قيصر الحب
::اصدقاء المنتدى و اعلى المشاركين ::
- إنضم
- 2 أغسطس 2016
- المشاركات
- 369,315
- مستوى التفاعل
- 3,191
- النقاط
- 113
الحمدُ لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون ، وبعدله ضل الضَّالون , ولحكمه خضع العباد أجمعون , لا يُسألُ عما يفعل وهم يُسألون , لا مانعَ لما وَهَب، ولا مُعْطيَ لما سَلَب، طاعتُهُ للعامِلِينَ أفْضلُ مُكْتَسب، وتَقْواه للمتقين أعْلَى نسَب ... بقدرته تهبُّ الرياحُ ويسير الْغمام، وبحكمته ورحمته تتعاقب الليالِي والأيَّام ... أحمدُهُ على جليلِ الصفاتِ وجميل الإِنعام، وأشكرُه شكرَ منْ طلب المزيدَ وَرَام، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله الَّذِي لا تحيطُ به العقولُ والأوهام، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أفضَلُ الأنام، صلَّى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكرٍ السابق إلى الإِسلام، وعلى عمَرَ الَّذِي إذا رآه الشيطانُ هَام، وعلى عثمانَ الَّذِي جهَّزَ بمالِه جيشَ العُسْرةِ وأقام، وعلى عليٍّ
الْبَحْرِ الخِضَمِّ والأسَدِ الضِّرْغَام، وعلى سائر آلِهِ وأصحابِه والتابعين لهم بإِحسانٍ على الدوام، وسلَّم تسليماً كثيراً أما بعــد : -
عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إِنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ ثَلَاثَةً أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ يَكْفِينِيهِمْ ؟ " قَالَ طَلْحَةُ : أَنَا . فَكَانُوا عِنْدَهُ ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا ، فَخَرَجَ فِيهِ أَحَدُهُمْ ، فَاسْتُشْهِدَ ، ثُمَّ بَعَثَ بَعْثًا فَخَرَجَ فِيهِ الْآخَرُ ، فَاسْتُشْهِدَ ، ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ ، قَالَ : قَالَ طَلْحَةُ : فَرَأَيْتُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ فِي الْجَنَّةِ ، وَرَأَيْتُ الْمَيِّتَ عَلَى فِرَاشِهِ أَمَامَهُمْ وَالَّذِي اسْتُشْهِدَ آخِرًا يَلِيهِ ، وَأَوَّلَهُمْ يَلِيهِ ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : " وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ ؟ ! لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ ; لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ ) (قال أحمد شاكرفي مسند أحمد "إسناده صحيح"(2/367)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة(654)، وحسنه أيضاً في تخريج مشكاة المصابيح( 5223).
عبـــــــــاد الله : - إن من أعظم نعم الله تعالى على العباد أن يمدّ الله قي عمر أحدهم وكل يوم يبقى في هذه الدنيا هو غنيمة له ليتزود منه لأخرته، ويحرث فيه ما استطاع ويبذر فيه من الأعمال ما يرفع درجته ومكانته عند الله , فالدنيا دار عمل ولا حساب والآخرة دار حساب ولا عمل قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) {الفرقان:62} وطول العمر في الإسلام مع حسن العمل فيه خيرية الدنيا والآخرة عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ألا أنبئكم بخيركم؟" قالوا: نعم، يا رسول الله قال: خياركم أطولكم أعماراً، وأحسنكم أعمالاً) (1298 /3 سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني /صحيح الترغيب/ 3361 ) وإن من أعظم الغفلة أن يعلم الإنسان أنه يسير في هذه الحياة إلى أجله، ينقص عمره، وتدنو نهايته، وهو مع ذلك لا يحتسب ليوم الحساب، ولا يتجهز ليوم المعاد، بأعمال صالحة تبلغه رضوان الله وجنته فتجده مفرط في العبادات والطاعات فإذا ما جاءت مواسم العبادات والمنح الربانية التي بها تفغر الذنوب والزلات وجدته مقصراً ومضيع لأيامه وسنوات فأين العمل الصالح؟ وأين بركة العمر؟ وأين اغتنام فرصة العمر والصحة والشباب والغنى والقدرة والقوة ... عن بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه : " اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك " (صححه الألباني في صحيح الجامع / 1077 ).
عبـــــــــاد الله : - ها هي أعمارنا وآجالنا تطوى يوماً بعد يوم وها هو شهر شعبان يحل ضيفاً علينا وهو شهر غفل الناس عن فضائله ومنحه وجوائزه الربانية فقد شرع فيه جميع أعمال البر من الصدقة وقراءة القرآن والذكر والصيام و قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر أيامه وعندما سئل عن ذلك أخبر عليه الصلاة والسلام أنه شهر ترفع فيع الأعمال عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " شعبان بين رجب وشهر رمضان، تغفل الناس عنه، تُرْفع فيه أعمال العباد، فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم" (صحيح الجامع:3711) .. فأعمال العباد ترفع كل يوم وترفع يوم الأثنين والخميس وترفع أعمال السنة جميعها في شهر شعبان ... وهو شهر يستعد فيه العباد لاستقبال شهر رمضان بتهيئة النفوس بالطاعات والعبادات .. قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. وقال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضا: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟
عبـــــــــاد الله : - في هذا الشهر ليلة عظيمة ينظر الحق سبحانه وتعالى إلى عباده فيمُنَّ عليهم بالغفران وتتنزل عليهم الرحمات روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ) (رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1144) فالمغفرة والرحمة في هذه الليلة لجميع عباد الله المؤمنين الموحدين إلا لم يحمل صفتين الأولى خطرها عظيم على التوحيد والعقيدة وهي الشرك وما أكثر الشرك في حياة المسلمين اليوم طواف حول القبور وزيارة السحرة والمشعوذين ولبس الطلاسم والحرزيات والإعتقاد أن فلان من الناس يضر أو ينفع بقدرته وهنالك من يدع الأولياء ويطلب منهم قضى الحوائج وهناك الشرك الخفي وهو الرياء في الأعمال والأقوال ... فمن كان فيه خصلة من الشرك فليتب إلى الله حتى ينال المغفرة والرحمة في هذه الليلة المباركة .. وأما الصفة الثانية التي يحرم صاحبها من عفو الله ومغفرته في هذه الليلة فهي المشاحنة والمخاصمة والعداوة بين المسلمين ..بين الآباء والأبناء وبين الجيران والإخوان وبين الأصحاب والأصدقاء وبين القبائل والأحزاب والجماعات .. فلماذا لا يعفو بعضنا عن بعض ويسامح بعضنا بعضا ويتنازل بعضنا لبعض و لنحذر من فساد ذات البين عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة و الصيام و الصدقة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة . لا أقول : إنها تحلق الشعر و لكن تحلق الدين ) (صحيح الألباني / غاية المرام / 414) ولنكن ممن قال الله فيهم (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ ) (الحشر/10) بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ... قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطــــبة الثانــية : - عبــــــــاد الله :- في هذا الشهر ليلة عظيمة ينظر الحق سبحانه وتعالى إلى عباده فيمُنَّ عليهم بالغفران وتتنزل عليهم الرحمات روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ) (رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1144) فالمغفرة والرحمة في هذه الليلة لجميع عباد الله المؤمنين الموحدين إلا لم يحمل صفتين الأولى خطرها عظيم على التوحيد والعقيدة وهي الشرك وما أكثر الشرك في حياة المسلمين اليوم .. طواف حول القبور وزيارة السحرة والمشعوذين ولبس الطلاسم والحرزيات والإعتقاد أن فلان من الناس يضر أو ينفع بقدرته وهنالك من يدع الأولياء ويطلب منهم قضى الحوائج وهناك الشرك الخفي وهو الرياء في الأعمال والأقوال ... فمن كان فيه خصلة من الشرك فليتب إلى الله حتى ينال المغفرة والرحمة في هذه الليلة المباركة .. وأما الصفة الثانية التي يحرم صاحبها من عفو الله ومغفرته في هذه الليلة فهي المشاحنة والمخاصمة والعداوة بين المسلمين ..بين الآباء والأبناء وبين الجيران والإخوان وبين الأصحاب والأصدقاء وبين القبائل والأحزاب والجماعات .. فلماذا لا يعفو بعضنا عن بعض ويسامح بعضنا بعضا ويتنازل بعضنا لبعض و لنحذر من فساد ذات البين عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة و الصيام و الصدقة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة . لا أقول : إنها تحلق الشعر و لكن تحلق الدين ) (صحيح الألباني / غاية المرام / 414) ولنكن ممن قال الله فيهم (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ ) (الحشر/10) ... والعفو خير ما ينفقه الإنسان ويتقرب به العباد يقول تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 219].. ومن أراد أن يعفو الله عنه فليعفو عن خلقة فكم من خصومات بين الناس والأهل والجيران والإخوة ... وكم من قلوب ممتلئة على بعضها البعض بالحقد والغل والبغضاء والحسد فلماذا لا يسامح بعضنا بعضا ... فهل من عفو يبني به المؤمن عزاً ويرفع به قدراً لنفسه في الدنيا والآخرة ويحفظ به سلامة مجتمعة وأمنه وازدهاره .. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" [رواه مسلم] .. لقد جاءتِ الآيات متضَافِرةً في ذكرِ الصفح والجمعِ بينه وبين العفو كما في قوله تعالى ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ) [المائدة:13]، وقوله فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ) [البقرة:109]، وقوله سبحانه وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي القُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبـُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [التوبة:22]، .. ولنحذر من البدع التي ترتكب في ليلة النصف من شهر شعبان مثل تخصيص ليلها بالقيام ونهارها بالصيام فلا يجوز ذلك إلا لمن كان متعوداً على القيام باقي الأيام أو كان محافظ على صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهي أيام البيض .. وليس هناك صلوات أو ركعات في هذه الليلة ويكفي في هذه الليلة وقبلها أن تأتي بما أفترض الله عليك من الطاعات والعبادات وأن تبتعد عن الشرك بكل صوره وأن لا تحمل في قلبك لإخوانك المسلمين حقداً أو غشاً أو غلاً أو حسداً ... فهل نستفيد من هذا الشهر ونستغل أوقاته بتصفية العقيدة والتوحيد الخالص لله ولنحافظ على العبادات ولنتزود من الطاعات فرب معصية أورثت ذلا ورب طاعة بنت عزاً ورفعت قدرا ولنحذر من الشحناء والبغضاء ولنصفي قلوبنا من الحقد والحسد وليعفو بعضنا عن بعض ولنتراحم فيما بيننا اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم .. وقد أمركم ربكم فقال قولاً كريماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين ..
ثمار العبودية واستقبال رمضان
الحمد لله مستحقِ الحمد بلا انقطاع، ومستوجبِ الشكر بأقصى ما يستطاع، الوهابُ المنان، الرحيم الرحمن، المدعو بكل لسان، المرجو للعفو والإحسان، الذي لا خير إلا منه، ولا فضل إلا من لدنه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الجميل العوائد، الجزيل الفوائد، أكرم
مسؤول، وأعظم مأمول، عالم الغيوب مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب ...
ومـما زادني شـرفـاً وتـيــهـاً ... وكدتُ بأخمصي أطأ الـثُريا
دخولي تحت قولِكَ يا عبادي ... وأن صـيَّرتَ أحمدَ لي نـبيا
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الوافي عهده، الصادق وعده، ذو الأخلاق الطاهرة، المؤيّد بالمعجزات الظاهرة، والبراهين الباهرة .. صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وتابعيه صلاة تشرق إشراق البدور أما بعــــــــد :-
عبــــــاد الله : - ما من مخلوق أو كائن في الأرض ولا في السماء إلا وهو يقوم لله بالعبودية الحقة إلا عصاة بني آدم والجن قال تعالى ((أَلَمْ تَرَ أَنِّ اللهَ يسبح لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ) (الحج : 18 ). لذلك عاتب الله نبياً من الأنبياء اعتدى على قرية للنمل فأحرقها، ففي صلى الله عليه وسلم قال: " قرصت نملةٌ نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأُحِرقت فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمةً من الأمم تسبح الله"(رواه البخاري3019) .. والدواب تشفق من يوم الجمعة وتخاف وتفزع له، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تطلع الشمس ولا تغرب على أفضل من يوم الجمعة، وما من دابة إلا وهي تفزع ليوم الجمعة ، إلا هاذين الثقلين : الجن والإنس أخرجه أحمد 2/272 وابن خزيمة3/114 بسند صحيح) وإنما تخاف الدواب من يوم الجمعة لأن قيام الساعة سيكون في يوم الجمعة .. والدواب تتكلم وتنكر الظلم بلغة خاصة وقد يُطلع الله من يشاء من عباده على فهم لغتها: فقد تكلم الجمل لما ظلمه صاحبه، ففي سنن أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام دخل حائطاً ـ أي بستاناً ـ لرجل من الأنصار. فإذا جمل ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح سراته إلى سنامه وذِفْراه فسكن. فقال: " من رب هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه" أي تتعبه (رواه أحمد 1745 وأبو داود 2549 ) ... والديك يدعو إلى الصلاة، ولذا فإن من حقه علينا أن نبتعد عن سبه، لما ثبت عند أبي داود زيد بن خالد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة" (رواه أبو داود 5101 وأحمد 21723) كما أن الديك يعرف الملائكة فإذا رآهم صاح، لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطاناً "(رواه البخاري 3127 ومسلم 2729). .. أما البحر فله عبوديات عدة، لكن من أعجبها ما جاء في مسند الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث القدسي عن رب العزة: ((ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله تعالى أن ينتضح عليهم فيكفه الله عز وجل)) وفي رواية: ((ما من يوم إلا والبحر يستأذن ربه ان يغرق ابن آدم، والملائكة تعاجله وتهلكه، والرب سبحانه وتعالى يقول دعوا عبدي)) فيا سبحان الله، البحر يقعر ويغضب، ويستأذن الله في كل ليلة أن يهلك ويغرق الناس هل تعلمون بسبب ماذا؟ انه بسبب معاصي ابن آدم، وعدم تحقيق ابن آدم العبودية المطلوبة منهم، فيعظم على البحر أن يرى ابن آدم وهو يعصي الله فيتألم لذلك ويتمنى هلاك ابن آدم، لكن الله جل وتعالى بحلمه وعطفه ورحمته بنا يقول، دعوا عبدي ...
فيا عجبا كيف يعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكة وفي *** كل تسكينة شاهــد
وفي كل شيء كل له آية *** تدل على أنه الواحــــد
أيها المؤمنون / عباد الله : - والشجر والنبات يعبد الله قال الله -تعالى-: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) (الرحمن:6). و يحب الأذان والمؤذنين: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ فِي حِجْرِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو سَعِيدٍ: إِذَا كُنْتَ فِي الْبَوَادِي، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالأَذَانِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (لا يَسْمَعُهُ جِنٌّ، وَلا إِنْسٌ، وَلا شَجَرٌ، وَلا حَجَرٌ، إِلا شَهِدَ لَهُ) (رواه البخاري ).. بل إن النبات والشجر يحب المناسك ويفرح بالحجاج وبالملبين في أي مكان فقد قال عليه الصلاة والسلام: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إِلا لَبَّى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ: مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تنقطِعَ الأرضُ منْ هاهُنا وهاهُنا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)... إذا كان هذا شأن المخلوقات فما هو دورنا نحن ؟ وما هو واجبنا ؟ وكيف نجعل من عبوديتنا لله طريق للنصر والفلاح والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة ؟ اننا نعيش في عصر تزينت فيه الشهوات، وتنوعت فيه الشبهات، وتزايدت المغريات، وكثرت الملهيات، حتى كادت معها أن تعمي القلوب، وتموت الأرواح، .. والمسلم اليوم يبحث عن لذة الروح، وخشوع القلب، ودموع العين، فلا يجد من ذلك إلا أقل القليل، فأين قوت القلوب وغذاء الأرواح؟ وأين لذة العبادة، وحلاوة الطاعة؟ وأين ترطيب الألسنة بالأذكار؟ وأين الاستغفار بالأسحار؟ ومن ثم أين صفاء النفوس والسرائر؟ وأين جلاء القلوب والبصائر؟ ومن بعد أين حسن الأقوال وصلاح الأعمال وصدق الأحوال؟ أن اشرف المقامات مقام العبودية قال تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }(الذاريات: 56) ولأجل تحقيق هذه الغاية واقعا في حياة الناس بعث اللهُ الرسل، قال تعالى:{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت }(النحل:36) وذم سبحانه وتعالى المستكبرين عنها بقوله: { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }(الأنبياء: 19) والعبادة لله وظيفة العمر وهي أعلى المنازل وعندما شرَّف الله تعالى نبيه بالقُرب منه في رحلة الإسراء، فقال {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ..} [الإسراء: 1] .. فوصفه بالعبودية دون غيرها لأنها أشرف المواطن، وعلى الرغم أن العبودية ذُل ولكن الذل لله عزَّ وجلَّ مع المحبة هو كمال الشرف. .. وللعبودية ثمار يجنيها العبد في الدنيا والآخرة فمن ذلك تربية الروح وتهذيب النفس وتحرير ذلك الإنسان من عبودية المال والمنصب والمتاع والشهوات والشبهات إلى عبودية رب الأرض والسموات .. و من الخضوع لغير الله تعالى و الاستسلام لغيره إلى عبادته وحده سبحانه وتعالى .. عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فر إلى الشام، وكان قد تنصر في الجاهلية، فأسِرت أخته وجماعة من قومه، ثم منٌ رسول الله - صلى الله عليه وسلم على أخته فأعطاها، فرجعت إلى أخيها فرغبته في الإسلام، وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحدث الناس بقدومه، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقه - أي " عدي " - صليب من فضة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية.. ï´؟ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ï´¾ [التوبة:31] .. قال : فقلت: أنهم لم يعبدوهم. فقال : ( بلى ! إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام. فاتبعوهم. فذلك عبادتهم إياهم )( قال الألباني حديث حسن./ غاية المرام في تخريج الحلال والحرام (ص20) .
عبــــــاد الله : - كما أنها سبيل إلى الأمن والأمان والعزة والتمكين والاستخلاف قال الله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا) (النور/55).. قال تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ، وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) الصافات171-173) لقد خرج المسلمون ينشرون الخير والعدل إلى بلاد السند وما وراء النهر يوم أن كنا امة تتشرف بعبوديتها لله ولا ترضى بالذل والاستعباد ولا يعتريها الخوف أو الجبن فلما وصل الجيش إلى مدينة كابول وفيهم محمد بن واسع مجاهداً في المعركة، وقد كانوا عبَّاداً في المحراب، وخطباء على المنابر، ومفتون في المحافل، وحملة سيفٍ في الجهاد في سبيل الله ونوابغ في شتى العلوم وكان قائد الجيش قتيبة بن مسلم القائد الشهير فقال قتيبة قبل المعركة والناس مصطفون للقاء موعود الله، ولمناجزة أعداء الله، قال القائد قتيبة : ابحثوا عن محمد بن واسع ، والتمسوه لي، فذهبوا يلتمسونه؛ فوجدوه قد شخص بطرفه إلى السماء، ورفع سبابته واتكأ على رمحه وهو يقول: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت! اللهم انصرنا عليهم، فلما رجعوا وأخبروا قتيبة بن مسلم قال: نصرنا ورب الكعبة، والله لإصبع محمد بن واسع خيرٌ عندي من ألف سيفٍ شهير، ومن ألف شابٍ طرير. لماذا؟ لأن النصر من عند الله فلما بدأت المعركة نصر الله جنده على أعدائه؛ لأنهم صدقوا معه، وأخلصوا له الدعاء والإنابة، فأعطاهم ما تمنوا من الشهادة والنصر والتمكين ( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) (الأعلى:17) .. فالعبودية الحقة تعني الحركة لا الركود وتعني الإيجابية لا السلبية وتعني العدل لا الظلم وتعنى الإتباع لا الإبتداع وتعني الشجاعة والإقدام لا الخوف والجبن والنفاق ...
كنا جبالاً في الجبال وربما ... سرنا على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان أذاننا ... قبل الكتائب تفتح الأمصارا
ندعو جهاراً لا إله سوى الذي ... صنع الوجود وقدر الأقدارا
ورؤوسنا يارب فوق أكفنا ... نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
كنا نقدم للسيوف صدورنا ... لم يوما نخشى غاشما جبارا
وكأن ظل السيف ظل حديقة ... خضراء تنبت حولها الأزهارا
كنا نرى الأصنام من ذهب .... فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لحازها ... كنزاً وصاغ الحلي والدينارا
الْبَحْرِ الخِضَمِّ والأسَدِ الضِّرْغَام، وعلى سائر آلِهِ وأصحابِه والتابعين لهم بإِحسانٍ على الدوام، وسلَّم تسليماً كثيراً أما بعــد : -
عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إِنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ ثَلَاثَةً أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ يَكْفِينِيهِمْ ؟ " قَالَ طَلْحَةُ : أَنَا . فَكَانُوا عِنْدَهُ ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا ، فَخَرَجَ فِيهِ أَحَدُهُمْ ، فَاسْتُشْهِدَ ، ثُمَّ بَعَثَ بَعْثًا فَخَرَجَ فِيهِ الْآخَرُ ، فَاسْتُشْهِدَ ، ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ ، قَالَ : قَالَ طَلْحَةُ : فَرَأَيْتُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ فِي الْجَنَّةِ ، وَرَأَيْتُ الْمَيِّتَ عَلَى فِرَاشِهِ أَمَامَهُمْ وَالَّذِي اسْتُشْهِدَ آخِرًا يَلِيهِ ، وَأَوَّلَهُمْ يَلِيهِ ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : " وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ ؟ ! لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ ; لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ ) (قال أحمد شاكرفي مسند أحمد "إسناده صحيح"(2/367)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة(654)، وحسنه أيضاً في تخريج مشكاة المصابيح( 5223).
عبـــــــــاد الله : - إن من أعظم نعم الله تعالى على العباد أن يمدّ الله قي عمر أحدهم وكل يوم يبقى في هذه الدنيا هو غنيمة له ليتزود منه لأخرته، ويحرث فيه ما استطاع ويبذر فيه من الأعمال ما يرفع درجته ومكانته عند الله , فالدنيا دار عمل ولا حساب والآخرة دار حساب ولا عمل قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) {الفرقان:62} وطول العمر في الإسلام مع حسن العمل فيه خيرية الدنيا والآخرة عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ألا أنبئكم بخيركم؟" قالوا: نعم، يا رسول الله قال: خياركم أطولكم أعماراً، وأحسنكم أعمالاً) (1298 /3 سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني /صحيح الترغيب/ 3361 ) وإن من أعظم الغفلة أن يعلم الإنسان أنه يسير في هذه الحياة إلى أجله، ينقص عمره، وتدنو نهايته، وهو مع ذلك لا يحتسب ليوم الحساب، ولا يتجهز ليوم المعاد، بأعمال صالحة تبلغه رضوان الله وجنته فتجده مفرط في العبادات والطاعات فإذا ما جاءت مواسم العبادات والمنح الربانية التي بها تفغر الذنوب والزلات وجدته مقصراً ومضيع لأيامه وسنوات فأين العمل الصالح؟ وأين بركة العمر؟ وأين اغتنام فرصة العمر والصحة والشباب والغنى والقدرة والقوة ... عن بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه : " اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك " (صححه الألباني في صحيح الجامع / 1077 ).
عبـــــــــاد الله : - ها هي أعمارنا وآجالنا تطوى يوماً بعد يوم وها هو شهر شعبان يحل ضيفاً علينا وهو شهر غفل الناس عن فضائله ومنحه وجوائزه الربانية فقد شرع فيه جميع أعمال البر من الصدقة وقراءة القرآن والذكر والصيام و قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر أيامه وعندما سئل عن ذلك أخبر عليه الصلاة والسلام أنه شهر ترفع فيع الأعمال عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " شعبان بين رجب وشهر رمضان، تغفل الناس عنه، تُرْفع فيه أعمال العباد، فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم" (صحيح الجامع:3711) .. فأعمال العباد ترفع كل يوم وترفع يوم الأثنين والخميس وترفع أعمال السنة جميعها في شهر شعبان ... وهو شهر يستعد فيه العباد لاستقبال شهر رمضان بتهيئة النفوس بالطاعات والعبادات .. قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. وقال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضا: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟
عبـــــــــاد الله : - في هذا الشهر ليلة عظيمة ينظر الحق سبحانه وتعالى إلى عباده فيمُنَّ عليهم بالغفران وتتنزل عليهم الرحمات روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ) (رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1144) فالمغفرة والرحمة في هذه الليلة لجميع عباد الله المؤمنين الموحدين إلا لم يحمل صفتين الأولى خطرها عظيم على التوحيد والعقيدة وهي الشرك وما أكثر الشرك في حياة المسلمين اليوم طواف حول القبور وزيارة السحرة والمشعوذين ولبس الطلاسم والحرزيات والإعتقاد أن فلان من الناس يضر أو ينفع بقدرته وهنالك من يدع الأولياء ويطلب منهم قضى الحوائج وهناك الشرك الخفي وهو الرياء في الأعمال والأقوال ... فمن كان فيه خصلة من الشرك فليتب إلى الله حتى ينال المغفرة والرحمة في هذه الليلة المباركة .. وأما الصفة الثانية التي يحرم صاحبها من عفو الله ومغفرته في هذه الليلة فهي المشاحنة والمخاصمة والعداوة بين المسلمين ..بين الآباء والأبناء وبين الجيران والإخوان وبين الأصحاب والأصدقاء وبين القبائل والأحزاب والجماعات .. فلماذا لا يعفو بعضنا عن بعض ويسامح بعضنا بعضا ويتنازل بعضنا لبعض و لنحذر من فساد ذات البين عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة و الصيام و الصدقة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة . لا أقول : إنها تحلق الشعر و لكن تحلق الدين ) (صحيح الألباني / غاية المرام / 414) ولنكن ممن قال الله فيهم (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ ) (الحشر/10) بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ... قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطــــبة الثانــية : - عبــــــــاد الله :- في هذا الشهر ليلة عظيمة ينظر الحق سبحانه وتعالى إلى عباده فيمُنَّ عليهم بالغفران وتتنزل عليهم الرحمات روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ) (رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1144) فالمغفرة والرحمة في هذه الليلة لجميع عباد الله المؤمنين الموحدين إلا لم يحمل صفتين الأولى خطرها عظيم على التوحيد والعقيدة وهي الشرك وما أكثر الشرك في حياة المسلمين اليوم .. طواف حول القبور وزيارة السحرة والمشعوذين ولبس الطلاسم والحرزيات والإعتقاد أن فلان من الناس يضر أو ينفع بقدرته وهنالك من يدع الأولياء ويطلب منهم قضى الحوائج وهناك الشرك الخفي وهو الرياء في الأعمال والأقوال ... فمن كان فيه خصلة من الشرك فليتب إلى الله حتى ينال المغفرة والرحمة في هذه الليلة المباركة .. وأما الصفة الثانية التي يحرم صاحبها من عفو الله ومغفرته في هذه الليلة فهي المشاحنة والمخاصمة والعداوة بين المسلمين ..بين الآباء والأبناء وبين الجيران والإخوان وبين الأصحاب والأصدقاء وبين القبائل والأحزاب والجماعات .. فلماذا لا يعفو بعضنا عن بعض ويسامح بعضنا بعضا ويتنازل بعضنا لبعض و لنحذر من فساد ذات البين عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة و الصيام و الصدقة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة . لا أقول : إنها تحلق الشعر و لكن تحلق الدين ) (صحيح الألباني / غاية المرام / 414) ولنكن ممن قال الله فيهم (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ ) (الحشر/10) ... والعفو خير ما ينفقه الإنسان ويتقرب به العباد يقول تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 219].. ومن أراد أن يعفو الله عنه فليعفو عن خلقة فكم من خصومات بين الناس والأهل والجيران والإخوة ... وكم من قلوب ممتلئة على بعضها البعض بالحقد والغل والبغضاء والحسد فلماذا لا يسامح بعضنا بعضا ... فهل من عفو يبني به المؤمن عزاً ويرفع به قدراً لنفسه في الدنيا والآخرة ويحفظ به سلامة مجتمعة وأمنه وازدهاره .. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" [رواه مسلم] .. لقد جاءتِ الآيات متضَافِرةً في ذكرِ الصفح والجمعِ بينه وبين العفو كما في قوله تعالى ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ) [المائدة:13]، وقوله فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ) [البقرة:109]، وقوله سبحانه وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي القُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبـُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [التوبة:22]، .. ولنحذر من البدع التي ترتكب في ليلة النصف من شهر شعبان مثل تخصيص ليلها بالقيام ونهارها بالصيام فلا يجوز ذلك إلا لمن كان متعوداً على القيام باقي الأيام أو كان محافظ على صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهي أيام البيض .. وليس هناك صلوات أو ركعات في هذه الليلة ويكفي في هذه الليلة وقبلها أن تأتي بما أفترض الله عليك من الطاعات والعبادات وأن تبتعد عن الشرك بكل صوره وأن لا تحمل في قلبك لإخوانك المسلمين حقداً أو غشاً أو غلاً أو حسداً ... فهل نستفيد من هذا الشهر ونستغل أوقاته بتصفية العقيدة والتوحيد الخالص لله ولنحافظ على العبادات ولنتزود من الطاعات فرب معصية أورثت ذلا ورب طاعة بنت عزاً ورفعت قدرا ولنحذر من الشحناء والبغضاء ولنصفي قلوبنا من الحقد والحسد وليعفو بعضنا عن بعض ولنتراحم فيما بيننا اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم .. وقد أمركم ربكم فقال قولاً كريماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين ..
ثمار العبودية واستقبال رمضان
الحمد لله مستحقِ الحمد بلا انقطاع، ومستوجبِ الشكر بأقصى ما يستطاع، الوهابُ المنان، الرحيم الرحمن، المدعو بكل لسان، المرجو للعفو والإحسان، الذي لا خير إلا منه، ولا فضل إلا من لدنه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الجميل العوائد، الجزيل الفوائد، أكرم
مسؤول، وأعظم مأمول، عالم الغيوب مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب ...
ومـما زادني شـرفـاً وتـيــهـاً ... وكدتُ بأخمصي أطأ الـثُريا
دخولي تحت قولِكَ يا عبادي ... وأن صـيَّرتَ أحمدَ لي نـبيا
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الوافي عهده، الصادق وعده، ذو الأخلاق الطاهرة، المؤيّد بالمعجزات الظاهرة، والبراهين الباهرة .. صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وتابعيه صلاة تشرق إشراق البدور أما بعــــــــد :-
عبــــــاد الله : - ما من مخلوق أو كائن في الأرض ولا في السماء إلا وهو يقوم لله بالعبودية الحقة إلا عصاة بني آدم والجن قال تعالى ((أَلَمْ تَرَ أَنِّ اللهَ يسبح لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ) (الحج : 18 ). لذلك عاتب الله نبياً من الأنبياء اعتدى على قرية للنمل فأحرقها، ففي صلى الله عليه وسلم قال: " قرصت نملةٌ نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأُحِرقت فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمةً من الأمم تسبح الله"(رواه البخاري3019) .. والدواب تشفق من يوم الجمعة وتخاف وتفزع له، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تطلع الشمس ولا تغرب على أفضل من يوم الجمعة، وما من دابة إلا وهي تفزع ليوم الجمعة ، إلا هاذين الثقلين : الجن والإنس أخرجه أحمد 2/272 وابن خزيمة3/114 بسند صحيح) وإنما تخاف الدواب من يوم الجمعة لأن قيام الساعة سيكون في يوم الجمعة .. والدواب تتكلم وتنكر الظلم بلغة خاصة وقد يُطلع الله من يشاء من عباده على فهم لغتها: فقد تكلم الجمل لما ظلمه صاحبه، ففي سنن أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام دخل حائطاً ـ أي بستاناً ـ لرجل من الأنصار. فإذا جمل ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح سراته إلى سنامه وذِفْراه فسكن. فقال: " من رب هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه" أي تتعبه (رواه أحمد 1745 وأبو داود 2549 ) ... والديك يدعو إلى الصلاة، ولذا فإن من حقه علينا أن نبتعد عن سبه، لما ثبت عند أبي داود زيد بن خالد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة" (رواه أبو داود 5101 وأحمد 21723) كما أن الديك يعرف الملائكة فإذا رآهم صاح، لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطاناً "(رواه البخاري 3127 ومسلم 2729). .. أما البحر فله عبوديات عدة، لكن من أعجبها ما جاء في مسند الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث القدسي عن رب العزة: ((ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله تعالى أن ينتضح عليهم فيكفه الله عز وجل)) وفي رواية: ((ما من يوم إلا والبحر يستأذن ربه ان يغرق ابن آدم، والملائكة تعاجله وتهلكه، والرب سبحانه وتعالى يقول دعوا عبدي)) فيا سبحان الله، البحر يقعر ويغضب، ويستأذن الله في كل ليلة أن يهلك ويغرق الناس هل تعلمون بسبب ماذا؟ انه بسبب معاصي ابن آدم، وعدم تحقيق ابن آدم العبودية المطلوبة منهم، فيعظم على البحر أن يرى ابن آدم وهو يعصي الله فيتألم لذلك ويتمنى هلاك ابن آدم، لكن الله جل وتعالى بحلمه وعطفه ورحمته بنا يقول، دعوا عبدي ...
فيا عجبا كيف يعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكة وفي *** كل تسكينة شاهــد
وفي كل شيء كل له آية *** تدل على أنه الواحــــد
أيها المؤمنون / عباد الله : - والشجر والنبات يعبد الله قال الله -تعالى-: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) (الرحمن:6). و يحب الأذان والمؤذنين: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ فِي حِجْرِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو سَعِيدٍ: إِذَا كُنْتَ فِي الْبَوَادِي، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالأَذَانِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (لا يَسْمَعُهُ جِنٌّ، وَلا إِنْسٌ، وَلا شَجَرٌ، وَلا حَجَرٌ، إِلا شَهِدَ لَهُ) (رواه البخاري ).. بل إن النبات والشجر يحب المناسك ويفرح بالحجاج وبالملبين في أي مكان فقد قال عليه الصلاة والسلام: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إِلا لَبَّى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ: مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تنقطِعَ الأرضُ منْ هاهُنا وهاهُنا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)... إذا كان هذا شأن المخلوقات فما هو دورنا نحن ؟ وما هو واجبنا ؟ وكيف نجعل من عبوديتنا لله طريق للنصر والفلاح والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة ؟ اننا نعيش في عصر تزينت فيه الشهوات، وتنوعت فيه الشبهات، وتزايدت المغريات، وكثرت الملهيات، حتى كادت معها أن تعمي القلوب، وتموت الأرواح، .. والمسلم اليوم يبحث عن لذة الروح، وخشوع القلب، ودموع العين، فلا يجد من ذلك إلا أقل القليل، فأين قوت القلوب وغذاء الأرواح؟ وأين لذة العبادة، وحلاوة الطاعة؟ وأين ترطيب الألسنة بالأذكار؟ وأين الاستغفار بالأسحار؟ ومن ثم أين صفاء النفوس والسرائر؟ وأين جلاء القلوب والبصائر؟ ومن بعد أين حسن الأقوال وصلاح الأعمال وصدق الأحوال؟ أن اشرف المقامات مقام العبودية قال تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }(الذاريات: 56) ولأجل تحقيق هذه الغاية واقعا في حياة الناس بعث اللهُ الرسل، قال تعالى:{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت }(النحل:36) وذم سبحانه وتعالى المستكبرين عنها بقوله: { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }(الأنبياء: 19) والعبادة لله وظيفة العمر وهي أعلى المنازل وعندما شرَّف الله تعالى نبيه بالقُرب منه في رحلة الإسراء، فقال {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ..} [الإسراء: 1] .. فوصفه بالعبودية دون غيرها لأنها أشرف المواطن، وعلى الرغم أن العبودية ذُل ولكن الذل لله عزَّ وجلَّ مع المحبة هو كمال الشرف. .. وللعبودية ثمار يجنيها العبد في الدنيا والآخرة فمن ذلك تربية الروح وتهذيب النفس وتحرير ذلك الإنسان من عبودية المال والمنصب والمتاع والشهوات والشبهات إلى عبودية رب الأرض والسموات .. و من الخضوع لغير الله تعالى و الاستسلام لغيره إلى عبادته وحده سبحانه وتعالى .. عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فر إلى الشام، وكان قد تنصر في الجاهلية، فأسِرت أخته وجماعة من قومه، ثم منٌ رسول الله - صلى الله عليه وسلم على أخته فأعطاها، فرجعت إلى أخيها فرغبته في الإسلام، وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحدث الناس بقدومه، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقه - أي " عدي " - صليب من فضة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية.. ï´؟ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ï´¾ [التوبة:31] .. قال : فقلت: أنهم لم يعبدوهم. فقال : ( بلى ! إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام. فاتبعوهم. فذلك عبادتهم إياهم )( قال الألباني حديث حسن./ غاية المرام في تخريج الحلال والحرام (ص20) .
عبــــــاد الله : - كما أنها سبيل إلى الأمن والأمان والعزة والتمكين والاستخلاف قال الله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا) (النور/55).. قال تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ، وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) الصافات171-173) لقد خرج المسلمون ينشرون الخير والعدل إلى بلاد السند وما وراء النهر يوم أن كنا امة تتشرف بعبوديتها لله ولا ترضى بالذل والاستعباد ولا يعتريها الخوف أو الجبن فلما وصل الجيش إلى مدينة كابول وفيهم محمد بن واسع مجاهداً في المعركة، وقد كانوا عبَّاداً في المحراب، وخطباء على المنابر، ومفتون في المحافل، وحملة سيفٍ في الجهاد في سبيل الله ونوابغ في شتى العلوم وكان قائد الجيش قتيبة بن مسلم القائد الشهير فقال قتيبة قبل المعركة والناس مصطفون للقاء موعود الله، ولمناجزة أعداء الله، قال القائد قتيبة : ابحثوا عن محمد بن واسع ، والتمسوه لي، فذهبوا يلتمسونه؛ فوجدوه قد شخص بطرفه إلى السماء، ورفع سبابته واتكأ على رمحه وهو يقول: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت! اللهم انصرنا عليهم، فلما رجعوا وأخبروا قتيبة بن مسلم قال: نصرنا ورب الكعبة، والله لإصبع محمد بن واسع خيرٌ عندي من ألف سيفٍ شهير، ومن ألف شابٍ طرير. لماذا؟ لأن النصر من عند الله فلما بدأت المعركة نصر الله جنده على أعدائه؛ لأنهم صدقوا معه، وأخلصوا له الدعاء والإنابة، فأعطاهم ما تمنوا من الشهادة والنصر والتمكين ( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) (الأعلى:17) .. فالعبودية الحقة تعني الحركة لا الركود وتعني الإيجابية لا السلبية وتعني العدل لا الظلم وتعنى الإتباع لا الإبتداع وتعني الشجاعة والإقدام لا الخوف والجبن والنفاق ...
كنا جبالاً في الجبال وربما ... سرنا على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان أذاننا ... قبل الكتائب تفتح الأمصارا
ندعو جهاراً لا إله سوى الذي ... صنع الوجود وقدر الأقدارا
ورؤوسنا يارب فوق أكفنا ... نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
كنا نقدم للسيوف صدورنا ... لم يوما نخشى غاشما جبارا
وكأن ظل السيف ظل حديقة ... خضراء تنبت حولها الأزهارا
كنا نرى الأصنام من ذهب .... فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لحازها ... كنزاً وصاغ الحلي والدينارا