- إنضم
- 31 يناير 2017
- المشاركات
- 2,289,061
- مستوى التفاعل
- 47,671
- النقاط
- 113
شخصيات حق علينا معرفتها… أورخان مُنشئ نواة الإسلام في أوروبا
شخصيات حق علينا معرفتها… أورخان مُنشئ نواة الإسلام في أوروبا
إن شخصية أورخان رحمه الله من الشخصيات التي ساهمت وأسست ملكاً استمر لقرونٍ، ملكاً حافظَ على شوكةِ الإسلامِ قوية، ودافع عنها ونشر الإسلام أيما انتشار، حديثنا عن أحد المؤسسين العظماء للدولة العثمانية، عن الرجل الذي حافظ على البناء الذي تأسس في عهد والده عثمان ابن أرطغرل رحمهم الله جميعاً، فحديثنا عن أورخان بن عثمان بن أرطغرل بن سليمان شاه.
مولده
وُلِدَ رحمه الله بمدينة سُكود عاصمة الإمارة آنذاك سنة 687هـ المُوافقة لِسنة 1281م، وقد نشأ على تربية والده بعقيدة صحيحة وجهادٍ في سبيل الله، ويتضح ذلك من وصية اباه له التي تنم على دين هؤلاء، والتي سبق وذكرناها.
تولِّيه الحكم
فبعد أن تُوفّي عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية، أو بمعنى أدق من نسبت إليه الدولة بعد ذلك، فخلف بعده أولادًا ستة، وهم علاء الدين الأكبر، أورخان، تشوبان، ملك، حميد وبازار لو وابنته هي فاطمة، كانت الوصية أن يتولى أورخان الحكم على الرغم من كونه ليس الابن الأكبر لعثمان، إلا أنه من الواضح أنه اظهر براعة في الإدارة والحكم تفوق بها على الجميع؛ لذلك كانت الوصية له وليس لأخيه الأكبر علاء الدين، وقد سار أورخان على نفس سياسة أبيه رحمه الله في الحكم والفتوحات، وعملاً بوصيته.
وقد كان أورخان رحمه الله عبقرية عسكرية وطارت شهرته إلى الآفاق في وقت قصير، ولعل سر نجاح ذلك أن الرأي كان يقوم بالشورى مع كبار رجال الدولة والاستفادة من خبراتهم أمثال “علاء الدين باشا، ابن الوزير الحاج كمال الدين ومع أخيه علاء الدين باشا والملا تاج الدين الكردي وهو من صنف العلماء أيضا والوزير خير الدين باشا والوزير لاله شاهين وهو من عظماء عصره والقاضي جاندرلي قره خليل باشا الذي كان قاضيا في بيلجك أولاً ثم في بورصة، ويتضح من اختيارات أورخان للشوري أنها تجمع بين الخبرات العسكرية والأحكام الشرعية، وهو الأمر الذي لا يحمل أي انفصال نهائيا فالشرع لا ينفصل عن الحياة، بل أن الشرع هو الحياة.
ولعل أهم الإنجازات التي حققها العثمانيون في أواخر عهد عثمان هو تخطى الإمارة العثمانية بعد وفاته دون تكبد أي خسارة لوحدتها، ذلك أن العثمانيين لم يتبعوا التقليد التركي والمغولي، كما فعلت الإمارات التركمانية المحيطة بها، القائم على اقتسام السلطة وتوزيعها بين الإخوة، وكذلك مثلما يفعل المغول أيضاً من تقسيم الملك بعد موت الحاكم الأكبر للبلاد، مثل جنكيز خان الذي ما إن توفي كان قد قسم الإمارة المغولية على أبنائه مما ترتب عليه قصر عمرها بعد ذلك وسهولة التنازع الداخلي بينها والانقضاض عليها.
وربما الأساس في نجاح عثمان ومن تبعه في ذلك هو أن الهوية لهؤلاء الرجال واضحة حيث أنهم يعلمون إلى أيّ دين ينتسبون، وينظرون إلى المهمة الثقيلة التي على كاهلهم وخصوصاً في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة الإسلامية من الخطر التتاري، والخطر الصليبي في آن واحد، إضافة إلى أصحابِ الأهواءِ والطامعينَ من كل حدبٍ وصوبٍ؛ فلذلك كانت الوحدة هي الأساس الواجب أن يكون دائما وأبداً بصفةٍ عامةٍ، وفي هذه الأثناء بصفةٍ خاصةٍ، وإعمالاً لقوله تعالى: ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”.
فالوحدة هي أساس النهوض بالأمة، وبدونها نتفرق ونفشل وتذهب ريحنا فينقض علينا الأعداء وهذا هو ما حدث بالضبط للامة الإسلامية، فبعد أن كانت وحدة واحدة لا يفصل بينها حاجز، وتربطها كلها رابطة الدين والعقيدة، فعمل أعداؤنا علي إحلال روابط جديدة بعيدة عن العقيدة كروابط القومية والعصبية والقبلية، فأصبحت الحدود هي الأساس وتأشيرات العبور هي المعول عليها، بعد أن كان الإسلام هو تأشيرة العبور وفقط.
أورخان والجهاد
وكان رحمه الله مجاهداً محباً للجهاد منذ أيام أبيه حين فتح بورصة دون سفك الدماء وجعلها عاصمة لدولته وأضحت كل من نيقوميديا ونيقيه هدفًا لسياسته التوسعية، فبعد أن تولي الحكم قد عين أخيه علاء الدين وزيراً له وأمره بوضع الشرائع ثم نقل كرسي الحكم إلي بورصة، وجعلها مركزاً للسلطنة واهتم بعدئذٍ بتوسيع البلاد بالجهاد، فأقام أخيه وكيلا عنه لما تبين إخلاصه، وزحف بجيش جرار يبلغ عشرين ألف مقاتل على بلاد اليونان واشتبك معها في حربٍ يشيب لهولها الولدان، وكتب له النصر بفضل الله تعالي، وانتزع قلعتي أزميد وأزنيق، وأمتلك ولايتي قرة سي ويرغمه، ثم حاصر قلعتي سمندرة وأبيدوس زمناً طويلا حتى استولى عليها وأسر صاحب قلعة سمندره.
أورخان والعلم
وفي عام 727هـ -1327م سقطت في يده رحمه الله نيقوميديا، والتي بعدها توقف وقفة حيث أولي اهتمامه تجاه العلم، لأنه يقدر قيمته، ويعلم فضل العلماء، وأنه لا سبيل للنهوض بهذه الأمة بدون العلم والرقى بطلبته وتذليل كل الصعوبات لهم وتيسير الأدوات اللازمة للقيام بنهضة علمية تربوية أخلاقية تقوم على ثوابت العقيدة، فقام بإنشاء أول جامعة عثمانية، وقد عهد بإدارتها إلى داوود القيصري، وهو أحد العلماء العثمانيين الذين درسوا في مصر.
وقفة عابرة
كانت مصر في ذلك الوقت أهلاً للعلم وقِبلة للعلماء، بل كانت شرفًا كبيرًا لمن يتعلم فيها، وكان يُقدَّم على غيره لأنه تعلم في مصر، فحقاً وصدقاً إن مصر هي البلد الذي إذا عاد إلى الوراء تقدم بل إنه كلما ازداد في الرجوع ازداد تقدماً، فنسال الله أن يرزق مصر الحكام الصالحين الذين يعلمون قيمتها ويقومون بها حق قيام، لأنها إذا نهضت تنهضُ الأمةُ كلها، فهي من الأوتاد الرئيسية لهذه الأمة، بل ومن الحصون الحصينة لدين الله تعالى في الأرضِ.
تأسيسه للدولة على أسس صحيحة
وتظهر قدرات أورخان في كونه ورث دولة ليست لها قوانين أو حدود واضحة، يحيط بها جيران أقوي منها، فكان عليه أن يقيم دولة راسخةً الأقدامِ والتوسع على حسابِ جيرانه وتحويل أتباعه من قبيلة بها عشوائية إلي دولة تتسع إلى أمة تحمل زمام الأمور، وهم الدين، ونشر الإسلام، ولذلك كان على رأس أولويات أورخان تأسيس جيشٍ عظيمٍ عريقٍ منظمٍ، على أفضل الأسس العسكرية في ذلك الزمان وتنظيم الأمور بأسس إدارية ليصح إطلاق لفظ دولة عليها.
أورخان وتأسيس الجيش
إن من أهم الأعمال التي ترتبط بحياة السلطان أورخان، تأسيسه للجيش الإسلامي وحرصه على إدخال نظامٍ خاصٍ للجيشِ، فقسَّمه إلى وحدات تتكون كل وحدة من عشرة أشخاص، أو مائة، أو ألف، حسب الاحتياج أو على حسب الرؤية العسكرية،، فقام بتشكيل جيش من ألف شاب تركى أطلق عليه اسم يايا أي المشاة وجيش أخر من ألف فارس أطلق عليه اسم مسلم وعين قاضيا للجيش بعد التشاور مع العالم علاء الدين الأسود، وهكذا تم تعيين أول قاضي عسكر في الدولة العثمانية وهو جاندرلي قرة خليل الذي كان قاضى بورصة وخصص خمس الغنائم للإنفاق على الجيش، وجعله جيشاً دائم، بعد أن كان لا يجتمع إلا وقت الحرب وأنشأ مراكز خاصة يتم تدريبه فيها، وهذا يوضح رؤيته للأمور وبعد نظره الثاقب، بل وبعد نظر عثمان والده في اختياره دون إخوته.
كما أنه أضافَ جيشاً أخر عُرف باسم الإنكشارية، شكَّله من المسلمين الجدد الذين أزداد عددهم بعد اتساع رقعة الدولة والانتصارات الكبيرة التي حدثت والحروب مع غير المسلمين، ودخول أعداد كبيرة من أبناء البلاد المفتوحة في الإسلام، ثم الانضمام في صفوف المجاهدين في سبيل نشر هذا الدين العظيم. فبعد أن اعتنقوا الإسلام، يتم تربيتهم تربية إسلامية فكرياً وحربياً ويُعيَنون في مراكز الجيشِ المختلفةِ.
وقد قام العلماء والفقهاء مع سلطانهم أورخان بغرسِ حب الجهاد، والذود عن الدين، والشوق إلى نصرته أو الشهادة في سبيله وأصبح شعارَهم “غازياً أو شهيداً”، يردد ويطلق في الأصداء عندما يذهبون إلى ساحة الوغى.
وقد سار هذا الجيش طوال فترة العهد العثماني علي عقيدة صحيحة إلا أنه مع مرور الوقت بدأ يصبح عبئاً علي الدولة بل ومتحكما في زمامها يعين الخليفة ويعزله كيف شاء، إلى أن قام بإلغائه السلطان محمود الثاني بعد ذلك كما سنري.
أسباب تأسيس جيش الانكشارية
وتذكر بعض المصادر أن الأسباب الرئيسية التي دعت السلطان أورخان لتأسيس هذا الجيش الجديد:
أن الجيش الأساس سواء المشاة أو الفرسان لم يمكن الاعتماد عليه وحده لتقوم الدولة كما يأمل، بل وأنه ظهرت بعض الأصوات المخالفة لقاضي العسكر ووصلت إلى عدم طاعة الأوامر في بعض الأحيان، ولعل سبب ذلك أن أمر الجيش النظامي الدائم يُعدّ أمراً جديداً عليهم فهم كما ذكرنا لم يكن يتجمعون إلا وقت الحاجة للحرب وفقط فحينها يكون الجيش ثم يتم التفرق بعد ذلك كل في قبيلته وعشيرته وما إلى ذلك، فكانت فكرة الدولة والجيش النظامي تعد جديدة، فلذلك قام أورخان-وبناء على نصيحة ومشورة من معه-بإنشاء هذا الجيش الجديد والذي كان يعتمد على أبناء المسيحيين من الأسري أو ممن دخلوا في طاعة السلطان أورخان، سواء من دخل منهم الإسلام أو من قبل بالطاعة.
بعض الفريات والأكاذيب على أورخان رحمه الله
لقد زعم معظم المؤرخين الأجانب أن الإنكشارية تتكون من انتزاع الأطفال النصرانية من بين أهاليهم ويجبرونهم على اعتناق الإسلام بموجب نظام إسلامي زعموا أنه نظام الدفشرية، وأن هذا النظام كان يستند إلى ضريبة إسلامية شرعية أطلقوا عليها اسم ضريبة الغلمان وأسموها أحيانا ضريبة الأبناء، وهي ضريبة على حد زعمهم تبيح للمسلمين العثمانيين أن ينتزعوا خمس عدد أطفال كل مدينة أو قرية نصرانية، باعتبارهم خمس الغنائم التي هي حصة بيت المال.
والحقيقة تقول إن ضريبة الغلمان هذه ما هي إلا كذبة دست في التاريخ للتشويه والتقليل من شأن الدولة العثمانية، وانسحبت بعد ذلك على من بعده من العثمانيين قاطبة فلم يكن نظام الدثرمة أو الدفشرية هذا إلا اهتماماً من الدولة العثمانية بالمشردين من الأطفال النصارى الذين تركتهم الحروب المستمرة أيتاما أو مشردين، فالإسلام الذين تدين به الدولة العثمانية يرفض رفضاً قاطعاً ما يسمى بضريبة الغلمان التي نسبها المؤرخين الأجانب إليها وكذلك بعض الكتاب العرب الذين نقلوا عن الغرب دون أن يدققوا في هذه الرواية، بل إنه لا يوجد نهائيا في الشريعة الإسلامية ما يسمي بضريبة الغلمان.
ولعل البعض نسب إلى الدولة العثمانية ذلك من قبيل ما كان يفعله التتار من أخذ الرجال القادرين على القتال ووضعهم في مقدمة الجيش للتضحية بهم في المعارك ضد إخوانهم من المسلمين، ولكن الدولة العثمانية دولة كانت قائمة على شرع الله وسنة رسوله، ولم يكن لها هذا أبداً، بل لم يثبت هذا إلا لدي الكتاب المستشرقين الغربيين الحاقدين علي الدولة العثمانية، وإني لا أتعجب من هؤلاء، ولكن العجب من الكتاب المسلمين الذين ينقلون مثل هذه الأمور دون تدقيق فيها.
وكذلك من الروايات التي لم أجد لها أصلاً أو مصدراً ثقةً يوثق هذه الرواية بخصوص قرار أورخان بمنع تزويج الجيش الانكشاري نهائياً وبالتالي ينقطع لهم السبيل والأمل في تكوين أسرة، وينقطعوا لخدمة الجيش وفقط، وفي الحقيقة إنه لا يوجد عقل واحد سليم يقبل هذه الرواية على عواهلها هكذا، فكيف لدولة تدين بدين الإسلام أن تُحرم الزواج على مسلم دخل الإسلام، أو حتي على غير مسلم قَبِلَ العمل في صفوف الجيش، بل وكيف لدولة تريد أن تتقدم أن تمنع الزواج للجند وكبت هذه الفطرة السليمة التي فُطرنا عليها، مما يحدث اضطراباً نفسيا لدى الجند فيؤثر بالقطع على الدولة ككل.
فسنة الزواج هي من دعائم الاستقرار المجتمعي وبدونه يتولد انهيار أخلاقي واجتماعي كبير، بل التساؤل الأكبر إن كانوا لا يتزاوجون فكيف يتزايدون، صحيح إن المدن كان تفتح ولكن الجيش وفقاً لهذا الرأي كان يأخذ الصغار الجدد، ولكن هل كان هذا العدد سيكفي للفتوحات التي تمت في عهد الدولة العثمانية وخصوصاً على يد هذا الجيش الانكشاري الذي اثبت جدارة وقدرة عالية فائقة في نصرة الإسلام، بل وأن أورخان توقف عن الفتوحات لفترات طويلة من الزمن فكيف إذن تزايد هذا الجيش بعد ذلك دون فتوحات، بل وهل سيكون الولاء التام للدولة هكذا إذا منعته من القيام بفطرة أساسية حياتية مثل فطرة الزواج.
خلاصة القول، إننا نري أن ذلك من جملة الافتراءات التي ألقيت على كاهل الدولة العثمانية للتشويه كذبا وزوراً وبهتاناً. وهذا لا يعني أن الدولة العثمانية هي دولة ملائكية نزلت من السماء ولكن لها ما لها وعليها وما عليها، ومما لها هو دحض هذه الفريات والأكاذيب التي قيلت في حقها وانسحبت على من جاء بعد ذلك من السلاطين.
ومفاد كل ما سبق إن أورخان قد أنشأ الجيش الجديد وهو عبارة عن جيشٍ نظاميٍ دائم الاستعداد والتواجد قريبا منه في حالة الحرب أو السلم على حد سواء، فشكَلَهُ من فرسان عشيرته، ومن مجاهدي النفير الذين كانوا يسارعون لإجابة داعي الجهاد ومن أمراء الروم وعساكرهم الذين دخل الإسلامُ في قلوبهمِ، وحسُنَ إسلامهم، بعيداً عن تلك الأكاذيب التي لا ترتقي إلى أي مستوى سوى الافتراء والضلال، من كون السلطان فرض ضريبة الغلمان وما شابه ذلك مما ذكر.
ما بعد الجيش
وكعادة آل عثمان خصوصاً الأوائل منهم، تقدير العلم والعلماء لذلك كان لهم دائما التقدم والازدهار والرقى فما كان أورخان ينتهي من تنظيم الجيش حتى سارع إلى حيث يقيم العالم المؤمن التقى الحاجي “بكتاش” بأماسيا وطلب منه أن يدعو له خيراً فتلقاهم العالم المؤمن ووضع يده على رأس أحد الجنود ودعا لهم الله أن يبيض وجوههم ويجعل سيوفهم حادةً قاطعةً، وأن ينصرهم في كل معركة يخوضونها في سبيل الله ثم مال تجاه أورخان وسأله هل اتخذتم اسماً للجيش؟ فقال لا، قال فليكن اسمه ينى تشري أي الجيش الجديد.
وكانت راية الجيش من قماش احمر وسطها هلال، وتحت الهلال صورة لسيف أطلقوا عليه اسم ذي الفقار تيمنا بسيف سيدنا على رضى الله عنه، ومن الجدير بالذكر ان علاء الدين أخو أورخان الأكبر وابن عثمان كان هو صاحب فكرة العلم فقد كان عالما بالشريعة ومشهوراً بالزهدِ والتصوفِ الصحيحِ. وبدأ أورخان بتنظيم الحياة القانونية في المجتمع الجديد الذي بدأ يتسع ويكبر وأصبح في حاجة التنظيم.
سياسة أورخان:
كانت أهداف أورخان واضحة وجلية، وهي نصرة الإسلام والمسلمين، ولذلك ركز كل جهوده على العدو الواضح الجلي وهو الروم فكانت غزواته متوجهة إلى هناك.
إلا أنه في عام 736هـ -1336م توفي أمير “قرة سي” وهي إحدى الإمارات التي قامت على أنقاض الدولة السلجوقية بالروم (سلاجقة الروم) فاختلف ولده من بعده وتنازعا الإمارة، فاستفاد أورخان من ذلك التشرذم الذي أصبح يهدد الأمة الإسلامية في وقت يترقب الأعداء من كل حدب وصوب أي خطأ أو تناحر، فكان لابد من أورخان من التدخل لحسم الأمر الذي انتهي بضم قرة سي إلى ملك العثمانيين وبذلك تتسع رقعة الدولة في جو مستقر بقوة تكون قادرة على حماية أركانها ونشر الإسلام.
واهتم بتوطيد أركان الدولة وإصلاحها علمياً، وعمرانياً، فبنى المساجد وأنشأ المعاهد العلمية، فكانت كل قرية بها المدارس والشيوخ والعلماء الذين يُعلمون النحو والتراكيب اللغوية والعلوم الشرعية والهندسة والفلك… الخ.
وقفة
ولعل هذا يجعلنا نذكر في إيجاز أهم العلوم التي لابد للمسلم أن يتعلمها ولا سيما طالب العلم، فأولا لابد أن يتعلم اللغة العربية حتي ولو بدأ بمتن الأجرومية، بحيث يكون مؤهلاً للحديث والكتابة والخطابة والزج عن دين الله بل وفهم النصوص فهماً صحيحا، ثانياً القران الذي لابد منه لتسير حياتنا وفق النسق الصحيح، فعليه أن يحفظ من القرآن ما يقوم به أمر دينه أي ولو خمس أجزاء متقنه، مع فهم تفسيرها ولو تفسيراً موجزاً، ويلي ذلك فهماً جيداً لعلوم القرآن، حيث الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني وغير ذلك من هذه الأمور والتي لا يسع المسلم جهلها.
ثالثاً بعد ذلك عليه أن يحفظ عددًا من الأحاديث ولو حتي الأربعين النووية، ويلي ذلك معرفة الفقه حيث لابد من معرفة الأحكام الفقهية التي يسير عليها المسلم ويتقدم، فهذا باب العبادات والمعاملات ثم يلي هذا العقيدة حيث لابد من معرفة العقيدة الصحيحة للمسلم وإن كان لابد أن تدرس العقيدة أثناء دراسة كل ذلك حتى تتضح الصورة لطالب العلم وتكون جلية.
فعلى هذا كان يتربى الأمراء والملوك والسلاطين الصالحين وكذلك القادة الذين قدموا خيرا للإسلام، فتجد كل هؤلاء تعلموا هذه الأمور، ومن هذا نخلص إنه إذا أرادت الأمة أن تتقدم فلابد أن تسير في درب الصالحين الذين نفعوا الإسلام، وخُلدت أسمائهم، وهذا هو المقصد الصحيح من دراسة التراجم والسير، لأخذ المنفعة منها، وليس التسلية ومصممة الشفاه.
ما بعد قرة سي
فبعد أن فتح قرة سي، استمر فترة العشرين عاما دون حرب، حيث قضاها في صقل الدولة من النظم العسكرية، وتعزيز الأمن الداخلي، وبناء المساجد، ورصد الأوقاف، وإقامة القلاع، والحصون، والمنشأة العامة الشاسعة.
وهذا مما ينم على عظمة أورخان، وتقواه، وحكمته، وبعد نظرة، ويؤكد أنه ما كان يشن الحروب رغبة في التوسع الأعمى وإنما لتوطيد أركان الإسلام ولتثبيت دعائم دولة ناشئة بين ذئاب تحاصرها من كل جانب.
توفيق الله تعالي
لأن الله تعالى يأمرنا أن نأخذ بالأسباب ونبذل الجهود حتى يتسنى لنا أن نرزق بتوفيقه تعالى، فكان أورخان قد أخذ بالأسباب وعمل بكل جهده وسعيه واحسب على ذلك إخلاصه وإلا ما كان توفيق الله تعالى له.
فما إن أتم أورخان البناء الداخلي حتى يسر الله له الأمور بأن حدث صراع على الحكم داخل الدولة البيزنطية وطلب الإمبراطور “كونتاكوزينوس” مساعدة السلطان أورخان ضد خصمه فأرسل قوات من العثمانيين لتوطيد النفوذ العثماني في أوروبا، وفي عام 1358م، أصاب زلزال مدن تراقيا فانهارت أسوار غاليبولى، وهجرها أهلها؛ مما سهل على العثمانيين دخولها، وقد احتج الإمبراطور البيزنطي على ذلك، ولكن دون جدوى، فكان رد أورخان: إن العناية الإلهية قد فتحت أبواب المدينة أمام قواته.
وما لبثت غاليبولى أن أصبحت أول قاعدة عثمانية في أوروبا ومنها انطلقت الحملات الأولى التي توجهت بفتح كل شبه جزيرة البلقان، وأرسل أعداداً كبيرة من القبائل المسلمة، إلى المدن المجاورة بهدف الدعوة للإسلام، وكذا منع تمكن النصارى من المحاولات المستميتة من طرد العثمانيين من أوروبا، وقام بإرسال الدعاة والعلماء إلى هذه المدن والقرى الجديدة لنشر الإسلام وتعليمه لهم.
فسبحان الله تفتح مدينة بغير قتال وتصير عاصمة للدولة وهي بورصة ويحدث زلزال لتفتح مدينة أخري تكون بوابة لنشر الإسلام في أوروبا بعد ذلك، بل وفي توفيق لابنه الذي أرسله لفتح الحصون في مهمة قد يرها البعض انتحارية فيوفق وتفتح الحصون التي فتحت باب خير سنتحدث عنه لاحقاً، فهذا لا يؤتى إلا بتوفيق من الله تعالى لعبده الذي استعان وتوكل عليه حق توكله، حيث أخذ بالأسباب واعد العدة، فهنا يأتي النصر بقتال أو بدون قتال.
فرحم الله البطل المجاهد أورخان الذي أسس دولة كبيرة ووضع النواة لنشر الإسلام في ربوع أوروبا قاطبة، فحقاً إن هؤلاء حق علينا معرفتهم.
وهنا تتضح المعادلة العظيمة وهي
علم – بعقيدة-في ظل وحدة-بجيش يحمي-على أسس الإسلام -يساوي دولة تقوم على ظهرها أمّة