هناك من يحاول ( مع الأسف ) تقديم مفهوم سلبي عن كلمة الشيعة أو الشيعي ، من خلال التلميح الى بعض الآيات القرآنية ، كقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ ) ، وقوله تعالى : ( مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )..
مع أن هذه الآيات لا تنتقص من الشيعة بمفهومها المعروف ، وإنما هذه الآيات الشريفة تتحدث عن الذين يتنافرون ويتنازعون فيما بينهم ، مهما كانت مسمياتهم ومذاهبهم ، فإن كل الفرق والمذاهب هي شيع وجماعات بهذا المقياس .
ثم إنه قد ورد في القرآن الكريم أيضاً : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) ، في إشارة الى أنه قد إقتفى أثر النبي نوح (ع) في الدعوة الى الله تعالى .
وكذلك ورد في قصة النبي موسى (ع) : ( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ) ..
فهذا اللفظ لم يرد في القرآن بمعنى التشتت والتفرق دائماً ، وإنما ورد أيضاً بمعنى المتابعة للصالحين ، وهو أمر إيجابي كما لا يخفى .
ويتحصل مما تقدم أن لفظ الشيعة لها أصل في القرآن ، وأنها بمعنى إقتفاء أثر شخص ، بمعنى السير على خطاه وهداه ، و الإقتداء والتأسي به ، كما تأتي بمعنى الإنقياد خلفه ، أي إتّباعه و إختيار التواجد في صفه وجهته .
وفي الحقيقة فأن المقصود هو المعنى الأول ، وهو الإقتداء بالشخص المعين ، والحذو حذوه ، والسير على خطاه وهداه ، وهذا المعنى يترتب عليه المعنى الثاني ، وهو الإتّباع والإنقياد له .
وهذا هو حال الشيعة مع أئمتهم (ع) ، فهم مسلمون أولاً وأخيراً ، وقد إختاروا مذهب أهل البيت (ع) ، على أساس أنه الطريق الذي يمثل الإسلام ، والمنهج الذي يعبر عن دين الله تعالى .
والشيعي يعي ذلك ويعرفه جيداً ، و هو قاصد لهذا المعنى ، وهو المتابعة لأولياء الله والإقتداء بهم والسير على هداهم ، وإختيار صفهم وناحيتهم ، على أساس أن طاعة الله والتقرب إليه تقتضي ذلك ..
وقد قال الله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ، بناء على أن طاعة الله تعالى تقتضي طاعة الرسول والتأسي به ، كما تقتضي طاعة أولي الأمر ( وهم الأئمة الهداة ) والسير على خطاهم للوصول الى رضا الله وقربه جل جلاله .
ثم إن الروايات والأخبار كذلك مشتملة على لفظ الشيعة ، حيث وردت أحاديث كثيرة ورد فيها هذا اللفظ بمعناه المعروف ، وهم أتباع الإمام علي (ع) وذريته من الأئمة (ع) ، الذين يقتدون بهم ويتبعون خطواتهم وكلماتهم في بيان وتحديد ما هو من الدين والشريعة ، على جميع المستويات .
ففي قول نـبينا مـحمد (ص) لعلي (ع) : ( يا علي أنت أول داخل الـجنة من أمتي ، وإن شيعتك على منابـر من نـور ، مبيضة وجوههم حولي ، أشفع لهم ويكونون غداً في الـجنـة جـيـراني ) .
وهذا المضمون ورد أيضاً في مصادر إخواننا المسلمين من أهل المذاهب الأخرى ..
ففي مجمع الزوائد وجامع المسانيد والمراسيل ورد أن النبي (ص) قال لعلي (ع) : أنْتَ وَشِيْعتُكَ تَرِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ رُوَاءً مَرْوِيِّيْنَ مُبَيَّضَةً وُجُوهُكُمْ .
وفي المصدرين السابقين وكنز العمال ورد أن النبي (ص) قال لعلي (ع) : يَا عَلِيُّ إنَّكَ سَتَقْدَمُ عَلى اللَّهِ وشِيْعَتَكَ رَاضِيْنَ مَرْضِيِّييْنَ .
وفي شرح الزرقاني على موطأ إبن مالك عن النبي (ص) : السابقون إلـى ظل العرش يوم القـيامة طوبى لهم ، قال : من هم ؟ ، قال: شيعتك يا علـي ومـحبوك .
وفي تفسير الطبري في تفسير قول الله تعالى ( أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ البٌرِيَّةِ ) ، فقال النبيّ (ص) : أنْتَ يا عَليُّ وَشِيعَتُكَ .
وفي كنز العمال وجامع المسانيد والمراسيل أنه نَظَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (ع) إِلى قَوْمٍ بِبَابِهِ فَقَالَ لِقُنْبُرٍ : يَا قُنْبُرُ مَنْ هؤُلاَءِ؟ قَالَ: هؤُلاَءِ شِيعَتُكَ ، قَالَ: وَمَا لِي لاَ أَرَى فِيهِمْ سِيمَاءَ الشيعَةِ ؟ قَالَ: وَمَا سِيمَاءُ الشيعَةِ؟
قَالَ: خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الطَّوى ، يُبْسُ الشفَاهِ مِنَ الظَّمَإ ، عُمْشُ الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ .
فالشيعة من ذلك الوقت كان يدل على هذا المعنى ، والتشيع مشتق منه ، وهو صيرورة الإنسان المسلم شيعياً ..
بل ورد عن جابر الأنصاري أنه قال : دخلت على أبي جعفر الباقر (ع ) ، فقال لي : ( يا جابر ، أيكـتفي من ينتحل التشيع أن يقول بـحبنا أهل البيت !
فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه .. وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع والامانة ، وكثرة ذكر الله والصلاة والصوم ، والبر بالوالدين ، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والايتام ، وصدق الـحديث ، وتلاوة القرآن ، وكف الألسن عن الناس إلا من خير ، وكانوا أمناء عشائرهم في الاشياء ) .