♥мs.мooη♥
Well-Known Member
قصة بائعة البخور
.مليئة بالحزن .......والألم .....والأمل أيضا .
حيث تحكم أقدارنا علينا بمواجهة تفاصيل قد لانصدقها ........ولانتمنى حدوثها إلا أنها تحدث رغما عنا .
ذات مساء بعيد جدا في قرية من قرى الجنوب ...
عادت حليمة ذات الخمسة عشر عاما من رحلة الرعي اليومية ......لم يكن الوضع عند بيتها كما تركته صباحا ....فالواضح أن هناك ضيوف في مجلس عمها الذي تولاها بالتربية بعد وفاة والديها بالطاعون .
بعد أن أدخلت غنمها في المكان المخصص لها ....تسللت بهدوء إلى حيث أنهمكت عمتها في طبخ وليمة للضيوف ...تحمل عيناها البريئتان تساؤلا ملحا عن هؤلاء الضيوف القادمون فجأة .
ما أن رأتها عمتها الطيبة حتى طلبت منها الصعود للدار العلوية وإرتداء أجمل مالديها من ملابس ....وبالطبع كل مالديها هو ثوب واحد كان هديتها من عمها في العيد الماضي ........والآخر الذي ترتديه الآن .
لم تفهم لم كان عليها أن ترتدي ثوبا جديدا ...........فالضيوف عند عمها وهم بمجلس الرجال .....ولم تر معهم نساءا ....فعاد التساؤل يلح عليها من جديد ........لكنها لم تجرؤ على السؤال عن السبب ........ولا تريد أن تشغل عمتها بأسئلة ستتضح إجاباتها قطعا بعد قليل .
في الدار العلوية فتحت حليمة رباط ممتلكاتها البسيطة الملفوفة بقطعة من القماش .......وأخرجت ثوبها الأخضر فاردفته فوق ثوبها البالي .......ثم تناولت مشطها الخشبي الصغير وسرحت شعرها قليلا ......ثم عادت لتساعد عمتها العجوز ........وهي تمني نفسها بأن تجد جوابا مباشرا لتساؤلاتها دون أن تضطر للسؤال .
لمحتها عمتها تقف بباب ( الملهب ) وهو المسمى القديم للمطبخ .........قالت لها .........أغسلي وجهك وضعي بعض العطر من صندوقي .........فالضيوف قدموا لأجلك ....!!
لأجلي .............!! وما شأني أنا بضيوف عمي ...........ورغم دهشتها من كلام العمة إلا أنها فعلت ماقيل لها حرفيا ....وعادت مرة أخرى .
وألتقت عند باب المطبخ بعمها ( مرعي ) الذي أبتسم في وجهها ومسك رأسها بين كفيه ناظرا في عينيها وهو يقول ........الظاهر أن العروس قد تجهزت لترى عريسها ......هزت العمة رأسها مبتسمة .........وزادت الدهشة في عيني حليمة .
أنا ...؟؟؟!!
قال العم نعم ..........هؤلاء الضيوف قدموا لخطبتك .........ويجب أن يراك الرجل الذي سيصبح زوجك ....!!
زوج .....زوجي ....!!
لم يسبق أن فكرت حليمة في هذا الأمر أبدا .........ولم يتجاوز تفكيرها يوما العودة بالغنم وقد شبعت .......أو جلب الماء من البئر .....ليس أكثر من ذلك ...والآن زواج ..........بدون مقدمات .
لكن ياعم ....!! ونظر إليها عمها قبل أن تكمل جملتها وهو يقول ...........يابنتي .......كل فتاة مصيرها الزواج ....ومن جاء يخطبك رجل له سمعته وقيمته في كل القرى المجاورة .........وقد أختارك من بين كل بنات القرية ...فلا تفكري في الأمر ...........وأنا أعلم بمصلحتك ....
سكتت مرغمة رغم أنها لم تفهم شيئا ..........فخجلها من عمها وعمتها دعاها للسكوت على مضض .
جلست على احدى درجات السلم الترابي ........وقبل أن تستغرق في التفكير ......سمعت صوت عمها ( مرعي ) يطلب منها الحضور لمجلس الرجال .........!!
ارتجفت ......وحاولت أن تتماسك ........ثم توجهت نحو مجلس الرجال بتردد ........وعمتها تدفعها دفعا ...وهي تنظر لعمتها بتوسل ..........بينما العمة تشجعها وتزين في عينيها قيمة هذا الزوج الرائع .
هم يمتدحون الزوج الرائع .........وهي لاتعرف معنى أن تكون زوجة أصلا .........ووجدت نفسها تقف على باب مجلس الرجال .
دفعتها العمة للخطوة الأخيرة نحو قدرها ..........ووجدت نفسها تقف وجها لوجه أمام عمها الشيخ .........ورجل آخر قد يكون من عمر عمها وربما أكبر ........ودعاها العم للجلوس .......فجلست بخجل وحياء في الركن المجاور لباب المجلس ........وقد أخفضت عينيها نحو الأرض .
قطعا هذا والد العريس .........لكن أين الرجل الذي سيصبح زوجي ..........؟؟
نهض عمها .......وتناول يدها .....مقتربا من الرجل ...قائلا هذه زوجتك يا أبا محمد .......!!
وأبتسم أبو محمد بحبور ........وهو يقول .....ماشاء الله .........ماشاء الله .........وأستمر في النظر إليها ....ورفعت رأسها لتعرف مايدور حولها ........فشاهدت زوج المستقبل بوضوح .....بلحيته المصبوغة بالحناء فبدت كمكنسة قد تآكل أطرافها ..........وكرش ضخمة تبتعد أطرافها عن جسده كثيرا ...حتى أنها ظنت أنه لا يستطيع النظر إلى قدميه بسبب ضخامتها .
وأستغلت الفرصة .....وهربت من المجلس بسرعة ..........وعادت إلى عمتها فألقت بنفسها على صدرها ...وهي تقول هل هذا الرجل سيصبح زوجي ..؟؟
أنه أكبر من عمي ........وهو ضخم جدا ....جدا .
نهرتها العمة وهي تقول الرجل لايعيبه شيء ...!! فأحمدي ربك .........هذا الرجل غني جدا ....وهو يعمل عسكريا في الجيش .....وستكون حياتك معه أجمل من حياتك هنا .....وبدلا من رعي الغنم ....وجمع الحطب ستعيشين في ( أبها ) ....معززة مكرمة .
الرجل لايعيبه شيء .........كلمة غريبة ..........تتساءل ...هل يعني هذا أن الرجال خلقوا بدون عيوب ..........ولم يجبها احد ..!!
وحضرت العمة وجبة الضيوف .........تناولها الجميع ......بما فيهم ( المملك ) أو مانسميه الآن المأذون ....وحضر عمها بعد قليل حاملا سجلا ضخما .........وعلبة تحوي لونا أزرقا .........وضع العم إبهام حليمة عليه وضغطه قليلا .......ثم طبعه على السجل ........وأنصرف .
وهكذا أصبحت حليمة زوجة لأبو محمد .............بلا حول لها ولاقوة .
وأنصرف الجميع .........وعاد العم بعد أن ودع ضيوفه بحفاوة ........جلس قريبا منها مباركا لها بهذا الزوج الفاضل .
العمة تبتسم بسعادة .......والعم يبتسم بسعادة أكثر ..........وحليمة صامتة لاتعي من مايحدث حولها شيئا .......سوى أنها اصبحت زوجة لرجل يتجاوز عمرها بخمسة أضعاف على الأقل .
تنحنح العم مرعي ثم قال .........يجب أن تفرحي يا أبنتي .......فهذا الرجل يحلم به كل فتيات القرية .....رجل غني وذو سمعة ......ومن عائلة كريمة ......!!
صحيح أنه متزوج ولديه أولاد ........لكنه وعدني أن يجعل لك بيتا خاصا .......ولن تعلم زوجته الأولى أصلا بهذا الزواج ....!!
لم يؤثر فيها هذا الخبر .......فهي لازالت في حالة صدمة من كبر سنه وصغر سنها ...........وكونه متزوجا ولديه أولاد .......لن يغير في حجم المصيبة ........ولم يعد لديها ماتقوله فتركتهم وتوجهت إلى غرفتها وخلعت ثوبها الأخضر .........وألقت بنفسها على فراشها .
لم تحلم بشيء ...........فلا شيء يستحق أن تحلم به ..........ولم تفعل أكثر من تأمل سقف غرفتها الخشبي ...ثم نفخت على ( فتيلة الفانوس ) لينطفئ ويعم الظلام في ماحولها ...
تقاطر نساء القرية في الأيام التالية مهنئين بهذا الزواج ....يأتين حاملات بعض القهوة البرية وقد دسسن وسطها مبلغا بسيطا من المال كما اعتدن في الافراح والأتراح أيضا .
العمة تجمع عطايا النساء فتضع القهوة مع بعضها وتجمع النقود مع بعضها أيضا .
والعروس ........تجلس معهم ساهمة في أكثر الأوقات ......ويعتادها دوما حديثهم عن أبها البعيدة .....وكيف ستكون .
حدد وقت العرس في الجمعة القادمة ...........وحليمة لاتعلم هل تفرح أم تبكي ...!!
وفي الجمعة القادمة نهض العم باكرا فذبح رأسين من الغنم ...وبدأ الرجال يلتفون من أنحاء القرية ....وقد أرتدوا أجمل حللهم وتمنطقوا بخناجرهم اللامعة ........وبقوا يرددون بعض الأهازيج الشعبية ....في إنتظار قدوم العريس وصحبه .
ولم يطل أنتظارهم كثيرا .......فقد سمعوا طلقات نارية من أول الطريق الترابي الوحيد هناك ........فأصطفوا جميعا للترحيب بالضيوف .
وأقبل الضيوف في صف أفقي واحد يتوسطهم صاحب الشأن وقد ارتدى اجمل مالديه .......وتمت مراسم الترحيب والعرضة الشعبية .
حليمة تقف في منتصف غرفتها ........تتأملها جدارا جدارا .......ربما تسترجع سنوات عمرها التي قضتها في هذه الغرفة .........وربما تتساْل متى ستراها مرة أخرى .
في منتصف حيرتها ........دخلت عليها العمة .......فأوصتها خيرا بزوجها ....وأن عليها أن تكتم أسراره وتقوم بواجبه ....وألا تفعل ما يغضبه ......وألاف الوصايا التي لم تفهم حليمة كثيرا منها .
وبعد العشاء ........حملوا حقيبتها المصنوعة من الصاج المنقوش والتي أشتراها لها العم لتجمع فيها أغراضها البسيطة ........وحملوا العروس إلى سيارة ابو محمد .
لأول مرة في حياتها تركب سيارة .......وبدلا من النظر إلى وجه زوجها .......تمسكت بشدة في مكانها خوفا .
وضحك العريس وهو يقول ........لاتخافين ياحليمة .
وأخيرا إنتبهت لوجوده .......فنظرت إليه في الظلام .........وهو أكمل حديثه بقوله ........أسمعي ...سيكون لك بيت خاص ......وسآتي إليك بين فترة وأخرى .......انا أشتغل في الخميس ........وقد اتأخر عليك أحيانا ....فلا تقلقي .....وابقي في بيتك ولا تخرجي منه بدون إذن مني .
وهي تهز رأسها ليس إقتناعا .........وإنما تحصيل حاصل .
بعد ساعات من الإهتزازات المتعبة ......وصلوا إلى مشارف أبها .........ومن هناك إلى بيت الزوجية .
بيت طيني صغير في حي ( النصب ) .
اضاء العريس فانوسا جديدا معلقا على جدار الغرفة ........وعاد للسيارة ليحضر حقيبة اغراضها .......وجلست حليمة على الدكة الطينية ......في وجوم وصمت .
عاد العريس بالحقيبة فوضعها أرضا ........ثم دعاها إلى فراش متواضع في ركن الغرفة ........كادت أن تطلق ساقيها للريح .......لكنها تذكرت وصايا العمة .........وماذكرته عن لعنات الملائكة ....ولم يطل ترددها فقد مد العريس يده فأنتزعها من مكان جلوسها ........وألقاها أرضا .......وشعرت بشعرات لحيته تعبر وجهها روحة وجيئة .....وأصوات كفحيح الأفاعي ثم .......رمى بنفسه جانبا .
نهض .....وغسل نفسه بقليل من الماء ..........وأرتدى ملابسه وخرج .........!!
بعد أن اصبحت وحيدة .........نظرت لنفسها فوجدت الدماء تسيل منها .........وقد تلطخ جزء من الفراش ....وأرادت أن تقف على قدميها ........فما أستطاعت ....فألقت بنفسها على الفراش ..........وغطت في نوم نصفه كوابيس ........ونصفه الآم مبرحة .
نهضت بتكاسل شديد ..........والآمها تزيد مع كل حركة .........فأغتسلت وأبدلت ملابسها .......ونظفت فراشها ...وهي تلعن الزواج ......ويوم الزواج...!
نظرت من نافذة المنزل الطيني لترى ماحولها ..........فرأت من خلف المنزل وادي أبها .........ومن الناحية الأخرى طريق ترابي ضيق ........وبيوت في الجهة المقابلة .
جوع شديد ........بحثت في أرجاء المنزل فلم تجد إلا كيس من الدقيق ....وقليل من التمر ....تناولت بعض حبات التمر .......مع بعض الماء .
ثم سمعت طرقا على الباب .......فتحركت في ثتاقل لترى من الطارق .........فرأت عددا من النساء يرتدين عباءات سوداء .......لم يسبق أن رأت مثلها في القرية ........بادروها بالسلام ...وأستأذنوا بالدخول فأذنت لهم ....سألوها عن حالها .......فأخبرتهم أنها عروس جديدة ........فهنأنها ....وفرحت أكثر حين أحضرن معهن بعض ( العريكة ) المغطاة بالسمن والعسل ....وبعض القهوة والشاي .
دعوها للأكل فلم تتردد .......وملأت بطنها ثم تناولت بعض القهوة .........وضحكن كثيرا حين سألتها أحداهن عن زوجها من يكون فقالت أسمه أبو محمد .........ولم تكن تعرف عنه أكثر من ذلك إلا أنه عسكري في الجيش .
مر يومان أو ثلاثة ......وجاء ابا محمد .........وقد أحضر معه كيسا ورقيا في بعض اللحم .......قذف به نحوها وهو يقول .......قومي أطبخي لنا الغداء .
وأسقط في يدها .........فهي لم تطبخ قبل ذلك أبدا ........وإن كانت كثيرا ما تساعد عمتها في الطبخ ......إلا أنها لا تعرف تماما كيف يكون الطبخ .
قالت ....ما أعرف .......فأنقلبت ملامح العريس ........وأكفهر وجهه .....ثم وجه لها سيلا من الشتائم المتتالية بصوت كنهيق الحمار ......وهي تغمض عينيها مع كل شتيمة جديدة ........وسحبها بيدها بقوة كادت أن تنزعها من جسدها ودفعها نحو المطبخ ........ولم تدر ماذا تفعل .
وبدأ يشرح لها كيف تطبخ .......وهي تهز رأسها رغم أنها لم تفهم شيئا .
خرج الزوج للمسجد .........وعاد ليجدها في حيرتها السابقة ..........فلم تفعل أكثر من غمر اللحم في قدر من الماء ثم تركته .
إشتد غضبه أكثر ............وتناسى موضوع الأكل ........وقام بسحبها لنفس مكان المذبحة الأولى .......ومارس فحيحه كالمعتاد .......ثم رمى نفسه جانبا حتى يسترد أنفاسه ........وأرتدى ملابسه وخرج .
تنفست الصعداء بعد خروجه .........رغم الألم الشديد .......في نفس المكان ..........لكن خروجه رحمة على الأقل .
ولم تتردد في الإستعانة بجارتها لتعليمها كيفية الطبخ .......فعلمتها الطبخ .........والكنس ......والغسيل ....وكل ما أستطعن أن يعلمنها .
وأصبح العريس يأتي بقطعة من اللحم .......أو ديكا بلديا مذبوحا ..........فتطبخه كأحسن ما يكون .......فخفت حدة شتائم الزوج ..........لكن لازال الأمر ينتهي رغم ذلك .......في مكان المذبحة الأولى .
وتجرأت يوما فسألت ابا محمد عن أسمه ........فأنفجر ضاحكا لأول مرة منذ زواجهما ........وسألها ألم يخبرك عمك من أنا ..........قالت قال لي أبو محمد فقط .
قال أسمي موسى بن محمد بن عبدالله .........وتبسط في الحديث معها ......فأخبرها أنه متزوج من أبنة عمه منذ أكثر من عشرون عاما .......ولديه ثلاثة أولاد وبنت واحده ........وأنهم لايعلمون أنه قد تزوج بزوجة أخرى
ولم تعني لها تلك المعلومات الإضافية شيئا .
مر شهر كامل على زواجهما .......وكالمعتاد حضرت الجارات كعادتهن كل صباح ........فوجدنها في حال مختلف ......فهي تشكو مغصا مؤلما ......وشعور بالدوخة والغثيان .........فتضاحكن وهن يخبرنها أنها ربما تكون حاملا .
حامل ..........مامعنى هذا ؟
يعني ستأتين بولد أو بنت ......وتصبحين أما .........!!؟؟
وجمت قليلا وهي تتحسس على بطنها ..........قائلة .....مالي إلا شهر متزوجة ..!!
وفرحت .........كثيرا ...والنساء يباركن لها ويدعين الله أن يسهل عليها الأمر ........وترزق بطفل ليؤنس وحدتها ...وصارت هي تؤمن لهن .
غادر النسوة ..........وجلست تتخيل كيف سيكون طفلها ........هل سيكون ولدا أم بنت ؟
هل سيكون الأمر مؤلما ............وقطع حبل أفكارها طرقات الزوج على الباب .........فسارعت بفتح الباب ....وما أن وضع خطوته الأولى في البيت حتى سارعت بإخباره بالخبر السعيد ......وهي تتوقع أن يطير فرحا ....لكن جوابه كان صفعة لوت رقبتها تسعون درجة في الإتجاه الآخر .
وبهتت للأمر ....فقد قال لها النسوة أن الزوج سيفرح إن علم بحمل زوجته .........لكن هذه الصفعة قطعا لاتدل على فرح أبدا .
وأنهمرت في بكاء شديد ...........وخرج ابو محمد غاضبا .........وتنفست الصعداء مرة أخرى ......فلم يكن هناك زيارة لمكان المذبحة المعتاد .
وتساءلت حليمة لم هو غاضب ...........فهي لم تفعل شيئا .........بل هو من فعل .....فلم تحاسب على فعله هو ...
في بيت ابا محمد الآخر ....يختلف الوضع كثيرا فهذا المتوحش هنا يصبح خانعا ذليلا عند زوجته الأولى ...هي ابنة عمه نائب القبيلة السابق ...وهي سيدة شريرة جدا وورثت عن أبيها الكثير من الاملاك والمزارع في قريتهم ومنذ زواجها منه قبل عقدين من الزمن حين كان مجرد جندي في الجيش فرضت كامل سيطرتها عليه وعلى البيت ........فهي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة .
زرعه.......هذا هو أسمها لديها ثلاثة أولاد وبنت واحدة .....أكبرهم محمد في العشرين من عمره يليه خالد وعلي وأصغرهم ليلى في السادسة من عمرها .
محمد ...الولد ألأكبر .....نسخة مكررة من والدته الشريرة فهو ولد عاق لوالده بينما هو ولد مطيع لوالدته التي لاتبخل عليه بالنقود دوما .
لايتخيل أبا محمد كيف سيكون حاله لو عرفت زوجته أنه قد تزوج عليها .....ولذلك أختار زوجته الثانية من قرية أخرى بعيدة عن قريتهم .
يعرف أنها لو علمت بذلك فلن تتردد في طرده من بيتها ...الذي أشتراه لها والدها النائب قبل وفاته ....وقد تضربه بمعاونة ولدها الأكبر كما فعلت من قبل لمرات عديدة .
محمد ....فرض سلطته العنيفة الشريرة على أخوته الآخرين فهو الآمر الناهي عليهم .....وملأ قلوبهم الحقد عليه بسبب عنفه وضربه لهم .
حتى الصغيره ليلى لم تنج من عدوانه عليها بالضرب بسبب أو بدون سبب .
والأب لاشأن له بما يحدث ....ينهض صباحا فيرتدى بدلته العسكرية ويذهب إلى عمله ....ثم يعود عصرا فيتناول ما يجد من طعام ثم يخرج إلى السوق حتى المساء ويعود .
لاتتورع زرعة ابدا عن شتمه وإهانته أمام أولاده .......وحتى أمام الجيران والضيوف .......واستطاعت على مدى السنين الماضية أن تجعل منه رجلا بلا شخصية .....حتى بين زملائه في العمل الذين عرفوا عنه خوفه وتردده .......وأصبح أضحوكة بينهم .
لا أحد يعلم كيف حولته الى شبه رجل ........لكن الكثيرون يعتقدون أن سبب ذلك هو طمعه في ميراثها الضخم ........وثروتها الكبيرة .
كان والده فقيرا جدا .......وكل ما يملكه بيت طيني وقطعة أرض صغيره يزرعها في القرية .....وبضع رؤوس من الماشية .......أما والدها فقد سافر صغيرا وعمل في الجيش في الطائف في بدايات تكوينه .... ثم ترك الجيش وبدأ العمل في التجارة فكان يتاجر في الأغنام ويجمع منها الكثير ثم حين يأتي موسم الحج ينزل بأغنامه إلى مكة فيبيعها على الحجاج ....حتى كون ثروة كبيرة ...وبعدها عاد إلى قريته فبنى بيتا كبيرا ....وتزوج .
كانت زرعة ابنته الوحيدة فقد ماتت أمها بعد ولادتها بأيام قليلة .....فتزوج من إمرأة أخرى ......ولم ينجب منها أولادا ....ولم تطل البقاء معه ....فقد طلقها بعد خمس سنوات من الزواج .
عرف الجميع في القرية أن زرعه كانت سيئة السلوك في شبابها .......وكانت حديث شباب القرية ...وقال بعضهم أنها كانت على علاقة بشاب من قرية أخرى .......وفقدت عذريتها في احدى مغامراتها معه .
وحين علم والدها بالأمر ....عاقبها ثم قرر تزويجها بأبن أخيه سترا للفضيحة .....وأشاع بعضهم أنه حين زواجها كانت حاملا بولدها الأكبر .
هكذا كان زواجه ....رغما عنه وبضغط من والده الفقير وعمه الغني الذي توسط له للعمل في الجيش وجهز له منزلا كاملا في قريتهم .
وأصبح عمه نائبا على القرية بماله من مال وسمعة .....وحين ترك المنصب ......إنتقل إلى ابها وأنتقل أبا محمد وعائلته معهم .....وقام العم بشراء المنزل لأبنته .
حين مات والدها ورثت عنه كل شيء .....أملاكه الكثيرة في قريتهم ....وأملاكه الأخرى في ابها والخميس ...ومبلغ ضخم من المال .
في مقر عمله .....يجلس أبا محمد ساهما يفكر في هذه الكارثة التي جلبها لنفسه ......الزواج بأخرى ....هو تزوج فقط ليجد من يمارس عليها رجولته المفقودة ....ولذلك أختارها طفلة يتيمة .....كان يخطط أن لايدوم زواجه أكثر من شهر أو شهرين ثم يطلقها .....وتنتهي الحكاية .....لكن مالم يضعه في حسبانه .....حكاية حملها ....فقد أعتقد أن كبر سنه وصغر سنها سيجعل فرص الحمل شبه مستحيلة .....لكن الله أراد غير ذلك .
وما هو الحل الآن ؟؟
هل يطلقها .....ويعيدها لبيت عمها ......أم يتركها في عصمته ....آملا أن تسير الأمور كما هي الآن ....سر لايعرفه أحد .
ماالذي سيحدث لو أنكشف هذا السر ........وعرفت زرعه وولدها بتلك القصة ؟؟
قرر إستشارة بعض من يثق بهم .........فمنهم من قال أبق زوجتك معك وليكن مايكون ........وقال آخرون بل طلقها ودعها تذهب بحملها إلى قريتهم ......وأنس الموضوع تماما ........وآخر قال بل أعلن زواجك بها وضع زوجتك امام الأمر الواقع .......وتحمل النتيجة برجولة ...!!
لم يعرف أي قرار يتخذه ........فعزم على الإنتظار قليلا فقد يأتي حل آخر ينقذ موقفه البائس .
ذهب لحليمة ....التي لازالت تتذكر تلك الصفعة على خدها الصغير ....دخل عليها فألقى السلام ثم جلس ....وهي تتمنى أن تسأله عن سبب الصفعة ....وقد قيل لها أن كل زوج يفرح بحمل زوجته .
وضعت القهوة أمامه بهدوء ثم ذهبت إلى غرفة أخرى ..........ولحق بها بعد قليل ....تلعثم قبل أن يعتذر منها فقد كان ذلك اليوم تحت ضغوط كثيرة .....ولم يدر ما يفعل .....وقبلت عذره الواهي بدون إقتناع ....فليس في بالها إطالة النقاش .
وأخبرها أنه تفاجأ بخبر حملها ولم يمض على زواجهما إلا شهر .....وكالمعتاد .......تجاهلت كل كلامه وقامت لتعد له الطعام .
تناول لقيمات ......ثم ذهب واجما .
في سيارته ........مشى قليلا ثم توقف بجوار مسيل الوادي .......وهو يفكر في ما حدث .
ماذنب هذه المسكينة أن تحرم من فرحتها ........وماذنبها لتطلق بعد زواجها بأيام ؟؟
والأهم ماذنبها أن تكون ضحية نزوة مراهقة متأخرة ...........ولم تكون هي ضحية رجولته التى قضت عليها أبنة عمه ؟؟
وعاد إلى بيته .......لتستقبله زرعه مستفسرة عن سبب وجومه ...فلم يجد مايقول .
ومرت أيام .....كسابقاتها ....يمر بحليمة في أوقات مختلفة ....ليمضى ساعة أو ساعتان فقط .....ثم يرحل ....لم يقض ليلة كاملة معها منذ زواجهما ....وهي أكتفت بجاراتها ....لتسليتها وتطييب خاطرها .
مر أسبوع قبل أن يأتي زوجها ......ليخبرها أن عمها قد توفي بعد مرض لم يمهله طويلا ........أفجعها الخبر كثيرا .....وبكت طول ذلك اليوم ...وطلبت منه أن يأخذها لبيت عمها لتعزية عمتها ....وقضاء بعض الوقت إلى جوارها ....فهي وحيدة ولم يبق من أهلها أحد .
وفي صباح اليوم التالي ....حملها إلى قريتها .
قبل أن يغادر قال لها سآتي بعد أسبوع لأخذك إلى بيتك .....لكنه لم يأتي .
ومر أسبوعان آخران ........ولم يظهر أبو محمد .....
مر شهر وآخر ...ولم يعد أبا محمد لأخذ حليمة .....وبطنها بدأ يكبر شيئا فشيئا .....كانت تتحسسه كل حين وتشعر بسعادة غريبة .
وعمتها العجوز تلقي عليها بالنصائح عن الأكل النافع للحامل ....وطريقة الجلوس ...والمشي .
وهي أحيانا تتساْل عن غياب الزوج الغريب ....هل سيعود ...أم لا ؟
رغم جلافته ....وتقصيره فهي تشعر نحوه بشعور يشبه الشوق .....لعله ليس شوقا بالمعنى الحرفي بل تريد أن تعرف رد فعله حين يشاهد بطنها المكور قليلا .
ربما كانت صفعة أخرى ........وربما لا ...فقد يفرح كما قيل لها .
وفي أبها كان أبو محمد يقدم رجلا ويؤخر الأخرى ......فهو يتمنى أن يستعيدها إلى بيته ....لكن تطوف برأسه اللئيم فكرة طلاقها ليتخلص من هذا العبء المرعب .
وكان في عمله ذات صباح حين بلغه خبر نقل وحدته العسكرية بالكامل من الخميس إلى تبوك .....وفاجأه الخبر ولكن لامجال للنقاش في أمر كهذا .
وعاد إلى بيته مهموما ....وأخبر زوجته بالخبر .......فلم يحرك لديها ساكنا ....بل قالت له ....إذا أردت أن تذهب لتبوك فأذهب ...أما أنا وأولادي فسنبقى هنا .
وتجادل معها قليلا .ثم علت أصواتهما ....فتدخل الولد الأكبر لصالح والدته ....بعد بضع شتائم وتهديدات ...فسكت الأب المغلوب على أمره .
وبدأت الإستعدادات للتحرك .....وقرر المرور على حليمة وأبلاغها بالخبر .....وقد كان .
ففي صباح اليوم الثاني كان واقفا بباب بيتها ......وفتحت له العمة وأدخلته ......وأيقظت حليمة التي كانت لاتزال تغط في نومها .
تفاجأت حليمة لتوقيت هذه الزيارة ......لكنها أرتدت ملابسها ......وذهبت إليه فنهض مسلما عليها ...وهو ينظر لبطنها مبتسما .....ويعتذر لتأخره عن المجيء .
وكعادتها دائما ......لم تناقش معه شيئا ولم يكن يطرا ببالها سوى رؤية ردة فعله على بطنها ....وللحق فقد كان سعيدا في مايبدو .
وأخبرها بأمر نقله من المنطقة ......فلم تناقش ايضا ....لكنه اضاف بأنه سيعود لأخذها معه ...طالما رفضت زرعه الشريرة مرافقته ....وربما كان في ذلك نعمة كبرى .
وغادرهم بعد أن وضع في يدها مبلغا من المال ...مع وعد بعودة قريبة بعد أن يجهز لهم دارا يسكنوها .
ما أن وصل إلى تبوك مع وحدته حتى بدأ التخطيط لإحضار حليمة ......فبحث عن منزل صغير ...وبدأ في توفير مايحتاجه من لوازم واثاث .
وعاد بعد شهرين آخرين ........ليصطحب حليمة معه .
وبمثل هلعها حين ركبت السيارة للمرة الأولى ....كان الرعب أشد هذه المرة ....فستركب طائرة عسكرية هذه اليوم .
وكان يطلق عليها ..طائرة السلاح وهي المختصة بنقل أفراد الجيش ومعداتهم بين المدن .
وما إن تحركت الطائرة قليلا على المدرج .....حتى بدأ قلبها بالخفقان خوفا ........وبلا وعي مدت يدها وأمسكت بيد زوجها بشدة ....وهو يبتسم ويهدئ من روعها .
وذهبوا لبيتهم الجديد ......ومع كل يوم يمر ....كانت تشعر أن هذا الرجل ليس هو من تزوجها قبل خمسة أشهر ....فهو طيب رغم عصبيته أحيانا ......ثم أنه كان نادرا ما يغادر البيت إلا إلى عمله ...أو لقضاء حاجة ثم يعود .
وبدأت حليمة تشعر بمعنى أن تكون زوجة كاملة الحقوق .
وبعد أشهر .....بدأت حليمة تشعر بأعراض الولادة ......فسارع أبا محمد إلى بيت جاره ...طالبا معونة زوجته ...وبعد ساعات من المخاض المؤلم لحليمة ...وصراخها الذي ملأ الحي ........جاء الولد .
كان ذكرا ..جميلا أبيض البشرة كوالدته ....فرح به أبو محمد .....وأسماه ( فيصل ) ....على أسم الملك ..في وقتها .
وبدأ فيصل يكبر قليلا ...قليلا في رعاية والده ووالدته الحانية .......وكان أبا محمد يتردد على بيته الآخر في أبها كل بضعة أشهر .
ومرت أربعة أعوام كاملة .......عاشوها في سعادة وهناء ...كان فيصل يكبر يوما بعد يوما ...وأصبح شعلة من النشاط في البيت .
ورغم أمنيات الزوج بطفل آخر .....فلم يقدر الله .......وبقي فيصل وحيدا .
وأبلغ أبا محمد ووحدته بأن الأوامر قد صدرت بعودتهم إلى مقرهم السابق .......وكان الخبر صاعقا على الرجل ..وزوجته .
فمعنى هذا أن تعود الأمور كما كانت ......ساعتان أو ثلاث ...كل بضعة ايام ......وبيت آخر ....ورعب في قلب أبا محمد خشية إنكشاف أمره ........لكن لاحيلة بيده ......فهو عسكري وملزم بالطاعة .
وعادوا إلى الجنوب مرة أخرى .......ووضعها مع طفلها عند العمة العجوز .......حتى يقوم بتجهيز بيتهم ...من جديد .
وتم الأمر ........وفي نفس الحي السابق ........وعادت الأمور لما كانت عليه قبل أعوام .
كان فيصل سلوتها الوحيدة .....بشقاوته ....وركضه المستمر هنا وهناك ........وبطبيعة أهل البلد ....تعرفت على العديد من جاراتها .....ولم تنقطع زياراتهم يوما .
ولعل جارتها أم عبدالله ......كانت الأقرب لقلبها .....لطيبتها المتناهية .......وسعة صدرها ....وأيضا كان عبدالله رغم أنه أكبر من فيصل بخمس سنوات أو أكثر ........أصبح صديقا لفيصل الذي شارف على دخول العام السادس من عمره .
وقرر والده تسجيله في المدرسة بعد أشهر ..........وكان من طلاب المدرسة المحمدية المجاورة لبيتهم .
وبدأ فيصل .....سنته الدراسية ....على خير حال .
ومضت الأيام ........وسقط أبا محمد طريح الفراش ......بعد حادث في مكان عمله ........وبقي في المستشفى أياما ......ثم خرج لبيته .......ولم يكن يقدر على الحركة .
وأستغربت حليمة سبب إنقطاعه الطويل .....لكنها لاتعرف ماذا تفعل .......فبقيت تنتظر كل يوم ....ولم يأتي .
وجاء زملاء ابا محمد للسلام عليه .......وكان بيته يمتليء بالزوار .....كل مساء .
وذات مساء كئيب ..........جاء أحد زملائه .......لزيارته ..مصطحبا عائلته ....فهم على معرفة قديمة ببعضهم البعض ......وجلست زرعه مع زوجة الضيف ...يتبادلان الأحاديث ........وفجأة قطع حديثهما سؤال المرأة لزرعه عن زوجة أبا محمد الثانية ؟
فبهتت زرعه .......وهي تقول ...زوجة ثانية ؟؟ من ؟؟ أبو محمد ؟؟
وأتضح أن المرأة أفشت السر القاتل .......الذي عرفته من زوجها قبل أعوام ....حين كان ابا محمد يستشيرهم في أمر زوجته الثانية .
وتمالكت نفسها قليلا ......حتى يذهب الضيوف لتبدأ الاستجواب .
ورحلوا بعد قليل .
كانت زرعه في حالة مرعبة من الغضب ........ودخلت على الزوج المصاب ......وبدون أي مقدمات سألته عن حكاية زواجه ........فأنكر ذلك ......ثم مالبث أن إعترف ....بكل شيء تحت ضغط صراخها المرتفع .
ووجهت له بعض الإهانات كعادتها ......ثم أقسمت أن تجعله يندم على اليوم الذي خدعها فيه وتزوج بغيرها .....وزاد رعب الرجل .........فهو يعرف زوجته ....وماقد تفعله به .
ولم يهدأ له بال إلا بعد أن غادرت الغرفة .........وتركته .
خرجت زرعه من غرفة زوجها والشر يتطاير امام عينيها ....جلست مع ولدها محمد وأخبرته بالخبر ....فهاج هو الآخر وماج ...وبدأ الأثنان التخطيط لمعاقبة الأب وإنهاء حكاية الزواج هذا باي طريقة .
يعلمان بالطبع أن حكاية الخلاص من الزوجة الجديدة سهل جدا فهما يعرفان ابو محمد وضعفه وخنوعه لهما . ويعلمان مدى طمعه وحرصه على المال الذي تكتنزه زرعة اللعينه .
عند الصباح ...وقبل أن يفتح ابا محمد عينيه كانت زرعه تنهره ليستيقظ من نومه ..مرفقة ذلك بعدد من الشتائم والإهانات ..وبدأت في إستجوابه مرة اخرى .
متى كان الزواج ...وأين ...ومن هي الزوجة ؟
ثم كانت صدمتها الكبرى حين علمت بحكاية فيصل الولد الصغير الذي اصبح في المدرسة الآن .
وبدا صوت زرعه يعلوا أكثر فأكثر وطلبت الطلاق منه .....وهذا ما أرعب ابا محمد ...طلاق يعني حرمان كامل من المال ....وجاء محمد عند سماع صوت والدته ....وبدلا أن يذهب إلى عمله في دكان والدته بقي ليعرف ما يحدث .
حاول ابو محمد تهدئتها ووعدها بأن يفعل مايرضيها مهما كان ...فقط لتصبر قليلا حتى يتدبر امره ....ويبحث عن مخرج من هذه الورطة .
حاول أن يقنع زرعه بقبول الوضع الحالي ....على الاقل لأجل الولد الصغير فأبت ..وأصرت على رأيها ...فأما طلاق حليمة وإلا طلاقها هي .....!!
بالطبع ليست زرعه من أولئك النساء التي تبكي او تضعف ....فهي تعلم أنها صاحبة القرار وليس هو ...وماتقوله ليس اكثر من أمر عليه تنفيذه فورا ..وبلا جدال .
أمهلته أسبوعا واحدا للتخلص من حليمة ....وبالطبع ليس لديه مايمنع من ذلك ....فحليمة مسكينة ....وليس هناك من يقف في صفها ..ومادام الثمن المال فلتذهب حليمة إلى الجحيم .
وما ان أسترد قليلا من عافيته حتى توجه لبيت حليمة ......وبادرته بالسؤال عن سبب غيابه الطويل ..وعبرت عن مدى قلقها وخوفها ....فطمانها واخبرها بخبر حادثته ......نهضت سريعا لتجهز له الطعام ...فأشار لها بيده أن تجلس فهو يريد الحديث إليها في موضوع مهم .....ولم يكن فيصل قد عاد من مدرسته ....جلست إلى جواره ....ولمحت علامات الهم بادية على وجهه ...تردد قليلا ثم قال لها ...حليمة ...لابد أن نفترق ...!!
وظنته يداعبها ....لكنها لمحت الجدية الكاملة على وجهه ....وهي تقول ...لماذا ؟ ماذا فعلت ؟
وشرح لها أمر زوجته الأخرى وشرطها القاسي ....وان افضل الحلول هو طلاقها فهي على الأقل أم لطفل واحد ..وزرعه أم لأربعة ...وأنهارت حليمة باكية ....مستعطفة ....لكن هيهات .....فهذا الخانع لن يقوى على إتخاذ قرار آخر مخالف لقرار صاحبة المال والجاه ...أما هذه المسكينة فلا راي لها ابدا .
حسبي الله ونعم الوكيل ......حسبي الله ونعم الوكيل .....جملة رددتها حليمة عدة مرات .
وفيصل ..؟؟ كان هذا سؤال حليمة التالي بعد أن تمالكت نفسها .....قال لها ..فيصل سيبقى معك على شرط أن تبقين في ابها ...أما إذا اردت الذهاب للقرية ...فيجب أن يبقى فيصل هنا ليكمل دراسته ...فالمدرسة الوحيدة قريبا منهم تقع في قرية بعيدة نسبيا ...ولن يستطيع فيصل الذهاب إليها .
وهل تريد ان يبقى فيصل مع زوجتك الأولى ....اجاب بنعم ....وماذا في ذلك انه مع اخوته ....ومعي .
حسبي الله ....لابد أن احرم من ولدي .......واتركه بين يدي إمراة اخرى ....أو ابقى في بلد غريبة ....ليس لها فيها زوج ولا قريب ...وأنهارت باكية ....وتركها على هذا الحال وخرج .
كان يفكر في ماقال لها ....وتذكر أن بقاءها في ابها .....ووضع فيصل ..يحتاج موافقة مسبقة من اللعينه زرعة ..
وعاد لبيته الآخر ....وما أن دخل من الباب حتى بادرته زرعه بالسؤال ...طلقتها ؟؟
قال ...لا ...ليس اليوم ....بكره إن شاء الله .....ودمدت غاضبة لاعنة .....وهو يهديء من غضبها ويعدها أن يفعل في اليوم الثاني ...لكنه أراد سؤالها عن وضع فيصل ....في حالة رفضت حليمة البقاء في ابها .
تبقى في ابها ....لماذا ؟ اليس لها اهل .....لالا ..لايمكن أن تبقى في ابها ...ولا اريدها ان تبقى قريبا منك ......ولتاخذ ولدها معها فلست مربية لطفل ليس لي ...وشرح لها حكاية المدرسة .....فابت واستكبرت .....ورفضت رفضا قاطعا .
ولم يكن امام ابو محمد سوى القبول ....رغما عنه ...ووعد أن يفعل ما تريده زرعة اللعينة .....وصباح اليوم الذي يليه ...عاد لبيت حليمة واخبرها بضرورة الذهاب إلى قريتهم ....مصطحبة ولدها ....وعليها ان تتدبر موضوع ذهابه للمدرسة ..ووافقت حليمة وذاك افضل الحلول لها ولإبنها .
واستغربت من تغير رأيه عن أمس .......وفهمت أن القرار ليس بيده وان زرعه رفضت بقاءها أو بقاء ولدها .
أحزن حليمة كثيرا أن تطلق وهي في ريعان شبابها ....وبلا سبب .
زواجها كان خطأ أرتكبه عمها بحقها .....والطلاق خطا آخر ..ارتكبه زوجها ووالد طفلها الوحيد ....وكلها لامعنى لها ..
وهي لارأي لها في هذه كله ......وكل ماتفعله ....هو البكاء فقط ....والصبر ....فليس في يدها ما تفعله .
يتبع
.مليئة بالحزن .......والألم .....والأمل أيضا .
حيث تحكم أقدارنا علينا بمواجهة تفاصيل قد لانصدقها ........ولانتمنى حدوثها إلا أنها تحدث رغما عنا .
ذات مساء بعيد جدا في قرية من قرى الجنوب ...
عادت حليمة ذات الخمسة عشر عاما من رحلة الرعي اليومية ......لم يكن الوضع عند بيتها كما تركته صباحا ....فالواضح أن هناك ضيوف في مجلس عمها الذي تولاها بالتربية بعد وفاة والديها بالطاعون .
بعد أن أدخلت غنمها في المكان المخصص لها ....تسللت بهدوء إلى حيث أنهمكت عمتها في طبخ وليمة للضيوف ...تحمل عيناها البريئتان تساؤلا ملحا عن هؤلاء الضيوف القادمون فجأة .
ما أن رأتها عمتها الطيبة حتى طلبت منها الصعود للدار العلوية وإرتداء أجمل مالديها من ملابس ....وبالطبع كل مالديها هو ثوب واحد كان هديتها من عمها في العيد الماضي ........والآخر الذي ترتديه الآن .
لم تفهم لم كان عليها أن ترتدي ثوبا جديدا ...........فالضيوف عند عمها وهم بمجلس الرجال .....ولم تر معهم نساءا ....فعاد التساؤل يلح عليها من جديد ........لكنها لم تجرؤ على السؤال عن السبب ........ولا تريد أن تشغل عمتها بأسئلة ستتضح إجاباتها قطعا بعد قليل .
في الدار العلوية فتحت حليمة رباط ممتلكاتها البسيطة الملفوفة بقطعة من القماش .......وأخرجت ثوبها الأخضر فاردفته فوق ثوبها البالي .......ثم تناولت مشطها الخشبي الصغير وسرحت شعرها قليلا ......ثم عادت لتساعد عمتها العجوز ........وهي تمني نفسها بأن تجد جوابا مباشرا لتساؤلاتها دون أن تضطر للسؤال .
لمحتها عمتها تقف بباب ( الملهب ) وهو المسمى القديم للمطبخ .........قالت لها .........أغسلي وجهك وضعي بعض العطر من صندوقي .........فالضيوف قدموا لأجلك ....!!
لأجلي .............!! وما شأني أنا بضيوف عمي ...........ورغم دهشتها من كلام العمة إلا أنها فعلت ماقيل لها حرفيا ....وعادت مرة أخرى .
وألتقت عند باب المطبخ بعمها ( مرعي ) الذي أبتسم في وجهها ومسك رأسها بين كفيه ناظرا في عينيها وهو يقول ........الظاهر أن العروس قد تجهزت لترى عريسها ......هزت العمة رأسها مبتسمة .........وزادت الدهشة في عيني حليمة .
أنا ...؟؟؟!!
قال العم نعم ..........هؤلاء الضيوف قدموا لخطبتك .........ويجب أن يراك الرجل الذي سيصبح زوجك ....!!
زوج .....زوجي ....!!
لم يسبق أن فكرت حليمة في هذا الأمر أبدا .........ولم يتجاوز تفكيرها يوما العودة بالغنم وقد شبعت .......أو جلب الماء من البئر .....ليس أكثر من ذلك ...والآن زواج ..........بدون مقدمات .
لكن ياعم ....!! ونظر إليها عمها قبل أن تكمل جملتها وهو يقول ...........يابنتي .......كل فتاة مصيرها الزواج ....ومن جاء يخطبك رجل له سمعته وقيمته في كل القرى المجاورة .........وقد أختارك من بين كل بنات القرية ...فلا تفكري في الأمر ...........وأنا أعلم بمصلحتك ....
سكتت مرغمة رغم أنها لم تفهم شيئا ..........فخجلها من عمها وعمتها دعاها للسكوت على مضض .
جلست على احدى درجات السلم الترابي ........وقبل أن تستغرق في التفكير ......سمعت صوت عمها ( مرعي ) يطلب منها الحضور لمجلس الرجال .........!!
ارتجفت ......وحاولت أن تتماسك ........ثم توجهت نحو مجلس الرجال بتردد ........وعمتها تدفعها دفعا ...وهي تنظر لعمتها بتوسل ..........بينما العمة تشجعها وتزين في عينيها قيمة هذا الزوج الرائع .
هم يمتدحون الزوج الرائع .........وهي لاتعرف معنى أن تكون زوجة أصلا .........ووجدت نفسها تقف على باب مجلس الرجال .
دفعتها العمة للخطوة الأخيرة نحو قدرها ..........ووجدت نفسها تقف وجها لوجه أمام عمها الشيخ .........ورجل آخر قد يكون من عمر عمها وربما أكبر ........ودعاها العم للجلوس .......فجلست بخجل وحياء في الركن المجاور لباب المجلس ........وقد أخفضت عينيها نحو الأرض .
قطعا هذا والد العريس .........لكن أين الرجل الذي سيصبح زوجي ..........؟؟
نهض عمها .......وتناول يدها .....مقتربا من الرجل ...قائلا هذه زوجتك يا أبا محمد .......!!
وأبتسم أبو محمد بحبور ........وهو يقول .....ماشاء الله .........ماشاء الله .........وأستمر في النظر إليها ....ورفعت رأسها لتعرف مايدور حولها ........فشاهدت زوج المستقبل بوضوح .....بلحيته المصبوغة بالحناء فبدت كمكنسة قد تآكل أطرافها ..........وكرش ضخمة تبتعد أطرافها عن جسده كثيرا ...حتى أنها ظنت أنه لا يستطيع النظر إلى قدميه بسبب ضخامتها .
وأستغلت الفرصة .....وهربت من المجلس بسرعة ..........وعادت إلى عمتها فألقت بنفسها على صدرها ...وهي تقول هل هذا الرجل سيصبح زوجي ..؟؟
أنه أكبر من عمي ........وهو ضخم جدا ....جدا .
نهرتها العمة وهي تقول الرجل لايعيبه شيء ...!! فأحمدي ربك .........هذا الرجل غني جدا ....وهو يعمل عسكريا في الجيش .....وستكون حياتك معه أجمل من حياتك هنا .....وبدلا من رعي الغنم ....وجمع الحطب ستعيشين في ( أبها ) ....معززة مكرمة .
الرجل لايعيبه شيء .........كلمة غريبة ..........تتساءل ...هل يعني هذا أن الرجال خلقوا بدون عيوب ..........ولم يجبها احد ..!!
وحضرت العمة وجبة الضيوف .........تناولها الجميع ......بما فيهم ( المملك ) أو مانسميه الآن المأذون ....وحضر عمها بعد قليل حاملا سجلا ضخما .........وعلبة تحوي لونا أزرقا .........وضع العم إبهام حليمة عليه وضغطه قليلا .......ثم طبعه على السجل ........وأنصرف .
وهكذا أصبحت حليمة زوجة لأبو محمد .............بلا حول لها ولاقوة .
وأنصرف الجميع .........وعاد العم بعد أن ودع ضيوفه بحفاوة ........جلس قريبا منها مباركا لها بهذا الزوج الفاضل .
العمة تبتسم بسعادة .......والعم يبتسم بسعادة أكثر ..........وحليمة صامتة لاتعي من مايحدث حولها شيئا .......سوى أنها اصبحت زوجة لرجل يتجاوز عمرها بخمسة أضعاف على الأقل .
تنحنح العم مرعي ثم قال .........يجب أن تفرحي يا أبنتي .......فهذا الرجل يحلم به كل فتيات القرية .....رجل غني وذو سمعة ......ومن عائلة كريمة ......!!
صحيح أنه متزوج ولديه أولاد ........لكنه وعدني أن يجعل لك بيتا خاصا .......ولن تعلم زوجته الأولى أصلا بهذا الزواج ....!!
لم يؤثر فيها هذا الخبر .......فهي لازالت في حالة صدمة من كبر سنه وصغر سنها ...........وكونه متزوجا ولديه أولاد .......لن يغير في حجم المصيبة ........ولم يعد لديها ماتقوله فتركتهم وتوجهت إلى غرفتها وخلعت ثوبها الأخضر .........وألقت بنفسها على فراشها .
لم تحلم بشيء ...........فلا شيء يستحق أن تحلم به ..........ولم تفعل أكثر من تأمل سقف غرفتها الخشبي ...ثم نفخت على ( فتيلة الفانوس ) لينطفئ ويعم الظلام في ماحولها ...
تقاطر نساء القرية في الأيام التالية مهنئين بهذا الزواج ....يأتين حاملات بعض القهوة البرية وقد دسسن وسطها مبلغا بسيطا من المال كما اعتدن في الافراح والأتراح أيضا .
العمة تجمع عطايا النساء فتضع القهوة مع بعضها وتجمع النقود مع بعضها أيضا .
والعروس ........تجلس معهم ساهمة في أكثر الأوقات ......ويعتادها دوما حديثهم عن أبها البعيدة .....وكيف ستكون .
حدد وقت العرس في الجمعة القادمة ...........وحليمة لاتعلم هل تفرح أم تبكي ...!!
وفي الجمعة القادمة نهض العم باكرا فذبح رأسين من الغنم ...وبدأ الرجال يلتفون من أنحاء القرية ....وقد أرتدوا أجمل حللهم وتمنطقوا بخناجرهم اللامعة ........وبقوا يرددون بعض الأهازيج الشعبية ....في إنتظار قدوم العريس وصحبه .
ولم يطل أنتظارهم كثيرا .......فقد سمعوا طلقات نارية من أول الطريق الترابي الوحيد هناك ........فأصطفوا جميعا للترحيب بالضيوف .
وأقبل الضيوف في صف أفقي واحد يتوسطهم صاحب الشأن وقد ارتدى اجمل مالديه .......وتمت مراسم الترحيب والعرضة الشعبية .
حليمة تقف في منتصف غرفتها ........تتأملها جدارا جدارا .......ربما تسترجع سنوات عمرها التي قضتها في هذه الغرفة .........وربما تتساْل متى ستراها مرة أخرى .
في منتصف حيرتها ........دخلت عليها العمة .......فأوصتها خيرا بزوجها ....وأن عليها أن تكتم أسراره وتقوم بواجبه ....وألا تفعل ما يغضبه ......وألاف الوصايا التي لم تفهم حليمة كثيرا منها .
وبعد العشاء ........حملوا حقيبتها المصنوعة من الصاج المنقوش والتي أشتراها لها العم لتجمع فيها أغراضها البسيطة ........وحملوا العروس إلى سيارة ابو محمد .
لأول مرة في حياتها تركب سيارة .......وبدلا من النظر إلى وجه زوجها .......تمسكت بشدة في مكانها خوفا .
وضحك العريس وهو يقول ........لاتخافين ياحليمة .
وأخيرا إنتبهت لوجوده .......فنظرت إليه في الظلام .........وهو أكمل حديثه بقوله ........أسمعي ...سيكون لك بيت خاص ......وسآتي إليك بين فترة وأخرى .......انا أشتغل في الخميس ........وقد اتأخر عليك أحيانا ....فلا تقلقي .....وابقي في بيتك ولا تخرجي منه بدون إذن مني .
وهي تهز رأسها ليس إقتناعا .........وإنما تحصيل حاصل .
بعد ساعات من الإهتزازات المتعبة ......وصلوا إلى مشارف أبها .........ومن هناك إلى بيت الزوجية .
بيت طيني صغير في حي ( النصب ) .
اضاء العريس فانوسا جديدا معلقا على جدار الغرفة ........وعاد للسيارة ليحضر حقيبة اغراضها .......وجلست حليمة على الدكة الطينية ......في وجوم وصمت .
عاد العريس بالحقيبة فوضعها أرضا ........ثم دعاها إلى فراش متواضع في ركن الغرفة ........كادت أن تطلق ساقيها للريح .......لكنها تذكرت وصايا العمة .........وماذكرته عن لعنات الملائكة ....ولم يطل ترددها فقد مد العريس يده فأنتزعها من مكان جلوسها ........وألقاها أرضا .......وشعرت بشعرات لحيته تعبر وجهها روحة وجيئة .....وأصوات كفحيح الأفاعي ثم .......رمى بنفسه جانبا .
نهض .....وغسل نفسه بقليل من الماء ..........وأرتدى ملابسه وخرج .........!!
بعد أن اصبحت وحيدة .........نظرت لنفسها فوجدت الدماء تسيل منها .........وقد تلطخ جزء من الفراش ....وأرادت أن تقف على قدميها ........فما أستطاعت ....فألقت بنفسها على الفراش ..........وغطت في نوم نصفه كوابيس ........ونصفه الآم مبرحة .
نهضت بتكاسل شديد ..........والآمها تزيد مع كل حركة .........فأغتسلت وأبدلت ملابسها .......ونظفت فراشها ...وهي تلعن الزواج ......ويوم الزواج...!
نظرت من نافذة المنزل الطيني لترى ماحولها ..........فرأت من خلف المنزل وادي أبها .........ومن الناحية الأخرى طريق ترابي ضيق ........وبيوت في الجهة المقابلة .
جوع شديد ........بحثت في أرجاء المنزل فلم تجد إلا كيس من الدقيق ....وقليل من التمر ....تناولت بعض حبات التمر .......مع بعض الماء .
ثم سمعت طرقا على الباب .......فتحركت في ثتاقل لترى من الطارق .........فرأت عددا من النساء يرتدين عباءات سوداء .......لم يسبق أن رأت مثلها في القرية ........بادروها بالسلام ...وأستأذنوا بالدخول فأذنت لهم ....سألوها عن حالها .......فأخبرتهم أنها عروس جديدة ........فهنأنها ....وفرحت أكثر حين أحضرن معهن بعض ( العريكة ) المغطاة بالسمن والعسل ....وبعض القهوة والشاي .
دعوها للأكل فلم تتردد .......وملأت بطنها ثم تناولت بعض القهوة .........وضحكن كثيرا حين سألتها أحداهن عن زوجها من يكون فقالت أسمه أبو محمد .........ولم تكن تعرف عنه أكثر من ذلك إلا أنه عسكري في الجيش .
مر يومان أو ثلاثة ......وجاء ابا محمد .........وقد أحضر معه كيسا ورقيا في بعض اللحم .......قذف به نحوها وهو يقول .......قومي أطبخي لنا الغداء .
وأسقط في يدها .........فهي لم تطبخ قبل ذلك أبدا ........وإن كانت كثيرا ما تساعد عمتها في الطبخ ......إلا أنها لا تعرف تماما كيف يكون الطبخ .
قالت ....ما أعرف .......فأنقلبت ملامح العريس ........وأكفهر وجهه .....ثم وجه لها سيلا من الشتائم المتتالية بصوت كنهيق الحمار ......وهي تغمض عينيها مع كل شتيمة جديدة ........وسحبها بيدها بقوة كادت أن تنزعها من جسدها ودفعها نحو المطبخ ........ولم تدر ماذا تفعل .
وبدأ يشرح لها كيف تطبخ .......وهي تهز رأسها رغم أنها لم تفهم شيئا .
خرج الزوج للمسجد .........وعاد ليجدها في حيرتها السابقة ..........فلم تفعل أكثر من غمر اللحم في قدر من الماء ثم تركته .
إشتد غضبه أكثر ............وتناسى موضوع الأكل ........وقام بسحبها لنفس مكان المذبحة الأولى .......ومارس فحيحه كالمعتاد .......ثم رمى نفسه جانبا حتى يسترد أنفاسه ........وأرتدى ملابسه وخرج .
تنفست الصعداء بعد خروجه .........رغم الألم الشديد .......في نفس المكان ..........لكن خروجه رحمة على الأقل .
ولم تتردد في الإستعانة بجارتها لتعليمها كيفية الطبخ .......فعلمتها الطبخ .........والكنس ......والغسيل ....وكل ما أستطعن أن يعلمنها .
وأصبح العريس يأتي بقطعة من اللحم .......أو ديكا بلديا مذبوحا ..........فتطبخه كأحسن ما يكون .......فخفت حدة شتائم الزوج ..........لكن لازال الأمر ينتهي رغم ذلك .......في مكان المذبحة الأولى .
وتجرأت يوما فسألت ابا محمد عن أسمه ........فأنفجر ضاحكا لأول مرة منذ زواجهما ........وسألها ألم يخبرك عمك من أنا ..........قالت قال لي أبو محمد فقط .
قال أسمي موسى بن محمد بن عبدالله .........وتبسط في الحديث معها ......فأخبرها أنه متزوج من أبنة عمه منذ أكثر من عشرون عاما .......ولديه ثلاثة أولاد وبنت واحده ........وأنهم لايعلمون أنه قد تزوج بزوجة أخرى
ولم تعني لها تلك المعلومات الإضافية شيئا .
مر شهر كامل على زواجهما .......وكالمعتاد حضرت الجارات كعادتهن كل صباح ........فوجدنها في حال مختلف ......فهي تشكو مغصا مؤلما ......وشعور بالدوخة والغثيان .........فتضاحكن وهن يخبرنها أنها ربما تكون حاملا .
حامل ..........مامعنى هذا ؟
يعني ستأتين بولد أو بنت ......وتصبحين أما .........!!؟؟
وجمت قليلا وهي تتحسس على بطنها ..........قائلة .....مالي إلا شهر متزوجة ..!!
وفرحت .........كثيرا ...والنساء يباركن لها ويدعين الله أن يسهل عليها الأمر ........وترزق بطفل ليؤنس وحدتها ...وصارت هي تؤمن لهن .
غادر النسوة ..........وجلست تتخيل كيف سيكون طفلها ........هل سيكون ولدا أم بنت ؟
هل سيكون الأمر مؤلما ............وقطع حبل أفكارها طرقات الزوج على الباب .........فسارعت بفتح الباب ....وما أن وضع خطوته الأولى في البيت حتى سارعت بإخباره بالخبر السعيد ......وهي تتوقع أن يطير فرحا ....لكن جوابه كان صفعة لوت رقبتها تسعون درجة في الإتجاه الآخر .
وبهتت للأمر ....فقد قال لها النسوة أن الزوج سيفرح إن علم بحمل زوجته .........لكن هذه الصفعة قطعا لاتدل على فرح أبدا .
وأنهمرت في بكاء شديد ...........وخرج ابو محمد غاضبا .........وتنفست الصعداء مرة أخرى ......فلم يكن هناك زيارة لمكان المذبحة المعتاد .
وتساءلت حليمة لم هو غاضب ...........فهي لم تفعل شيئا .........بل هو من فعل .....فلم تحاسب على فعله هو ...
في بيت ابا محمد الآخر ....يختلف الوضع كثيرا فهذا المتوحش هنا يصبح خانعا ذليلا عند زوجته الأولى ...هي ابنة عمه نائب القبيلة السابق ...وهي سيدة شريرة جدا وورثت عن أبيها الكثير من الاملاك والمزارع في قريتهم ومنذ زواجها منه قبل عقدين من الزمن حين كان مجرد جندي في الجيش فرضت كامل سيطرتها عليه وعلى البيت ........فهي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة .
زرعه.......هذا هو أسمها لديها ثلاثة أولاد وبنت واحدة .....أكبرهم محمد في العشرين من عمره يليه خالد وعلي وأصغرهم ليلى في السادسة من عمرها .
محمد ...الولد ألأكبر .....نسخة مكررة من والدته الشريرة فهو ولد عاق لوالده بينما هو ولد مطيع لوالدته التي لاتبخل عليه بالنقود دوما .
لايتخيل أبا محمد كيف سيكون حاله لو عرفت زوجته أنه قد تزوج عليها .....ولذلك أختار زوجته الثانية من قرية أخرى بعيدة عن قريتهم .
يعرف أنها لو علمت بذلك فلن تتردد في طرده من بيتها ...الذي أشتراه لها والدها النائب قبل وفاته ....وقد تضربه بمعاونة ولدها الأكبر كما فعلت من قبل لمرات عديدة .
محمد ....فرض سلطته العنيفة الشريرة على أخوته الآخرين فهو الآمر الناهي عليهم .....وملأ قلوبهم الحقد عليه بسبب عنفه وضربه لهم .
حتى الصغيره ليلى لم تنج من عدوانه عليها بالضرب بسبب أو بدون سبب .
والأب لاشأن له بما يحدث ....ينهض صباحا فيرتدى بدلته العسكرية ويذهب إلى عمله ....ثم يعود عصرا فيتناول ما يجد من طعام ثم يخرج إلى السوق حتى المساء ويعود .
لاتتورع زرعة ابدا عن شتمه وإهانته أمام أولاده .......وحتى أمام الجيران والضيوف .......واستطاعت على مدى السنين الماضية أن تجعل منه رجلا بلا شخصية .....حتى بين زملائه في العمل الذين عرفوا عنه خوفه وتردده .......وأصبح أضحوكة بينهم .
لا أحد يعلم كيف حولته الى شبه رجل ........لكن الكثيرون يعتقدون أن سبب ذلك هو طمعه في ميراثها الضخم ........وثروتها الكبيرة .
كان والده فقيرا جدا .......وكل ما يملكه بيت طيني وقطعة أرض صغيره يزرعها في القرية .....وبضع رؤوس من الماشية .......أما والدها فقد سافر صغيرا وعمل في الجيش في الطائف في بدايات تكوينه .... ثم ترك الجيش وبدأ العمل في التجارة فكان يتاجر في الأغنام ويجمع منها الكثير ثم حين يأتي موسم الحج ينزل بأغنامه إلى مكة فيبيعها على الحجاج ....حتى كون ثروة كبيرة ...وبعدها عاد إلى قريته فبنى بيتا كبيرا ....وتزوج .
كانت زرعة ابنته الوحيدة فقد ماتت أمها بعد ولادتها بأيام قليلة .....فتزوج من إمرأة أخرى ......ولم ينجب منها أولادا ....ولم تطل البقاء معه ....فقد طلقها بعد خمس سنوات من الزواج .
عرف الجميع في القرية أن زرعه كانت سيئة السلوك في شبابها .......وكانت حديث شباب القرية ...وقال بعضهم أنها كانت على علاقة بشاب من قرية أخرى .......وفقدت عذريتها في احدى مغامراتها معه .
وحين علم والدها بالأمر ....عاقبها ثم قرر تزويجها بأبن أخيه سترا للفضيحة .....وأشاع بعضهم أنه حين زواجها كانت حاملا بولدها الأكبر .
هكذا كان زواجه ....رغما عنه وبضغط من والده الفقير وعمه الغني الذي توسط له للعمل في الجيش وجهز له منزلا كاملا في قريتهم .
وأصبح عمه نائبا على القرية بماله من مال وسمعة .....وحين ترك المنصب ......إنتقل إلى ابها وأنتقل أبا محمد وعائلته معهم .....وقام العم بشراء المنزل لأبنته .
حين مات والدها ورثت عنه كل شيء .....أملاكه الكثيرة في قريتهم ....وأملاكه الأخرى في ابها والخميس ...ومبلغ ضخم من المال .
في مقر عمله .....يجلس أبا محمد ساهما يفكر في هذه الكارثة التي جلبها لنفسه ......الزواج بأخرى ....هو تزوج فقط ليجد من يمارس عليها رجولته المفقودة ....ولذلك أختارها طفلة يتيمة .....كان يخطط أن لايدوم زواجه أكثر من شهر أو شهرين ثم يطلقها .....وتنتهي الحكاية .....لكن مالم يضعه في حسبانه .....حكاية حملها ....فقد أعتقد أن كبر سنه وصغر سنها سيجعل فرص الحمل شبه مستحيلة .....لكن الله أراد غير ذلك .
وما هو الحل الآن ؟؟
هل يطلقها .....ويعيدها لبيت عمها ......أم يتركها في عصمته ....آملا أن تسير الأمور كما هي الآن ....سر لايعرفه أحد .
ماالذي سيحدث لو أنكشف هذا السر ........وعرفت زرعه وولدها بتلك القصة ؟؟
قرر إستشارة بعض من يثق بهم .........فمنهم من قال أبق زوجتك معك وليكن مايكون ........وقال آخرون بل طلقها ودعها تذهب بحملها إلى قريتهم ......وأنس الموضوع تماما ........وآخر قال بل أعلن زواجك بها وضع زوجتك امام الأمر الواقع .......وتحمل النتيجة برجولة ...!!
لم يعرف أي قرار يتخذه ........فعزم على الإنتظار قليلا فقد يأتي حل آخر ينقذ موقفه البائس .
ذهب لحليمة ....التي لازالت تتذكر تلك الصفعة على خدها الصغير ....دخل عليها فألقى السلام ثم جلس ....وهي تتمنى أن تسأله عن سبب الصفعة ....وقد قيل لها أن كل زوج يفرح بحمل زوجته .
وضعت القهوة أمامه بهدوء ثم ذهبت إلى غرفة أخرى ..........ولحق بها بعد قليل ....تلعثم قبل أن يعتذر منها فقد كان ذلك اليوم تحت ضغوط كثيرة .....ولم يدر ما يفعل .....وقبلت عذره الواهي بدون إقتناع ....فليس في بالها إطالة النقاش .
وأخبرها أنه تفاجأ بخبر حملها ولم يمض على زواجهما إلا شهر .....وكالمعتاد .......تجاهلت كل كلامه وقامت لتعد له الطعام .
تناول لقيمات ......ثم ذهب واجما .
في سيارته ........مشى قليلا ثم توقف بجوار مسيل الوادي .......وهو يفكر في ما حدث .
ماذنب هذه المسكينة أن تحرم من فرحتها ........وماذنبها لتطلق بعد زواجها بأيام ؟؟
والأهم ماذنبها أن تكون ضحية نزوة مراهقة متأخرة ...........ولم تكون هي ضحية رجولته التى قضت عليها أبنة عمه ؟؟
وعاد إلى بيته .......لتستقبله زرعه مستفسرة عن سبب وجومه ...فلم يجد مايقول .
ومرت أيام .....كسابقاتها ....يمر بحليمة في أوقات مختلفة ....ليمضى ساعة أو ساعتان فقط .....ثم يرحل ....لم يقض ليلة كاملة معها منذ زواجهما ....وهي أكتفت بجاراتها ....لتسليتها وتطييب خاطرها .
مر أسبوع قبل أن يأتي زوجها ......ليخبرها أن عمها قد توفي بعد مرض لم يمهله طويلا ........أفجعها الخبر كثيرا .....وبكت طول ذلك اليوم ...وطلبت منه أن يأخذها لبيت عمها لتعزية عمتها ....وقضاء بعض الوقت إلى جوارها ....فهي وحيدة ولم يبق من أهلها أحد .
وفي صباح اليوم التالي ....حملها إلى قريتها .
قبل أن يغادر قال لها سآتي بعد أسبوع لأخذك إلى بيتك .....لكنه لم يأتي .
ومر أسبوعان آخران ........ولم يظهر أبو محمد .....
مر شهر وآخر ...ولم يعد أبا محمد لأخذ حليمة .....وبطنها بدأ يكبر شيئا فشيئا .....كانت تتحسسه كل حين وتشعر بسعادة غريبة .
وعمتها العجوز تلقي عليها بالنصائح عن الأكل النافع للحامل ....وطريقة الجلوس ...والمشي .
وهي أحيانا تتساْل عن غياب الزوج الغريب ....هل سيعود ...أم لا ؟
رغم جلافته ....وتقصيره فهي تشعر نحوه بشعور يشبه الشوق .....لعله ليس شوقا بالمعنى الحرفي بل تريد أن تعرف رد فعله حين يشاهد بطنها المكور قليلا .
ربما كانت صفعة أخرى ........وربما لا ...فقد يفرح كما قيل لها .
وفي أبها كان أبو محمد يقدم رجلا ويؤخر الأخرى ......فهو يتمنى أن يستعيدها إلى بيته ....لكن تطوف برأسه اللئيم فكرة طلاقها ليتخلص من هذا العبء المرعب .
وكان في عمله ذات صباح حين بلغه خبر نقل وحدته العسكرية بالكامل من الخميس إلى تبوك .....وفاجأه الخبر ولكن لامجال للنقاش في أمر كهذا .
وعاد إلى بيته مهموما ....وأخبر زوجته بالخبر .......فلم يحرك لديها ساكنا ....بل قالت له ....إذا أردت أن تذهب لتبوك فأذهب ...أما أنا وأولادي فسنبقى هنا .
وتجادل معها قليلا .ثم علت أصواتهما ....فتدخل الولد الأكبر لصالح والدته ....بعد بضع شتائم وتهديدات ...فسكت الأب المغلوب على أمره .
وبدأت الإستعدادات للتحرك .....وقرر المرور على حليمة وأبلاغها بالخبر .....وقد كان .
ففي صباح اليوم الثاني كان واقفا بباب بيتها ......وفتحت له العمة وأدخلته ......وأيقظت حليمة التي كانت لاتزال تغط في نومها .
تفاجأت حليمة لتوقيت هذه الزيارة ......لكنها أرتدت ملابسها ......وذهبت إليه فنهض مسلما عليها ...وهو ينظر لبطنها مبتسما .....ويعتذر لتأخره عن المجيء .
وكعادتها دائما ......لم تناقش معه شيئا ولم يكن يطرا ببالها سوى رؤية ردة فعله على بطنها ....وللحق فقد كان سعيدا في مايبدو .
وأخبرها بأمر نقله من المنطقة ......فلم تناقش ايضا ....لكنه اضاف بأنه سيعود لأخذها معه ...طالما رفضت زرعه الشريرة مرافقته ....وربما كان في ذلك نعمة كبرى .
وغادرهم بعد أن وضع في يدها مبلغا من المال ...مع وعد بعودة قريبة بعد أن يجهز لهم دارا يسكنوها .
ما أن وصل إلى تبوك مع وحدته حتى بدأ التخطيط لإحضار حليمة ......فبحث عن منزل صغير ...وبدأ في توفير مايحتاجه من لوازم واثاث .
وعاد بعد شهرين آخرين ........ليصطحب حليمة معه .
وبمثل هلعها حين ركبت السيارة للمرة الأولى ....كان الرعب أشد هذه المرة ....فستركب طائرة عسكرية هذه اليوم .
وكان يطلق عليها ..طائرة السلاح وهي المختصة بنقل أفراد الجيش ومعداتهم بين المدن .
وما إن تحركت الطائرة قليلا على المدرج .....حتى بدأ قلبها بالخفقان خوفا ........وبلا وعي مدت يدها وأمسكت بيد زوجها بشدة ....وهو يبتسم ويهدئ من روعها .
وذهبوا لبيتهم الجديد ......ومع كل يوم يمر ....كانت تشعر أن هذا الرجل ليس هو من تزوجها قبل خمسة أشهر ....فهو طيب رغم عصبيته أحيانا ......ثم أنه كان نادرا ما يغادر البيت إلا إلى عمله ...أو لقضاء حاجة ثم يعود .
وبدأت حليمة تشعر بمعنى أن تكون زوجة كاملة الحقوق .
وبعد أشهر .....بدأت حليمة تشعر بأعراض الولادة ......فسارع أبا محمد إلى بيت جاره ...طالبا معونة زوجته ...وبعد ساعات من المخاض المؤلم لحليمة ...وصراخها الذي ملأ الحي ........جاء الولد .
كان ذكرا ..جميلا أبيض البشرة كوالدته ....فرح به أبو محمد .....وأسماه ( فيصل ) ....على أسم الملك ..في وقتها .
وبدأ فيصل يكبر قليلا ...قليلا في رعاية والده ووالدته الحانية .......وكان أبا محمد يتردد على بيته الآخر في أبها كل بضعة أشهر .
ومرت أربعة أعوام كاملة .......عاشوها في سعادة وهناء ...كان فيصل يكبر يوما بعد يوما ...وأصبح شعلة من النشاط في البيت .
ورغم أمنيات الزوج بطفل آخر .....فلم يقدر الله .......وبقي فيصل وحيدا .
وأبلغ أبا محمد ووحدته بأن الأوامر قد صدرت بعودتهم إلى مقرهم السابق .......وكان الخبر صاعقا على الرجل ..وزوجته .
فمعنى هذا أن تعود الأمور كما كانت ......ساعتان أو ثلاث ...كل بضعة ايام ......وبيت آخر ....ورعب في قلب أبا محمد خشية إنكشاف أمره ........لكن لاحيلة بيده ......فهو عسكري وملزم بالطاعة .
وعادوا إلى الجنوب مرة أخرى .......ووضعها مع طفلها عند العمة العجوز .......حتى يقوم بتجهيز بيتهم ...من جديد .
وتم الأمر ........وفي نفس الحي السابق ........وعادت الأمور لما كانت عليه قبل أعوام .
كان فيصل سلوتها الوحيدة .....بشقاوته ....وركضه المستمر هنا وهناك ........وبطبيعة أهل البلد ....تعرفت على العديد من جاراتها .....ولم تنقطع زياراتهم يوما .
ولعل جارتها أم عبدالله ......كانت الأقرب لقلبها .....لطيبتها المتناهية .......وسعة صدرها ....وأيضا كان عبدالله رغم أنه أكبر من فيصل بخمس سنوات أو أكثر ........أصبح صديقا لفيصل الذي شارف على دخول العام السادس من عمره .
وقرر والده تسجيله في المدرسة بعد أشهر ..........وكان من طلاب المدرسة المحمدية المجاورة لبيتهم .
وبدأ فيصل .....سنته الدراسية ....على خير حال .
ومضت الأيام ........وسقط أبا محمد طريح الفراش ......بعد حادث في مكان عمله ........وبقي في المستشفى أياما ......ثم خرج لبيته .......ولم يكن يقدر على الحركة .
وأستغربت حليمة سبب إنقطاعه الطويل .....لكنها لاتعرف ماذا تفعل .......فبقيت تنتظر كل يوم ....ولم يأتي .
وجاء زملاء ابا محمد للسلام عليه .......وكان بيته يمتليء بالزوار .....كل مساء .
وذات مساء كئيب ..........جاء أحد زملائه .......لزيارته ..مصطحبا عائلته ....فهم على معرفة قديمة ببعضهم البعض ......وجلست زرعه مع زوجة الضيف ...يتبادلان الأحاديث ........وفجأة قطع حديثهما سؤال المرأة لزرعه عن زوجة أبا محمد الثانية ؟
فبهتت زرعه .......وهي تقول ...زوجة ثانية ؟؟ من ؟؟ أبو محمد ؟؟
وأتضح أن المرأة أفشت السر القاتل .......الذي عرفته من زوجها قبل أعوام ....حين كان ابا محمد يستشيرهم في أمر زوجته الثانية .
وتمالكت نفسها قليلا ......حتى يذهب الضيوف لتبدأ الاستجواب .
ورحلوا بعد قليل .
كانت زرعه في حالة مرعبة من الغضب ........ودخلت على الزوج المصاب ......وبدون أي مقدمات سألته عن حكاية زواجه ........فأنكر ذلك ......ثم مالبث أن إعترف ....بكل شيء تحت ضغط صراخها المرتفع .
ووجهت له بعض الإهانات كعادتها ......ثم أقسمت أن تجعله يندم على اليوم الذي خدعها فيه وتزوج بغيرها .....وزاد رعب الرجل .........فهو يعرف زوجته ....وماقد تفعله به .
ولم يهدأ له بال إلا بعد أن غادرت الغرفة .........وتركته .
خرجت زرعه من غرفة زوجها والشر يتطاير امام عينيها ....جلست مع ولدها محمد وأخبرته بالخبر ....فهاج هو الآخر وماج ...وبدأ الأثنان التخطيط لمعاقبة الأب وإنهاء حكاية الزواج هذا باي طريقة .
يعلمان بالطبع أن حكاية الخلاص من الزوجة الجديدة سهل جدا فهما يعرفان ابو محمد وضعفه وخنوعه لهما . ويعلمان مدى طمعه وحرصه على المال الذي تكتنزه زرعة اللعينه .
عند الصباح ...وقبل أن يفتح ابا محمد عينيه كانت زرعه تنهره ليستيقظ من نومه ..مرفقة ذلك بعدد من الشتائم والإهانات ..وبدأت في إستجوابه مرة اخرى .
متى كان الزواج ...وأين ...ومن هي الزوجة ؟
ثم كانت صدمتها الكبرى حين علمت بحكاية فيصل الولد الصغير الذي اصبح في المدرسة الآن .
وبدا صوت زرعه يعلوا أكثر فأكثر وطلبت الطلاق منه .....وهذا ما أرعب ابا محمد ...طلاق يعني حرمان كامل من المال ....وجاء محمد عند سماع صوت والدته ....وبدلا أن يذهب إلى عمله في دكان والدته بقي ليعرف ما يحدث .
حاول ابو محمد تهدئتها ووعدها بأن يفعل مايرضيها مهما كان ...فقط لتصبر قليلا حتى يتدبر امره ....ويبحث عن مخرج من هذه الورطة .
حاول أن يقنع زرعه بقبول الوضع الحالي ....على الاقل لأجل الولد الصغير فأبت ..وأصرت على رأيها ...فأما طلاق حليمة وإلا طلاقها هي .....!!
بالطبع ليست زرعه من أولئك النساء التي تبكي او تضعف ....فهي تعلم أنها صاحبة القرار وليس هو ...وماتقوله ليس اكثر من أمر عليه تنفيذه فورا ..وبلا جدال .
أمهلته أسبوعا واحدا للتخلص من حليمة ....وبالطبع ليس لديه مايمنع من ذلك ....فحليمة مسكينة ....وليس هناك من يقف في صفها ..ومادام الثمن المال فلتذهب حليمة إلى الجحيم .
وما ان أسترد قليلا من عافيته حتى توجه لبيت حليمة ......وبادرته بالسؤال عن سبب غيابه الطويل ..وعبرت عن مدى قلقها وخوفها ....فطمانها واخبرها بخبر حادثته ......نهضت سريعا لتجهز له الطعام ...فأشار لها بيده أن تجلس فهو يريد الحديث إليها في موضوع مهم .....ولم يكن فيصل قد عاد من مدرسته ....جلست إلى جواره ....ولمحت علامات الهم بادية على وجهه ...تردد قليلا ثم قال لها ...حليمة ...لابد أن نفترق ...!!
وظنته يداعبها ....لكنها لمحت الجدية الكاملة على وجهه ....وهي تقول ...لماذا ؟ ماذا فعلت ؟
وشرح لها أمر زوجته الأخرى وشرطها القاسي ....وان افضل الحلول هو طلاقها فهي على الأقل أم لطفل واحد ..وزرعه أم لأربعة ...وأنهارت حليمة باكية ....مستعطفة ....لكن هيهات .....فهذا الخانع لن يقوى على إتخاذ قرار آخر مخالف لقرار صاحبة المال والجاه ...أما هذه المسكينة فلا راي لها ابدا .
حسبي الله ونعم الوكيل ......حسبي الله ونعم الوكيل .....جملة رددتها حليمة عدة مرات .
وفيصل ..؟؟ كان هذا سؤال حليمة التالي بعد أن تمالكت نفسها .....قال لها ..فيصل سيبقى معك على شرط أن تبقين في ابها ...أما إذا اردت الذهاب للقرية ...فيجب أن يبقى فيصل هنا ليكمل دراسته ...فالمدرسة الوحيدة قريبا منهم تقع في قرية بعيدة نسبيا ...ولن يستطيع فيصل الذهاب إليها .
وهل تريد ان يبقى فيصل مع زوجتك الأولى ....اجاب بنعم ....وماذا في ذلك انه مع اخوته ....ومعي .
حسبي الله ....لابد أن احرم من ولدي .......واتركه بين يدي إمراة اخرى ....أو ابقى في بلد غريبة ....ليس لها فيها زوج ولا قريب ...وأنهارت باكية ....وتركها على هذا الحال وخرج .
كان يفكر في ماقال لها ....وتذكر أن بقاءها في ابها .....ووضع فيصل ..يحتاج موافقة مسبقة من اللعينه زرعة ..
وعاد لبيته الآخر ....وما أن دخل من الباب حتى بادرته زرعه بالسؤال ...طلقتها ؟؟
قال ...لا ...ليس اليوم ....بكره إن شاء الله .....ودمدت غاضبة لاعنة .....وهو يهديء من غضبها ويعدها أن يفعل في اليوم الثاني ...لكنه أراد سؤالها عن وضع فيصل ....في حالة رفضت حليمة البقاء في ابها .
تبقى في ابها ....لماذا ؟ اليس لها اهل .....لالا ..لايمكن أن تبقى في ابها ...ولا اريدها ان تبقى قريبا منك ......ولتاخذ ولدها معها فلست مربية لطفل ليس لي ...وشرح لها حكاية المدرسة .....فابت واستكبرت .....ورفضت رفضا قاطعا .
ولم يكن امام ابو محمد سوى القبول ....رغما عنه ...ووعد أن يفعل ما تريده زرعة اللعينة .....وصباح اليوم الذي يليه ...عاد لبيت حليمة واخبرها بضرورة الذهاب إلى قريتهم ....مصطحبة ولدها ....وعليها ان تتدبر موضوع ذهابه للمدرسة ..ووافقت حليمة وذاك افضل الحلول لها ولإبنها .
واستغربت من تغير رأيه عن أمس .......وفهمت أن القرار ليس بيده وان زرعه رفضت بقاءها أو بقاء ولدها .
أحزن حليمة كثيرا أن تطلق وهي في ريعان شبابها ....وبلا سبب .
زواجها كان خطأ أرتكبه عمها بحقها .....والطلاق خطا آخر ..ارتكبه زوجها ووالد طفلها الوحيد ....وكلها لامعنى لها ..
وهي لارأي لها في هذه كله ......وكل ماتفعله ....هو البكاء فقط ....والصبر ....فليس في يدها ما تفعله .
يتبع