أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

عبد السلام عارف

Noor Aldeen

:: القلم المميز ::
إنضم
21 مايو 2012
المشاركات
3,768
مستوى التفاعل
38
النقاط
48
الإقامة
ام الربيعين



عبد%20السلام%20عارف.jpg





تفاصيل حياته يرويها مرافقه الدكتور صبحي ناظم توفيق - عبد السلام عارف في محلة “المشاهدة”

مضى أسبوعان أو ثلاثة على تواجد سريتنا داخل القصر الجمهوري لأغراض الحماية ، وقد أمست مشاهدتنا لشخص " عبد السلام عارف " شيئاً عاديا في كل يوم ... و كان الدوام الرسمي قد انقضى ، وبلغت الساعة الثالثة عصراً ، إذ كانت أروقة القصر وأجنحته قد خلت من جميع موظفيه ، بمن فيهم أولئك الذين تأخروا لبعض الوقت لإنهاء أعمالهم التي لم يستطيعوا إكمالها خلال الساعات المقررة ، حتى غادر السكرتير العام لديوان الرئاسة والمرافق العسكري الأقدم لرئيس الجمهورية مكتبيهما بسيارتيهما الرسميتين إلى مسكنيهما. تجوّلت على نقاط الحماية ، وعدت إلى غرفة التشريفات في حوالي الساعة الرابعة عصرا ، و خرج " الملازم عبد الجبار " ليقوم بجولته الإعتيادية التي كان يحاول دائما إنهاءها بكـل سـرعة ليتفـرّغ لصلـوات" النافلـة " وتلاوة القرآن الكريم دوما في فتـرات الليـل أو النهـار ، وكثيرا ما كـان يدعونـي بحـرارة أن أبقـى بـشكل دائم في غرفـة التشـريفات ، بينمـا يـؤدي هوالـواجـب الآخـر طمـعا في أداء عبـادات أفـضل.
اتصالات : أين ذهب رئيس الجمهورية؟
لم يمض على جلوسي في تلك الغرفة المكيّفة مركزيا نصف ساعة حين رنّ جرس الهاتف على تلك المنضدة المتّسعة ذات النقوش البارزة ، و كان المتكلّم على الجانب الآخر " نائب العريف رشيد مجيد " آمر حرس الباب النظامي للقصر- أحد ضباط صف فصيلي أصلاً - و هو يتحدّث بارتباك ملحوظ وصوت عالٍ: - سيدي ..سيدي .. السيد الرئيس خرج من القصر في سيارة لوحده دون حماية.
- ماذا ؟ متى حصل ذلك ، وما نوع السيارة ؟
- الآن و قبل دقيقة واحدة سيدي... وبسيارة مكشوفة " تنته " و ليست تلك الرسمية التي يستخدمها عادة.
- ومن الذي كان يقودها ؟
- سائقه " ن . ض . ستار " سيدي .
كانت المرة الاولى التي أصادف مثل هذا الموقف , إذ لم أعرف مسبقا أو أسمع بخروج رئيس الجمهورية لوحده بسيارة دون حماية , ولم يبلّغني أي من الضباط الذين سبقونا في مهمة حماية القصر بموقف مشابه ... فما الذي ينبغي أن أعمله ؟ وكيف أتصرف ؟ وبمن أتصل ؟ ومن أخبر؟
كان أقرب الاشخاص الذين قفزوا الى ذهني هو مساعد آمر الفوج " الملازم أول عبد الصمد جابر" الذي يبدو انه قد امتعض من رنّة جرس هاتفه في تلك الساعة مستيقظا من قيلولته العزيزة ما بعد الظهر , والذي بدا من إجابته السلبية بإن هذا الامر ليس من اختصاصه لكون سرية حماية القصر الجمهوري هي بإمرة ديوان رئاسة الجمهورية , وأن ارتباطها بمقر الفوج ينبغي أن يكون للحالات الطارئة , وذلك قبل أن يغلق سماعة الهاتف بشدة واضحة , ومن دون أن يرشدني الى تصرف مقبول .
تأثّرت كثيرا من إجابته بهذا الاسلوب السلبي , ولم أجد أمامي بدّا من الاتصال المباشر بدار" المُرافق العسكري الأقدم ":
- سيدي ... آسف على إزعاجك في هذه الساعة , ولكني مضطر أن ابلغكم بأن السيد الرئيس قد غادر القصر حوالي الساعة الرابعة والنصف بسيارة مكشوفة وبدون حماية .
- حسنا .. ولكن ألم ترافقه سيارة مرور أو شرطة نجدة من تلك التي ترابط دائما أمام القصر؟
- لا أعرف ذلك, سيدي , ولكن أستطيع التأكد من ذلك.
- طيب , تأكد وأخبرني ..ولكن لماذا تهوّل الأمر, فهذه ليست المرة الأولى التي يترك فيها السيد الرئيس القصر بمفرده , فسيادته من جلابي المشاكل!
- أنا ضابط جديد ولم أُكلّف بحماية القصر سابقا , ولم أصادف موقفا كهذا..وأكرّر أسفي على إزعاجكم.
الرئيس في محلة المشاهدة
وفي هذه اللحظة دخل الى غرفة التشريفات شخص بدين , متوسّط القامة , يلبس نظارة طبية ويرتدي ملابس عسكرية اعتيادية.. أدى التحيّة العسكرية ووقف أمامي بالإستعداد وهو يلهث ويتصبّب عرقا غزيرا , على الرغم من الطقس البارد , قبل أن يقول:
- أنا نائب ضابط "ستار" , سائق السيد رئيس الجمهورية , سيدي .
- أهلا بك يا أخي , هل كنت سائق السيارة التي خرج بها السيد الرئيس؟ - نعم سيدي ..وقد أوصلته الى " محلّة المشاهدة " في الكرخ قبل أن يترجل ويأمرني بالعودة .
- ومن الذي بقي معه ؟
- لا أحد سيدي!
- هل رافقتكم سيارة مرور أو نجدة من تلك التي ترابط قرب القصر؟
- كلا سيدي , لم يرافقنا أحد , فقد خرجنا لوحدنا .
- وكيف حصل ذلك ؟
- بعث السيد الرئيس بأحد جنوده وأمرني بتهيئة السيارة المكشوفة.. وبينما كنت أدقق مستويات دهن المحرك وماء المبرّدة , فوجئت بالسيد الرئيس وقد اقترب ماشيا نحو سقيفة إيواء السيارات , وأمر بتشغيل محرك السيارة وجلس بقربي وخرجنا .
- حسنا . ولكن كيف تترك السيد الرئيس في "محلّة المشاهدة " وتعود ؟ - سيدي بالله عليك , إذا ما أمرك السيد رئيس الجمهورية وأنت في موقف كهذا , هل تعود الى القصر أم ترفض ؟
- لا بالله كنت أعود.. والان ألم تلاحظ الى أين اتّجه السيد الرئيس بعد ترجّله من السيارة ؟
- إنحشَرَ" بين جموع الناس على الرصيف وظلّ يسير حتى غاب عن نظري.
- الحقيقة أقولها لك الآن ، أنني كنت لا أعود والحالة هذه ، بل أجعله أمام نظري وأبقى أتتبّعه سواء بالسيارة أو على الأقدام ، كي أتأكد من وجهته الأخيرة على الأقل.
- سيدي وأقولها بصراحة ، فهذه ليست المرة الأولى التي ( يُورّطنا) السيد الرئيس بمثل هذه المواقف.
- على أية حال، انتظر خارج الغرفة ريثما أتصل بالسيد المرافق الأقدم .
نصحني السيد " العميد زاهد محمد صالح " بعد أن استشعر بإرتباكي في حديثي معه ، أن لا أقلق أكثر من اللازم في هذا الصدد ، و كرّر بأن هذه المرة ليست غير مسبوقة وطالما خرج السيد الرئيس إلى بيت صديق أو قريب أوجار قديم ، أو بجولة في الشوارع.. ولكنه أمرني بإتخاذ الإجراءات المحددة الآتية: -
أولا: ألاّ أتحدث حول هذا الأمر على الجهازين اللاسلكيين المرتبطين على شبكة شرطتي النجدة والمرور ، و تبليغ الأمر نفسه إلى آمري السيارتين التابعتين لهما والمرابطتين أمام القصر ، وذلك لأن جميع سيارات الشرطة في بغداد ستسمع ذلك الحديث.
ثانيا: إخراج أربعة جنود في سيارة تابعة لفصيل الحماية الشخصية لرئيس الجمهورية إلى منطقة " المشاهدة " ، فهم بشكل عام قد يعرفون إلى أين يذهب السيد الرئيس في مثل هذه الحالات ، وربما يعثرون عليه.. على أن يكون السائق " نائب ضابط ستار" بشخصه معهم في سيارته.
ثالثا: أن أخبره هاتفيا متى ما حصلتُ على معلومة جديدة. انقضت حوالي (3) ساعات على مغادرة " عبد السلام عارف " للقصر، حتى أخبرني " نائب ضابط ستار " ، و هو يستخدم هاتفا في محل أحد معارفه بمنطقة " الكرخ " ، ليذكر لي بأن السيد الرئيس جالس في بيت صديق قديم له في محلة " سوق حمادة " ، و أنه وبصحبته جنود الحماية ينتظرون خروج سيادته ، في حين كان كل من " المرافق الأقدم وسكرتير عام ديوان الرئاسة " قد حضروا إلى مكتبيهما في أول الليل ، حيث أخبرتُهما بالأمر.
عاد "الموكب المصغّر" - و المؤلّف من السيارة التي أقلّت " عبد السلام عارف" وسيارة فصيل الحماية - إلى القصر في حدود الساعة الثامنة و النصف ليلا، ولم أنس أن أطلب حضور " نائب الصابط ستار " أمامي في غرف التشريفات ، حين قلتُ له بلهجة حساب ، وهو يقف أمامي في حالة الإستعداد : - لماذا تحمل مسدسك على نطاقك في الجانب الأيمن؟
- أنا متعوّدعلى ذلك سيدي.
- ما الذي تعنيه بالتعود؟ ألا تعرف أن أوامر الجيش تقضي أن تحمله على الجانب الأيسر؟
- نعم، أعرف ذلك سيدي.. ولكني تعوّدت على ذلك ، و أن استخدامه أسهل.. وأنني أُلاحظ بعض الضباط و ضباط الصف يحملونه في جانبهم الأيمن. أولئك الذين ذكرتهم ، ربما هم من صنف الخيالة أساسا أو من صنف الدروع، وأن أوامر الجيش ذات العلاقة بالقيافة العسكرية تقضي لهم بذلك ، فإذا كنت من منتسبي الصنفين المذكورين فلك كل الحق ، ولكن لكونك من صنف " النقلية الآلية " فإن عليك حمل مسدسك من الجانب الأيسر من النطاق، ولا جدال في ذلك ... إما إذا كنت تعتبر نفسك فوق أوامر الجيش و تعليماته ، لكونك تعمل سائقا لدى السيد رئيس الجمهورية ، فلا حقَّ لك في ذلك مطلقاً ، و أن مثل هذه التصرفات تعتبر مخالفة للأوامر، و أن "ذنوب الجيش أخوَفُ عليهم من عدوِّهم " كما يقول "عمر بن الخطاب" (رض) ، وأن ضبّاط الصف والجنود الآخرين عندما يرونك يقلّدونك ، فتسري هذه المخالفة على الكثير منهم يوماً بعد يوم. وقد جلب نظري فعلاً خلال الأيام اللاحقة ، أن السائق المذكور وزملاءه وسواهم من الذين يعملون قريبا من شخص رئيس الجمهورية ، قد طّبقوا ما وجَّهتُ " ن ض ستار " به. و في حين لم أُصادف خلال الأشهر العديدة الأخرى التي قضيتها في مرات لاحقات بمهمة حماية القصرالجمهوري مثل ذلك الموقف ، إلا أن زملائي الضباط من السريتين الأخريين كانوا يتحدّثون عن مواقف مشابهة جابهتهم أثناء تواجدهم في القصر ، والعثور على "عبد السلام عارف " في مناطق مختلفة من بغداد، و خصوصا في أحياء " الكرخ ، العُطيفية ، الوزيرية ، المنصور ، الزُويّة " وغيرها. و قد علمتُ من آمر فصيل الحماية الخاصة " الملازم شهاب أحمد الدليمي " أن المقرّبين الى شخص " عبد السلام عارف " حينما كانوا يرجونه بعدم الخروج لوحده دون حماية , فإنه كان يردّ عليهم بالآية الكريمة : " يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيّدة ... ناصحاً إياهم بعدم الاكتراث بالقدر - الذي إن جاء بأجل ايّ كان - فلا يستأخر ساعة. تصرّفات منبوذة من بعض ضعفاء النفوس. لم تكن لـ" عبد السلام عارف " حماية أكثر مما تحدّثت عنها , سواء في هذا المبحث أو في غيره ... ولكن بعض ضباط وحدات الحرس الجمهوري من " الأدعياء " الذين كانوا يحاولون إظهار شخوصهم بأكبر مما هم عليها أمام أصدقائهم ومعارفهم وأقاربهم ,ناهيك عن التقرّب والنفاق .. وأخصّ منهم زميلاً من فوجنا , وآخر من سرية الدبابات وثالث من فوج الحرس الجمهوري الثاني (أعتذر عن ذكر أسمائهم لتفادي الإحراج أو التشهير - المؤلف). إن زيارات" عبد السلام عارف " لأماكن كثيرة كانت تُعلن جهاراً في الصحف قبل يوم واحد , أو لربما أيام عديدة من تنفيذها.. أما زياراته المفاجئة لأماكن معينة في" بغداد " فإنها لم تكن مفاجئة لضباط الحرس الجمهوري , وخصوصا ضباط السرية المكلّفة بمهمة حماية القصر الجمهوري من داخله بينما كان حضوره لأداء فريضة صلاة الجمعة معروفا منذ صباح كل يوم جمعة ، أو قبله بيوم واحد أو يومين.. لذلك ، فإن أولئك الضباط الثلاثة خصوصا - و كانوا من سكنة منطقة الكرخ - يرتدون الملابس المدنية ، ويحملون مسدّساتهم محاولين إظهارها للعيان بشتى الطرق ، و يقفون مجتمعين أو فُرادى قرب الموقع الذي سيزوره رئيس الجمهورية ، قبل أو لدى حضوره هناك، أو خارج الجامع الذي سيؤدي فيه الصلاة ، ويتصرّفون بشكل يُوحي للناس المجتمعين على الأرصفة والشوارع المحيطة بذلك الموقع ، و كأنهم مكلّفون بحماية " عبدالسلام عارف ".. و أنهم، لكونهم ضباطاً في الحرس الجمهوري ، فإن أفراد فصيل الحماية الخاصة لا يجرؤون على التصدي لهم للحدّ من تصرفاتهم.. وإمعاناً منهم لإثبات إدّعائهم ومزاعمهم ، فإنهم كانوا يتّصلون هاتفيا ببعض أصدقائهم وأقربائهم مدّعين أنهم مُكلّفون في تلك الساعة بـ " واجب خاص " يمنعهم من تنفيذ وعود أبرموها ومواعيد اتّفقوا عليها - ضمن السيناريو نفسه - معهم! ولقد علمتُ خلال تكليف سريتنا بمهمة حماية القصر الجمهوري للمرة الثانية في شهري "حزيران 1965 " ، أن المرافق الأقدم لرئيس الجمهورية قد استدعاهم جميعا إلى مكتبه ، وحاسبهم بشدة وبعبارات لاذعة و غير مستساغة ، آمرا إياهم بالكفّ عن تكرار مثل تلك التصرفات غير اللائقة لأخلاقيات ضباط الجيش العراقي.. ولكنهم لم يمتنعوا سوى بضعة أسابيع لتعود " حليمة لعادتها القديمة " - كما يقول المثل البغدادي الشائع. وقد عرفتُ أيضا ، وبانقضاء الأيام ، أن أولائك لم يكونوا يمارسون مثل تلك التصرفات مع رئيس الجمهورية دون علمه فحسب ، بل حتى مع أشخاص مهمّين دونه على مستوى الدولة ، من أمثال السادة رئيس الوزراء ، و بعض الوزراء ، و رئيس أركان الجيش وكالة ، وقائد القوة الجوية في حينه. وفي الوقت الذي كانوا يُثيرون إستهجان معظم ضباط الحرس الجمهوري، فإنهم كانوا يتمتّعون بدعوات وعزائم وولائم و حفلات و سهرات يُقيمها لهم بعض ضعاف النفوس من الأثرياء والمُنافقين وأصحاب المصالح.
أفراد عائلة عبد السلام عارف
كانت عائلته مكوّنة من زوجته، التي أنجبت له سبعة أولاد، أربع بنات وثلاثة بَنين..هم على التوالي: "وفاء، رجاء، سناء، أحمد،جلاء، و التوأمان محمد و محمود".لم أتعرف على اسم زوجته "أم أحمد" طيلة السنتين اللتين قضيتهما في الخدمة بالحرس الجمهوري (فيما بعد عرفت من ابنتها وفاء أن اسمها هو ناهدة حسين فريد) كانت إمرأة في حدود الأربعين من العمر ، و لربما لم تكن تتقن القراءة و الكتابة.. لم أرَ سوى وجهها طيلة المرات العديدة التي رابطتُ لحماية مسكنها خلال سنتين من خدمتي في الحرس.. كانت متوسطة الجمال و القوام والبنية، ترتدي العباءة السوداء العراقية، سواء عند خروجها من البيت لزيارة الجيران، أو لدى استدعائها لأحد الجنود الحراس الى باب حديقة دارها لتكليفه بشيء ما، بكل أدب وأصول وأخلاق.. ولم تستدعني غير مرة واحدة الى باب الحديقة لتشكو لي بصوت خافت تصرّفا غير مقبول لأحد الجنود مع إبنة جارة قريبة، فأرسلتُه مع ملابسه وتجهيزاته وسلاحه شبه موقوف الى مساعد آمر الفوج بسيارة الأرزاق ظهر اليوم نفسه.. و لم تتم معاقبته فحسب، بل نُقِلَ إلى خارج وحدات الحرس الجمهوري فوراً.كانت "أم أحمد" تبقى وحيدة في البيت منذ الصباح حين يذهب الأولاد جميعاً الى مدارسهم حتى يعودوا ظهراً... لم ألاحظ تركها لدارها إلاّ مرات قليلة لزيارات الجارات القريبات، ولم تكن تتنقل بسيارة العائلة مع السائق لوحدها بشكل مطلق إلاّ بصحبة أحد أولادها، ولم أسمع لغوا أو صياحاً مع زوجها، على الرغم مما كان يُشاع لدى عامة الناس أنهما على غير وفاق، و لكنها لم تكن تجلس مع الأولاد في الحديقة عندما يكون"عبد السلام عارف" جالساً معهم، ولربّما يكون هذا التصرف قد فرضه"أبو أحمد" عليها لسبب أو لآخر.. وقد شاهدتُ خروجها مع إحدى بناتها أو بنيّها، أو جميعهم معاً بسيارة العائلة والسائق "أحمد الكرخي" لزيارة الأقارب أو الأصدقاء البعيدين، ولكننا لم نكن على معرفة بوجهتهم، فليس من واجبنا ذلك .. إلاّ أن إحدى البنات كانت تحضر الى مكتبي للإتصال هاتفياً بأبيها مباشرة لإخباره بذهاب العائلة الى بيت"فلان".. وما أكثر الزائرات اللواتي كُنَّ يحضرن إليها سواء من الجارات أو القريبات .. و كيف لا ؟ فهي زوجة رئيس الجمهورية، و التي يفرص أن تسمىّ " السيدة الأولى " كما هو متعارف في معظم بلدان العالم - و كانت إحدى أقرب صديقاتها التي تتزاور معها يومياً إمرأة في مثل عمرها إسمها " أم صباح " الساكنة في الركن المقابل للدار.
الإبنة الكبرى
كانت " وفاء " - الإبنة الكبرى - متزوجة من ابن عمها " ملازم أول طيار صلاح عبد السميع محمد عارف" الذي كان طياراًعلى طائرة قاصفة من طراز " إليوشن - 28 " في قاعدة " كركوك "الجوية، و كانا يسكنان في إحدى دور الضباط التابعة للقاعدة المذكورة، ولم يكونا يزوران " بغداد " إلاّ عند تمتّع الزوج بإجازة، ويحضران مع ابنتهما الوحيدة " نادية " في دار رئيس الجمهورية. و لم ألاحظ خلال فترات مهماتي مبيت " وفاء " في بيت والدها مطلقاً.. وقد علمتُ أنها تنزل في مسكن عمّها " عبد السميع "ولكني لم أُقابلها أو أر وجهها عن قرب.
رجاء وسناء وأحمد أما " رجاء " فقد كانت فتاة في ربيعها السادس عشر ، متوسطة القامة والبنية، بيضاء البشرة، جميلة يانعة، أنيقة يافعة ، تلميذة في الصف الرابع العلمي ، مؤدبة وخلوقة يتمناها كل شاب.كانت تحضر مع أخيها " أحمد " أو شقيقتها" سناء" عادة يومياً كي تتصل هاتفياً بأبيها أو بإحدى صديقاتها أو قريباتها ، إذْ كنت أترك المكتب لأتجوّل خارجه ريثما تفرغ و تترك المكتب.. وكلما كانت تخرج لتعود الى البيت فإنها تعتذر عن الإزعاج الذي سبّبته لي ، وتشكرني، وخصوصا عند إطالتها للمكالمة على عادة جميع نساء العالم . و كانت تزور بنات الجيران القريبات بصحبة " سناء " أو " جلاء" كثيرا، و بالأخص في أيام الجمع أو العطل.كانت "سناء " في الثالثة عشر من عمرها ، لونها مائل الى السُمرة ، متوسطة القوام والبنية، طالبة في الصف الأول المتوسط ، مؤدبة و ذات أخلاق عالية حتى تبدو أكبر من عمرها، تصاحب أختها " رجاء " دائما ، و لكنها كانت تحضر لوحدها بعض المرات للإتصال بالهاتف، وكانت علاقتها مع أخيها " أحمد " سلبية، ولطالما سمعت صياحهما في حديقة الدار، والذي كان يخفت بتدخل الوالدة عادة. (كتب الله -سبحانه و تعالى - للسيدة " سناء عبد السلام عارف " أن تُقتَل في مسكنها بــ " بغداد" غدراً بأحد أيام شهر ك 2 2005 في الظروف العصيبة التي يمر فيها عراقنا الجريح.. رحمها العلي القدير - المؤلف)"أحمد " الذي كان يبلغ من العمر إحدى عشرة سنة ، أبيض البشرة، متوسط القامة والبنية، ذو وجه جذاب دائم الإبتسامة ، غاية في الأدب و الأخلاق و الأصول، طالب في الصف السادس الابتدائي في حينه. كان حضوره في مكتبي وقت العصر ، إذْ يتكلم بالهاتف مع أبيه ، و يطيل في ذلك بعض الشيء ، حتى ينبّهه والده ليكفّ. يهوى العسكرية ويتلهّف للتعرف على الأسلحة ، ولكن " عبد السلام عارف " قد نبّهَنا مرات عديدة بعدم إفساح المجال له لمسك سلاح بين يديه وعدم مجاملته كثيراً.كان "أحمد " شغوفاً بالدراسة، ذكياً في طروحاته و استفساراته وتساؤلاته، و طالما كان يتمشى معي داخل الثكنة لينهال عليّ بوابل من الأسئلة المتعلقة بالأسلحة وأنواع الطائرات والدبابات وطرازها ، وكذلك عن العلوم والتاريخ و الجغرافيا عند عدم وجود والده في البيت ، و بالأخص في أيام العطل الرسمية ، و بشكل عام لم يكن ميالا إلى اللعب مع أولاد الجيران في الشارع.أما الابناء الصغار فهم " جلاء" و التوأمان" محمد و محمـــود " وكانوا في الصفوف الأولى من الدراسة الابتدائية وقلّما كنتُ أراهم ، لذلك فلم أتعرّف عليهم من قرب.
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )