Pгιиċεѕѕ Ńoυгнaη »❥
ملكة المنتدى
فلسفة الكيميائي.. الإبادة النظيفة
غاز الكلور مخضر اللون قوي الرائحة (رويترز)
مع أن السلاح الكيميائي يهدف في ظاهره إلى قتل ضحاياه، إلا أن وراء ذلك ما هو أكثر وأشد بشاعة، وهو أمر يتجاوز المظاهر المؤلمة للضحايا وهم يحتضرون بلا أمل في الإنقاذ، مما يجعل هذا السلاح بظاهر وباطن مختلفين، كما أن ما وراء الأكمة شيئا أكبر. وهو أمر يظهر جليا من خلال دراسة المعطيات التي مهدت لظهور المواد الكيميائية كسلاح.
وتشير معطيات تاريخية إلى أن البشر عملوا منذ القدم على استخدام وسائل غير تقليدية في الحرب، وكان أبرزها الجراثيم، إذ كانت الجيوش تلقي جثث الجنود المرضى في مصادر ماء شرب الخصوم، وذلك بهدف إصابتهم بالمرض وقتلهم، مما سجل ظهور السلاح البيولوجي.
ولكن هذا السلاح الذي كان يعتمد على المرض كانت له مشاكل، أولها أنه يحتاج إلى وقت ريثما تحصل العدوى بالفيروس أو الجرثومة ويتهاوى الجسم تحت وطأة أعراضه ومضاعفاته، وهو أمر غير ملائم في الحروب التي تحتاج للسرعة والضربة الخاطفة.
السلاح الكيميائي يستهدف البشر فقط لا الحجر (الجزيرة)
تلوث ونتيجة عكسية
والمشكلة الثانية هي أن بيئة الخصم كمدينته أو أرضه كانت تتلوث بالعامل البيولوجي مما يجعل دخول الجيش المهاجم لها إذا انتصر أمرا صعبا وربما كارثيا عليه، إذ قد ينتقل المرض إليه أيضا مما يقلب السحر على الساحر، ويؤدي إلى نتيجة عكسية.
وهنا يلعب الجانب الاقتصادي في الحرب دورا مهما في فلسفة السلاح المطلوب، فالأسلحة التقليدية تعتمد على الطاقة الحرارية الميكانيكية التي تقتل عبر الحرارة والضغط، فتنهار المباني وتتدمر الشوارع وتحترق المنشآت، مما يفوت على الخصم الاستفادة من هذه الغنائم.
أما السلاح المطلوب فيجب أن يستهدف البشر فقط لا غيرهم، تاركا الحجر في مكانه، قاتلا النسل ومبقيا الحرث (المزروعات) ويجب أن يعمل ذلك بسرعة، ثم يختفي من المكان حتى يعطي المجال للمهاجم بالاقتحام والاستفادة من النصر.
كما لا بأس في إثارة الرعب بين الضحايا، مثل غاز الكلور الذي استعمل في الحرب العالمية الأولى، فهو وإن لم يثبت نجاحا كسلاح كيميائي فعال، إلا أن رائحته القوية ولونه المخضر الذي يأتي في غمامة تتحرك نحو الخصوم كان يؤدي لإلقاء الرعب في قلوبهم ويثير الاضطراب في صفوفهم.
بعض آثار غاز الخردل الذي يعد أحد الأسلحة الكيميائية (الجزيرة)
ليس بالذعر وحده
ولكن ليس بالذعر وحده يموت الإنسان، ولا بد من وسيلة تقتل في هدوء وبدون جلبة فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع، وتأتي الإجابة من الحقول التي تعطينا ما يسد الجوع، عبر تطبيق فلسفة المبيدات الحشرية التي تقضي على الحشرات فيما تترك الحرث غضا طريا يحصده المزارعون، وهنا لا يعد مستغربا أن أشد أنواع السلاح الكيميائي قوة وأكثرها فتكا وهي غازات الأعصاب، قد تم تطويرها من الفوسفات العضوية التي تستخدم كمبيد حشري.
وحتى لون ورائحة هذه السلاح تتلاءم مع فلسفة المبيد الحشري، إذ أنها عديمة الرائحة واللون، أو تمتع برائحة مموهة تشبه الفاكهة أو الكافور أو الثوم، وهي روائح موجودة في الطبيعة ولا تسبب أي تهيج أو نفور من قبل الضحية، وتسلبه فرصة الانتباه وكتم نفسه للحظات.
وهذا يعني أن فلسفة السلاح الكيميائي هي فلسفة المبيد الحشري، فهو يحصد أرواح البشر لتأتي اليد التي أطلقته فيما بعد وتحصد خيرات أرضهم، فهي إبادة نظيفة لا عنف فيها ولا دماء، ظاهرها فيه العذاب، وباطنها فيه عذاب أكبر.
غاز الكلور مخضر اللون قوي الرائحة (رويترز)
د. أسامة أبو الرب
مع أن السلاح الكيميائي يهدف في ظاهره إلى قتل ضحاياه، إلا أن وراء ذلك ما هو أكثر وأشد بشاعة، وهو أمر يتجاوز المظاهر المؤلمة للضحايا وهم يحتضرون بلا أمل في الإنقاذ، مما يجعل هذا السلاح بظاهر وباطن مختلفين، كما أن ما وراء الأكمة شيئا أكبر. وهو أمر يظهر جليا من خلال دراسة المعطيات التي مهدت لظهور المواد الكيميائية كسلاح.
وتشير معطيات تاريخية إلى أن البشر عملوا منذ القدم على استخدام وسائل غير تقليدية في الحرب، وكان أبرزها الجراثيم، إذ كانت الجيوش تلقي جثث الجنود المرضى في مصادر ماء شرب الخصوم، وذلك بهدف إصابتهم بالمرض وقتلهم، مما سجل ظهور السلاح البيولوجي.
ولكن هذا السلاح الذي كان يعتمد على المرض كانت له مشاكل، أولها أنه يحتاج إلى وقت ريثما تحصل العدوى بالفيروس أو الجرثومة ويتهاوى الجسم تحت وطأة أعراضه ومضاعفاته، وهو أمر غير ملائم في الحروب التي تحتاج للسرعة والضربة الخاطفة.
السلاح الكيميائي يستهدف البشر فقط لا الحجر (الجزيرة)
تلوث ونتيجة عكسية
والمشكلة الثانية هي أن بيئة الخصم كمدينته أو أرضه كانت تتلوث بالعامل البيولوجي مما يجعل دخول الجيش المهاجم لها إذا انتصر أمرا صعبا وربما كارثيا عليه، إذ قد ينتقل المرض إليه أيضا مما يقلب السحر على الساحر، ويؤدي إلى نتيجة عكسية.
وهنا يلعب الجانب الاقتصادي في الحرب دورا مهما في فلسفة السلاح المطلوب، فالأسلحة التقليدية تعتمد على الطاقة الحرارية الميكانيكية التي تقتل عبر الحرارة والضغط، فتنهار المباني وتتدمر الشوارع وتحترق المنشآت، مما يفوت على الخصم الاستفادة من هذه الغنائم.
أما السلاح المطلوب فيجب أن يستهدف البشر فقط لا غيرهم، تاركا الحجر في مكانه، قاتلا النسل ومبقيا الحرث (المزروعات) ويجب أن يعمل ذلك بسرعة، ثم يختفي من المكان حتى يعطي المجال للمهاجم بالاقتحام والاستفادة من النصر.
كما لا بأس في إثارة الرعب بين الضحايا، مثل غاز الكلور الذي استعمل في الحرب العالمية الأولى، فهو وإن لم يثبت نجاحا كسلاح كيميائي فعال، إلا أن رائحته القوية ولونه المخضر الذي يأتي في غمامة تتحرك نحو الخصوم كان يؤدي لإلقاء الرعب في قلوبهم ويثير الاضطراب في صفوفهم.
بعض آثار غاز الخردل الذي يعد أحد الأسلحة الكيميائية (الجزيرة)
ليس بالذعر وحده
ولكن ليس بالذعر وحده يموت الإنسان، ولا بد من وسيلة تقتل في هدوء وبدون جلبة فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع، وتأتي الإجابة من الحقول التي تعطينا ما يسد الجوع، عبر تطبيق فلسفة المبيدات الحشرية التي تقضي على الحشرات فيما تترك الحرث غضا طريا يحصده المزارعون، وهنا لا يعد مستغربا أن أشد أنواع السلاح الكيميائي قوة وأكثرها فتكا وهي غازات الأعصاب، قد تم تطويرها من الفوسفات العضوية التي تستخدم كمبيد حشري.
وحتى لون ورائحة هذه السلاح تتلاءم مع فلسفة المبيد الحشري، إذ أنها عديمة الرائحة واللون، أو تمتع برائحة مموهة تشبه الفاكهة أو الكافور أو الثوم، وهي روائح موجودة في الطبيعة ولا تسبب أي تهيج أو نفور من قبل الضحية، وتسلبه فرصة الانتباه وكتم نفسه للحظات.
وهذا يعني أن فلسفة السلاح الكيميائي هي فلسفة المبيد الحشري، فهو يحصد أرواح البشر لتأتي اليد التي أطلقته فيما بعد وتحصد خيرات أرضهم، فهي إبادة نظيفة لا عنف فيها ولا دماء، ظاهرها فيه العذاب، وباطنها فيه عذاب أكبر.