الطائر الحر
Well-Known Member
قلعة تاروت أهم شاخص أثري على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية
لا ينفك تاريخ جزيرة البحرين عن تاريخ الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية عامة وجزيرة تاروت خاصة، ونعني هنا التاريخ القديم والحديث على حدٍّ سواء. فكما تناول الكاتب حسين المحروس في مجلة القافلة عدد يناير / فبراير 2021م قلاع البحرين وحصونها، نتناول في هذا المقال أهم القلاع على الساحل المقابل، وهي قلعة تاروت الأثرية.
تُعدُّ قلعة تاروت أهم شاخص أثري على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية. بل إن هذا الساحل يكاد يخلو تماماً من أي شاخص أثري بهذه الأهمية. أما إذا عرفنا أن هذه القلعة تقع في وسط جزيرة تاروت التي تُعدُّ من أهم المواقع الأثرية في الخليج العربي وصاحبة الدور الكبير في مملكة دلمون في الألف الثالث والثاني قبل الميلاد. وأكثر من ذلك، فهي ترقد على موقع أثري قال عنه رئيس البعثة الدانماركية جيفري بيبي أنه أقدم موقع لمدينة في الخليج العربي، وحينها نعرف أننا نتحدث عن موقع أثري فائق الأهمية.
تقع هذه القلعة وسط جزيرة تاروت، عند الطرف الشمالي الغربي من حي الديرة، حيث تحتل قمة تل أثري مرتفع بشكل بارز ولافت للأنظار.
ويتكوَّن التل من خليط من الطين والأتربة، وقطع الحجارة الضخمة التي يزيد طول بعضها على المتر الواحد.
وتتكوَّن القلعة من بناء شبه بيضاوي غير منتظم الشكل، ولها سور خارجي دُعِّم بأربعة أبراج مخروطية بقي منها البرجان الغربيان.
يرجح أن تكون هذه القلعة من القلاع العيونية أو القرمطية، وبهذا يكون عمرها حوالي 1000 سنة. وقد ذكرت قلعة تاروت في القرن السابع الهجري (641هـ) في كتاب تحرير وصاف (تحرير تاريخ وصاف، ص 105) عند حديثه عن أتابك واحتلاله أوال ثم سيطرته على القطيف وقلعة تاروت، وأخطأ في كتابتها (طاروت) كما أخطأ حين اعتبر القطيف جزيرة.
وفي حقيقة الأمر، لم يكن ذلك أول ذكر لقلعة تاروت. فقد ورد في الاتفاقية المبرمة بين الحاكم العيوني وحاكم جزيرة كيش عام 606هـ أن يتنازل الأول للثاني عن مقسم القصر في جزيرة تاروت (محمد سعيد المسلم، القطيف واحة على ضفاف الخليج، ص 220) وبعض البساتين في الجزيرة، وذلك بعد أن أصاب الضعف الدولة العيونية
شيِّدت هذه القلعة فوق أنقاض أساسات مبانٍ قديمة تعود إلى الألف الثالث ق. م. حيث يمكن للزائر أن يشاهد تحت أساسات القلعة مجموعة من الحجارة المصقولة والمتراصة بشكل منتظم تمثل مبنى أقدم. ويقع إلى جوار هذا المبنى نبع ماء عميق يتصل بقناة تؤدي إلى بركة حجرية مكشوفة، مما حدا بالبعض أن يرجح أن المبنى ربما كان هيكلاً لعشتاروت - التي اشتق اسم مدينة تاروت منها.
أما عن أهم المواد المكتشفة تحت أساسات القلعة فهي تشمل تمثالاً من الحجر الجيري يحمل سمات التماثيل المميزة التي تنتمي للحضارة السومرية، وإلى جانبه مجموعة من الأواني الفخارية ذات اللون الأصفر البرتقالي من فخاريات فجر السلالات الأولى 2900-2750 ق.م، وأوانٍ أخرى كبيرة ذات أبدان جؤجؤية وحواف مثلثة الشكل تمثل الأنواع المميزة لفخاريات موقع جمدت نصر، وهو تل أثري موجود في بلاد ما بين النهرين، إضافة إلى تشكيلة من فخاريات دلمون وباربار المضلع الشكل، وهي فخاريات تنتمي إلى الألف الثالث ق.م. كما عثر في الطبقات السفلى على كسر لأوانٍ فخارية تنتمي لحضارة العبيد. وتتوزَّع المواد الأثرية المكتشفة على أربعة أدوار تاريخية تمثل مراحل الاستيطان في الموقع، وتعود أقدم هذه المراحل إلى فترة حضارة العبيد الثانية (4300-4000 ق.م). واستمر الاستيطان بالموقع حتى الألف الثالث ق.م حيث حضارة دلمون التي يعود أحدثها بالموقع إلى فترة باربار المتأخرة، وعلى هذا فإن موقع القلعة كان قائماً طوال الفترة الممتدة ما بين 4300 ق.م و500 ق. م.