره ، و الطوسي في الأمالي :

عن الضحاك قال : سمعتُ عليَّ بن أبي طالب يقول : " أتاني أبو بكر وعمر فقالا : لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له فاطمة ، قال: فأتيته ؛ فما رآني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضحك، ثم قال: ما جاء بك يا علي؟ وما حاجتُك؟ فذكرتُ له قرابتي وقدِمي في الإسلام، ونُصرتي وجهادي ، فقال: يا علي، صَدَقْتَ ، فأنت أفضلُ مما تذكر .

فقلت : يا رسول الله ، فاطمة تُزوّجنيها ؟ قال : على رِسْلِكَ حتى أخرج إليك ، فدخل [صلى الله عليه وعلى آله وسلم] عليها؛ فقامت إليه ؛ فقال لها : يا فاطمة! علي بن أبي طالب قد ذكر من أمركِ شيئًا ، فما ترين ؟ فسكتت ولم تولّ وجهها ، فقام وهو يقول الله أكبر ، سكوتُها إقرارُها " الأمالي ، لشيخ الطائفة الطوسي ( 1/38 ) ، وبحار الأنوار ( 1/37 ) .

وفي رواية أخرى : وعداه على تحمّل المؤونة المالية للزواج ، وهذا كله دليل المودة والرحمة والأخوة الإيمانية الخالصة رضي الله عنهم جميعًا ، والتي انعكست على حياة الحسين بعد ذلك ، ثمّ أقول : هذا جيل محمد عليه الصلاة والسلام ، هذه مدرسته التي قدمها للتاريخ ، هذا الرعيل الأول الذي ما سمع الناس بمثله .

مهر فاطمة رضي الله عنها وجهازها :

جاء تفصيل ما قدّمه أبوبكر وعمر رضي الله عنهما في إعانة أخيهم علي رضي الله عنه في تحمّل مؤنة نكاحه في مصادر كثيرة منها ، مثل : " كشف الغمة " للأربلي " و" بحار الأنوار " للمجلسي " و " أمالي الطوسي " ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة بأن يشتروا للزهراء ما تحتاجه للعرس بإشراف من أبي بكر الصديق رضي الله عنه أمالي الطوسي: (ص:40)، بحار الأنوار: (43/94). :

( عن عليًّ رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له : قم فبع الدرع؛ فَقُمْتُ فَبِعْتُهُ وأخذتُ الثمن ودخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؛ فكببتُ الدراهم في حِجره ؛ فلم يسألني كم هي، ولا أنا أخبرته ، ثم قَبضَ قبضةً ودعا بلالاً ، فأعطاه وقال: " ابتع لفاطمة طيبًا " ، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبضة من الدراهم بكلتا يديه فأعطاها أبا بكر وقال: "ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت" ، وأردفه بعمار بن ياسر وبعدة من أصحابه، فحضروا السوق، فكانوا يعرضون الشيء مما يصلح فلا يشترونه حتى يعرضوه على أبي بكر، فإن استصلحه اشتروه ، فكان مما اشتروه قميص بسبعة دراهم، وخمار بأربعة دراهم، وقطيفةٌ سوداء خيبرية، وسرير مزمّل بشريطة ، وفراشين من خيس مصر ... وأربع مرافق من أدم الطائف ... حتى إذا استكمل الشراء حمل أبو بكر بعض المتاع، وحمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذين كانوا معه الباقي ؛ فلما عرضوا المتاع على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعل يُقَلَّبُهُ بيده ويقول : بارك الله لأهل البيت )
الأمالي للطوسي ، 1/39 ط : النجف .

وفي رواية أخرى : أَنَّ عليًا رضي الله عنه لمَّا أراد تجهيز فاطمة رضي الله عنها باع درعه على عثمان رضي الله عنه، ثُمَّ ردَّ عثمان الدرع عليه هدية له ) مناقب الأخطب الخوارزمي، الفصل العشرون، ص:252. ط : النجف
، وجاء في " كشف الغمة " : ( .. فأخذت درعي فانطلقت به إلى السوق فبعته بأربع مائة درهم من عثمان بن عفان ، فلما قبضت الدراهم منه وقبض الدرع منّي قال : " يا أبا الحسن ، ألستُ أولى بالدرع منك وأنت أولى بالدراهم مني ؟ فقلت : نعم ، قال : فإنّ هذا الدرع هدية مني إليك ، فأخذت الدرع والدراهم ، وأقبلت على رسول الله فطرحتُ الدرع والدراهم بين يديه ، وأخبرته بما كان من أمر عثمان ، فدعا له النبي بخيرٍ ) كشف الغمّة لعلي الأربلي ( 1/359 ) .

فتأملوا معي يا أحبابي .. هذا المنظر الجميل من تجهيز فاطمة رضي الله عنها ، التي أنجبت لنا جيلا مباركا كالحسن والحسين ـ سيدا شباب أهل الجنة ـ وكيف كان لكبار الصحابة دورهم في إتمام مراسم ذلك الاحتفال ، ومساعدتهم في شؤون التجهيز ، والإيثار في دفع ثمن الدرع ، وصدق الله : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع يغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيماً } سورة الفتح / آية 29 .

شهود زواج علي من فاطمة رضي الله عنهما :

لقد تمّ ذلك النكاح المبارك .. ولكن قبل أن أذكر رواية أخرى عن ذلك الزواج ، سأطرح سؤالا : هل تعرفون من كان شهود هذا الزواج ؟ إنهم : أبو بكر وعمر وعثمان ، وبقية الصحابة رضي الله عنهم ، فرحوا لأخيهم علي رضي الله عنه وكانوا شهود هذا النكاح :

جاء في كشف الغمة ، وبحار الأنوار عن أنس رضي الله عنه : قال صلى الله عليه وآله وسلم: (انطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعليـاً وطلحة والزبير وبعددهم من الأنصار، قال: فانطلقت فدعوتهم له، فلما أخذوا مجالسهم قال: إني أشهدكم أني قد زوجت فاطمة من علي، على أربعمائة مثقال من فضة) كشف الغمة: (1/348)، بحار الأنوار: (43/119).

وهذا الأمر مجمعٌ عليه ، فأغلب المصادر تذكره ، حتى مصادر غير أهل السنّة ، كما أشرنا إليها سابقا ، إخواني في الله .. ما أعظمه من شرف ، أن يقوم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بإشهاد الصحابة رضوان الله عليهم ، على زواجِ فاطمة بنت محمد الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لزامًا علينا أن نعرف هذه البيئة الطيبة التي ترعرع فيها ( الحسين ) وكوّنت شخصيته الجبارة .

أما بيئةٌ فيها عداوة ! بغضاء ! كراهية ! لا يمكن أن تنتج لنا مثل الحسين !! خاصة إذا علمنا أنّ علي رضي الله عنه لم ينس فضل الصحابة رضوان الله عليهم في تيسير أمر هذا الزواج ، الذي أخرج للدنيا بقية آل بيت النبوة ، ولذلك نجده من فرط حبّه لهم سمّى أبناءه بـ : ( أبي بكر بن علي ، وعمر بن علي ، وعثمان بن علي ) وكلهم شهداء كربلاء مع أخيهم الحسين.

مولد الحسين :

عن أم الفضل بنت الحارث : أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ! إني رأيت حلما منكرا الليلة ، قال : وما هو ؟ قالت : إنه شديد . قال : وما هو ؟ قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري . فقال : رأيت خيرا ؛ تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك ، فولدت فاطمة الحسين ، فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أخرجه الحاكم ، وانظر السلسلة الصحيحة رقم ( 821 )
.

في شهر شعبان سنة أربع للهجرة فرح الأب علي بمولد الحسين ، وكذلك الأم الفاضلة فاطمة الزهراء بنت رسول الله ، وكان فرحهما عظيما ، وسمع جدّه بالنبأ السعيد ، فأقبل مسرعا إلى منزل الحبيبة رضي الله عنها ، وحمل الوليد المبارك بين يديه ، وأذّن في أذنه اليمنى وأقام الصلاة في أذنه اليسرى ، وأتى بتمرة فلاكها بريقه الشريف وحنّكه بها ، ثم التفت إلى علي وقال له : ماذا سميته ؟ قال علي : سميّته جعفرًا !

الطفل المولود كان جميلا وسيما ، فاختار له جدّه اسماً لم يكن للناس به عهدّ من قبل : ( الحسين ) نعم .. لقد سمّاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حسينا )
أخرجه أحمد برقم ( 1299 ) : عن علي رضي الله عنه قال : ( لما ولد الحسن سماه حمزة فلما ولد الحسين سماه بعمه جعفر ، قال : فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني أمرت أن أغيِّر اسم هذين ، فقلت : الله ورسوله أعلم ، فسماهما حسنًا وحسينًا ) ، حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 2709 ) .

وهنا نتعلّم من النبي صلى الله عليه وسلم قيمة مهمة في حياتنا ، وهي الحرص على اختيار أجمل الأسماء وأحسنها لأبنائنا ، وهذا توجيهٌ للآباء والأمهات على اختيار الاسم الحسن في اللفظ والمعنى ، في قالب النظر الشرعي واللسان العربي ، فيكون عذبًا على اللسان .. مقبولاً عند السماع ، يحمل معنىً شريفًا كريمًا .

وعندما بلغ الحسين رضي الله عنه يومه السابع من عمره المجيد عقّ عنه جده صلى الله عليه وسلم بكبشين أخرجه النسائي برقم ( 4148 ) ، وأخرج أبو داود برقم ( 2458 ) عن ابن عباس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقّ عن الحسن والحسين كبشا كبشا ) قال الألباني (صحيح أبي داود 2466 ) : ( صحيح .. لكن في رواية النسائي : كبشين كبشين ، وهو الأصح )
وفي صحيح البخاري : عن محمد بن المنكدر أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ختن الحسين لسبعة أيام البخاري 7/184 ، رقم 6297 ،
ومعلوم أنّ الختان من أمور الفطرة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الفطرة خمسٌ : الختان ، والاستحداد ، وقصّالشارب ، وتقليم الأظافر ونتف الإبط ) أخرجه مسلم ، رقم 257 .
 

"هيبه ملكـ "

Well-Known Member
إنضم
16 يونيو 2012
المشاركات
7,341
مستوى التفاعل
31
النقاط
48
الإقامة
العراق - الانبار - حديثة
الموقع الالكتروني
www.f-iraq.com
رد: سيرة الامام الحسين رضي الله عنه

جزاكي الله خير الجزاء

وجعله في موازين حسناتك

لتقديمك البديع والشرح الوافي

لك مني جل الاحترام

دمتي بخير
 

ابومايا

Well-Known Member
إنضم
1 ديسمبر 2013
المشاركات
192
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
راوه
رد: سيرة الامام الحسين رضي الله عنه

جزاك الله خيرا صراحه موضوع جميل ومفيد جدا بحد ذاته (سيرة عطره)

ابدعتي في اختيارك للكلمات والاسطر سلمت يداكي

(بس اكيد تعبت يداكي صالي ساعه اقرا )

يسلمو ع الشرح الوافي يالغلا كله
 

Pгιиċεѕѕ Ńoυгнaη »❥

ملكة المنتدى
إنضم
16 مايو 2012
المشاركات
27,663
مستوى التفاعل
51
النقاط
48
الإقامة
! ( الأنبـ♥ـآر ) !
رد: سيرة الامام الحسين رضي الله عنه

رضي الله عنه وارضاه
بوركت غاليتي لطرحك والتقرير الكامل والمفصل عن حياة ريحانة الرسول الحسين
دمت بخير
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )