تہؤُلَيہبہ
Well-Known Member
ميساء منصور
من عاش طفولته في نهاية ثمانينات القرن الماضي وبداية التّسعينات، فمن المؤكّد أنه قد التحم بشكلٍ كبيرٍ مع مسلسلاتٍ كرتونيّةٍ مأخوذةٍ من رواياتٍ عالميّة للناشئة، مثل: "توم سوير"، و"عدنان ولينا"، و"ريمي"، و"بيل وسيبستيان"، و"سالي"، و"هايدي" و"صاحب الظّلّ الطّويل".
في السنة الأخيرة قامت دار النشر "تكوين" بترجمة معظم هذه القصص إلى العربيّة وبصورة ممتازة جدًا. إحدى الترجمات الأهم التّي سعيت للحصول عليها كانت صاحب الظّل الطّويل. القصّة مأخوذة عن رواية الكاتبة الأمريكيّة جين ويبستر، التّي تحولت لاحقًا إلى إنيميشن ياباني باسم "أبي طويل السّاقين"، وتُرجم لاحقًا إلى العربيّة باسم "صاحب الظّل الطّويل".
جودي أبوت
جودي هو الاسم المختصر لجيروشيكا أبوت، التي كبرت في ملجأ للأيتام في إحدى الولايات الأمريكيّة. تكون جودي كثيرة الحركة والكلام بشكلٍ مزعج للمسؤولة عن الميتم، وفي أحد الأيام يقيم الميتم حفلةً للرّاعين الرّسميّين له، فيأتي رجال الأعمال وأصحاب النفوذ إلى الميتم المهجور ليقوموا بالتبرعات اللّازمة وليلقوا نظرةً على الأطفال اليتامى، وتكون المفاجأة للمسؤولة عن الأطفال بقرار السّيد جون سميث كفالة جودي أبوت المشاغبة لتنهي تعليمها في مدرسة لينكونن الداخليّة للبنات، إحدى أهم المدارس الثّانويّة في الولايات المتحدة.
تعيش جودي في المدرسة مغامرات كبيرة ومختلفة عن عالمها الصّغير في الميتم، وتُكوّن العديد من الصّداقات، وتبني لنفسها حياةً اجتماعيةً جديدةً متكئةً فيها على عطاء "صاحب الظّل الطويل"، أي السّيد جون سميث. تنهي جودي تعليمها الثّانوي لتلتحق بالكليّة وتتزوج صاحب الظّلّ الطّويل.
شخصيّة جودي اليتيمة
في الفترة التّي كُتبت فيها الرّواية، كان المجتمع الأمريكيّ يركّز أكثر على فكرة ساندريلا والفارس المخلّص والمُحقق لأحلام حبيبته. أمّا قصّة جودي فجاءت ندًا لكلّ القصص الرومانسيّة هذه وضربت بعرض الحائط الأفكار الأمريكيّة والجندريّة حول السّند الرجل الذّي لا تستطيع المرأة فعل شيء من دونه. صحيحٌ أنه في البداية تستند جودي بخروجها من الميتم على سلطة ومال وكرم صاحب الظّل الطّويل، ما يُوحي للمشاهِد أو القارئ بأنها ستستمرّ باعتمادها هذا طيلة القصّة، إلّا أنها وبشجاعة تواجه رغبة السّيد بمنعها عن العمل وتركيزها على التّعليم فحسب بالرفض، فتقوم جودي بالعمل أثناء دراستها وتتعلم كيف تعتمد على نفسها من دون منّةٍ من أحد.
إنّ شخصيّة الفتيات اليتيمات الرقيقات والهشّات في المسلسلات الكرتونيّة، كانت تخالف كليًا شخصيّة جودي اليتيمة والمرحة والمُحبّة والمقبلة على الحياة؛ جودي التي لا تنتظر أحدًا يمدّ يده لإنقاذها من القاع وتنقذ نفسها بنفسها؛ تتعلّم كيف تقف وكيف تجد السّعادة وكيف تمنح السّعادة لمن حولها.
الحدث المفصليّ في القصّة
تخرج جودي إلى العالم الكبير عن طريق الانتقال إلى مدرسة لينكونن الثّانويّة. في السّنة الدّراسيّة الثّانيّة تقرّر رفض منحة صاحب الظّل الطّويل والبحث عن عمل لإعالة نفسها من دون أن تكون عالةً على أحد، معلنةً بذلك التمرّد على النّظرة الجندريّة للمرأة، ووضعها في مراكز معيّنة ومُحددّة من الخدمة في البيوت، وربّة منزل، ومُدرِّسة.. فهي بإمكانها العمل وكسب قوتها من دون أن تكون ذات منزلةٍ أقلّ من الأميرات القابعات في بيوتهنّ.
الفرق بين "الأنيميشِن" والرواية
كطفلة تابعتُ جودي على مدى سنوات كثيرة. كنتُ أنتظر كتابًا يُحاكي بالضبط "الأنيميشِن" الذّي تابعته في صغري والذّي استمرّتْ متابعتي له كلّما شعرت بالضّيق وكلما بحثت عن السّعادة. يأتي الكتاب مُختلفًا بطريقة السّرد عن الأنيميشِن؛ فالكتاب يرتكز بشكلٍ أساسيّ على تبادل الرّسائل بين جودي وصاحب الظّل الطّويل، وعلى سرد جودي للأحداث من وجهة نظرها فقط. ورغم أنّ السيناريو في الكرتون يظهر الرسائل بشكلٍ جليّ، إلّا أنّه يظهر باقي الشّخصيات بشكلٍ أدق ويعطيها مساحةً أكبر من تلك التي في الكتاب. فتظهر شخصيّة جوليا وسالي مكبرايد وشقيقها وشخصيّة جيفرسون ومساعد صاحب الظّل الطّويل بشكلٍ واضحٍ، ما يجعلنا نتعاطف مع الشّخصيات بشكلٍ أكبر.
العبرة على صعيدٍ شخصيّ وللأطفالِ أيضًا
من تابع جودي في الطفولة ربما ترسخت في ذهنه تلك الصّورة النمطيّة لفتاةٍ صغيرةٍ "نكديّة"، تهرب من الواقع إلى الخيال، وتواجه الحياة بصعوبة. لكن من يقرأ الرواية فيما بعد، عندما يكبر، بإمكانه أن يستشف المعاني المخبّأة في ذلك الكرتون البسيط: فاللّغة في الكرتون والرّواية عالية جدًا، والاستعارات والتّشبيهات عميقة، كما أنها تمهّد للطفل من دون أن يشعر طريق الدّخول إلى عالم الكبار. فقد نجحت ويبستر بتبسيط الحياة حتى تبدو سهلة الولوج لمن يتابعها، كما أنها تعلّمنا بطريقةٍ أو بأخرى كيف نقف أمام الصّعوبات، كيف نواجه المآزق، كيف نكبر رفقةَ قيمٍ أخلاقيّة، وكيف نعثر على السّعادة رغم كلّ الظّروف الصّعبة.