انباريه ثائره
Well-Known Member
السلام عليك ياحبيب ابا عبد الاله
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدِنا وحبيبِ قلوبنا أبي القاسم محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الغر الميامين وعلى من اتبع أثرهم إلى يوم الدين ، وبعــد :
محمد صلى الله عليه وسلم ، أحيا الله به الأرواح من الجهل والشرك والخرافة، حتى كانت خير أمة أخرجت للناس ، فاللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم أرنا الحق حقًا، والباطل باطلاً ، اللهم وفقنا لاتباع الحق والعمل به والدعوة إليه والصبر على الأذى في ابتغاء وجهك، وطلب مرضاتك (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنّا سيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ ) .
أحبتي في الله .. من مبادئنا الأصيلة، ومن تعاليمنا الجليلة، أن نفتخر بهذا الدين، وأن نتشرف بأن جعلنا الله مسلمين، فمن لم يتشرف بالدين ومن لم يفتخر بكونه من المسلمين، ففي قلبه شك وقلة يقين :
وممـــا زادنــــي شـــــــــرفـًـا وفخـــــرًا وكدتُ بأخمصي أَطأُ الثريَّا
دخولي تحت قولك »يا عبادي« وأن صيَّرت أحمــد لــينبـيِّا
الشرف كل الشرف ليس في الدور، ولا القصور، ولا في الأموال، ولا في* الأولاد، ولا في الهيئات ولا في الذوات، الشرف أن تكون عبدًا لرب الأرض والسماوات، الشرف أن تكون من أولياء الله، الذين يعملون الصالحات، ويجتنبون المحرّمات.
روى أحمد في مسنده عن حذيفة : ( أنه تبع النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العشاء ، فعرض للنبي عارضٌ فناجاه ثم ذهب ، يقول حذيفة : فاتبعته فسمع صوتي فقال : من هذا ؟ فقلت : حذيفة ، قال : ما لك ؟ قلت : استغفر لي ولأمي ، فقال : غفر الله لك ولأمك ، ثم قال : أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل ، قلت : بلى ، قال : فهو ملك من الملائكة لم يهبط الأرض قبل هذه الليلة ، فاستأذن ربه أن يسلم علي ، ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأن فاطمة سيدةُ نساء أهل الجنة ) 1 ، فرضي الله عنهم جميعًا .
إخواني من أين أبدأ ؟ .. أتدرون عن من أتكلم هذه الليلة ، ( بينا كان عمرو بن العاص في ظلّ الكعبة جالسًا ، إذ رأى طيفًا قادما ، فقال : هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم ، فلمّا أقبل فإذا هو الحسين بن علي ) 2 ، كيف أسرد لكم قصته .. من أين أبدؤها ؟ وكيف أصوغها ؟ وبأيّ شعرٍ يستفيض بياني ؟ فالكلمات لا تسعفني .. والعبارات تخونني .. والعبرات تسبقني ..
أقدم اليوم رمزًا من رموز الشهادة على مرّ تاريخ الإنسان ، أقدمه لكم غضًّا طريًّا ، وأنا أشعر بالحرج ، لأنني مهما قلت، مهما ذكرت .. فسوف أقصّر في سيرته وترجمته، إنه حياة لضمير الأجيال .. رمز من رموز الإسلام ،إنه الرجل الذي لمّا مات أمست مدن الإسلام في مصيبة وعزاء .
إنه الرجل الذي قال فيه جابر : ( من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة ؛ فلينظر إلى الحسين بن علي ) 3 ، إنّه الرجل الذي أقبل عليه أبو هريرة فأخذ ينفض بثوبه التراب عن قدم الحسين 4 ، إنه الرجل الذي كان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ الركاب له ولأخيه الحسن إذا ركبا ، ويرى هذا من النعم عليه 5 ، إنّه الرجل الذي حجّ خمسا وعشرين حجة ماشيا على قدميه 6 ، فاللهم أرنا وجه جدّيَ الحسين في الجنة ، واحشرنا مع نبينا محمد في مقعد صدق عند مليك مقتدر، واجمع بيننا وبينه ، ولا تفرّق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله .
من ههنا .. السلام عليك يا أبا عبد الله ، وبيننا وبينك أربعة عشر قرناً ، السلام عليك يوم ولدت ، ويوم قتلت ، ويوم تبعث حيا .
عليك سلامُ اللـه وقفًا فإننـي رأيت الكريم الحرَّ ليس له عُمْر
ثوى طاهر الأردان لم تبْقَ بقعةٌ غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبرُ
إذا لم نخرج بالحسين أمام العالَم ، فبمن نخرج ؟ ما النموذج الذي نُقدمه إذا لم نُقدّم أمثال هؤلاء الأبطال ؟ هنا مواقف مؤثرة ، في حياة الحسين ، سجلها التاريخ، ووقف أمامها، وأنصت لها .. من مدرسة النبوة .. تخرّج الإمام الحسين بن علي ، ليكون تلميذا من تلاميذها العظام .
وقبل البداية أحبّ أن أشير إلى أمرٍ في غاية الأهمية .. ألا وهو أنّ أغلب التراجم للحسين ركّزت على محورين فقط في حياته ، الأول : فضائله ، والأخير : استشهاده رضي الله عنه .
مما حرمنا من التمتّع بسيرته العطرة من ميلاده وحتى استشهاده ، وما واكب ذلك من مواقف مشرفة ، نحتاج لأن نقتدي بها ، مما أغراني بأن أغوص في هذا البحر الفيّاض ، وأتكلم عن تلك الحقبة ، فأعرض أمامكم بعض اللآلئ في تاريخ هذا الرجل ، من منّا يعلم أنّ الحسين شارك في فتح أفريقيا ؟ هل تعلمون أن الحسين شارك الجيش المسلم الذي غزا أوروبا ؟ كثير منّا لا يعلم ذلك !!
لكن اليوم بإذن الله التاريخ نقرأ ، وأعدكم بأني سأجتنب الروايات المكذوبة والموضوعة ، ولا يمنعني ذلك أن أرجع إلى مصادر غير أهل السنة والجماعة .
( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) 7 .
من هو الحسين بن علي ؟
إنّي لتطربني الخلال كريمة طرب الغريب بأوبة وتلاق
ويهزّني ذكرُ المروءة والندى بين الشمائل هِزّة المشتاق
كنيته واسمه ونسبه :
أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب ( عبد مناف ) 8 بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان 9 ، القرشي الهاشمي .
لقبـه :
سِبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وريحانته من الدنيا ، وهو سيد شباب أهل الجنة .
تكوين الشخصية :
لم يكن تكوين تلك الشخصية العظيمة من فراغ ، وإنما كانت هناك عوامل بيئية ووراثية تجمّعت في هذه الشخصية ، لتكوّن لنا شخصية الحسين بن علي رضي الله عنهما .
نشأته :
لم يعش آباء الحسين رضي الله عنه وأجداده في قلب الصحراء ، المترامية الأطراف والرمال ، بعيدين عن الحضارة والتقدم ، وإنما كانوا يعيشون في مكة التي تعتبر عاصمةً لشبه الجزيرة العربية ، تتجه إليها الأنظار ، وتشد إليها الرحال ، وتَشْخُص لها الأبصار .
وذلك لمركزها في تجارة بلاد العرب كلها ، والتي يحج إليها العرب فيطوفون حول الكعبة ، ويزورون بيت الله .. الذي بناه أجداده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، ولقد أراد المولى سبحانه وتعالى أن تكون مكة هي مهبط الرسالة لجد الحسين عليه الصلاة والسلام ، ومنها انتقلت الحضارة والمجد والعز إلى المدينة التي ولد بها الحسين بن علي رضي الله عنهما .
شبل من أسد :
ولعوامل الوراثة أثرها الواضح والبين على شخصية الحسين رضي الله عنه ، وإظهارها المشَرِّف بالمتعارف عليه عند الناس من الشجاعة والإقدام ، وعلو الهمة والبعد عن الدنايا ، والتضحية بالنفس والنفيس في سبيل المبادئ العظيمة .
لقد كان الأجداد الذين ينتسب إليهم الحسين رضي الله عنه عظماء ، عظماء بمعنى الكلمة ، فمنهم نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام ، بتاريخهما المعروف بالرسالة والنبوة ، والهمة والشجاعة .
ومن الامتداد الوراثي لأصل الحسين رضي الله عنه الجد : ( قصي بن كلاب ) وكان من المكانة وحسن الرأي ما جعله موضع احترام أهل مكة ، وولّوه كل المناصب المتصلة بالكعبة والبيت الحرام ، ثم أقرُّوا له بالملك عليهم .
ومن الامتداد الوراثي الجد : ( هاشم ) وقد كان كبيراً في قومه ذا يسار ، فَولي السقاية والرفادة ، ودعا الناس إلى إطعام الحاج أثناء الموسم ، وكان من أعماله أنه سنّ رحلتي الشتاء والصيف ، واتصل بالممالك المجاورة ، فلما تولى من بعده ( عبد المطلب ) اتصل بيثرب وبأخواله هناك فكانوا عوناً له ، فساعدوه على أن يتولى ما كان هاشم يتولاه .
ومن أولاد عبد المطلب : ( أبو طالب ) والد علي رضي الله عنه ، و ( عبد الله ) والد سيدنا محمد والد فاطمة الزهراء أم الحسين ، عن واثلةَ بنِ الأسْقَع رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( إنَّ اللهَ اصطفى كِنانَةَ مِن ولدِ إسماعيل، واصطفى قريشاً من كِنَانَة، واصطفى مِن قريشٍ بَنِي هاشِم، واصطفانِي مِن بَنِي هاشِم ) 10 .
ذلك هو الأصل العريق الذي انتهى إلى الحسين بن علي ، من جهة أبيه ومن جهة أمه ، وتلك هي الشجرة المباركة التي انتسب إليها ، فكلهم عظماءُ وقتهم ، وقد تحقّق هذا في شخصيتنا هذه : أبي عبد الله / الحسين بن علي ، وما امتاز به من : هيبة وذكاء .. وشجاعة وإقدام .. والتي أدى بها دوره في الحياة كما قدّرها الله عز وجل له ، لينال منزلةً عاليةً في الآخرة ، فيكون سيّد شباب أهل الجنة .
والديّ الحسين :
الأب : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والأم : سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء رضي الله عنها .
أجـداه :
جدّه لأمه : محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وجدته لأمه : خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، وجدّه لأبيه : أبو طالب ( عبد مناف بن عبد المطلب ) ، وجدّته لأبيه : فاطمة بنت أسد الهاشمية رضي الله عنها .
إخوانه :
من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحسن ، زينب الكبرى ، أم كلثوم الكبرى .
من خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة : محمد الأكبر ( محمد الحنفية ) .
من ليلى بنت مسعود بن خالد بني تميم : عبيد الله ، وأبو بكر .
من أم البنين بنت حزام بن خالد بن جعفر بن ربيعة : العباس الأكبر ، عثمان ، جعفر الأكبر ، عبد الله .
من أسماء بنت عميس الخثعمية : يحيى ، عون .
من الصهباء ( أم حبيب بنت ربيعة بن جبر ) : عمر الأكبر ، رقيّة .
من أمامة بنت العاص بن الربيع : محمد الأوسط .
من أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي : أم الحسن ، رملة الكبرى .
من حياة بنت امرئ القيس : ابنة هلكت وهي جارية .
من أمّهات أولاد : محمد الأصغر ، أم هانئ ، ميمونة ، زينب الصغرى ، رملة الصغرى ، أم كلثوم الصغرى ، فاطمة ، أمامة ، خديجة ، أم الكرام ، أم سلمة ، أم جعفر ، جمانة ، نفيسة .
قال ابن سعد : لم يصحّ لنا من ولد علي رضي الله عنه غير هؤلاء 11 .
***
المصادر :
(1) أخرجه أحمد برقم ( 22240 ) .
(2) أورده الذهبي في السير ( 3/285 ) ، وروى ابن حجر عن عبد الله بن عمرو بن العاص .
(3) السلسلة الصحيحة رقم ( 4003 ) .
(4) أورده الذهبي في سيره ( 3/287 ) عن أبي المهزم قال : ( كنا في جنازة فأقبل أبو هريرة ينفض بثوبه التراب عن قدم الحسين ) .
(5) أورده الذهبي في السير .
(6) أورده الذهبي في السير عن مصعب الزبيري ( 3/287 ) ، الطبراني ( 2844 ) وقال الهيثمي بأنه منقطع .
(7) أخرجه مسلم برقم ( 1289 ) .
(8)أبو طالب اسمه : عبد مناف .
(9) الطبقات الكبرى ( 3/19 ) ، الإصابة ( 1/507 ) .
(10) أخرجه مسلم برقم ( 4221 ) .
(11) الطبقات الكبرى ( 3/20 ) .