أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

عالم البرزخ

إنضم
18 يونيو 2015
المشاركات
13,636
مستوى التفاعل
5,855
النقاط
113
العمر
65
الإقامة
العراق
🖋 [ عالم البرزخ ]

1. ما هو عالم البرزخ ؟؟

2. وهل من دليلٍ على وجوده ؟؟

3. هل يشمل الحساب فيه جميع الناس أو هو مختص بفئات معينة منهم ؟؟

4. وما هي الأمور التي يُسْئَل عنها الإنسان في البرزخ ؟؟

5. هل الثواب والعقاب فيه روحاني - جسماني او روحاني فقط ؟؟

◀️ الجواب :

1️⃣. البرزخ لغة : هو الحائل بين شيئين .

وهذا المعنى هو المراد من قوله عزَّ من قائل :

( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً ) ( 1 ) .

وأُستُعْملت لفظة البرزخ في القرآن الكريم ايضاً للدلالة على وجود عالَم يقع بين عالمي الدنيا والآخرة .

يقول جلَّ وعلا :

( وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ( 2 ) .

وإنْ كان بعض المفسرين يرى أنَّ المراد بالبرزخ في هذه الآية : هو المانع من العودة الى الدنيا .

ولكن الأرجح هو المعنى الذي ذكرته ، وهو ما عليه كثير من المفسرين ؛ حيث أنَّ عبارة ( إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) تشهد على وقوع عالم البرزخ بين الدنيا والآخرة ، وليس بين الإنسان المتوفى والدنيا ، حيث أنَّ ظاهر السياق الدلالة على استقرار الحاجز بين الدنيا وبين يوم يبعثون ، لا بينهم وبين الرجوع الى الدنيا ، ولو كان المراد أنَّ الموت حاجز بينهم وبين الرجوع الى الدنيا لكان التقييد بقوله : ( الى يوم يبعثون ) لغواً ، وحاشاه .

وعلى كل حال ، هذا الإختلاف لا يضر بما نحن بصدد إثباته ؛ اذ ليس الدليل على ثبوت عالم البرزخ منحصراً بهذه الآية الكريمة .

2️⃣. والأدلة النقلية - من قرآن وسُنّة - واضحة في وجود هذا العالَم الذي ينتقل اليه الإنسان بعد وفاته مباشرة ، وأنَّ بعض الناس سيحاسبون فيه .

وهو أمرٌ إتفق عليه علماء المسلمين بجميع مذاهبهم .

◀️ ومما أُستدل به عليه من القرآن الكريم :

1. قوله عزَّ من قائل :

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ( 3 ) .

2. وقوله سبحانه ايضاً :

( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ ) ( 4 ) .

فالقرآن الكريم يخبرنا بأنَّ الشهداء أحياءٌ ، مع أنّهم أموات بحسابات أهل الدنيا ، وليست حياتهم إلّا أنْ تكون في عالم البرزخ .

3. وقوله عزّ وجلّ :

( وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ) ( 5 ) .

فالعطف بالواو في قوله جلَّ من قائل :

( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ) يقتضي المغايرة ، فقد ذكر أولاً أنّهم يعرضون على النار غدوّاً وعشيّاً ، ثم عطف بعده بذكر ما يأتي يوم تقوم الساعة .

وعليه فهذه الآية الكريمة صريحة في وجود نحو عذاب - وهو العرض علی النار - قبل قيام الساعة ، وهذا هو عذاب البرزخ .
مضافاً الى أنَّ يوم القيامة لا وجود فيه للغدو والعشي ، اذ الزمن من ظواهر عالم ما قبل القيامة .

4. وقوله جلّ وعلا ايضاً :

( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ * خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) ( 6 ) .

- فقوله تعالى إسّمه :

( ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ )

يشير الى عذاب نارٍ قبل يوم القيامة ، وإلّا ففي ذلك اليوم لا تبقى سموات ولا أرض .

( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ) ( 7 ) .

◀️ أمّا الروايات التي تحدثت عن ثبوت ذلك العالم فهي من الكثرة بحيث تكاد تكون متواترة .

- فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال :

( البرزخ هو أمر بين أمرين ، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة ) ( 8 ) .

◀️ وقد يُشْكَل : أنّه اذا كان هناك حساب ومن ثم ثواب وعقاب في عالم البرزخ ، فكيف تفسرون قوله تعالى :

( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى‏ يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) ( 9 ) .

وقوله جلّ وعلا أيضاً :

( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً * يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً * نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً ) ( 10 ) .

فهاتان الآيتان الكريمتان تدلان على أنَّ هؤلاء لم يشعروا بشيء .

- وأُجيب :

1. بأنَّ ثواب وعقاب البرزخ ليس للجميع بل هو مختص بفئتين ، وهؤلاء الذين لم يشعروا بشيء هم من الفئة الثالثة التي لا حساب عليها في البرزخ كما سيأتي .

ويردّه : أنَّ الآيتين الكريمتين تتحدثان عن مجرمين ، ومثل هذا التعبير يأبى أنْ يكون المراد به أوآسط الناس الذين لا حساب عليهم في ذلك العالم .

2. إنَّ الإنسان في البرزخ كالنائم ، لا يشعر بالزمن ، فالنائم لو نام ساعة أو نام ثلاثمئة سنة لا يشعر بمقدار الزمن ، لأنّ روحه التي تتنعّم او تُعذب في منامها أو في موتها لا تشعر بالزمن ، ولذلك أهل الكهف مع أنّهم ناموا ما يزيد عن الثلاثمئة سنة ، كانوا يجهلون كم لبثوا حتى قال قائل منهم :

( لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) ( 11 ) .

ويردّه : أنَّ قياس عذاب البرزخ بالنوم قياس مع الفارق ، اذ لا يمكن أنْ ينسى الإنسان سنين مديدة من العذاب بهذه البساطة !

3. لعل الراجح أنْ يُجاب عن ذلك :

أنَّ هؤلاء يعرفون أنّ ورائهم بعد حساب يوم القيامة عذاب أشد ، فيكون ما لاقوه في البرزخ قياساً لذلك العذاب وكأنّه ليس بشيء .

3️⃣. والحساب في عالم البرزخ يشمل فئتين من الناس ، وهم مَن مُحضّوا الإيمان محْضاً او مُحضّوا الكفر محْضاً ، أمّا الآخرون من الموتى فيُهملون ، وحتى المساءلة والاستجواب فيختصان بهاتين الفئتين دون غيرهما .

- فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال :

( لا يُسْئَل في القبر إلّا مَن مُحّض الإيمان محضاً أو مُحّض الكفر محضاً ) ( 12 ) .

4️⃣. أمّا الأمور التي يُسْئَل عنها المكلف في حساب ذلك العالم ، فهي الأصول الأساسية من العقيدة ، والأركان من التشريع .

- فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال :

( يُسْئَل الميت في قبره عن خمس ، عن صلاته وزكاته وحجه وصيامه وولايته إيانا أهل البيت ، فتقول الولاية من جانب القبر للأربع : ما دخل فيكن من نقص فعلي تمامه ) ( 13 ) .

- وعن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) أنّه كان يقول :

( يا ابن آدم إنَّ أجلك أسرع شيء إليك ... ويوشك أنْ يدركك ، وكأنْ قد أوفيت أجلك ... وصرت إلى قبرك وحيداً ، فردّ إليك فيه روحك واقتحم عليك فيه ملكان ناكر ونكير لمسائلتك ... ألا وإنَّ أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده ، وعن نبيك الذي أرسل إليك ، وعن دينك الذي كنت تدين به ، وعن كتابك الذي كنت تتلوه ، وعن إمامك الذي كنت تتولاه ، ثم عن عمرك فيما كنت أفنيته ، ومالك من أين اكتسبته وفيما أنت أنفقته ، فخذ حذرك ... وأعد الجواب ... فإنْ تك مؤمناً عارفاً بدينك ، متبعاً للصادقين ، موالياً لأولياء الله لقاك الله حجتك وأنطق لسانك بالصواب ... وبُشّرت بالرضوان والجنة من الله عز وجل ... وإنْ لم تكن كذلك تلجلج لسانك ...وبُشرْت بالنار ...
واعلم يا ابن آدم إنَّ من وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة ) ( 14 ) .

وهذه الرواية صريحة في وجود عالم البرزخ ، وأنَّ فيه ثواباً وعقاباً ، وأنَّ السؤال فيه عن مهمات الأمور .

5️⃣. هل الثواب والعقاب في عالم البرزخ روحاني - جسماني او روحاني فقط ؟؟

الذي عليه أغلب علماء المسلمين هو أنَّ الثواب والعقاب في عالم البرزخ روحاني فقط ، بخلافه في يوم القيامة فهو روحاني - جسماني .

وبعبارة : أصل وجود عالم البرزخ ، وأصل وجود ثواب أو عقاب فيه ، يُعَدّ من ضروريات الدين عند المسلمين .

نعم ، وقع الكلام بينهم في أنّه إذا كان البدن هو وسيلة وصول الثواب او العقاب الى الروح ، فكيف تُثاب الروح أو تُعاقب وقد فارقت البدن ؟؟

◀️ وهنا يوجد رأيان :

الأول : إنَّ الله سبحانه يعيد الروح الى البدن في القبر ، ويحاسبها ، ومن ثم يثيبها او يعاقبها .

الثاني : إنّ الروح تُثاب او تُعاقب ببدن مثالي ، أمّا أنّ يكون مخلوقاً للروح مع بدنها الدنيوي من أول خلق الإنسان ، او يخلقه الله سبحانه لها بعد نزع البدن الدنيوي عنها .

ولكلٍّ من الرأيين ما يعضده من الروايات .

◀️ أما الرأي الأول ، وهو أنَّ الله سبحانه يعيد الروح الى بدنها الدنيوي ، فتدل عليه ظواهر كثير من الروايات ، منها :

ما عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( فإذا دخل حفرته ، رُدّت الروح في جسده ، وجاءه ملكا القبر فامتحناه ) ( 15 ) .

وعلى هذا تكون الحياة التي في القبر عبارة عن حياة برزخيّة ناقصة ، ليس لها من آثار الحياة سوى الشعور بالسعادة او الألم .
أيّ : أنَّ الله سبحانه يعيد إلى الميّت في القبر نوع حياة بقدر ما يشعر بالراحة او الألم .

◀️ وأمّا الرأي الثاني : وهو أنّ الروح تُثاب او تُعاقب ببدن مثالي ، فقد ورد ذلك في كثير من الروايات .

منها : ما عن أبي ولّاد الحناط عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) :

( قال : قلت له : جُعلتُ فداك يروون أنَّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش ؟ فقال : لا ، المؤمن أكرم على الله من أنْ يجعل روحه في حوصلة طير ، ولكن في أبدان كأبدانهم ) ( 16 ) .

وهذا الرأي هو ما عليه مشهور علماء المسلمين .

وموجز هذا الرأي : أنَّ الله سبحانه ولأجل الحساب والثواب والعقاب يُلبس روح الإنسان بعد الوفاة جسماً مثالياً لطيفاً ، يشبه جسد الدنيا ، ليس هو مادياً محضّاً ولا مجرداً تمام التجريد ، فتتنعّم به الروح أو تتألم ، الى أنْ تنتهي عقوبتها ، أو يأتي يوم القيامة ، وعند ذلك تعود الى بدنها في القبر ، لتُبعث لحساب ذلك اليوم .

وعلى هذا يكون المراد من الثواب والعقاب في القبر في الروايات ليس إلّا إشارة الى بداية النشأة الثانية للإنسان ، أي : نشأة عالم البرزخ ، والذي تُلْبس الروح فيه بدناً مثالياً .

ويكون المراد من القبر ليس هو القبر المادي ، إنّما أُستعملت لفظة القبر كرمز لأجل أنّه المنزل الأول للمتوفى في عالمه الجديد .

وبهذا المعنى يُجمع بين الأدلة ، وبه يُفهَم المراد من التعبير بأنًَ ( القبر روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النار ) ( 17 ) .

فمن جهة تقول رواية الحنّاط المتقدمة وأمثالها : أنَّ الروح تُلْبس بدناً كبدنها الدنيوي وليس هو نفسه ، ومن جهة أخرى تقول بعض الروايات أنَّ الروح ستُحاسب ببدنها الذي في القبر .

◀️ وحاصل الجمع بين هذه الأدلة أنْ يقال : أنَّ لا ثواب ولا عقاب في هذا القبر المادي ، وأنَّ الثواب والعقاب يكون للروح فقط بجسد مثالي يشبه جسد الإنسان في الدنيا ، بحيث لو رأه مَن يعرفه في عالم الدنيا فسيقول أنّه هوَ .

يقول الشيخ المفيد :

" فأما كيفية عذاب الكافر في قبره وتَنَعُم المؤمن فيه ، فإنَّ الخبر أيضاً قد ورد بأنَّ الله تعالى يجعل روح المؤمن في قالب مثل قالبه في الدنيا في جنة من جناته ، ينعمه فيه إلى يوم الساعة ، فإذا نفخ في الصور أنشأ جسده الذي في التراب وتمزق ثم أعاده إليه وحشره إلى الموقف وأمر به إلى جنة الخلد ..

والكافر يجعل في قالب كقالبه في محل عذاب يعاقب ونار يعذب بها حتى الساعة ثم ينشيء جسده الذي فارقه في القبر فيُعاد إليه فيعذب به في الآخرة عذاب الأبد ... " ( 18 ) .

وهذا النص صريح في أنّ ثواب وعقاب البرزخ روحاني ، اذ تُجْعَل روح الإنسان في قالب كقالبه في الدنيا .

وهذا بخلاف الحشر ليوم القيامة ، ففي ذلك اليوم تُعاد الأرواح الى أبدانها الدنيوية ، فيكون الثواب والعقاب روحانياً - جسمانياً ، وهذا هو صريح القرآن الكريم .

يقول جلَّ وعلا :

( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى‏ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ) ( 19 ) .

ويقول عزَّ اسمه ايضاً :

( وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) ( 20 ) .

نعم ، يرد على الحشر الجسماني في يوم القيامة عدة إشكالات ، أهمها :
شبهة الآكل والمأكول ، وإستحالة إعادة المعدوم بعينه .
والجواب عن ذلك ليس هنا محله .

◀️ اذن تبين أنَّ المعروف عند علماء المسلمين :

أنّه لا يوجد ثواب او عقاب في القبر المادي الذي يدفن الجسد فيه ، لكنهم أجمعوا على وجود ثواب او عقاب في عالم البرزخ ، فنفي ثواب او عذاب القبر لا يعني نفي ثواب او عذاب البرزخ ، ولا ملازمة بين الأمرين ، كما توهمه بعض مَن أُبتلي المجتمع بهم ، ممَن يتصدى لأمور لا يفقه فيها ، بل هو في ذلك لا يميز بين الهر والبر !

⏺ بقيت عدة نقاط تجدر الإشارة لها :

◀️ الأولى :

توهم البعض بأنَّ القول بتعلّق الأرواح بعد مفارقة أبدانها بجسم مثالي هو نحو من أنحاء التناسخ الباطل ، الذي هو إنتقال الروح من بدنها الذي كانت فيه الى بدن آخر ، وهذا متحقق في المقام .

ولكن هذا التوهم ليس بصحيح ؛ فليس إنكارنا على القائلين بالتناسخ مجرد قولهم بانتقال النفس من بدن إلى آخر ، بل أن القائلين بالتناسخ يلتزمون بلوازم باطلة كثيرة ، منها : قولهم بقدم النفوس ، أي أنّها ليست مخلوقة ، وهو يستلزم الشرك أعاذنا الله .

◀️ الثانية :

أنّ العقاب في البرزخ ظاهره أنّه عذاب ، ولكنه في الحقيقة هو مظهر من مظاهر رحمة الله سبحانه فهو نحو من أنحاء التطهير للمؤمن ، فما يُعاقب عليه المؤمن في البرزخ إنْ كان كافياً لحصول التطهير به فبعده سوف يُحشر في يوم القيامة بلا ذنب ، وسوف يُستر عليه بدلاً من أنْ يكون من المفضوحين في يوم الفضيحة الكبرى أعاذنا الله سبحانه ،

مضافاً الى أنَّ ما يُعاقب عليه الإنسان في البرزخ فلن تُكرر عليه العقوبة في الآخرة ، ومهما كان نحو العقاب في البرزخ فهو أهون بكثير من عقاب الآخرة .

نعم ، قد لا يكون ذلك تطهير للكافر والطاغية الظالم ، حيث لا ينفع التطهير مثل هؤلاء .
نتكلم هنا بحسب الأدلة الظاهرية ، وإلّا فإنَّ رحمة الله سبحانه يتطاول لها حتى إبليس !

وبهذا يتبين الجواب عن الإشكال
الساذج - ممَن أشرت له آنفاً - على وجود عالم البرزخ ، بأنّ الله سبحانه لا يجمع على مذنب عقابين !

◀️ النقطة الثالثة :

القول بأنَّ الثواب والعقاب في البرزخ روحاني ، وليس جسمانياً ، هل ينفي ضغطة القبر ايضاً ؟؟

روى أبو بصير عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال :

( قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : أيفلت من ضغطة القبر أحد ، فقال : نعوذ بالله منها ما أقل مَن يفلت من ضغطة القبر ) ( 21 ) .

وجوابه : أنّ كثرة الروايات في ضغطة القبر وصراحتها تأبى حملها على الرمزية ، ولا مانع من الإلتزام بالأمرين معاً ، الإلتزام بأنَّ الروح تُعاد للجسد ، وتعاني من تلك الضغطة ، وتُحاسب هناك ، ثم يكون الجزاء روحانياً .

ثم أنّه قد ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، عن آبائه ( عليهم السلام ) أنّه قال :

( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ضغطة القبر للمؤمن كفارة لما كان منه من تضييع النعم ) ( 22 ) .

وهذا يعني أنّه حتى تلك الضغطة هي رحمة منه سبحانه وليس إنتقاماً ، لأنّها ستُخفف على الإنسان شيئاً من أهوال يوم القيامة .

◀️ النقطة الرابعة :

عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) أنّه قال :

( مَن سنَّ سُنّة حسنة عُمِل بها من بعده كان له أجره ومثل أجورهم من غير أنْ ينقص من أجورهم شيئاً ، ومَن سنَّ سُنّة سيئة فعُمل بها بعده كان عليه وزره ومثل أوزارهم من غير أنْ ينقص من أوزارهم شيئاً ) ( 23 ) .

وهذه الرواية وكثير من الروايات بمضمونها تكشف أنَّ الإنسان في البرزخ لم ينقطع عمله ، فإنْ ترك حسناً فهو في زيادة حسنات ، وإنْ ترك سوءاً فهو في زيادة سيئات ، فليحذر الإنسان مما يخلفه بعده من سُنّة وأعمال .

فمَن يترك إرثاً يدعو للفضيلة غير مَن يترك إرثاً يشجع على الرذيلة ..

ومَن ربّى ولداً صالحاً نافعاً لمجتمعه ، ويدعو له بالخير غير مَن لم يُتعب نفسه بتربية !

◀️ النقطة الخامسة :

أنَّ الشفاعة التي نرجوها تختص بحساب يوم القيامة ولا تشمل عالم البرزخ .

عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال :

( والله ما أخاف عليكم إلّا البرزخ ، فأمّا إذا صار الامر إلينا فنحن أولى بكم ) ( 24 ) .

أخيراً ..

مهما كان مركز الإنسان جاهاً او مالاً او سلطة فالدنيا برمتها الى زوال ، ولا تستحق كل هذا التنافس والبغضاء والإحتراب بل وحتى الإهتمام ، إلّا بمقدار ما يعيش فيها الإنسان بكرامة ..

يقول أمير المؤمنين عليه السلام :

( فَكَمْ أَكَلَتِ الْأَرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَدٍ وَأَنِيقِ لَوْنٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا غَذِيَّ تَرَفٍ وَرَبِيبَ شَرَفٍ يَتَعَلَّلُ بِالسُّرُورِ فِي سَاعَةِ حُزْنِهِ وَيَفْزَعُ إِلَى السَّلْوَةِ إِنْ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ ضَنّاً بِغَضَارَةِ عَيْشِهِ وَشَحَاحَةً بِلَهْوِهِ وَلَعِبِهِ فَبَيْنَا هُوَ يَضْحَكُ إِلَى الدُّنْيَا وَتَضْحَكُ إِلَيْهِ فِي ظِلِّ عَيْشٍ غَفُولٍ إِذْ وَطِئَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ وَنَقَضَتِ الْأَيَّامُ قُوَاهُ وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ الْحُتُوفُ مِنْ كَثَبٍ ) ( 25 ) .

*******

( 1 ) الفرقان : 53 .
( 2 ) المؤمنون : 100 .
( 3 ) آل عمران : 169 .
( 4 ) البقرة : 154 .
( 5 ) غافر : 45 - 46 .
( 6 ) هود : 106 - 107 .
( 7 ) ابراهيم : 48 .

( 8 ) المجلسي ، الشيخ محمد باقر ، ( ت : 1111 هج ) ، بحار الأنوار ، باب : أحوال البرزخ ، ج 6 ، ص 214 ، الناشر : مؤسسة الوفاء ، بيروت .

( 9 ) الروم : 55 - 56 .

( 10 ) طه : 102 - 104 .

( 11 ) الكهف : 19 .

( 12 ) الكليني ، الشيخ محمد بن يعقوب ، ( ت : 329 هج ) ، الكافي ، باب : ( المسألة في القبر ، ومَن يُسئَل ومَن لا يُسئل ) ، ج 3 ، ص 236 ، ح 4 .
ويلاحظ ايضاً الحديث رقم ( 8 ) ، ص 237 .

( 13 ) المصدر نفسه ، باب : ( ما ينطق به من موضع القبر ) ، ج 3 ، ص 241 ، ح 15 .

( 14 ) المصدر نفسه ، ( كلام علي بن الحسين عليهما السلام ) ، ج 8 ، ص 72 - 73 ، ح 29 .

( 15 ) المصدر نفسه ، ج 3 ، ص 234 ، ح 3 .

( 16 ) المصدر نفسه ، باب آخر في أرواح المؤمنين ، ج 3 ، ص 244 ، ح 1 .

( 17 ) المجلسي ، بحار الأنوار ، مصدر سابق ، باب : أحوال البرزخ ، ج 6 ، ص 214 ، ح 2 .

( 18 ) المفيد ، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان ، ( ت : 413 هج ) تصحيح إعتقادات الإمامية ، الناشر : دار المفيد للطباعة والنشر ، بيروت ، ص 98 .

( 19 ) يس : 51 .

( 20 ) الحج : 7 .

( 21 ) الكليني ، الكافي ، مصدر سابق ، باب : ( المسألة في القبر ومَن يُسئَل ومَن لا يُسئل ) ، ج 3 ، ص 236 ، ح 6 .

( 22 ) المجلسي ، بحار الأنوار ، مصدر سابق ، باب : ( أحوال البرزخ ) ، ج 6 ، ص 221 ، ح 16 .

( 23 ) الريشهري ، الشيخ محمد ، ( ت : 1443 هج ، ميزان الحكمة ، مج 2 ، ص 1371 ، ح 1912 .

( 24 ) المجلسي ، بحار الأنوار ، مصدر سابق ، باب أحوال البرزخ ، ج 6 ، ص 214 ، ح 2 .

( 25 ) نهج البلاغة : الخطبة 221 .

*******

[ حسن عطوان ]
 

ملكة

Well-Known Member
إنضم
27 فبراير 2021
المشاركات
14,778
مستوى التفاعل
32,848
النقاط
113
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا الجزاء
 

قيصر الحب

::اصدقاء المنتدى و اعلى المشاركين ::
إنضم
2 أغسطس 2016
المشاركات
369,326
مستوى التفاعل
3,199
النقاط
113
جزاك الله خيـر

بارك الله في جهودك

وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك
ونفعا الله وإياك بما تقدمه
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )