عطري وجودك
Well-Known Member
- إنضم
- 5 أغسطس 2019
- المشاركات
- 81,739
- مستوى التفاعل
- 2,771
- النقاط
- 113
لماذا طلب يوسف عليه السلام أن يتولى خزائن الأرض
لماذا طلب يوسف عليه السلام أن يتولى خزائن الأرض
لأنه لم يكن هناك من يوازيه في العدل، فتولى خزائن الأرض حتى يعمل على الإصلاح، ويرد الحقوق إلى أهلها.طلب يوسف عليه السلام توليته على خزائن الأرض، ولم يكن ذلك رغبةً في الإمارة، لأن الشرع نهانا عن طلب الإمارة، ولم يكن يوسف الصديق ليطلب الإمارة لنفسه ومن أجل رغبته في الحكم، والسلطة.
ولكن رأى أن المصلحة غلبت المفسدة في هذا الأمر، والناس تحتاج لمن يقيم العدل، ويصلح أمور الدولة، ويوزع الحقوق فيما بينهم، فقد تولى الحكم حملاً للمسؤلية التي توجب عليه حملها لعدم وجود من ينوب عنه فيها، وليس حباً لتوليها، فإن لم يفعل لسُئل عن ذلك، لأنه أسقط فرض الكفاية.
قال ابن العربي: (لم يقل إني حسيب كريم، وإنما قال: إني حفيظ عليم، سألها بالحفظ والعلم لا بالحسب والجمال، وسأل ذلك ليوصل الحقوق إلى الفقراء لا لحظ نفسه ورأى أن ذلك فرض عليه).[1]
قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم
لما سمع الملك تفسير يوسف لرؤياه، وسمع نصيحته حتى يمر من المجاعة التي سوف تمر بها البلاد، حيث نصحه يوسف عليه السلام أن يجمع الطعام، ويكثر من الزرع في سنين الخصوبة، ثم يقوم بتخزينه بقصبه وسنبله، ليكون الحب لإطعام الناس، والقصب والسنبل علفاً للدواب، وأن يأمر الناس بتخزين خمس طعامهم، فيكفي الطعام أهل مصر والبلاد التي حولها، ويفيض الطعام، فيبيعه الملك ويجمع من الكنوز مالم يكن لأحد من قبله، ولكن الملك لم يكن لديه من يقوم على هذا العمل، فطلب حينها يوسف أن يكون على خزائن الأرض.أراد سوف عليه السلام بالخزائن: (خزائن الطعام والأموال)، والمراد بالأرض هي أرض مصر، أي أن نبي الله يوسف أراد أن يكون على خراج مصر، وقال: (إني حفيظ عليم)، فوصف نفسه بأنه حفيظ، أي أنه سوف يكون حافظاً للخزائن، وعليم أي أنه يعلم وجوه المصلحة التي يمكن أن يستغلها بها، وقيل في تفسير (حفيظ عليم)، أنها تعني كاتب حاسب، وقيل أنها تعني: (حفيظ للحساب، عليم بالألسن، أعلم لغة منيأتيني).
عندما عرض يوسف على الملك أن يوليه الخزائن رأى أنه الأحق بها، وليس هناك من هو أحق، فقال له: (إنك اليوم لدينا مكين أمين)، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: (رحم الله أخي يوسف، لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته، ولكنه أخَّره لذلك سنة فأقام في بيته سنة مع الملك).
ثم بعدما مر عاماً على طلب يوسف عليه السلام أن يتولى خزائن الأرض تولى الحكم، يقول ابن عباس في ذلك: (.. دعاه الملك فتوجه وقلده بسيفه ووضع له سريراً من ذهب مكللاً بالدر والياقوت، وضرب عليه حلة من استبرق، وطول السرير ثلاثون ذراعاً، وعرضه عشرة أذرع، عليه ثلاثون فراشاً، وستون مرفقة، ..)، فوَّض الملك بعد ذلك أمر مصر إلى يوسف، وقد كان ملكاً عدلاً أحبه الجميع.[2]
نهى الشرع عن طلب الإمارة
لقد نهى الشرع الحنيف عن طلب الولاية طالما لم تدع إليها الحاجة، يقول سبحانه وتعالى في كتابه: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا والعافية للمتقين)، ويقول رسول الله صلَّ الله عليه وسلم:(يَا عَبدَالرَّحمن بن سمُرَةَ، لا تَسْأَل الإمارَةَ؛ فَإنَّكَ إن أُعْطِيتَها عَن غَيْرِ مسأَلَةٍ أُعِنْتَ علَيها، وَإنْ أُعْطِيتَها عَن مسأَلةٍ وُكِلْتَ إلَيْها، وإذَا حَلَفْتَ عَلى يَمِينٍ فَرَأَيتَ غَيرها خَيرًا مِنهَا؛ فَأْتِ الَّذِي هُو خيرٌ، وكفِّر عَن يَمينِكَ)، فالولاية ليست منصباً يتباهى الناس به، ويتفاخرون، بل هي مسؤولية.
سأل أبو ذر النبي صلَّ الله عليه وسلم قائلاً: ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبه وقال: يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها، وأدى الذي عليه فيها)، نرى اليوم من يطلبون الولاية وهم ليسوا أهلاً لها، حتى يقال فلان مسؤلاً كبيراً في الوزارة، أو الهيئة، أو الشركة، ولا يزن وزناً لحساب الله سبحانه وتعالى، فكل مسؤلاً سيُسأل عن أمانته، وروي عن أبي هريرة أن رسول الله صلَّ الله عليه وقال: (إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة).
يستفاد من نصح رسول الله صلَّ الله عليه وسلم لأبي ذر أنه لا ينبغي لرجلٍ ضعيف أن يتولى من المسؤوليات مالا يطيق، حتى لا يُسأل لما ضيعها، ولما قبلها، فلا يقبل الرجل على الزواج من أكثر من امرأة إن كان لن يعدل بينهم، ولا يقبل على تولي إعالة أيتام إن لم يكن سوف يحفظهم، ويحمي حقوقهم من النهب، ولا يتقدم لوظيفة يخدم من خلالها الناس إن كان لن يستطيع أداء حقوقهم.[3][4]
طلب الولاية
يجوز طلب الولاية لمن رأى في نفسه أنه صالحاً لها، وأن لن يقوم مكانه أحداً يُصلح ما يستطيع إصلاحة، كما فعل نبي الله يوسف، حيث طلب أن يتولى خزائن مصر حفظاً لها، فأراد أن يستحوذ على السلطة من أجل إرثاء العدل، ونصرة الضعفاء، ومساعدة الفقراء، وليس من أجل مجده الشخصي، ولم يكن هناك شخصاً آخر في قومه يستطيع عمل ذلك، ولو لم يفعل لكان مقصراً، ولو كان هناك غيره من يمكن أن يحل محله لما تعيَّن عليه أن يطلب.روي عن أبي بردة أنه قال: قال أبو موسى: (أقبلت إلى النبي صلَّ الله عليه وسلم، ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، فكلاهما سأل العمل، والنبي صلَّ الله عليه وسلم يستاك، فقال: ما تقول يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس، قال قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، قال: وكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته وقد قلصت، فقال: لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده.
فعندما طلب يوسف عليه السلام الولاية طلبها لأنه تعين عليه ذلك، ولم يفعل ذلك حباً وطمعاً في السلطة، حيث أنه لا يجب على المؤمن أن يزكي نفسه طلباً للسلطة إن كان هناك من يحل محله، يقول سبحانه وتعالى: (فلا تزكوا أنفسكم)، ولكنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بما فيها حقيقةً، وأن ينسب إلى نفسه ما هو أهلاً له، وألا يطلب الولاية إلا إذا دعته الحاجة لذلك.[5]
التعديل الأخير: