- إنضم
- 26 يونيو 2023
- المشاركات
- 125,009
- مستوى التفاعل
- 120,643
- النقاط
- 2,508
الرعب ليس شبحًا طائشًا، بل سيدٌ قديم، جلس على عرشه قبل أن تتشكل الجبال وتتنفس البحار. تاجه من ليلٍ لا فجر له، وعرشه من ظلالٍ متجذّرة في قلوب البشر. من نجا من سيفٍ يلمع في العراء، وقع أسير الصمت حين يخلو إلى نفسه. ومن لم يَخَف الموت، ارتجف أمام مرآة الحياة. إنه الحارس الذي لا يُرى، يتربص عند المنعطفات، ويتسلل من الشقوق، يمد يده حيث لا نتوقعها، ويذكّرنا أن لا حصن يحمينا، لأن الحصن ذاته من صخر الخوف مبنيّ.
منذ الصرخة الأولى، يعرف الإنسان أن الأرض ليست مهادًا من اليقين، بل محيطٌ بلا شواطئ، يتلاطم بأمواج المجهول. والجهل هو أول قائد في جيش الظلام. هناك تبدأ اللعبة: دائرة لا تنكسر، ولا باب للخروج منها. لكن كما الفارس الذي يواجه تنينًا في غا بةٍ سوداء، يستطيع أن يجعل من رعشته سيفًا، ومن ظله درعًا. الرعب نارٌ قديمة؛ إمّا أن تحرق لحمنا، أو تصهرنا فتجعلنا أصلب من الحديد.
ولأن ميزان العالم مائل بسره، فإن الرعب يصبح الرفيق الخفي للحرية. حين يخاف المرء يعرف أنه يختار، وحين يختار يعرف أنه ما يزال حيًّا. لا يخرج المرء من الدائرة إلا جثةً هامدة، لكنه يستطيع أن يحولها إلى ميدان تدريب، يروض فيه
نفسه كما يروض فيه نفسه كما يروض البحّار قلبه على مواجهة العاصفة. والتوقف وسط الغا بة أو البحر ليس راحة، بل موتٌ يزحف ببطء.
وحين يطلع النهار، لا يحمل الناس خبزهم فحسب، بل يحملون دروعهم الخفية: صلاةً تهمس في الصدر، خطةً محكمة كخرائط البحّارة، أو كبرياءً يلمع كسيفٍ مكسور. لكن أمام الدائرة كلهم سواء. وحده من مدّ يده وصادق خوفه، بدلاً من أن يحاربه، استطاع أن يرى خلف الضباب: أن الرعب ليس لعنةً، بل عهدٌ قديم، نقش على طين الخلق، ليذكّر البشر أن قوتهم لا تُقاس بانتصاراتهم، بل بقدرتهم على السير نحو الهاوية دون أن يسقطوا فيها.
فليكن صباحنا إذن فصلًا جديدًا في هذه الملحمة: ننهض، والرعب معنا، لا ندفنه ولا نهرب منه، بل نجعل منه مرآةً نواجهها بعيونٍ مفتوحة. لأن من يخاف يعرف أنه حي، ومن يعرف أنه حيّ، لم يهزم بعد.