أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

كيف وصف القرآن الكريم المسيح عليه السلام واُمّه

سما العراق

Well-Known Member
إنضم
28 يونيو 2020
المشاركات
13,633
مستوى التفاعل
50
النقاط
48
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



يحكي القرآن الكريم قصة المسيح عليه السلام وأمّه بشكل مختلف عمّا نقلته كتب العهد الجديد ، فالقرآن يبدء القصّة بذكر امرأة عمران ـ والدة مريم ـ فيذكر قصّة حملها بمريم ونذر ما في بطنها ليكون خادماً للمسجد فقال تعالى : ( إِذْ قَالَتِ امْرَ‌أَتُ عِمْرَ‌انَ رَ‌بِّ إِنِّي نَذَرْ‌تُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّ‌رً‌ا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَ‌بِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ‌ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْ‌يَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّ‌يَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّ‌جِيمِ ) (۱) فتقبّل الله سبحانه وتعالى نذرها هذا ، وبعد ولادتها أتت بها إلى المعبد وسلّمتها للكهنة وكان بينهم زكريّا عليه السلام فاختلفوا فيما بينهم أيّهم يكفّلها ، فاتّفقوا على القرعة ، فكانت من نصيب النبي زكريّا عليه السلام فكفّلها حتّى إذا نبتت وبلغت ضرب لها من دونهم حجاباً تعبد الله سبحانه ، لا يدخل عليها المحراب إلّا زكريّا فيقول سبحانه : ( فَتَقَبَّلَهَا رَ‌بُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِ‌يَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِ‌يَّا الْمِحْرَ‌ابَ وَجَدَ عِندَهَا رِ‌زْقًا قَالَ يَا مَرْ‌يَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْ‌زُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ‌ حِسَابٍ ) (۲).

ثمّ إنّ الله تعالى بشّرها بولادة عيسى المسيح عليه السلام حيث أرسل الملاك إليها وهي محتجّبة وقد تمثّل لها بشراً فبلغها البشارة بأنّ الله سبحانه يهب لها طفلاً مباركاً يكون رسولاً إلى بني إسرائيل وأخبرها بمنزلته العظيمة عند الله ، ثمّ نفخ فيها فحملت مريم عليها السلام بالمسيح عليه السلام حمل المرأة بولدها والقصّة كما يذكرها القرآن هي :

( وَاذْكُرْ‌ فِي الْكِتَابِ مَرْ‌يَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْ‌قِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْ‌سَلْنَا إِلَيْهَا رُ‌وحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرً‌ا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّ‌حْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَ‌سُولُ رَ‌بِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ‌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَ‌بُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَ‌حْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرً‌ا مَّقْضِيًّا ) (۳) ثمّ حان موعد الولادة المباركة فجاءها المخاض إلى جذع النخلة وهناك وضعت عيسى عليه السلام ويذكر القرآن أوّل معاجزه عليه السلام حيث كلّم والدته في أوّل يوم ولادته حيث يذكر القرآن قصّة الولادة بقوله تعالى : ( فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * أَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَ‌بُّكِ تَحْتَكِ سَرِ‌يًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُ‌طَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَ‌بِي وَقَرِّ‌ي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَ‌يِنَّ مِنَ الْبَشَرِ‌ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْ‌تُ لِلرَّ‌حْمَـٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ) (٤).

ثمّ يقص القرآن كيف أنّ مريم العذراء عليها السلام جاءت بالمسيح عليه السلام إلى قومها فلمّا رأوها والطفل معها ثاروا عليها بالطعن واللوم فسكتت وأشارت إليه عليه السلام أن كلّموه فتعجّبوا من ذلك إذ كيف يمكن التكلّم مع طفل ما زال في المهد فنطق الطفل المعجزة بكلام رائع إذ يحكي القرآن هذا الموقف بقوله تعالى : ( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْ‌يَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِ‌يًّا * يَا أُخْتَ هَارُ‌ونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَ‌أَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَ‌تْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَ‌كًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّ‌ا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارً‌ا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) (٥).

ثمّ نشأ عيسى عليه السلام وشب وكان وأمّه على العادة الجارية في الحياة الدنيويّة الطبيعيّة للبشر ، يأكلان ويشربان وفيهما ما في سائر الناس من عوارض الوجود إلى آخر عمرهما. ثمّ أنّ عيسى عليه السلام أرسل إلى بني إسرائيل فقام يدعوهم إلى دين التوحيد ، وكان يدعوهم إلى الشريعة الجديدة المطابقة لشريعة موسى عليه السلام إلّا أنّه نسخ بعض ما حرّم في التوراة تشديداً على اليهود ، وقد جاء ببيّنات ومعاجز كثيرة يذكرها القرآن وذلك في قوله تعالى : ( وَرَ‌سُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَ‌ائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّ‌بِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ‌ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرً‌ا بِإِذْنِ اللَّـهِ وَأُبْرِ‌ئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَ‌صَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُ‌ونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَ‌اةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّ‌مَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّ‌بِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّـهَ رَ‌بِّي وَرَ‌بُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَ‌اطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) (٦) ثمّ إنّه من خلال دعوته بشر بالنبي الخاتم الرسول الأكرم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم إذ ينقل البشارة عن لسان عيسى عليه السلام بقوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْ‌يَمَ يَا بَنِي إِسْرَ‌ائِيلَ إِنِّي رَ‌سُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَ‌اةِ وَمُبَشِّرً‌ا بِرَ‌سُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ‌ مُّبِينٌ ) (۷).

ولم يزل عيسى عليه السلام يدعوهم إلى التوحيد والشريعة الجديدة حتّى أيس من إيمانهم لمّا رآه من استكبار وعناد الكهنة والأحبار عن قبول الدين والرسالة التي جاء بها فانتخب من بين أتباعه الحواريين ليكونوا أنصاراً له إلى الله سبحانه فيقول تعالى في القرآن الكريم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ‌ اللَّـهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْ‌يَمَ لِلْحَوَارِ‌يِّينَ مَنْ أَنصَارِ‌ي إِلَى اللَّـهِ قَالَ الْحَوَارِ‌يُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ‌ اللَّـه ) (۸).

وأيضاً ينقل القرآن الكريم قصّة نزول المائدة من السماء على عيسى عليه السلام وحوارييه الذين طلبوا منه هذه المعجزة لتطمئنّ قلوبهم قال تعالى : ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِ‌يُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْ‌يَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَ‌بُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّـهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِ‌يدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْ‌يَمَ اللَّـهُمَّ رَ‌بَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِ‌نَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْ‌زُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ‌ الرَّ‌ازِقِينَ * قَالَ اللَّـهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ‌ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ ) (۹) ثمّ أنّ أحبار اليهود وعلمائهم ثاروا عليه يريدون قتله ، فتوفّاه الله سبحانه ورفعه إليه ، وشبّه لليهود أنّهم قتلوه وصلبوه فيقول تعالى : ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْ‌يَمَ رَ‌سُولَ اللَّـهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّ‌فَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) (۱۰) فهذه مجمل ما قصّه القرآن في المسيح عليه السلام وأمّه القدّيسة مريم.

كيف وصف القرآن الكريم المسيح عليه السلام واُمّه

إنّ القارئ للقرآن الكريم يجد أنّ هذا الكتاب الإلهي ذكر صفات للمسيح عليه السلام وأمّه ، قل ما ذكرها لأحد الأنبياء والنساء ، فقد ذكر لهذا النبي المكرّم خصال رفع بها قدره ، وكذلك الحال بالنسبة لأمّه الطاهرة. وإنّي من هنا أدعو كلّ مسيحي محبّ للسيّد المسيح عليه السلام وأمّه العذراء بمطالعة هذا السفر الإلهي المحمّدي ومقارنته بما ذكره الإنجيل ـ العهد الجديد ـ من صفات وأفعال لهذا النبي العظيم ، ليرى الفارق الكبير بين الكتابين وأيّهما قد أماطا اللثام عن شخصيّة عيسى الحقيقيّة وأمّه ، القرآن أم الإنجيل ؟

وأنا هنا أكتفي بذكر بعض هذه الصفات لهذا النبي وأمّه في القرآن ، وأشير أيضاً إلى بعض ما ذكرته الأناجيل من أوصافه عليه السلام وأترك الحكم للقارئ العزيز.

ولنبدأ أوّلاً بذكر ما ورد في القرآن عن الصدّيقة مريم العذراء ، ونستطيع القول بأنّها المرأة الوحيدة التي قصّ القرآن قصّتها بالتفصيل فينقل القرآن عنها : ... إنّ الله قد اصطفاها وطهّرها واصطفاها على نساء العالمين كما في قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْ‌يَمُ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَ‌كِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) (۱۱).

كانت عليها السلام مقبولة عند الله وقد تكفّل الله سبحانه تربيتها وإنباتها كما في قوله تعالى : ( فَتَقَبَّلَهَا رَ‌بُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ... ) (۱۲).

كانت محدّثة حدّثتها الملائكة « وهي الوحيدة من النساء اللاتي ذكر القرآن أن الملائكة قد حدّثتها » كما في قوله تعالى ( إذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْ‌يَمُ إِنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُ‌كِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْ‌يَمَ ... ) (۱۳).

كانت من آيات الله للعالمين كما في قوله تعالى : ( وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْ‌جَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّ‌وحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (۱٤).

وغيرها من الأوصاف الأخرى التي ذكرها القرآن الكريم لهذه الصدّيقة الطاهرة.

وأما ما جاء في القرآن الكريم عن السيّد المسيح عليه السلام فيمكن القول بأنّها من المقامات الرفيعة التي خصّ بها هذا النبي المقرّب ونلخصها بما يلي :

كان عليه السلام عبداً لله وكان نبيّاً كما في قوله تعالى : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) (۱٥).

وكان رسولاً إلى بني إسرائيل كما في قوله تعالى ( وَرَ‌سُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَ‌ائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّ‌بِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ‌ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرً‌ا بِإِذْنِ اللَّـهِ ... ) (۱٦).

وكان واحداً من الخمسة أولي العزم صاحب شرع وكتاب وهو الإنجيل كما في قوله تعالى ( شَرَ‌عَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَ‌اهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ... ) (۱۷) وأيضاً في قوله تعالى ( وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِ‌هِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْ‌يَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَ‌اةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ‌ ... ) (۱۸).

وكان عليه السلام قد سمّاه الله سبحانه بالمسيح عيسى وكان وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين كما في قوله تعالى : ( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْ‌يَمُ إِنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُ‌كِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْ‌يَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَ‌ةِ وَمِنَ الْمُقَرَّ‌بِينَ ) (۱۹).

وكان عليه السلام كلمة لله وروحاً منه كما في قوله تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْ‌يَمَ رَ‌سُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْ‌يَمَ وَرُ‌وحٌ مِّنْهُ ... ) (۲۰).

وكان من الصالحين والمجتبين كما في قوله تعالى : ( وَزَكَرِ‌يَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ) (۲۱).

وكان عليه السلام مباركاً أينما كان وكان زكيّا باراً بوالدته كما في قوله تعالى ( وَجَعَلَنِي مُبَارَ‌كًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّ‌ا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارً‌ا شَقِيًّا ) (۲۲).

وكان عليه السلام مسلماً على نفسه كما في قوله تعالى : ( وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) (۲۳).

وكان عليه السلام ممّن علّمه الله الكتاب والحكمة كما في قوله تعالى : ( وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَ‌اةَ وَالْإِنجِيلَ ) (۲٤).

وكان مبشّراً برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْ‌يَمَ يَا بَنِي إِسْرَ‌ائِيلَ إِنِّي رَ‌سُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَ‌اةِ وَمُبَشِّرً‌ا بِرَ‌سُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ... ) (۲٥) ، وأوصاف وخصال أخرى كثيرة نكتفي بما ذكرناه.

ولكن أودّ الإشارة هنا إلى المحاورة التي ينقلها الله سبحانه بينه وبين نبيّه عيسى ابن مريم ، لنرى الأدب الرائع والعبوديّة التامّة لهذا النبي أمام ربّ العزّة ، وكيف ينفي ما نسب إليه من ألوهيّة وأنّه بريء من هذه العقائد الباطلة ، فيقول سبحانه وتعالى :

( وَإِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْ‌يَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّـهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْ‌تَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ رَ‌بِّي وَرَ‌بَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّ‌قِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ‌ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * قَالَ اللَّـهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِ‌ي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ‌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّ‌ضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَ‌ضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (۲٦).

فالمسيح عليه السلام ينفي بشدّة ما ينسبه المسيحيّون إليه من مقام الألوهيّة.

يقول العلّامة الطباطبائي في تفسيره القيّم « الميزان » عن هذه المحاورة وهذا الكلام العجيب الذي يشتمل من العبوديّة على عصارتها ، ويتضمّن من بارع الأدب على مجامعه يفصح عمّا كان يراه عيسى المسيح عليه السلام من موقفه تلقاء ربوبيّة ربّه ، وتجاه الناس وأعمالهم فذكر أنّه كان يرى نفسه بالنسبة إلى ربّه عبداً لا شأن له إلّا الإمتثال لا يرد إلّا عن أمر ، ولم يؤمر إلّا بالدعوة إلى عبادة الله وحده ولم يقل لهم إلّا ما أمر به ربّه : أن اعبدوا الله ربي وربكم.

ولم يكن له من الناس إلّا تحمل الشهادة على أعمالهم فحسب ، وأمّا ما يفعله الله فيهم وبهم يوم يرجعون إليه فلا شأن له في ذلك : غفر أو عذب (۲۷).

والمسيح عليه السلام بهذا البيان أيضاً ينفي كونه فادياً ومتحملاً للخطيئة عوضاً عن الناس كما يزعم المسيحيّون.

هذا بإختصار ما أورده القرآن حول شخصيّة هذا العبد الصالح والرسول المبارك عيسى ابن مريم وأمّه العذراء.

ولنطالع الإنجيل ـ العهد الجديد ـ ونرى بماذا وصف هذا النبي من أوصاف يأباها العقل والذوق السليم وسنكتفي اختصاراً بذكر بعضها ومن شاء المزيد فليراجع العهد الجديد ويرى العجب.


مقتبس من كتاب هبة السماء
الهوامش​
۱. سورة آل عمران آية ٣٦ ومريم معناها « الخادمة ».​
۲. آل عمران آية ٣٧.​
۳. سورة مريم آية ١٦ ـ ٢١.​
٤. سورة مريم آية ٢٢ ـ ٢٦.​
٥. سورة مريم آية ٢٧ ـ ٣٣.​
٦. سورة آل عمران آية ٤٩ ـ ٥١.​
۷. سورة الصف آية ٦.​
۸. سورة الصف آية ١٤.​
۹. سورة المائدة آية ١١٢ ـ ١١٤.​
۱۰. سورة النساء آية ١٥٧ ـ ١٥٨.​
۱۱. سورة آل عمران آية ٤٢.​
۱۲. سورة آل عمران آية ٣٧.​
۱۳. سورة آل عمران آية ٤٥.​
۱٤. سورة الأنبياء آية ٩١.​
۱٥. سورة مريم آية ٣٠.​
۱٦. سورة آل عمران آية ٤٩.​
۱۷. سورة الشورى آية ١٣.​
۱۸. سورة المائدة آية ٤٦.​
۱۹. سورة آل عمران آية ٤٥.​
۲۰. سورة النساء آية ١٧١.​
۲۱. سورة الأنعام آية ٨٥ ـ ٨٧.​
۲۲. سورة مريم آية ٣١ ـ ٣٢.​
۲۳. سورة مريم آية ٣٣.​
۲٤. سورة آل عمران آية ٤٨.​
۲٥. سورة الصف آية ٦.​
۲٦. سورة المائدة آية ١١٦ ـ ١١٩.
۲۷. الميزان في تفسير القرآن ج٣ ص ٢٨٢​
 

سما العراق

Well-Known Member
إنضم
28 يونيو 2020
المشاركات
13,633
مستوى التفاعل
50
النقاط
48
رد: كيف وصف القرآن الكريم المسيح عليه السلام واُمّه

شكرا لحضوركم ف الموضوع
بارك الله بكم
 

قيصر الحب

::اصدقاء المنتدى و اعلى المشاركين ::
إنضم
2 أغسطس 2016
المشاركات
369,326
مستوى التفاعل
3,199
النقاط
113
رد : كيف وصف القرآن الكريم المسيح عليه السلام واُمّه

دمت ودام لنا روعه مواضيعك
 

البرآق

نبض آخر
إنضم
27 أغسطس 2017
المشاركات
30,221
مستوى التفاعل
498
النقاط
83
رد: كيف وصف القرآن الكريم المسيح عليه السلام واُمّه

جزاك الله خيرا
بورك نبضك
 

عطري وجودك

Well-Known Member
إنضم
5 أغسطس 2019
المشاركات
81,600
مستوى التفاعل
2,568
النقاط
113
رد: كيف وصف القرآن الكريم المسيح عليه السلام واُمّه

اسأل الله ‎العظيم
‎أن يرزقك الفردوس الأعلى من الجنان.
‎وأن يثيبك البارئ خير الثواب .
 

mohammed.shams

نائب الادارة
طاقم الإدارة
إنضم
31 يناير 2017
المشاركات
2,287,578
مستوى التفاعل
47,442
النقاط
113
رد: كيف وصف القرآن الكريم المسيح عليه السلام واُمّه

لجهودكم باقات من الشكر والتقدير على المواضيع الرائعه والجميلة
 

قيثارة الهوى

Well-Known Member
إنضم
11 مايو 2020
المشاركات
6,068
مستوى التفاعل
154
النقاط
63
رد: كيف وصف القرآن الكريم المسيح عليه السلام واُمّه

بوركت جهودك على الموضوع القيم
جزاك الله كل خير
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )