ســــلطان زمـــانه
Well-Known Member
الليلة الخامسة عشر
أكل الربا
يقول ابن حجر: كنت وأنا صغير أتعاهد قبر والدي رحمه الله للقراءة عليه فخرجت يوما بعد صلاة
الصبح بغلس في رمضان، بل أظن أن ذلك كان في العشر الأخير بل في ليلة القدر، فلما جلست
على قبره وقرأت شيئا من القرآن ولم يكن بالمقبرة أحد غيري، فإذا أنا أسمع التأوه العظيم
والأنين الفظيع بآه آه آه وهكذا بصوت أزعجني من قبر مبني بالنورة والجص له بياض عظيم،
فقطعت القراءة واستمعت فسمعت صوت ذلك العذاب من داخله وذلك الرجل المعذب يتأوه تأوها
عظيما بحيث يقلق سماعه القلب ويفزعه فاستمعت إليه
زمنا، فلما وقع الإسفار خفي حسه عني،
فمر بي إنسان فقلت قبر من هذا؟ قال: هذا قبر فلان
لرجل أدركته وأنا صغير، وكان على غاية
من ملازمة المسجد والصلوات في أوقاتها والصمت
عن الكلام.
وهذا كله شاهدته وعرفته منه فكبر علي الأمر جدا لما أعلمه من أحوال الخير التي كان ذلك
الرجل متلبسا بها في الظاهر، فسألت واستقصيت الذين يطلعون على حقيقة أحواله فأخبروني
أنه كان يأكل الربا، فإنه كان تاجرا ثم كبر وبقي معه شيء من الحطام، فلم ترض نفسه الظالمة
الخبيثة أن يأكل من جنبه حتى يأتيه الموت بل سول له الشيطان محبة المعاملة بالربا حتى
لا ينقص ماله فأوقعه في ذلك العذاب الأليم حتى في رمضان حتى في ليلة القدر، ولما قلت
ذلك لبعض أهل بلده([1]).
دروس وعبر
الربا من كبائر الذنوب التي استهان الناس بها
عن أبي هريرة-رضي الله عنه-أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات.
قيل: يا رسول الله وما هنّ؟ قال: «الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ،
وأكل مال اليتيم. وأكل الرّبا، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنا)([2])
[1] -«الزواجر عن اقتراف الكبائر» الزواجر عن اقتراف
الكبائر (1/ 25)
[2]-البخاري- الفتح 5 (2766)، ومسلم (89) واللفظ له.
ومن حديث أنس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يأتي آكل الرّبا يوم القيامة مخبّلا([1])
يجرّ شقّيه، ثمّ قرأ: لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ». ([2])
وعن ابن مسعود-رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بين يدي السّاعة يظهر
الرّبا، والزّنا، والخمر» ).([3])
عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الرّبا ثلاثة وسبعون
بابا أيسرها مثل أن ينكح الرّجل أمّه، وإنّ أربى الرّبا عرض الرّجل المسلم» ([4])
[1]-قال الأصبهاني: المخبل: المجنون.
[2]- ذكره المنذري في الترغيب (3/ 10) وقال:
رواه الطبراني والأصبهاني من حديث أنس، ونحوه عند ابن أبي حاتم عن ابن عباس (الفتح 8/ ص 51)
فهو على هذا حسن أو صحيح على شرط ابن حجر في الفتح.
[3]- ذكره المنذري في الترغيب (3/ 9) وقال: رواه
الطبراني ورواته رواة الصحيح.
[4]-الحاكم في المستدرك (2/ 37) وقال: هذا حديث
صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
ووافقه الذهبي، وذكره المنذري في الترغيب من حديث البراء وعزاه للطبراني في الأوسط (3/ 8).