في عز الاستعمار الفرنسي، تمكن الأمير عبد القادر من تأسيس مصنع للأسلحة بعبقرية فريدة. تحول اليوم إلى متحف يقعد في حي العناصر الجميلة لمدينة مليانة ولاية عين الدفلى.
يقول الأمير “كنت أملك مصنعا للأسلحة بمليانة وكنت استخرج الحديد من منجم مجاور. وكانت تصنع به قطعة السلاح الكاملة”. سمحت معاهدة “التافنة” للأمير عبد القادر لإعداد تنظيم أسس دولته حيث أقام عدة منشات مدنية وعسكرية. منها مصنع الأسلحة بمليانة الذي شيد في عام 183.
استغرق بناء المصنع حوالي 8 أشهر. وكان يشرف على إدارة هذا المصنع مهندس فرنسي هارب يدعي الكي كاز بمساعدة عمال أوروبيين أغلبهم من المساجين والهاربين من الجيش الفرنسي. في 08 جوان 1840 عند احتلال مدينة مليانة وجد الجيش الفرنسي – بقيادة المارشال فالي المصنع مهجورا. وقد هدمت معظم تجهيزاته. وفي سنة 1845 حولت السلطات الاستعمارية هذا المبنى إلى طاحونة.
أسرار اختيار موقع المصنع
بنى الأمير عبد القادر المصنع بالضاحية الشرقية خارج أسوار مدينة مليانة. وقد تم اختيار هذا الموقع لعدة أسباب منها الموقع الجيوستراتيجي. حيث تشرف البناية من أعالي منحدرات جبل زكار على امتداد سهل الشلف وفرة المياه لوجود وديان حي العناصر لتوليد الطاقة المائية وتحريك آليات المصنع. وكذلك وفرة المادة الأولية بالنواحي المجاورة منجم زکار للاستغلال معدن الحديد والخشب.
كيفية تشغيل المصنع
كان المصنع يشتغل على نمط الحدادة الكتلانية التي يعتمد نظامها على صهر معدن الحديد الخام داخل أفران كبيرة. ثم يتم صقله بمطرقة ضخمة تحركها عجلة مائية توضع في مصب الوادي خارج البناية. كانت درجة حرارة الأفران تصل إلى 1400 ° درجة مئوية وهذا باستعمال منفاخ مزود بنفير مائي لإفراغ الهواء وإضرام وقد كانت تصنع به عدة قطع أسلحة وخاصة الرماح وحاملات المدافع. وقد دام الإنتاج به لمدة 7 أشهر.
ملحق المصنع
يحتوي المصنع على ملحق يتمثل في المنزل الذي أهدي إلى الأمير عبد القادر من طرف سكان مليانة عند دخوله المدينة سنة 183. موقعه الجيوستراتيجي ساعد الأمير في بناء المصنع ليصبح مكانا أو فضاء استراحة خاصة بالعمال.
بني المنزل في العهد العثماني وهو الجزء الأقدم في البناية. متصل تماما مع المصنع وهو ذو طابع موريسكي (مزيج بين الطابع المعماري الأندلسي والطابع المغربي). متكون من طابقين يتم الدخول إليه عبر باب خشبي بمصراع يؤدي مباشرة إلى سقيفة، تؤدي بدورها إلى مرافق الطابق العلوي المتكون من ( 05 ) خمسة غرف.
نصل إلى الطابق الأرضي عبر درج، يتكون هذا الطابق من غرفتين مستطيلتين ومطبخ. بالإضافة إلى باب يؤدي إلى الورشة و الحمام. يتوسط المرافق صحن مساحته 27 متر مربع. ذو أرضية مبلطة بالرخام تتوسطه نافورة مستحدثة أثناء الترميم – ويحيط به مجموعة من العقود المرتكزة على أعمدة مثمنة تعلوها تيجان كورنتية”. بين الصحن والغرف توجد الأروقة تلعب هذه الأخيرة دور المعدل الحراري للمنزل.
محتويات المتحف
يحتوي المتحف على ورشة. ويوجد هذا الفضاء بالطابق السفلي للمبنى أين يمكن للزائر مشاهدة التجهيزات القديمة التي كان عليها المصنع. حيث يتكون من العجلة المائية و المنفاخ الهوائي. والمطرقة كما عرضت قوالب للمدافع. ويوجد بالزاوية الجنوبية الشرقية فرن مبني بالأجر في حالة صيانة جيدة.
يوجد في المتحف كذلك قاعة العرض، من الورشة يوجد سلم يؤدي إلى الطابق العلوي أين توجد قاعة واسعة تحتوي على عدة زجاجيات عرضت بداخلها مجموعة من قطع لقوالب البنادق والرماح و نماذج خاصة بالأمير وأحد جنوده.
يوجد فيه كذلك الصحن، وقد هیئت بصحن المنزل غرفتان كمكان للراحة. عرضت فيهما مجموعة من الأثاث والأدوات التقليدية. وسرير حديدي مزين على النمط القديم.
يحتوي المتحف على مكتبة، هي عبارة عن هيكل قاعدي يتكون في مجمله على البناية التي تحمل في طياتها مجموعة من التجهيزات. والتي تساعد في تسهيل عملية المطالعة وكسب المعرفة. تتمثل في مجملها على الكتب المتنوعة ومجموعة من الأثاث.
أما المكتبة المتحفية في مضمونها المعرفي هي وسيلة اتصال وتكملة لما يحتويه المتحف من معروضات قديمة وحديثة بتوسيع وتثبيت المعلومات التاريخية والأثرية.
تفتح المكتبة ابوابها طيلة أيام الأسبوع من الثامنة صباحا إلى الرابعة والنصف زوالا. تحتوي على فضاء مخصص للأطفال بسعة 30 مقعدا. فضاء للمطالعة خاص بالكبار بسعة 40 مقعد. فضاء خاص بالنشاطات الثقافة وآخر خاص بالمحاضرات.
تحتوي المكتبة على عدد اجمالي من الكتب 3495 كتاب منها 2443 باللغة العربية و1052 باللغة الفرنسية. كتب تاريخ 625، أدب، الأدب الأفريقي 194، التراث والقنون 142، الشعر، روايات، قصص، كتب الدين، عموميات، وكتب الدوريات. توفر المكتبة لزوارها فضاء للدراسة وتحضير الامتحانات ورسائل التخرج.
يعتبر المتحف وجهة مثالية للراغبين في اكتشاف تاريخ المنطقة وعبقرية الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة. (ملاحظة تم جمع المعلومات من إدارة متحف الأسلحة)