أولاً: مبايعة علي لأبي بكر بالخلافة رضي الله عنهما: وردت أخبار كثيرة في شأن تأخّر علي عن مبايعة الصديق، وكذا تأخّر الزبير بن العوام، وجُلّ هذه الأخبار ليست بصحيحة، وقد جاءت روايات صحيحة السند تفيد بأن عليًا والزبير رضي الله عنهما بايعا الصديق في أول الأمر، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار.. فذكر بيعة السقيفة، ثم قال: ثم انطلقوا، فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليًا، فسأل عنه، فقام أناس من الأنصار، فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه أردت أن تشق عصا المسلمين؟! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعه، ثم لم يرى الزبير بن العوام، فسأل عنه حتى جاؤوا به، فقال: ابن عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين؟! فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايعاه".
ومما يدل على أهمية حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الصحيح أن الإمام مسلم بن الحجاج صاحب الجامع الصحيح -الذي هو أصح الكتب الحديثية بعد صحيح البخاري- ذهب إلى شيخه الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب صحيح ابن خزيمة- فسأله عن هذا الحديث، فكتب له ابن خزيمة الحديث، وقرأه عليه، فقال مسلم لشيخه ابن خزيمة: "هذا الحديث يساوي بدنة"، فقال ابن خزيمة: "هذا الحديث لا يساوي بدنة فقط، إنه يساوي بدرة مال"، وعلق على هذا الحديث ابن كثير رحمه الله فقال: "هذا إسناد صحيح محفوظ، وفيه فائدة جليلة، وهي مبايعة علي بن أبي طالب، إما في أول يوم، أو في الثاني من الوفاة، وهذان حق
فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع عن صلاة من الصلوات خلفه"، وفي رواية حبيب بن أبي ثابت، حيث قال: "كان علي بن أبي طالب في بيته، فأتاه رجل، فقال له: قد جلس أبو بكر للبيعة، فخرج عليّ إلى المسجد في قميص له، ما عليه إزار ولا رداء، وهو متعجِّل، كراهة أن يبطئ عن البيعة، فبايع أبا بكر، ثم جلس، وبعث إلى ردائه فجاؤوه به، فلبسه فوق قميصه". وقد سأل عمرو بن حريث سيعد بن زيد رضي الله عنه فقال له: "متى بويع أبو بكر"؟ قال سعيد: "يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كره المسلمون أن يبقوا بعض يوم، وليسوا في جماعة". قال: "هل خالف أحد أبا بكر"؟ قال سعيد: "لا، لم يخالف إلاّ مرتد، أو كاد أن يرتد، وقد أنقذ الله الأنصار، فجمعهم عليه وبايعوه". قال: "هل قعد أحد من المهاجرين عن بيعته"؟ قال سعيد: "لا، لقد تتابع المهاجرون على بيعته"، وكان مما قال علي رضي الله عنه لابن الكواء وقيس بن عباد حينما قدم البصرة وسألاه عن مسيره قال: "لو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما ولو لم أجد إلاّ بردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلاً ولم يمت فجأة، مكث في مرضه أيامًا وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال: «أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس»، فلما قبض الله نبيه ونظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله، وكانت الصلاة أصل الإسلام، وهي أعظم الأمور وقوام الدين، فبايعنا أبا بكر، وكان لذلك أهلاً، ولم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه، وعرفت له طاعته وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي". وكان مما قال في خطبته على منبر الكوفة في ثنائه على أبي بكر وعمر: "فأعطى المسلمون البيعة طائعين، فكان أول من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب أنا"
وجاءت روايات أشارت إلى مبايعة علي لأبي بكر رضي الله عنهما في أول الأمر وإن لم تصرح بذلك، فعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: "إن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم قام أبو بكر فخطب الناس، واعتذر إليهم وقال: والله ما كنت حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة قط، ولا كنتُ فيها راغبًا، ولا سألتها الله عز وجل في سرٍّ ولا علانية، ولكني أشفقت من الفتنة، وما لي في الإمارة من راحة، ولكن قلدت أمرًا عظيمًا ما لي به من طاقة ولا بدّ إلاّ بتقوية الله عز وجل، ولودِدْتُ أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم". قال علي رضي الله عنه والزبير: "ما غضبنا إلاّ لأنا قد أخرنا عن المشاورة، وأنَّا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعلم بشرفه، وكبره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي".
وعن قيس العبدي قال: "شهدت خطبة علي يوم البصرة قال: فحمد الله وأثنى عليه، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم وما عالج من الناس، ثم قبضه الله عز وجل إليه، ثم رأى المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر رضي الله عنه فبايعوا وعاهدوا وسلموا، وبايعت وعاهدت وسلمت، ورضوا ورضيت، وفعل من الخير وجاهد حتى قبضه الله عز وجل، رحمة الله عليه". إن عليًا رضي الله عنه لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع عنه في جماعة من الجماعات، وكان يشاركه في المشورة، وفي تدبير أمور المسلمين.
ويرى ابن كثير ومجموعة من أهل العلم أن عليًا جدّد بيعته بعد ستة أشهر من البيعة الأولى، أي بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها، وجاءت في هذه البيعة روايات صحيحة. ولكن لما وقعت البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليًا لم يبايع قبلها، فنفى ذلك والمثبت مقدم على النافي. وهناك كتاب اسمه "الإمام علي جدل الحقيقة والمسلمين الوصية والشورى" لمحمود محمد العلي، زعم صاحبه بأنه يبحث وينشد الحقيقة، ولكن صاحبه لم يتخلص من المنهج الشيعي الرافضي في الطرح ووضع السمّ في العسل، ولذلك وجب التنبيه، وقد تعرض لبيعة علي رضي الله عنه، وزعم بأن أحقية علي رضي الله عنه بالخلافة قائمة على الوصية.
ومما يدل على أهمية حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الصحيح أن الإمام مسلم بن الحجاج صاحب الجامع الصحيح -الذي هو أصح الكتب الحديثية بعد صحيح البخاري- ذهب إلى شيخه الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب صحيح ابن خزيمة- فسأله عن هذا الحديث، فكتب له ابن خزيمة الحديث، وقرأه عليه، فقال مسلم لشيخه ابن خزيمة: "هذا الحديث يساوي بدنة"، فقال ابن خزيمة: "هذا الحديث لا يساوي بدنة فقط، إنه يساوي بدرة مال"، وعلق على هذا الحديث ابن كثير رحمه الله فقال: "هذا إسناد صحيح محفوظ، وفيه فائدة جليلة، وهي مبايعة علي بن أبي طالب، إما في أول يوم، أو في الثاني من الوفاة، وهذان حق
فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع عن صلاة من الصلوات خلفه"، وفي رواية حبيب بن أبي ثابت، حيث قال: "كان علي بن أبي طالب في بيته، فأتاه رجل، فقال له: قد جلس أبو بكر للبيعة، فخرج عليّ إلى المسجد في قميص له، ما عليه إزار ولا رداء، وهو متعجِّل، كراهة أن يبطئ عن البيعة، فبايع أبا بكر، ثم جلس، وبعث إلى ردائه فجاؤوه به، فلبسه فوق قميصه". وقد سأل عمرو بن حريث سيعد بن زيد رضي الله عنه فقال له: "متى بويع أبو بكر"؟ قال سعيد: "يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كره المسلمون أن يبقوا بعض يوم، وليسوا في جماعة". قال: "هل خالف أحد أبا بكر"؟ قال سعيد: "لا، لم يخالف إلاّ مرتد، أو كاد أن يرتد، وقد أنقذ الله الأنصار، فجمعهم عليه وبايعوه". قال: "هل قعد أحد من المهاجرين عن بيعته"؟ قال سعيد: "لا، لقد تتابع المهاجرون على بيعته"، وكان مما قال علي رضي الله عنه لابن الكواء وقيس بن عباد حينما قدم البصرة وسألاه عن مسيره قال: "لو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما ولو لم أجد إلاّ بردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلاً ولم يمت فجأة، مكث في مرضه أيامًا وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال: «أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس»، فلما قبض الله نبيه ونظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله، وكانت الصلاة أصل الإسلام، وهي أعظم الأمور وقوام الدين، فبايعنا أبا بكر، وكان لذلك أهلاً، ولم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه، وعرفت له طاعته وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي". وكان مما قال في خطبته على منبر الكوفة في ثنائه على أبي بكر وعمر: "فأعطى المسلمون البيعة طائعين، فكان أول من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب أنا"
وجاءت روايات أشارت إلى مبايعة علي لأبي بكر رضي الله عنهما في أول الأمر وإن لم تصرح بذلك، فعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: "إن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم قام أبو بكر فخطب الناس، واعتذر إليهم وقال: والله ما كنت حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة قط، ولا كنتُ فيها راغبًا، ولا سألتها الله عز وجل في سرٍّ ولا علانية، ولكني أشفقت من الفتنة، وما لي في الإمارة من راحة، ولكن قلدت أمرًا عظيمًا ما لي به من طاقة ولا بدّ إلاّ بتقوية الله عز وجل، ولودِدْتُ أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم". قال علي رضي الله عنه والزبير: "ما غضبنا إلاّ لأنا قد أخرنا عن المشاورة، وأنَّا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعلم بشرفه، وكبره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي".
وعن قيس العبدي قال: "شهدت خطبة علي يوم البصرة قال: فحمد الله وأثنى عليه، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم وما عالج من الناس، ثم قبضه الله عز وجل إليه، ثم رأى المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر رضي الله عنه فبايعوا وعاهدوا وسلموا، وبايعت وعاهدت وسلمت، ورضوا ورضيت، وفعل من الخير وجاهد حتى قبضه الله عز وجل، رحمة الله عليه". إن عليًا رضي الله عنه لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع عنه في جماعة من الجماعات، وكان يشاركه في المشورة، وفي تدبير أمور المسلمين.
ويرى ابن كثير ومجموعة من أهل العلم أن عليًا جدّد بيعته بعد ستة أشهر من البيعة الأولى، أي بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها، وجاءت في هذه البيعة روايات صحيحة. ولكن لما وقعت البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليًا لم يبايع قبلها، فنفى ذلك والمثبت مقدم على النافي. وهناك كتاب اسمه "الإمام علي جدل الحقيقة والمسلمين الوصية والشورى" لمحمود محمد العلي، زعم صاحبه بأنه يبحث وينشد الحقيقة، ولكن صاحبه لم يتخلص من المنهج الشيعي الرافضي في الطرح ووضع السمّ في العسل، ولذلك وجب التنبيه، وقد تعرض لبيعة علي رضي الله عنه، وزعم بأن أحقية علي رضي الله عنه بالخلافة قائمة على الوصية.