ننۈڜـِـِـِهہ . . . =$‘
Nona qaisi
- إنضم
- 11 يونيو 2012
- المشاركات
- 2,875
- مستوى التفاعل
- 55
- النقاط
- 48
- العمر
- 27
شعراء في حياة الملك فيصل الاول
بقلم/عبد الكريم حسان خضير
من الله على امتنا العربية واستيقظت وظهر شعراء فحول نسجوا على منوال سلفهم فحملوا راية الشعر عاليا .
فهذا الشاعر الزهاوي واترابه من بعده تألقوا في حب الوطن والامة وتمجيدهما..
ولد جميل صدقي الزهاوي عام 1863م في بغداد وابوه المفتي محمد امين فيضي الزهاوي وينتمي الى آل بابان امراء السليمانية.
وقد عرف الزهاوي منسوبا الى بلدة (زهاو) من اعمال ولاية كرمنشاه .. درس الزهاوي علوم اللغة والفقه على ابيه وتعلم اللغات التركية والفارسية والكردية … نظم الشعر باللغتين العربية والفارسية في مطلع شبابه ..
اتهم بالزندقة والكفر وبأعتناق الافكار السياسية الحرة طوراً وتقلد مختلف المناصب... وفي عهد الاحتلال البريطاني للعراق.. عين عضوا في مجلس المعارف... وعضوا في مجلس الاعيان (العراقي) سنة 1925م وعضوا في المجمع العلمي في الشام سنة 1923م.
حار النقاد في سبر شخصية الزهاوي أكان مؤمنا؟ ام كان ملحدا ام لا ادرياً؟ هل كان مناوئاً للسلطان عبد الحميد؟ هل كان متزمتاً بصدق الخوارق ويهاجم من يطعن فيها؟ هل كان ممالئا للانگليز؟ هل كان محباً للاتراك؟ هل كان مسانداً لثورة العشرين؟ هل كان محباً لنفسه؟ وهل ...وهل...؟؟؟؟.
كل ذلك سوف ينسى ولن يبقى الا صورة الزهاوي الشاعر والنابغ ذي النفس القلقة التي لا يقر لها قرار والروح الطامحة . وسوف يبقى ايضاً شعره ثروة للاداب العربية والعالمية ومفخرة من مفاخر العرب والعراق. كان الزهاوي لا يكتفي ان يكون شاعرا وفيلسوفاً وعقلانياً بالامتياز في كل من هذه المضامير بل كان حريصا على ان يكون متميزا في فروع اخرى من فروع العلم والمعرفة... فلقد درس الزهاوي (مجلة الاحكام الشرعية) في بعض معاهد الحقوق وهو كما يقولون (ابو حنيفة ولكن بلا فقه) ولقد نظم ملحمة (ثورة في الجحيم) ليسلك في عداد (المعري) ما حمل الملك فيصل الاول على سؤاله عن البواعث التي حركته بنطق هذه الملحمة بقوله :
(مولاي لقد عجزت عن تفجير ثورة في الارض فأثرتها في السماء !.
فلم يملك الملك فيصل الاول الا الابتسام المشوب بالعطف!)..
تفرد الزهاوي بامكاناته في سحر الناس والمجالس بلطافة احاديثه وطرفه ونكاته الحلوة .... وتراه متحولاً في اكثر نثره وشعره … ففي البداية رثا ابطال ثورة العشرين وشهداءها في العراق بقصيدة غراء قال فيها:
ماذا بضاحية الرميثة من غطارفة جماجح
طلبوا مساواة الحقوق فطوحت بهم الطوائح
المستر كوكس كان حاضرا في مراسيم تتويج الملك / فيصل الأول
ثم عاد الشاعر هذا ليطعن بالثورة وقادتها وشهداءها ويمتدح (المستر كوكس) المندوب السامي البريطاني والمستعمرين فيخاطبهم قائلاً:
عد للعرق واصلح منه ما فسدا
واثبت به العدل وامنح اهله الرغدا
الشعب فيك عليك اليوم معتمدا
فيما يكون كما قد كان معتمدا
حييت من قادم ابان حاجتنا اليه نرجو به للامة الرشدا
وفي الذكرى الاولى لتتويج الملك فيصل الاول لعرش العراق القى قصيدة محييا جاء فيها:
عش هكذا في علو ايها العلم فاننا بك بعد الله نعتصم
وهي شأن قصائده الاخرى مخطط ومدبر لها سلفا ولم يكن ثمة مفر من ان يكون في مجلس الاعيان …
توفي في بغداد في 23 شباط عام 1936م.
وثاني الشعراء الرصافي/ وهو معروف بن عبد الغني/ الشاعر الاديب المجدد، ولد في حي (القرغول) من احياء بغداد عام 1875 وكان والده عريفا في الجيش العثماني لقبه استاذه محمود شكري الالوسي بـ(الرصافي) على امل ان ينشأ متعبدا كالمتصوف (معروف الكرخي) المشهور في الاسلام لكن طبيعته كانت تناهض التصوف.
مثل العراق في (مجلس المبعوثان) العثماني وكان عضوا بارزا في جمعية الاتحاد والترقي ولهذا تراه يهاجم الثورة العربية التي قام بها الشريف حسين بن علي ملك الحجاز عام 1916م.
ويعتبرها خروجاً عن الولاء للدولة العثمانية والتي تمثل امتداد الخلافة الاسلامية..
وللرصافي رأي في حكم العراق فقد كان مواليا وصديقا لطالب النقيب الذي رشح نفسه لرئاسة الحكم في العراق سواء أكان (الحكم جمهوريا ام ملكيا).
وقد نظم الرصافي في اغراض الشعر المختلفة كالمدح والفخر والغزل والرثاء والهجاء والعتاب. وما امتاز به وصفه لما يقع تحت نظره من مشاهد الوجود على اختلاف انواعها ..
وللرصافي طائفة من القصائد ضمنها قصصا يخيل الى سامعها انها واقعية لا خيالية كقصيدة (الفقر والسقام) و(اليتيم في العيد) وغيرها … ويقول الاستاذ العقاد في الرصافي :
(ماضيه خير من حاضره...)..
ويذكر الاديب المفكر هادي العلوي :
(الرصافي مفكرا افضل منه شاعرا....).
كانت مناسبة مؤلمة في عام 1927 فقد طغى نهر دجلة وغرق الكثير مما على ضفافها من بيوت وقصور وفي الجملة منها البلاط الملكي وابتهلها الرصافي في فرصة للتهجم على الملك فيصل الاول وحاشيته بقوله:
ليت شعري ابلاط ام ملاط ام مليك بالمخانيث يحاط
غضب الله على ساكنه فتداعى ساقطاً ذاك البلاط
ويذكر الشاعر الجواهري الذي كان من ضمن الحاشية ومنهم الذوات (رستم حيدر وتحسين قدري ومحمد باقر البلاطي) وغيرهم … بقولهماكان يحز في نفس الملك فيصل الاول اكثر فاكثر وهو الذواقة في الشعر والادب العربي والعراف بنفوذهما في المجتمعات العربية والعراقية بخاصة... ان يقول عنه شاعر مثل الرصافي هذا القول... )..
وكذلك في جملة قصيدته البائية المشهورة وهو بلبنان وهو في طريقه للعراق:
لنا ملك تأبى عصابة رأسه لها غير سيف (التيمسيين) عاصبا
وليس له من امره غير انه يعدد اياما ويقبض راتبا
وان يقول ذلك في محفل كبير وفي مجتمع غاص بالادباء....! وطبيعي ان يثور الرصافي على الوضع وعلى الرموز الاولى لهذا الوضع ويثور حتى على نفسه...
وانكشف سر الزيارة المفاجئة والتي كان لها مساس بحياة الرصافي وكانت محل عطف والتماس من نوري السعيد وهي محاولة اصلاح الحال بين اول ملك للعراق واول شاعر فيه.... ومن خلالها تسرب الحديث الى حاشية الملك بانه قال للرصافي بالحرف الواحد:
(يا استاذ الرصافي ، أأنا الذي يعدد اياما ويقبض راتباً؟ وانا مثقل بالمشاكل والتحديات وبهموم امة بأسرها؟!)..
وتكللت وساطة السعيد بالنجاح ولكنه ظل مشوبا بما يبغضه من حقد ملك (ذي منحدر بدوي) وانفرجت الاحوال بعيد الوساطة وانفتحت ابواب حياة كريمة للرصافي من خلال مرتب سخي اجراه له الملك... وبالتالي انفكت العقدة امام الرصافي ان يرشح نفسه الى المجلس النيابي للمرة الاولى بمساعدة نوري السعيد ثم تلتها مرات وعن علاقته بالبلاط الملكي وما يستلمه من الدفعات (النقدية) يقول الجواهري:
(وكنت اقرأ على وجه الرصافي بحروف صارخة وهو يقول (ما اجمل فرصة وجودك هنا يا اخي الجواهري...!)).
كانت امال الرصافي منصبة على ان يكون (عينا) في مجلس الاعيان ان فاتته الوزارة ولما حرم من هذه المناصب ورأى فيها من لايدانيه منزلة ثار وتألم وصب جام ثورته على المستعمر وعلى الملك فيصل كذلك … وقد بقي حقد الرصافي على الملك فيصل الاول ومن قصيدة له قوله:
ابو غازي قضى فاقيم غازي
فأنطقنا التهاني والتعازي
مات الرصافي في عام 1945م وهو لا يملك ثمنا للقوت ولا للمسكن ولا للعلاج وفي اوائل السبعينات من القرن المنصرم اقيم له تمثال في احدى ساحات بغداد.
وشاعرنا محمد مهدي الجواهري/ هو مسك الختام لشعراء الملك فيصل الاول وسمي صناجة العرب بكل جدارة واستحقاق ..
ولا يفوتنا ان نسميه بـ(امير الشعراء) كذلك لان امارة الشعر في العالم العربي لم يسد فراغها بعد غياب الجواهري.....
ولد الجواهري في اوائل القرن الماضي في مدينة النجف الاشرف والتي سميت بـ(خد العذراء)... وهو من عائلة علمية ادبية ومعروفة في النجف جدها الاكبر هو الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر فعم اللقب واشتهر به وسمته الصحافة العراقية بـ(نابغة النجف) وهو شيخ المخضرمين اذ عاصر تأسيس الحكم الوطني بتتويج الملك فيصل الاول وشاهد سقوط النظام الملكي في العراق عام 1958م وعاصر جميع رؤساء الجمهوريات التي تقلدت الحكم.
الجواهري والزعيم/ عبدالكريم قاسم
كانت الزيارة الثانية للملك فيصل الاول الى مناطق الفرات وبخاصة مدينة النجف وشارك الجواهري في الترحيب كما تغنى اترابه الشعراء وله من قصيدة رائعة رفعها عنه الى السدة الملكية عمه الاكبر الشيخ جواد وجاء فيها:
اعد لك المنهج الواضح فسر لاهفاً طيرك السانح
وحياك ربك من ناصح اذا عزنا المشفق الناصح
فكانت من اولها الى اخرها استلطافا واستعطافا واشارة الى الملك لمظلمة لحقت بالاقطاب المنفيين واهمية عودتهم الى العراق.
وكانت قد سبقتها قصيدة رائعة وفريدة في مدح شيخ الجزيرة العربية وقادح زناد الثورة العربية الكبرى الشريف حسين بن علي وما آل اليه وضعه وهو في المنفى (سجين في قبرص) وجاء فيها:
حي الحياة باحلاء وامراء تمضي شعاعاً كزند القادح الواري ما للجزيرة لم تأنس مرابعها بعد (الحسين) ولم تجفل بسمار شيخ الجزيرة انت اليوم مرتهن بحسن فعلك من صدق وايثار وللشاب الاسمر معارف كثار فالسيد محمد الصدر من اتراب والد الجواهري في الدراسة في النجف وقد توارث الزعامة بحق من والده العلامة المؤرخ السيد حسن الصدر (وهو من مدينة الكاظمية) وكانت معرفته قديمة واستمر في زيارته بحسب الظروف وفي الزيارة الاخيرة والسؤال عن الصحة والاحوال كالعادة من اصول الترحيب والمجاملة وقبل انصراف الجواهري من هذه الزيارة واذا بالسيد الصدر يقول له:
(احب ان اراك غداً!)..
فأهتبلها الجواهري وكانت فرصة لاتعوض لاسيما بعد الضجة التي اثيرت حوله لتعيينه مدرساً في مدارس الحكومة وفي الموعد المحدد اصطحبه السيد محمد الصدر الى البلاط (بعد ان اعتنى بهندامه) ورأى الملك الجديد فيصل الاول ببغداد العاصمة وهوالشاب الاسمر ذا عمة صغيرة...!. وتلقى الملك فيصل الاول السيد الصدر كماهو مألوف بينهما من مودة بكل ترحاب وتكريم وحفاوة - والحق - كما يذكر الجواهري كان السيد محمد الصدر يدخل على الملك فيصل الاول بدون استئذان ولا يذكر شخصاً رئيساً كان او مسؤولاً له مثل هذه الحظوة.
وفي هذه المقابلة يذكر الجواهري انه جلس قبالة الملك نفسه، وجها لوجه ومن باب التطلع حزر بعد ذلك (اي الجواهري) ان المطلوب هو ان يرى السيد الصدر للملك فيصل الاول هذا الشاب (غير العربي) كما اثير .. واخيراً بدت اسارير الملك المتهللة معبرة اجمل تعبير عن هذا الفتى الشاخص امامه بكل مافي ملامحه من بساطة وطلاقة ومنطق وحسن ديباجة في حديثه...!. ولم يتكلم السيد الصدر كثيراً..... واستطرد الجواهري يقول:
(يا جلالة الملك قبل ان اتشرف بهذه اللقيا كنت صاحب القصيدة التي رفعت اليك عن نفي علماء النجف، فكان يهز برأسه بكل مودة وبشاشة (أجل) وانا صاحب قصيدة (سجين قبرص) عن والدك العظيم..
ثم قال لي (اجل اعرف).
وبعد هذه المقابلة عاد الجواهري الى بيته المتواضع... وبعدها اسبوع اواكثر وحملته المصادفة ثانية ليلتقي بالسيد الصدر.... وبعد التحيات والتسليم جاءت المفاجأة الكبرى.... اذ ابلغه الصدر.. ان الملك يطلبك.!. وهو لم يصدق فذهب الى البلاط الملكي مسرعا … وقال بالحرف الواحد: (جلالة الملك يطلبني) فرحب به جماعةالبلاط الملكي وعلى راسهم السيد الجليل صفوة العوا و رستم حيدر وناصر الكيلاني وتحسين قدري (لكاتب السطور مقالة لسيرته نشرت في الجريدة هذه في اعداد سابقة) واحاطوه بكل عناية وترحاب قائلين:
(اننا مسرورون بأنك معنا...!) .
وما هي الادقائق فأخبروه ان الملك يطلبه .. وانتظر من جلالته النطق السامي فكان الترحيب والتكريم ليكون ضمن الحاشية الملكية ...!. ففي تلك الساعة احس ان الارض تهتز تحت قدميه لا حباً بمال وجاه او منصب بل شعوراً بالكرامة ...!..
عبدالمحسن السعدون
وخلال عمله في البلاط التقى الكثير من الشخصيات التي لم يسبق لشاب ان تعرف عليها … وهي وجوه شغلت العراق وسياسته من امثال : عبد المحسن السعدون وياسين الهاشمي ونوري السعيد وناجي شوكت وتوفيق السويدي وناجي السويدي ورشيد عالي الكيلاني و غيرهم..... وعلى ذكر السفرات قام الملك فيصل الاول والجواهري ضمن الحاشية بجولة شملت الفرات الاوسط (الحلة والنجف والديوانية والناصرية والشطرة والغراف).
مضى الجواهري في البلاط ثلاث سنوات ..واخيراً شاءت المصادفات ان تجعل غلطته في الاستقالة من البلاط الملكي وكأنها طريق ممهد لتبديل لا يقل عنها شأناً بل وكأنها محض تصحيح لهذه الغلطة (اي ان اكون صحفياً مرموقاً وناطقاً بلسان الملك كماعبر عنه (مزاحم الباجه جي) وعلى كل حال فقد كان من امر الاستقالة فقد دخل على الملك وكانت لأخر مرة وهو في وظيفته … وبعبارة لائقة ملتمساً قبولها واعفائه من هذا الشرف الذي جعله من معيته او حاشيته...
قال الملك: لماذا؟.
قال الجواهري: (سيدي لكي اكون صحفياً وانا ذو هواية تمتد جذورها بعيداً في عالم الصحافة....)
استغرب الملك فيصل من هذا الجواب ..! واراد ان يثنيه وعن طريق غاية الذكاء في والغواية فقال هناك نشر خبر بعثة هي اول بعثة من نوعها الى باريس... ويكمل الملك الحديث:
هذه بعثة مهيأة وانت محلك في الصميم منها ولك كل المؤهلات خذ مكانك منها وبخاصة باريس فتزداد ثقافتك ولغتك وتتعرف من العلم الجديد ثم عد لتكون صحفياً او غير صحفي كما تحب...
ولكن هكذا كان (الاستقالة) ليصبح الجواهري صاحب جريدة الفرات ...وبعدها اصدر جريدة (الرأي العام) المسائية... وللتاريخ يذكر الجواهري:
لقد تحمل الملك فيصل الاول من وزر العراق اكثر مما ينبغي فالعراق بلد اتعب الحاكمين والمحكومين جميعا وعلى مدى التاريخ...!.
كانت وفاته في عام 1997م ودفن في دمشق عن عمر يناهز 98 عاماً وكان اخر من فقدناه من شعراء الرعيل الاول من القرن الماضي وانتهت به امارة الشعر واكثر ما اعجبني هذا الوصف له (انه اما عاصف ثائر واما ملاطف مداعب..).
بقلم/عبد الكريم حسان خضير
من الله على امتنا العربية واستيقظت وظهر شعراء فحول نسجوا على منوال سلفهم فحملوا راية الشعر عاليا .
فهذا الشاعر الزهاوي واترابه من بعده تألقوا في حب الوطن والامة وتمجيدهما..
ولد جميل صدقي الزهاوي عام 1863م في بغداد وابوه المفتي محمد امين فيضي الزهاوي وينتمي الى آل بابان امراء السليمانية.
وقد عرف الزهاوي منسوبا الى بلدة (زهاو) من اعمال ولاية كرمنشاه .. درس الزهاوي علوم اللغة والفقه على ابيه وتعلم اللغات التركية والفارسية والكردية … نظم الشعر باللغتين العربية والفارسية في مطلع شبابه ..
اتهم بالزندقة والكفر وبأعتناق الافكار السياسية الحرة طوراً وتقلد مختلف المناصب... وفي عهد الاحتلال البريطاني للعراق.. عين عضوا في مجلس المعارف... وعضوا في مجلس الاعيان (العراقي) سنة 1925م وعضوا في المجمع العلمي في الشام سنة 1923م.
حار النقاد في سبر شخصية الزهاوي أكان مؤمنا؟ ام كان ملحدا ام لا ادرياً؟ هل كان مناوئاً للسلطان عبد الحميد؟ هل كان متزمتاً بصدق الخوارق ويهاجم من يطعن فيها؟ هل كان ممالئا للانگليز؟ هل كان محباً للاتراك؟ هل كان مسانداً لثورة العشرين؟ هل كان محباً لنفسه؟ وهل ...وهل...؟؟؟؟.
كل ذلك سوف ينسى ولن يبقى الا صورة الزهاوي الشاعر والنابغ ذي النفس القلقة التي لا يقر لها قرار والروح الطامحة . وسوف يبقى ايضاً شعره ثروة للاداب العربية والعالمية ومفخرة من مفاخر العرب والعراق. كان الزهاوي لا يكتفي ان يكون شاعرا وفيلسوفاً وعقلانياً بالامتياز في كل من هذه المضامير بل كان حريصا على ان يكون متميزا في فروع اخرى من فروع العلم والمعرفة... فلقد درس الزهاوي (مجلة الاحكام الشرعية) في بعض معاهد الحقوق وهو كما يقولون (ابو حنيفة ولكن بلا فقه) ولقد نظم ملحمة (ثورة في الجحيم) ليسلك في عداد (المعري) ما حمل الملك فيصل الاول على سؤاله عن البواعث التي حركته بنطق هذه الملحمة بقوله :
(مولاي لقد عجزت عن تفجير ثورة في الارض فأثرتها في السماء !.
فلم يملك الملك فيصل الاول الا الابتسام المشوب بالعطف!)..
تفرد الزهاوي بامكاناته في سحر الناس والمجالس بلطافة احاديثه وطرفه ونكاته الحلوة .... وتراه متحولاً في اكثر نثره وشعره … ففي البداية رثا ابطال ثورة العشرين وشهداءها في العراق بقصيدة غراء قال فيها:
ماذا بضاحية الرميثة من غطارفة جماجح
طلبوا مساواة الحقوق فطوحت بهم الطوائح
المستر كوكس كان حاضرا في مراسيم تتويج الملك / فيصل الأول
ثم عاد الشاعر هذا ليطعن بالثورة وقادتها وشهداءها ويمتدح (المستر كوكس) المندوب السامي البريطاني والمستعمرين فيخاطبهم قائلاً:
عد للعرق واصلح منه ما فسدا
واثبت به العدل وامنح اهله الرغدا
الشعب فيك عليك اليوم معتمدا
فيما يكون كما قد كان معتمدا
حييت من قادم ابان حاجتنا اليه نرجو به للامة الرشدا
وفي الذكرى الاولى لتتويج الملك فيصل الاول لعرش العراق القى قصيدة محييا جاء فيها:
عش هكذا في علو ايها العلم فاننا بك بعد الله نعتصم
وهي شأن قصائده الاخرى مخطط ومدبر لها سلفا ولم يكن ثمة مفر من ان يكون في مجلس الاعيان …
توفي في بغداد في 23 شباط عام 1936م.
وثاني الشعراء الرصافي/ وهو معروف بن عبد الغني/ الشاعر الاديب المجدد، ولد في حي (القرغول) من احياء بغداد عام 1875 وكان والده عريفا في الجيش العثماني لقبه استاذه محمود شكري الالوسي بـ(الرصافي) على امل ان ينشأ متعبدا كالمتصوف (معروف الكرخي) المشهور في الاسلام لكن طبيعته كانت تناهض التصوف.
مثل العراق في (مجلس المبعوثان) العثماني وكان عضوا بارزا في جمعية الاتحاد والترقي ولهذا تراه يهاجم الثورة العربية التي قام بها الشريف حسين بن علي ملك الحجاز عام 1916م.
ويعتبرها خروجاً عن الولاء للدولة العثمانية والتي تمثل امتداد الخلافة الاسلامية..
وللرصافي رأي في حكم العراق فقد كان مواليا وصديقا لطالب النقيب الذي رشح نفسه لرئاسة الحكم في العراق سواء أكان (الحكم جمهوريا ام ملكيا).
وقد نظم الرصافي في اغراض الشعر المختلفة كالمدح والفخر والغزل والرثاء والهجاء والعتاب. وما امتاز به وصفه لما يقع تحت نظره من مشاهد الوجود على اختلاف انواعها ..
وللرصافي طائفة من القصائد ضمنها قصصا يخيل الى سامعها انها واقعية لا خيالية كقصيدة (الفقر والسقام) و(اليتيم في العيد) وغيرها … ويقول الاستاذ العقاد في الرصافي :
(ماضيه خير من حاضره...)..
ويذكر الاديب المفكر هادي العلوي :
(الرصافي مفكرا افضل منه شاعرا....).
كانت مناسبة مؤلمة في عام 1927 فقد طغى نهر دجلة وغرق الكثير مما على ضفافها من بيوت وقصور وفي الجملة منها البلاط الملكي وابتهلها الرصافي في فرصة للتهجم على الملك فيصل الاول وحاشيته بقوله:
ليت شعري ابلاط ام ملاط ام مليك بالمخانيث يحاط
غضب الله على ساكنه فتداعى ساقطاً ذاك البلاط
ويذكر الشاعر الجواهري الذي كان من ضمن الحاشية ومنهم الذوات (رستم حيدر وتحسين قدري ومحمد باقر البلاطي) وغيرهم … بقولهماكان يحز في نفس الملك فيصل الاول اكثر فاكثر وهو الذواقة في الشعر والادب العربي والعراف بنفوذهما في المجتمعات العربية والعراقية بخاصة... ان يقول عنه شاعر مثل الرصافي هذا القول... )..
وكذلك في جملة قصيدته البائية المشهورة وهو بلبنان وهو في طريقه للعراق:
لنا ملك تأبى عصابة رأسه لها غير سيف (التيمسيين) عاصبا
وليس له من امره غير انه يعدد اياما ويقبض راتبا
وان يقول ذلك في محفل كبير وفي مجتمع غاص بالادباء....! وطبيعي ان يثور الرصافي على الوضع وعلى الرموز الاولى لهذا الوضع ويثور حتى على نفسه...
وانكشف سر الزيارة المفاجئة والتي كان لها مساس بحياة الرصافي وكانت محل عطف والتماس من نوري السعيد وهي محاولة اصلاح الحال بين اول ملك للعراق واول شاعر فيه.... ومن خلالها تسرب الحديث الى حاشية الملك بانه قال للرصافي بالحرف الواحد:
(يا استاذ الرصافي ، أأنا الذي يعدد اياما ويقبض راتباً؟ وانا مثقل بالمشاكل والتحديات وبهموم امة بأسرها؟!)..
وتكللت وساطة السعيد بالنجاح ولكنه ظل مشوبا بما يبغضه من حقد ملك (ذي منحدر بدوي) وانفرجت الاحوال بعيد الوساطة وانفتحت ابواب حياة كريمة للرصافي من خلال مرتب سخي اجراه له الملك... وبالتالي انفكت العقدة امام الرصافي ان يرشح نفسه الى المجلس النيابي للمرة الاولى بمساعدة نوري السعيد ثم تلتها مرات وعن علاقته بالبلاط الملكي وما يستلمه من الدفعات (النقدية) يقول الجواهري:
(وكنت اقرأ على وجه الرصافي بحروف صارخة وهو يقول (ما اجمل فرصة وجودك هنا يا اخي الجواهري...!)).
كانت امال الرصافي منصبة على ان يكون (عينا) في مجلس الاعيان ان فاتته الوزارة ولما حرم من هذه المناصب ورأى فيها من لايدانيه منزلة ثار وتألم وصب جام ثورته على المستعمر وعلى الملك فيصل كذلك … وقد بقي حقد الرصافي على الملك فيصل الاول ومن قصيدة له قوله:
ابو غازي قضى فاقيم غازي
فأنطقنا التهاني والتعازي
مات الرصافي في عام 1945م وهو لا يملك ثمنا للقوت ولا للمسكن ولا للعلاج وفي اوائل السبعينات من القرن المنصرم اقيم له تمثال في احدى ساحات بغداد.
وشاعرنا محمد مهدي الجواهري/ هو مسك الختام لشعراء الملك فيصل الاول وسمي صناجة العرب بكل جدارة واستحقاق ..
ولا يفوتنا ان نسميه بـ(امير الشعراء) كذلك لان امارة الشعر في العالم العربي لم يسد فراغها بعد غياب الجواهري.....
ولد الجواهري في اوائل القرن الماضي في مدينة النجف الاشرف والتي سميت بـ(خد العذراء)... وهو من عائلة علمية ادبية ومعروفة في النجف جدها الاكبر هو الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر فعم اللقب واشتهر به وسمته الصحافة العراقية بـ(نابغة النجف) وهو شيخ المخضرمين اذ عاصر تأسيس الحكم الوطني بتتويج الملك فيصل الاول وشاهد سقوط النظام الملكي في العراق عام 1958م وعاصر جميع رؤساء الجمهوريات التي تقلدت الحكم.
الجواهري والزعيم/ عبدالكريم قاسم
كانت الزيارة الثانية للملك فيصل الاول الى مناطق الفرات وبخاصة مدينة النجف وشارك الجواهري في الترحيب كما تغنى اترابه الشعراء وله من قصيدة رائعة رفعها عنه الى السدة الملكية عمه الاكبر الشيخ جواد وجاء فيها:
اعد لك المنهج الواضح فسر لاهفاً طيرك السانح
وحياك ربك من ناصح اذا عزنا المشفق الناصح
فكانت من اولها الى اخرها استلطافا واستعطافا واشارة الى الملك لمظلمة لحقت بالاقطاب المنفيين واهمية عودتهم الى العراق.
وكانت قد سبقتها قصيدة رائعة وفريدة في مدح شيخ الجزيرة العربية وقادح زناد الثورة العربية الكبرى الشريف حسين بن علي وما آل اليه وضعه وهو في المنفى (سجين في قبرص) وجاء فيها:
حي الحياة باحلاء وامراء تمضي شعاعاً كزند القادح الواري ما للجزيرة لم تأنس مرابعها بعد (الحسين) ولم تجفل بسمار شيخ الجزيرة انت اليوم مرتهن بحسن فعلك من صدق وايثار وللشاب الاسمر معارف كثار فالسيد محمد الصدر من اتراب والد الجواهري في الدراسة في النجف وقد توارث الزعامة بحق من والده العلامة المؤرخ السيد حسن الصدر (وهو من مدينة الكاظمية) وكانت معرفته قديمة واستمر في زيارته بحسب الظروف وفي الزيارة الاخيرة والسؤال عن الصحة والاحوال كالعادة من اصول الترحيب والمجاملة وقبل انصراف الجواهري من هذه الزيارة واذا بالسيد الصدر يقول له:
(احب ان اراك غداً!)..
فأهتبلها الجواهري وكانت فرصة لاتعوض لاسيما بعد الضجة التي اثيرت حوله لتعيينه مدرساً في مدارس الحكومة وفي الموعد المحدد اصطحبه السيد محمد الصدر الى البلاط (بعد ان اعتنى بهندامه) ورأى الملك الجديد فيصل الاول ببغداد العاصمة وهوالشاب الاسمر ذا عمة صغيرة...!. وتلقى الملك فيصل الاول السيد الصدر كماهو مألوف بينهما من مودة بكل ترحاب وتكريم وحفاوة - والحق - كما يذكر الجواهري كان السيد محمد الصدر يدخل على الملك فيصل الاول بدون استئذان ولا يذكر شخصاً رئيساً كان او مسؤولاً له مثل هذه الحظوة.
وفي هذه المقابلة يذكر الجواهري انه جلس قبالة الملك نفسه، وجها لوجه ومن باب التطلع حزر بعد ذلك (اي الجواهري) ان المطلوب هو ان يرى السيد الصدر للملك فيصل الاول هذا الشاب (غير العربي) كما اثير .. واخيراً بدت اسارير الملك المتهللة معبرة اجمل تعبير عن هذا الفتى الشاخص امامه بكل مافي ملامحه من بساطة وطلاقة ومنطق وحسن ديباجة في حديثه...!. ولم يتكلم السيد الصدر كثيراً..... واستطرد الجواهري يقول:
(يا جلالة الملك قبل ان اتشرف بهذه اللقيا كنت صاحب القصيدة التي رفعت اليك عن نفي علماء النجف، فكان يهز برأسه بكل مودة وبشاشة (أجل) وانا صاحب قصيدة (سجين قبرص) عن والدك العظيم..
ثم قال لي (اجل اعرف).
وبعد هذه المقابلة عاد الجواهري الى بيته المتواضع... وبعدها اسبوع اواكثر وحملته المصادفة ثانية ليلتقي بالسيد الصدر.... وبعد التحيات والتسليم جاءت المفاجأة الكبرى.... اذ ابلغه الصدر.. ان الملك يطلبك.!. وهو لم يصدق فذهب الى البلاط الملكي مسرعا … وقال بالحرف الواحد: (جلالة الملك يطلبني) فرحب به جماعةالبلاط الملكي وعلى راسهم السيد الجليل صفوة العوا و رستم حيدر وناصر الكيلاني وتحسين قدري (لكاتب السطور مقالة لسيرته نشرت في الجريدة هذه في اعداد سابقة) واحاطوه بكل عناية وترحاب قائلين:
(اننا مسرورون بأنك معنا...!) .
وما هي الادقائق فأخبروه ان الملك يطلبه .. وانتظر من جلالته النطق السامي فكان الترحيب والتكريم ليكون ضمن الحاشية الملكية ...!. ففي تلك الساعة احس ان الارض تهتز تحت قدميه لا حباً بمال وجاه او منصب بل شعوراً بالكرامة ...!..
عبدالمحسن السعدون
وخلال عمله في البلاط التقى الكثير من الشخصيات التي لم يسبق لشاب ان تعرف عليها … وهي وجوه شغلت العراق وسياسته من امثال : عبد المحسن السعدون وياسين الهاشمي ونوري السعيد وناجي شوكت وتوفيق السويدي وناجي السويدي ورشيد عالي الكيلاني و غيرهم..... وعلى ذكر السفرات قام الملك فيصل الاول والجواهري ضمن الحاشية بجولة شملت الفرات الاوسط (الحلة والنجف والديوانية والناصرية والشطرة والغراف).
مضى الجواهري في البلاط ثلاث سنوات ..واخيراً شاءت المصادفات ان تجعل غلطته في الاستقالة من البلاط الملكي وكأنها طريق ممهد لتبديل لا يقل عنها شأناً بل وكأنها محض تصحيح لهذه الغلطة (اي ان اكون صحفياً مرموقاً وناطقاً بلسان الملك كماعبر عنه (مزاحم الباجه جي) وعلى كل حال فقد كان من امر الاستقالة فقد دخل على الملك وكانت لأخر مرة وهو في وظيفته … وبعبارة لائقة ملتمساً قبولها واعفائه من هذا الشرف الذي جعله من معيته او حاشيته...
قال الملك: لماذا؟.
قال الجواهري: (سيدي لكي اكون صحفياً وانا ذو هواية تمتد جذورها بعيداً في عالم الصحافة....)
استغرب الملك فيصل من هذا الجواب ..! واراد ان يثنيه وعن طريق غاية الذكاء في والغواية فقال هناك نشر خبر بعثة هي اول بعثة من نوعها الى باريس... ويكمل الملك الحديث:
هذه بعثة مهيأة وانت محلك في الصميم منها ولك كل المؤهلات خذ مكانك منها وبخاصة باريس فتزداد ثقافتك ولغتك وتتعرف من العلم الجديد ثم عد لتكون صحفياً او غير صحفي كما تحب...
ولكن هكذا كان (الاستقالة) ليصبح الجواهري صاحب جريدة الفرات ...وبعدها اصدر جريدة (الرأي العام) المسائية... وللتاريخ يذكر الجواهري:
لقد تحمل الملك فيصل الاول من وزر العراق اكثر مما ينبغي فالعراق بلد اتعب الحاكمين والمحكومين جميعا وعلى مدى التاريخ...!.
كانت وفاته في عام 1997م ودفن في دمشق عن عمر يناهز 98 عاماً وكان اخر من فقدناه من شعراء الرعيل الاول من القرن الماضي وانتهت به امارة الشعر واكثر ما اعجبني هذا الوصف له (انه اما عاصف ثائر واما ملاطف مداعب..).