لا تستغرب ولا تزهق 
قال الإمام علي (عليه السلام) لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ:يَا جَابِرُ قِوَامُ الدِّينِ وَ الدُّنْيَا بِأَرْبَعَةٍ عَالِمٍ مُسْتَعْمِلٍ عِلْمَهُ وَ جَاهِلٍ لَا يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَ جَوَادٍ لَا يَبْخَلُ بِمَعْرُوفِهِ وَ فَقِيرٍ لَا يَبِيعُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ,
فَإِذَا ضَيَّعَ الْعَالِمُ عِلْمَهُ اسْتَنْكَفَ الْجَاهِلُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَ إِذَا بَخِلَ الْغَنِيُّ بِمَعْرُوفِهِ بَاعَ الْفَقِيرُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ,
يَا جَابِرُ مَنْ كَثُرَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَثُرَتْ حَوَائِجُ النَّاسِ إِلَيْهِ فَمَنْ قَامَ لِلَّهِ فِيهَا بِمَا يَجِبُ فِيهَا عَرَّضَهَا لِلدَّوَامِ وَ الْبَقَاءِ وَ مَنْ لَمْ يَقُمْ فِيهَا بِمَا يَجِبُ عَرَّضَهَا لِلزَّوَالِ وَ الْفَنَاءِ .
مواضع المعروف
قال الإمام علي (عليه السلام): فَمَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ وَ لْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَةَ وَ لْيَفُكَّ بِهِ الْأَسِيرَ وَ الْعَانِيَ وَ لْيُعْطِ مِنْهُ الْفَقِيرَ وَ الْغَارِمَ وَ لْيَصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَ النَّوَائِبِ ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ فَإِنَّ فَوْزاً بِهَذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَكَارِمِ الدُّنْيَا وَ دَرْكُ فَضَائِلِ الْآخِرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
قال الإمام علي (عليه السلام):وَ قَدْ مَرَّ بِقَذَرٍ عَلَى مَزْبَلَةٍ هَذَا مَا بَخِلَ بِهِ الْبَاخِلُونَ وَ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا مَا كُنْتُمْ تَتَنَافَسُونَ فِيهِ بِالْأَمْسِ .
المصدر:
نهج البلاغة.
حين تكون صاحب نعمة من مال واملاك مُتنوعة او منصب او جاه او تخصص مُعين يُفيد الناس, لاتستغرب ان يقصدك الناس ويرغبوا في معروفك.
ولا يتصور البعض بأن المقصود بصاحب النعمة فقط اصحاب الأموال الطائلة والأملاك الكثير والثروات الكبيرة.
نعم هؤلاء اصحاب نعمة وسوف يسئلهم الله عن مالهم ويُحاسب المُقصرين منهم والبخلاء على عباد الله. ولكن حتى انت فيما تملك من نعم تكون فيها حالتك اكثر من المتوسط تكون صاحب نعمة, حين تملك المسكن وعدة عقارات ومبلغ من المال فأنت صاحب نعمة وتستطيع ان تمد يد العون لغيرك بها.
وعليك ان تضع خطط لعمل الخير والمعروف ومُساعدة الناس كما وضعت خطط لباقي حيثيات حياتك.
فالتخطيط ليس فقط للكسب وتعمير دنياك, بل ايضاً للبذل وتعمير آخرتك. وحين تكون من طبقة الأغنياء فالفرصة لكل لتعمير آخرتك اكبر واكبر, حتى ان عطائك يكون مُتنوع ومُتعدد.
هنيئاً لمن كانت قدوته السيدة خديجة التي بذلت كل اموالها في سبيل الله.
ولكننا قد لانستطيع ان نتمثل بهذه الروح الكبيرة العالية, ولكن نكون كما قال الإمام علي (عليه السلام): أَلَا وَ إِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَ لَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَ اجْتِهَادٍ وَ عِفَّةٍ وَ سَدَادٍ. لذلك نأتي لنقطة الكثير من الأغنياء واصحاب النعمة والقدرة والمنصب والجاه, حين يقولون زهقنا وملينا من طلبات وحوائج الناس وقصدهم لنا. ونقول له تأمل في الروايات التي ذكرناها في البداية واذهب واقرأ وتأمل في سيرة أهل البيت (عليهم السلام) لتعرف بأن هذه نعم عليك واختبار لك. لذلك لاتستغرب ولاتزهق ولاتمل, بل اسجد لله شكراً على هذا التوفيق بأنك صرت مقصد يقصده الناس لقضاء حاجاتهم. وعليك ان تُخطط وتُفكر وترى كيف تستطيع المُساعدة وتعرف من هو احوج, وحتى لو اكتشفت شخص غير مُحتاج قم برده رد كريم مادمت لاتُريد ان تُعطيه. وعليك ان لا تجعل عطائك تقليدي فقط بمبلغ من المال وكفى.
انظر لقدرتك وماتملك, قد تكون مُساعدتك بإعطائه سكن بلامُقابل لفترة من الزمن, او بأن يعمل في محل لديك بلا قيمة اجار لفترة من الزمن, او بأن تُقرضه مبلغ من المال, او بأن تصبر عليه حين يشتري منك امر مُعين حتى يستطيع اكمال المبلغ لك, او بأن تكون عنصر يُساهم في تخفيض مبالغ سعر السوق وعامل لكسر الإحتكار وارتفاع الأسعار, او بأن تكون سبب لأحدهم لكي يعمل او ليدرس, او تُقيم دورات مجانية لفئة من الناس. طُرق عمل الخير لاتُعد ولاتُحصى, وكف الأذى من احدها واهمها, لذلك لاتجعل اموالك مصدر آذى للآخرين فتكون بسببها عامل احتكار ورفع للأسعار وحرمان الناس بسبب ماتملك من سيولة من فرصة سكن او عمل وذلك ﻷنك تشتري بقدرتك المالية اغلب مافي السوق من اراضي ومزارع وعقارات ومحلات وعمارات وحتى بضاعة وتكون عامل يُدمر الآخرين. فلا تستغرب ولاتزهق ولاتمل حين يقول لك الآخرين ارحمنا وخفض اسعارك وكُف آذاك عنا بتركك للإحتكار ورفع الأسعار واستغلال قدرتك المادية لإكتساح الأسواق. هذا من حقهم ان يطلبوا منك المعروف بكف الآذى عنهم.
ومن طرق الخير الإصلاح بين الناس والوساطة فيما بينهم لفض النزاعات والسعي في حوائجهم بما تستطيع. فلا تستغرب ولاتزهق إذا طلب الناس منك التدخل بسبب قدرتك ومكانتك وجاهك في المجتمع. وإذا كنت صاحب تخصص يحتاجك الناس مثل الكثير من التخصصات الطبية, او استشارة بسبب مجال تخصصك وعملك. فلا تستغرب وتزهق من سؤال اناس لك وقصدهم إليك للإستفادة من علمك تخصصك ومجالك, ففي كل معلومة تُقدمها لوجه الله تعالى اجر وثواب. اشكروا نعم الله عليكم ولاترفضوها ولاتستغربوا منها ولاتزهقوا منها. قصد الناس لكم نعمة وحاجة الناس لكم نعمة وكُلها طريق لكم للجنة. هنيئاً لمن وفقه الله بأن يقصدوه الناس ﻷي امر يستطيع قضائه وقضاه لهم, كم هي عالية مرتبة من يعمل لوجه الله. قال تعالى (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[سورة الزمر 17 - 18]
اللهم صلِ على محمد وآلِ محمد
