ناطق العبيدي
Well-Known Member
- إنضم
- 16 نوفمبر 2013
- المشاركات
- 5,199
- مستوى التفاعل
- 1,643
- النقاط
- 113
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
خلافة المتوكل
(232 - 247هـ/ 947 - 861م)
هو عاشرالخلفاء العباسيين، المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بن الرشيد.
لقد بويع له بعد الواثق، وبدأ عهده بداية موفقة، فقد أمر بإظهار السنة، والقضاء على مظاهرالفتنة التى نشأت عن القول بخلق القرآن.
وكتب إلى كل أقاليم الدولة بهذا المعنى،ولم يكتف بهذا، بل استقدم المحدِّثين والعلماء إلى مدينة "سامرَّا" وطلب منهم أن يحدثوا بحديث أهل السنة لمحو كل أثر للقول بخَلْق القرآن، وراح العلماء يتصدون لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، وأظهر المتوكل إكرام الإمام "أحمد بن حنبل" الذى قاوم البدع، وتمسك بالسنن، وضرب وأوذى وسجن.
لقد استدعاه المتوكل إليه من "بغداد" إلى "سامرا" وأمر له بجائزة سنية، لكنه اعتذر عن عدم قبولها، فخلع عليه خِلْعَةً عظيمةمن ملابسه، فاستحيا منه الإمام أحمد كثيرًا فلبسها إرضاء له، ثم نزعها بعدذلك.
ويذكر للمتوكل تعيينه ليحيى بن أكثم لمنصب قاضى القضاة، وكان يحيى بن أكثم من كبار العلماء، وأئمة السنة، ومن المعظمين للفقه والحديث.
هذا ولم يَخْلُ عهده من فتن وثورات قضى عليها وأعاد الأمن والطمأنينة للبلاد.
غارات الروم:
وفى سنة 238هـ قام الروم بغزو بحرى مفاجئ من جهة دمياط، وهم الذين أدبهم المعتصم وأخرسهم فى واقعة عمورية، لكنهم بعثوا بثلاثمائة مركب وخمسة آلاف جندى إلى دمياط، وقتلوا من أهلها خلقًا كثيرًا، وحرقوا المسجد الجامع والمنبر،وأسروا نحو ستمائة امرأة مسلمة، وأخذوا كثيرًا من المال والسلاح والعتاد، وفر الناس أمامهم، وتمكن الجنود الرومان من العودة إلى بلادهم منتصرين.
ولم تمضِ ثلاث سنوات على هذا الغزو حتى عاود الروم عدوانهم على البلاد؛ فأغاروا على ثغر من الثغوريسمى "عين زربة" (بلد بالثغور قرب المصيصة بتركيا حصَّنها الرشيد)، وأسروا بعض النساء والأطفال، واستولوا على بعض المتاع.
واستمرت المناوشات ومعارك الحدود بين الروم والمسلمين منذ سنة 238هـ -853م وحتى سنة 246هـ-860م بقيادة على بن يحيى الأرمنى.
وكان الروم قد أجهزوا على كثير من أسرى المسلمين الذين رفضوا التحول إلى النصرانية؛ لأن أم ملك الروم كانت تعرض النصرانية على الأسارى فإن رفضواتقتلهم، وتم تبادل الأسرى بمن بقى حيّا من المسلمين فى السنتين الأخيرتين.
غارات الأحباش:
وعلى حدود مصر وبالقرب من بلاد النوبة،كان المصريون يعكفون على استخراج الذهب والجواهر الكريمة، وإذا بطائفة من الأحباش على مقربة من "عيذاب" على البحر الأحمر يعرفون باسم "البجة" يهجمون على تلك المناجم، ويقتلون عددًا كبيرًا من عمالها المسلمين، ويأسرون بعض نسائهم وأطفالهم مما جعل العمل فى هذه المناجم يتوقف أمام هذه الهجمات.
ويحاط المتوكل علمًا بماحدث، ويستشير معاونيه، ولكن معاونيه أخبروه بما يعترض إرسال الجيش من عقبات تتمثل فى أن أهل "البجة" يسكنون الصحارى، ومن الصعب وصول جيش المتوكل إليهم، فلم يرسل إليهم فى بادئ الأمر، وتمادى البجة فى عدوانهم وتجرءوا، فأخذوا يُغيرون على أطراف الصعيد، حتى خاف أهله على أنفسهم وذرياتهم، واستغاث أهل الصعيد بالمتوكل، فجهزجيشًا بقيادة محمد بن عبد الله القمى من عشرين ألف رجل، على أن يعينه القائمون بالأمر فى مصر بما يحتاج إليه الجيش من طعام وشراب ومؤن.
والتقى الجيش مع هؤلاءالمتمردين المعتدين، حتى فرقهم وقضى على جموعهم سنة 241هـ/ 856م، قاتلهم الله! لقدكانوا من عُبَّادِ الأصنام.
إصلاح الداخل:
وحاول المتوكل إصلاح مافسد، فراح يعزل الكثير من عمال الولايات، ويصادر أملاكهم بعد أن عَمَّت الشكوى،وتفشى الفساد، مثلما عزل يحيى بن أكثم عن القضاء، وولى جعفر بن عبدالواحد مكانه،وكذلك عزل عامله على المعونة أبا المغيث الرافعى وعين مكانه محمد بن عبدويه.
ريح شديدة:
ولكنه لم يكد يُحكم سيطرته على العمال والولاةحتى هبت ريح سَمُوم، أكلت الأخضر واليابس، وأهلكت الزرع والضرع فى الكوفة والبصرةوبغداد، واستمرت خمسين يومًا أوقفت فيها حركة الحياة، وقتلت خلقًاكثيرًا.
زالزال مدمر:
ويشاء الله أن يأتى زلزال فيؤدى إلى قتل عددكبير من الناس، لقد بدأت الزلازل فى السنة التى تولى فيها المتوكل أمر المسلمين حيث تعرضت دمشق لزلزلة هائلة تهدمت بسببها الدور والمنازل، وهلك تحتها خلق كثير.
وامتدت الزلزلة إلى أنطاكية فهدمتها، وإلى الجزيرة العراقية فقضت عليها،وإلى الموصل فأدت إلى وفاة خمسين ألفًا. وفى سنة 242هـ/ 857م، زُلْزِلَت الأرض زَلْزلَةً عظيمة "بتونس" وضواحيها، و"الرَّى" و"خراسان"، و"نيسابور"، و"طبرستان"،و"أصبهان"، وتقطعت الجبال، وتشققت الأرض، ومات من الناس خلق كثيرون.
أما فى سنة 245هـ، فقد كثرت الزلازل، وشملت أماكن عديدة حتى قيل: إنها عمت الدنيا. وكان لابدأن تصاب الحياة بالشلل، ويعم الخراب والدمار والبؤس.
ورع المتوكل:
هذا هو المتوكل، وهذا هو عصره، يقول أحد المقربين إليه: قال المتوكل: إذا خرج توقيعى إليك بما فيه مصلحة للناس، ورفق بالرعية، فأنفذْه ولاتراجعنى فيه، وإذا خرج بما فيه حَيْف (ظلم) على الرعية فراجعنى؛ فإن قلبى بيدالله-عز وجل-.
يقول المؤرخون: إن الخلافة طبعت فى هذا العصر بطابع الوهن والضعف لازدياد نفوذ الأتراك فى الدولة العباسية حتى أصبح خلفاء هذا العصر العباسى الثانى مسلوبى السلطة، ضعيفى الإرادة، بسبب تدخل الأتراك فى شئون الدولة، وتنصيب منيشاءون، وعزل من يشاءون، أو قتله، كما طبع هذا العصر بطابع تدخل النساء فى شئون الدولة، وكثرة تولية الوزراء وعزلهم، وتولية العهد أكثر من واحد مما أدى إلى قيام المنافسة بين أمراء البيت الواحد.
بحث وتقديم ناطق ابراهيم العبيدي
خلافة المتوكل
(232 - 247هـ/ 947 - 861م)
هو عاشرالخلفاء العباسيين، المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بن الرشيد.
لقد بويع له بعد الواثق، وبدأ عهده بداية موفقة، فقد أمر بإظهار السنة، والقضاء على مظاهرالفتنة التى نشأت عن القول بخلق القرآن.
وكتب إلى كل أقاليم الدولة بهذا المعنى،ولم يكتف بهذا، بل استقدم المحدِّثين والعلماء إلى مدينة "سامرَّا" وطلب منهم أن يحدثوا بحديث أهل السنة لمحو كل أثر للقول بخَلْق القرآن، وراح العلماء يتصدون لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، وأظهر المتوكل إكرام الإمام "أحمد بن حنبل" الذى قاوم البدع، وتمسك بالسنن، وضرب وأوذى وسجن.
لقد استدعاه المتوكل إليه من "بغداد" إلى "سامرا" وأمر له بجائزة سنية، لكنه اعتذر عن عدم قبولها، فخلع عليه خِلْعَةً عظيمةمن ملابسه، فاستحيا منه الإمام أحمد كثيرًا فلبسها إرضاء له، ثم نزعها بعدذلك.
ويذكر للمتوكل تعيينه ليحيى بن أكثم لمنصب قاضى القضاة، وكان يحيى بن أكثم من كبار العلماء، وأئمة السنة، ومن المعظمين للفقه والحديث.
هذا ولم يَخْلُ عهده من فتن وثورات قضى عليها وأعاد الأمن والطمأنينة للبلاد.
غارات الروم:
وفى سنة 238هـ قام الروم بغزو بحرى مفاجئ من جهة دمياط، وهم الذين أدبهم المعتصم وأخرسهم فى واقعة عمورية، لكنهم بعثوا بثلاثمائة مركب وخمسة آلاف جندى إلى دمياط، وقتلوا من أهلها خلقًا كثيرًا، وحرقوا المسجد الجامع والمنبر،وأسروا نحو ستمائة امرأة مسلمة، وأخذوا كثيرًا من المال والسلاح والعتاد، وفر الناس أمامهم، وتمكن الجنود الرومان من العودة إلى بلادهم منتصرين.
ولم تمضِ ثلاث سنوات على هذا الغزو حتى عاود الروم عدوانهم على البلاد؛ فأغاروا على ثغر من الثغوريسمى "عين زربة" (بلد بالثغور قرب المصيصة بتركيا حصَّنها الرشيد)، وأسروا بعض النساء والأطفال، واستولوا على بعض المتاع.
واستمرت المناوشات ومعارك الحدود بين الروم والمسلمين منذ سنة 238هـ -853م وحتى سنة 246هـ-860م بقيادة على بن يحيى الأرمنى.
وكان الروم قد أجهزوا على كثير من أسرى المسلمين الذين رفضوا التحول إلى النصرانية؛ لأن أم ملك الروم كانت تعرض النصرانية على الأسارى فإن رفضواتقتلهم، وتم تبادل الأسرى بمن بقى حيّا من المسلمين فى السنتين الأخيرتين.
غارات الأحباش:
وعلى حدود مصر وبالقرب من بلاد النوبة،كان المصريون يعكفون على استخراج الذهب والجواهر الكريمة، وإذا بطائفة من الأحباش على مقربة من "عيذاب" على البحر الأحمر يعرفون باسم "البجة" يهجمون على تلك المناجم، ويقتلون عددًا كبيرًا من عمالها المسلمين، ويأسرون بعض نسائهم وأطفالهم مما جعل العمل فى هذه المناجم يتوقف أمام هذه الهجمات.
ويحاط المتوكل علمًا بماحدث، ويستشير معاونيه، ولكن معاونيه أخبروه بما يعترض إرسال الجيش من عقبات تتمثل فى أن أهل "البجة" يسكنون الصحارى، ومن الصعب وصول جيش المتوكل إليهم، فلم يرسل إليهم فى بادئ الأمر، وتمادى البجة فى عدوانهم وتجرءوا، فأخذوا يُغيرون على أطراف الصعيد، حتى خاف أهله على أنفسهم وذرياتهم، واستغاث أهل الصعيد بالمتوكل، فجهزجيشًا بقيادة محمد بن عبد الله القمى من عشرين ألف رجل، على أن يعينه القائمون بالأمر فى مصر بما يحتاج إليه الجيش من طعام وشراب ومؤن.
والتقى الجيش مع هؤلاءالمتمردين المعتدين، حتى فرقهم وقضى على جموعهم سنة 241هـ/ 856م، قاتلهم الله! لقدكانوا من عُبَّادِ الأصنام.
إصلاح الداخل:
وحاول المتوكل إصلاح مافسد، فراح يعزل الكثير من عمال الولايات، ويصادر أملاكهم بعد أن عَمَّت الشكوى،وتفشى الفساد، مثلما عزل يحيى بن أكثم عن القضاء، وولى جعفر بن عبدالواحد مكانه،وكذلك عزل عامله على المعونة أبا المغيث الرافعى وعين مكانه محمد بن عبدويه.
ريح شديدة:
ولكنه لم يكد يُحكم سيطرته على العمال والولاةحتى هبت ريح سَمُوم، أكلت الأخضر واليابس، وأهلكت الزرع والضرع فى الكوفة والبصرةوبغداد، واستمرت خمسين يومًا أوقفت فيها حركة الحياة، وقتلت خلقًاكثيرًا.
زالزال مدمر:
ويشاء الله أن يأتى زلزال فيؤدى إلى قتل عددكبير من الناس، لقد بدأت الزلازل فى السنة التى تولى فيها المتوكل أمر المسلمين حيث تعرضت دمشق لزلزلة هائلة تهدمت بسببها الدور والمنازل، وهلك تحتها خلق كثير.
وامتدت الزلزلة إلى أنطاكية فهدمتها، وإلى الجزيرة العراقية فقضت عليها،وإلى الموصل فأدت إلى وفاة خمسين ألفًا. وفى سنة 242هـ/ 857م، زُلْزِلَت الأرض زَلْزلَةً عظيمة "بتونس" وضواحيها، و"الرَّى" و"خراسان"، و"نيسابور"، و"طبرستان"،و"أصبهان"، وتقطعت الجبال، وتشققت الأرض، ومات من الناس خلق كثيرون.
أما فى سنة 245هـ، فقد كثرت الزلازل، وشملت أماكن عديدة حتى قيل: إنها عمت الدنيا. وكان لابدأن تصاب الحياة بالشلل، ويعم الخراب والدمار والبؤس.
ورع المتوكل:
هذا هو المتوكل، وهذا هو عصره، يقول أحد المقربين إليه: قال المتوكل: إذا خرج توقيعى إليك بما فيه مصلحة للناس، ورفق بالرعية، فأنفذْه ولاتراجعنى فيه، وإذا خرج بما فيه حَيْف (ظلم) على الرعية فراجعنى؛ فإن قلبى بيدالله-عز وجل-.
يقول المؤرخون: إن الخلافة طبعت فى هذا العصر بطابع الوهن والضعف لازدياد نفوذ الأتراك فى الدولة العباسية حتى أصبح خلفاء هذا العصر العباسى الثانى مسلوبى السلطة، ضعيفى الإرادة، بسبب تدخل الأتراك فى شئون الدولة، وتنصيب منيشاءون، وعزل من يشاءون، أو قتله، كما طبع هذا العصر بطابع تدخل النساء فى شئون الدولة، وكثرة تولية الوزراء وعزلهم، وتولية العهد أكثر من واحد مما أدى إلى قيام المنافسة بين أمراء البيت الواحد.
بحث وتقديم ناطق ابراهيم العبيدي