محمد الموسوي –
مكة المكرمة التي كرمها الله تعالى ببيته العتيق الذي بناه النبي آدم (عليه السلام) من قبل ثم أعاد بنائه النبي إبراهيم وأبنه إسماعيل (عليهما
السلام) بعد سيول المياه التي جرفت في تلك الفترة مكة المكرمة, فكانت الكعبة المشرفة معبدا لله الواحد الأحد وكل الأنبياء والرسل (عليهم السلام) أوصوا قبائلهم أو أقوامهم بحج البيت الحرام لحرمته ومكانته عند الله سبحانه وتعالى , ولأن مكة أم القرى وجنة السلام في الماضي والحاضر ومعقل الأدب والشعر والفصاحة العربية ومركز توسط القوافل وراحتهم الذاهبين إلى الشام أو الى الجنوب أي الى اليمن , فكانت مدينة مكة المكرمة محطة عبادة سنوية لها في الماضي والحاضر , وسمي بموسم الحج . وفي اليوم الثالث عشر من شهر رجب الأصب في السنة 23 قبل الهجرة المباركة (600م) أحست السيدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بوجع الولادة , وهي زوجة مؤمن قريش أبو طالب بن عبد المطلب وهو عم الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) , وإن السيدة فاطمة كانت في الشهر التاسع من الحمل وأقبلت إلى المسجد الحرام وطافت حول الكعبة المشرفة ثم وقفت للدعاء والتضرع إلى الله تعالى ليسهل عليها الولادة فكانت النساء في الجاهلية قبل الولادة يحجن إلى الكعبة ومن ثم إلى أصنام قبيلتها التي تنتمي إليها الموجودة حول الكعبة لطلب المراد والتقرب إلى الله تعالى , لكن السيدة الكريمة فاطمة بنت أسد هي وزوجها من المقربين لدين جدهم النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام) وهم سدنة الكعبة المشرفة واحدا بعد آخر فكانوا يتحاشون عبادة الأصنام والأوثان ويعرفون إنها لا تنفع ولا تضر , فقالت السيدة فاطمة أمام الكعبة المشرفة بهذا الدعاء
يا رب إني مؤمنة بك وبكل كتاب أنزلته وبكل رسول أرسلته ومصدقة بكلامك وكلام جدي النبي إبراهيم الخليل عليه السلام وقد بني بيتك العتيق وأسألك بحق أنبيائك المرسلين وملائكتك المقربين وبحق هذا الجنين الذي في أحشائي إلا يسرت علي ولادتي ) . فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : كان بعض بني هاشم ومنهم العباس بن عبد المطلب من الموجودين هناك لأنه كان ساقي الحجيج في الجاهلية وفي الإسلام وبعض من بني عبد العزى جالسين بإزاء بيت الله الحرام فرأوا إنشقاق جدار الكعبة من الجانب المسمى (المستجار)!!بمعجزة إلهية , ثم دخلت السيدة فاطمة بنت أسد إلى جوف الكعبة وعادت الفتحة وألتصقت وولدت بوليدها الجديد وليد الكعبة (علي) هناك , والمعروف إن للكعبة بابا يمكن منه الدخول والخروج ولكن الباب لم يفتح بل إنشق الجدار بقدرة الله سبحانه لأن الله على كل شيء قدير وهو أوضح وأدق على خرق العادة , وتعتبر شق الجدار وولادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب داخل مبنى الكعبة المشرفة من دون خلق الله جمعيا هو إعجاز إلهي وتعظيم مكانة المولود المبارك لدى الخلق أجمعين وتناقلها تلك الحادثة والمعجزة الإلهية والكرامة المؤرخون والكتاب في تلك الفترة وما بعدها لتوضيح الأجيال مكانة الإمام علي سيد الأوصياء عند رب العالمين . وإن أثر شق الجدار لا يزال موجودا على جدار الكعبة الى يومنا هذا رغم تجديد بناء الكعبة كل عام , ورغم مرور أكثر من 1400 سنة على تلك الحادثة والمعجزة الألهية , وإن الحجاج اليوم يلتصقون بهذا الجدار ويتضرعون إلى الله تعالى في قضاء حوائجهم بحق وليد الكعبة المشرفة . ونحن المسلمون نؤمن بالله تعالى وبالقرآن الكريم وبرسوله الكريم نتقبل الأمور الخارقة للعادة والتي هي ما وراء الطبيعة المذكورة في القرآن الكريم الذي يتضمن أكبر كمية من الحوادث فمنها خلق الله سبحانه النبي آدم وحواء بدون أب وأم , وكذلك سفينة النبي نوح (عليه السلام) , والنار التي وضعوا فيها النبي إبراهيم (عليه السلام) عندما حطم النبي إبراهيم أصنام قومه فجعلها الله تعالى بردا وسلاما على إبراهيم , وكذلك عصا النبي موسى (عليه السلام) وتغيرها إلى ثعبان وإبتلاعها الحبال والعصي التي كانت يخيل إلى سحرة فرعون إنها تسعى وبعدها عاد الثعبان إلى أصله (العصا) كما كانت , وكذلك حين قام النبي عيسى (عليه السلام) من إبراء الأكم الذي ولد أعمي والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله سبحانه وغيرها من الحوادث الخارقة للعادة والطبيعة المستندة إلى إرادة وقدرة الله سبحانه , وإن جميع الموجودات خاضعة ومطيعة لإرادة الله تعالى , فمن العادات والخوارق يكون قبول إنشقاق جدار الكعبة المشرفة لدخول السيدة فاطمة بنت أسد حتى تضع وليدها الإمام علي وهذا تشريف لها ولولدها ولأنها حدثت لأول ولادة داخل الكعبة المشرفة لأنها لم تحدث لا قبل الإسلام ولا بعده ! لأنها من المعجزات الإلهية والمراد قبولها , ولذلك أكدها ودونها كافة الباحثين والمؤرخين والكتاب العرب والمستشرقين ضمن كل الحوادث والمعجزات ومنها معجزة ولادة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في جوف الكعبة المشرفة وإنشقاق جدارها لأمه السيدة فاطمة بنت أسد , وقد مدحه الأدباء والشعراء من قبل ومنها قول الشاعر السيد الحميري حيث قال في قصيدته المطولة في هذا الموضوع : ولـدته في حـرم الإله وأمنـــه والبيت حيث فناءه والمسجـــد بيضاء طاهرة الثياب كريمـة طابت وطاب وليدها والمولــد مالف في خرق القوابل مثـله إلا ابـن آمنـة الــــنبي محـمــد وبقيت السيدة فاطمة ثلاثة أيام وكانت معها حين ولادة الإمام علي كل من , آسيا بنت مزاحم التي عبدت الله سرا , والسيدة مريم بنت عمران حيث يسرت ولادتها وكان أكلها وأرزاقها من ثمار الجنة . وأنتشر هذا الخبر في مكة المكرمة وضواحيها , وأزدحم الناس حول المسجد الحرام ليشاهدوا مكان الحادثة فخرجت السيدة فاطمة بنت أسد من الموضع الذي كان قد أنشق الجدار منه وبيدها الشريفة وليدها الإمام علي كأنه القمر الزاهر فقالت لهم : (معاشر الناس إن الله عز وجل أختارني من خلقه وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي) فكان مولد الإمام علي في أشرف بقاع الأرض وفي أشرف بيت من بيوت الله تعالى التي تعبد له , وأستقبل أبو طالب السيدة فاطمة مهنئا لها بسلامة الولادة وأخذ وليده الحبيب وضمه إلى صدره ودعا الناس إلى وليمة أبنه علي ونحر له (300) من الإبل ومن البقر والغنم لأن الله سبحانه شرفه بهذا المولود وهذا النور, ثم أخذه رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) وقبله وحمد الله على ظهور هذا المولود الذي كان يعلم من الله إنه سيكون له أحسن عون له ووزيره وأول مؤمن به وبرسالته ومبشر بدينه الذي سيبعث به , والطفل الذي أختار الله تعالى له الكعبة مولدا له , فأنطق لسانه يوم ولادته كما كلم النبي عيسى (عليه السلام) الناس وهو في المهد , وإن الإمام علي (عليه السلام) كما ولد داخل بيت الله الحرام فقد خرج من هذه الدنيا إلى الرفيق الأعلى من بيت الله أيضا يوم شهادته !. وهناك عدة دلالات تثبت وجود تشقق الجدار منها : 1 . تجدد فطر الجدار سنوياً رغم كل المعالجات عبر القرون ليلة ولادة الإمام علي (عليه السلام) . 2 . تجدد فطر الجدار حتى بعد إعادة بناء الكعبة بعد تهديمها بمنجنيق بني أمية لعنهم الله . 3 . الرائحة الزكية المنبعثة من مكان فطر الجدار التي لا مثيل لها في جدران الكعبة . 4 . ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه كان يمس الركن اليماني بالخصوص ، وهذا دليل لمن أهتدى . 5 . شهادة الرواة والمؤرخين إضافة الى مصادر الفرق الإسلامية . فلينظر كل مسلم ومسلمة الى معالم مكان فطر الجدار جيداً ليعرف من هو علي عليه السلام ومكانته عند الله ورسوله , وخصوصا في يوم الولادة الميمونة 13 من شهر رجب لترى الحقيقة , وإنه أطلع وكتب على هذه المعجزة الإلهية 16 من المصادر السنية , و 50 من المصادر الشيعية , و40 من المصادر غير الإسلامية تؤكد تشقق الجدار رغم محاولات عديدة لترميم الشق فلم يستطيعوا ! فهيهات أن تختفي المعجزة الإلهية والكعبة المشرفة تشهد بها لكل الناس جيلا بعد جيل . وفي يوم 13 من شهر رجب من كل عام يحتفل ويحي المؤمنون في دول العالم الإسلامي في كل دول العالم بالذكرى العطرة للولادة الميمونة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) سيد الأوصياء وأسد الله الغالب وبطل الإسلام ويعسوب الدين وأمير المؤمنين وأبو الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) . فسلام الله عليك يا سيدي ومولاي يا أسد الله الغالب يا وليد الكعبة المشرفة الإمام علي بن أبي طالب في ذكرى مولدك الشريف والمبارك في بيت الله الحرام يوم ولادتك الميمونة . ونهنىء في الوقت نفسه إمام زماننا الحجة إبن الحسن العسكري صاحب العصر والزمان بمناسبة ذكرى ولادة جده أمير المؤمنين , ونهنىء مراجعنا العظام , ونهنىء كافة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بهذا المولد الشريف والمبارك .
