الطائر الحر
Well-Known Member
الفنانة فيروز في إحدى حفلاتها الغنائية
اليوم يحل عيد ميلاد زهرة الغناء "فيروز"، جارة القمر، التي غنت منذ عام 1940، أي شدت لنحو 80 عامًا حتى الآن، واستطاعت أن تقف وحيدة متميزة في عصر تملكته أم كلثوم ولم تتنافس أو تحاول إثبات نفسها، فقد كانت في كوكب خاص بها.
فيروز التي تدخل بيوت الملايين بنحو 800 أغنية مع ظهور شمس كل يوم جديد، سواء بأغان منفردة أو بمسرحياتها الغنائية الشهيرة، واليوم تكمل نهاد رزق وديع حداد (الشهيرة بفيروز) العام 85.
بدايات ما قبل الرحابنة
بدأت فيروز مغنية كورال في الإذاعة عام 1940، وهناك انتبه لها الأخوان فليفل، فضماها إلى فرقتهما، وغنت الأغاني الوطنية فقط، وذلك حتى عام 1950 عندما تعرفت على حليم الرومي، وغنت أولى أغانيها الشخصية بعنوان "تركت قلبي وطاوعت حبي"، وتعاونا فترة طويلة في عدد من الأغاني المميزة، واشتركا كذلك في غناء "عاشق الورد"، ولكن حتى هذه الفترة لم تحصل على النجاح الكافي، ولم يستطع أحد إبراز خامة صوتها الملائكية.
الرحابنة والتعاون الأطول
حليم الرومي كان بداية التعارف بين الرحبانية ونهاد، حيث رأى أن صوتها الرائع يليق مع أغانيهما، خاصة أنهما لم يمتلكا سوى "كورس" بلا مغنية رئيسية، وسريعًا التحقت بهما فيروز، لتقدم أغنية "غروب"، ومن هنا جاءت البداية.
ومن الأغاني إلى المسرحيات، حيث اعتمد الرحابنة على إعادة تقديم التراث الغنائي اللبناني والفلكلور المحلي وحياة "الضيعة"، أو الريف ومشاكله البسيطة، وبصوت فيروز الذي لا يشبه غيره لم تعد تلك الأغاني محلية، بل انتقلت إلى العالم العربي بالكامل، ووصلت إلى كل منزل، ومن الشرق الأوسط إلى الغرب.
وفي الستينيات، خرجت فيروز للعالم بنفسها وليس بصوتها فقط، حيث ظهرت في حفلات بسوريا ومصر وتونس والمغرب والإمارات، ثم وصلت إلى أوروبا وأميركا.
ومن الأخوين رحباني، انتقلت فيروز إلى جيل آخر من الرحبانية، عن طريق ابنها زياد الرحباني، وهو ابنها من زوجها عاصي الرحباني، الذي بصورة طبيعية اهتم بالموسيقى العالمية سنوات طويلة، وعند إصابة والده بنزيف في المخ تولى تلحين أغنية "سألوني الناس"، وهو في 17 من عمره، ليبدأ فصل جديد في مسيرة فيروز.
من الفلكلور إلى الموسيقى العالمية
واحدة من الصعوبات التي عانت منها فيروز في مسيرتها الغنائية هي محاولات الأخوين الرحباني سجنها في أطر موسيقية جامدة، والتي بالفعل أطلقتها للعالمية، ولكن الحفاظ على النجاح ليس سهلا كالوصول إليه، حيث رغبت فيروز في التجدد وتجربة صوتها في حلل ثقافية وفنية مختلفة.
ولكن الصراع انتهى بصورة طبيعية على يد زياد ابنها، الذي كانت ذائقته الموسيقية واتجاهاته مختلفة عن تلك الخاصة بوالده وعمه، فقد كان محبًّا للموسيقى الغربية والشرقية بكل أنواعها، لذلك ومنذ منتصف السبعينيات، وفي "ألبومات" غنائية كاملة لها، نلاحظ اختلافًا واضحًا في شكل الأغاني ونوعيتها، مثل "كيفك أنت" و"حبيتك تنسيت النوم".
هنا نلاحظ اختلافا في نوعية الآلات الموسيقية المستخدمة في ألحان أغاني فيروز، فبعد الآلات الشرقية من التخت القديم، نجد الآلات الغربية والتوزيع غير المعتاد.
ورغم عدم تقبل البعض في البداية هذا التغيير الكبير في نمط "الأغاني الفيروزية"، فإن صوتها وجودة الأغاني كانا الأعلى بين كل الأصوات الناقدة، ليفتح هذا الباب مزيدا من التجدد أمام صوت فيروز الشجي، وتكتب فصلًا جديدًا من تاريخها.
ولكن كل هذا التجديد لم يكن كافيًا لزياد، ففي المرحلة التالية اتجه إلى الموسيقى العالمية، وانتقى ألحانًا شجية تناسب صوت والدته، ثم أعاد تركيب كلمات على هذه الموسيقى، مما أبرز مساحات أوسع وأكثر اختلافًا بينها وبين أغاني فيروز الأقدم.
وربما لو لم يوجد زياد في مسيرة فيروز لأصيبت بالعلة نفسها التي أصابت مسيرة مطربات جيلها اللاتي ارتبطن بالملحنين أنفسهم وقتا طويلا، كوردة وبليغ حمدي، وفايزة أحمد ومحمد سلطان، حيث تكرار الألحان ذاتها والأنماط الغنائية نفسها، ولكن هذا التجديد في دماء أغاني فيروز أدى إلى تنوع جعل كل حقبة في تاريخها مختلفة عن الأخرى.
أجيال متعددة من المحبين
يصعب أن تتخيل حفاظ مغنية على كل هذه الأعداد من المحبين طوال عقود طويلة من الغناء؛ فهناك أجيال وُلدت وانتهت ولا زالت فيروز تصدح بالغناء، وظهرت أجيال أصغر بذائقة أكثر شبابًا واختلافًا، ولكنها ما زالت محافظة على مكانتها بينهم؛ مما يعني أن مراهنة "جارة القمر" على التجدد الدائم لم تجعلها فقط على الساحة دومًا، بل حافظت عليها من أن تصبح حكرًا على جيل واحد، وأصبحت معشوقة كل الأجيال.