وطَاعَتهُ عَلَى كُلِّ العِبَادِ
بِهِ الأَمْلَاكُ رَائحَةً غَوَادِي
بِرِفْعَتِهَا عَلَى السَّبْعِ الشِدَادِ
قُلُوْبُهُمُ حَوَتْهُ مِن عِنَادِ
لَهُمْ قَدْ فَاقَ شَرَّاً بَغْيَ عَادِ
زَنِيْمٌ لَيْسَ يُؤْمِنُ بِالمَعَادِ
بِهَا نَارُ الأَسَى ذَاتُ اتَّقَادِ
تُقَطِّعُهُ ظُبَى بِيضٍ حِدَادِ
مِنَ الأَسْقَامِ دَامِي القَلْبِ صَادِي
رَهِينَ الدَّارِ في كُرَبٍ شِدَادِ
وأَنْتَ مِنَ الغِوَايَةِ في تَمَادِي
وَأَبْطَالَ الوَغَى يَوَم الجِلاَدِ
وَفُرْسَانَ المُطَهَّمَةِ الجِيَادِ
لِدَرْكِ الثَّارِ ضَابِحَةً عَوَادِي
لَدَى الطُــلَقَاءِ مِنْ بِاغٍ وَعَادِي1 |
إِمَامٌ أَوْجَبَ البَاريْ وِلَاهُ
ِإمَامُ هُدَىَ مَقَامُ عُلَاهُ أَضْحَتْ
تُقَبِّلُ مِنْـــهُ أَرْضَـــاً ، قَـــدْ أَنَافَتْ
وَمَا ارتَدَعُوا بَنُو الَعَّباسِ عَمَّا
فَسَامُوهُ الأَذَىْ حَسَدَاً بِبَغْيٍ
وَدَسَّ لِقَــتْلِــهِ سُــمّاً ذُعَــافا
وَبَاتَ الطُّهْرُ ، وَالأَحْشَاءُ مِنْهُ
كَـــأَنَّ فُــؤَادَهُ ، والـــسُمُّ فِيــهِ
تُقَلِّبُهُ الشُجُونُ عَلَى بِسَاطٍ
أَمِثْلُ (ابنِ الرَّضَا) يَبْقَى ثَلاثَاً
وَيَقْضَي فَوْقَ سَطْحِ الدَّارِ فرداً
أَفِتْيَانَ العُلَى مِنْ آلِ فِهْرٍ
وَأَبْنَاءَ المَوَاضِي والعَوَالِي
هَلُمُّـوا بالمُــسُوَّمـــةِ المُـــذَاكِي
فَإنَّ دِمََـــاءَكُم ضَاعَتْ جبَاراً |
يا صاحب الزمان:
مـــصـــايب هــلـــك يــــــــــا لمــــوعـود مــــــــن عـــــــدها تــــــــذوب الـــــــرّوح
وحـــــده تـــــــــزيد عــــــــن وحـــــده او خـــــــلّت كـــــــل قـــــــلب مــــجـــروح
مـــــــــــــات بــــــديــــــره الغــــــربــه جـــــدّك على مــــصــــــابه انّــــــوح
قال المفيد رحمه الله: كان المأمون قد شغف بأبي جعفر عليه السلام، لمَا رأى من فضله مع صغر سنّه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل، ما لم يساو فيه أحد من مشائخ أهل زمانه, فزوّجه ابنته أمّ الفضل، وكان متوفّراً على إكرامه، وتعظيمه، وإجلال قدره.
(وروى) بسنده عن الريّان بن شبيب, قال: لمّا أراد المأمون أن يزوّج ابنته أمّ الفضل، أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام، بلغ ذلك العبّاسيّين، فغلظ عليهم, واستكبروه، وخافوا أن ينتهي الأمر معه، إلى ما انتهى إليه مع الرّضا عليه السلام, فخاضوا في ذلك, واجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه, فقالوا: ننشدك الله يا أمير المؤمنين، أن تقيم على هذا الأمر، الّذي قد عزمت عليه، من تزويج ابن الرّضا, فإنّا نخاف أن تخرج به عنّا أمراً، قد ملّكناه الله, وتنزع
منّا عزّاً، قد ألبسناه الله, وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم، قديماً وحديثاً, وما كان عليه الخلفاء الرّاشدون قبلك من تبعيدهم، والتّصغير بهم, وقد كنّا في وهلة (أي خوف) من عملك مع الرّضا ما عملت, حتّى كفانا الله المهمّ من ذلك, فالله الله، أن تردّنا إلى غمٍّ، قد انحسر عنّا, واصرف رأيك عن ابن الرّضا, واعدل إلى من تراه من أهل بيتك، يصلح لذلك دون غيرهم. فقال لهم المأمون: أمّا ما بينكم وبين آل أبي طالب، فأنتم السّبب فيه، ولو أنصفتم القوم، لكانوا أولى بكم.
وأمّا أبو جعفر محمّد بن عليّ، فقد اخترته لتبريزه على كافّة أهل الفضل في العلم والفضل، مع صغر سنّه، والأعجوبة فيه بذلك, وأنا أرجو أن يظهر للنّاس، ما قد عرفته منه، فيعلموا أنّ الرّأي ما رأيت فيه. فقالوا: إنّ هذا الفتى، وإن راقك منه هديه، فإنّه صبيّ لا معرفة له، ولا فقه، فأمهله ليتأدّب، ويتفقّه في الدّين، ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك. فقال لهم: ويحكم، إنّي أعرَف بهذا الفتى منكم, وإنّ هذا من أهل بيت، علمهم من الله تعالى، وموادّه وإلهامه, لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدّين والأدب عن الرّعايا النّاقصة عن حدّ الكمال, فإن شئتم، فامتحنوا
أبا جعفر، بما يتبيّن لكم به، ما وصفت من حاله. قالوا له: قد رضينا لك، يا أمير المؤمنين، ولأنفسنا بامتحانه, فخلّ بيننا وبينه, لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشّريعة, فإن أصاب الجواب عنه، لم يكن لنا اعتراض في أمره، وظهر للخاصّة والعامّة سديد رأي أمير المؤمنين, وإن عجز عن ذلك، فقد كفينا الخطب في معناه. فقال لهم المأمون: شأنكم، وذاك متى أردتم, فخرجوا من عنده، وأجمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم, - وهو يومئذ قاضي الزّمان (قاضي القضاة) - على أن يسأله مسألة، لا يعرف الجواب فيها, ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك, وعادوا إلى المأمون، فسألوه أن يختار لهم يوماً للاجتماع, فأجابهم إلى ذلك, فاجتمعوا في اليوم الّذي اتفقوا عليه, وحضر معهم يحيى بن أكثم, فأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر عليه السلام دست 2 ، ويجعل له فيه مسورتان-أي وسادتان - ففعل ذلك، وخرج أبو جعفر عليه السلام، وهو يومئذ ابن سبع سنين وأشهر, فجلس بين المسورتين وجلس يحيى بن أكثم بين يديه، وقام النّاس في مراتبهم, والمأمون
جالس في دست متّصل بدست أبي جعفر عليه السلام, فقال يحيى بن أكثم للمأمون: أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر عليه السلام؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك, فأقبل عليه يحيى بن أكثم, فقال: أتأذن لي، جعلت فداك، في مسألة؟ قال له أبو جعفر عليه السلام: سل إن شئت. (قال يحيى): ما تقول، جعلني الله فداك، في مُحْرِمٍ قتل صيداً؟ (فقال) له أبو جعفر عليه السلام: قتله في حلّ أو حرم, عالماً كان المُحْرِم أم جاهلاً, قتله عمداً أو خطأ, حرّاً كان المُحْرِم أم عبداً, صغيراً كان أو كبيراً, مبتدئاً بالقتل أم معيداً, من ذوات الطّير كان الصّيد أم من غيرها, من صغار الصّيد كان أم من كباره, مصرّاً على ما فعل أو نادماً, في اللّيل كان قتله للصّيد أم نهاراً, مُحْرِماً كان بالعمرة إذ قتله، أو بالحجّ كان مُحْرِماً؟ فتحيّر يحيى بن أكثم، وبان في وجهه العجز والانقطاع, وتلجلج حتّى عرف جماعة أهل المجلس أمره. (فقال) المأمون: الحمد لله على هذه النّعمة والتوفيق لي في الرّأي، ثمّ نظر إلى أهل بيته، وقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟ ثمّ قال المأمون لأبي جعفر: إن رأيت، جعلت فداك، أن تذكر الفقه فيما فصّلته، من وجوه قتل المحرم الصّيد، لنعلمه ونستفيده....(ثمّ ساق الحديث, وأخذ أبو
جعفر عليه السلام يبيّن تفاصيل المسألة، ويجيب على كلّ واحدة منها, إلى أن قال فأمر المأمون أن يكتب ذلك عنه, وقال له: أحسنت يا أبا جعفر, أحسن الله إليك, فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك، (فقال) أبو جعفر عليه السلام ليحيى: أسألك؟ قال: ذلك إليك، جعلت فداك، فإن عرفت جواب ما تسألني عنه، وإلّا استفدته منك, (فقال) له أبو جعفر عليه السلام: أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أوّل النّهار, فكان نظره إليها حراماً عليه, فلمّا ارتفع النّهار حلّت له, فلمّا زالت الشّمس حرمت عليه, فلمّا كان وقت العصر حلّت له, فلمّا غربت الشّمس حرمت عليه, فلمّا دخل عليه وقت العشاء الآخرة حلّت له, فلمّا كان انتصاف اللّيل حرمت عليه, فلمّا طلع الفجر حلّت له, ما حال هذه المرأة؟ وبماذا حلّت له وحرمت عليه؟ (فقال) له يحيى بن أكثم: والله ما أهتدي إلى جواب هذا السّؤال، ولا أعرف الوجه, فإن رأيت أن تفيدناه؟ (فقال) أبو جعفر عليه السلام: هذه أَمَة لرجلٍ من النّاس، نظر إليها أجنبي في أوّل النّهار، فكان نظره إليها حراماً عليه, فلمّا ارتفع النّهار ابتاعها عن مولاها، فحلّت له, فلمّا كان عند الظّهر أعتقها، فحرمت عليه, فلمّا كان وقت العصر تزوّجها، فحلّت له,
فلمّا كان وقت المغرب ظاهر منها، فحرمت عليه, فلمّا كان وقت العشاء الآخرة، كفّر عن الظّهار، فحلّت له, فلمّا كان في نصف اللّيل، طلّقها واحدة، فحرمت عليه, فلمّا كان عند الفجر، راجعها، فحلّت له. (فأقبل) المأمون على من حضره من أهل بيته، فقال لهم: هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة، بمثل هذا الجواب، ويعرف القول فيما تقدم من السّؤال؟ قالوا: لا والله, إنّ أمير المؤمنين أعلم بما رأى. فقال لهم: ويحكم، إنّ أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل, وإنّ صغر السّنّ فيهم، لا يمنعهم من الكمال, أَمَا علمتم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وهو ابن عشر سنين، وقبل منه الإسلام، وحكم له به, ولم يدع أحداً في سنّه غيره, وبايع الحسن والحسين عليهما السلام، وهما.. دون ستّ سنين، ولم يبايع صبيّاً غيرهما؟ أفلا تعلمون ما اختصّ الله به هؤلاء القوم، وأنّهم ذرّية يجري لآخرهم، ما يجري لأوّلهم؟ قالوا: صدقت يا أمير المؤمنين.
يقول المحدّث القمّي في منتهى الآمال: بعد أن زوّج المأمون ابنته من أبي جعفر الجواد عليه السلام رجع الإمام إلى مدينة جدّه صلى الله عليه وآله وسلم وبقي فيها حتّى وفاة المأمون، وتولّى المعتصم
الحكم, وكان المعتصم الخليفة يستمع إلى ما يتردّد عن فضائل أبي جعفر عليه السلام، فتشتعل في صدره نائرة الحسد, وتزيده الأيّام تصميماً على التّخلّص منه، ولمّا عزم على ذلك استدعاه إلى بغداد.
المصيبة:
كان ابن أبي داود القاضي، من أزلام المعتصم, فصار يحرّض المعتصم على قتل الإمام، ويستعجله في ذلك, فأمر المعتصم رجلاً من كتّاب وزرائه، أن يدعو أبا جعفر إلى منزله على وليمة طعام, وألحّ على الإمام في تلبية الدّعوة، ولم يجد الإمام بدّاً من تلبية هذه الدّعوة, (وعلم الإمام عليه السلام أنّ أجله قد دنا، وقد أمر المعتصم أن يدسّ له السّمّ في الطّعام).
وما إن أكل الإمام الجواد من ذلك الطّعام، حتّى أحسّ بالسّمّ سرى في بدنه، فدعا بدابّته، فسأله ربّ المنزل أن يقيم، فقال عليه السلام: خروجي من دارك خير لك!!
وفي رواية أخرى، أنّ المعتصم دسَّ إليه السّمّ على يد أمّ الفضل، زوجة الإمام الجواد عليه السلام, حيث وضعت اللّعينة السّمّ لإمامنا في شراب حامض الأترج – أي اللّيموناضة -
وقدّمته في قدح إليه عند الإفطار, وكان إمامنا صائماً, وكان الوقت قائظاً شديد الحرّ, فلمّا جرع من ذلك القدح جرعة, ارتعشت يدُه، وتغيّر لونه، وصار يشعر، كأنّ من فمه إلى سرّته تُقطّع بالسّكاكين، وتُشرّح بالمواسّ من شدّة الألم, فلمّا رأته زوجته على هذا الحال، صارت تبكي, فالتفت إليها الإمام الجواد، وقال لها: أتبكين وقد قتلتيني؟ قتلك الله، ورماك ببلاء لا ينستر، وعُقرٍ لا ينجبر, فغضبت الخبيثة، وأخرجت الجواري من الدّار، وأغلقت الباب على إمامنا وتركته وحيداً يتقلّب على فراشه..
ووقع الإمام على فراش الموت، وقد سرى السّمّ في بدنه، حتّى تغيّر لونه، وظلّ في داره وحيداً، ينازع سكرات الموت، ولا من يسقيه شربة ماء (عظّم الله أجوركم)، حتّى فاضت روحه الطّاهرة، مسموماً، غريباً، محتسباً، صابراً
ويلي:
ضعفت مهجته بونّــه شــديــده كــأنّـه ألـوى لعند الموت جيده
عدل رجله يويلي او مدّد ايده وقضى نحبه غريب الدّار بالسّم
أقول: ألا من ينوح ويبكي إمامنا الجواد؟ نعم، بكاه أهل السّماء, كما ورد عن إمامنا الرّضا عليه السلام، أنّه قال في حقّ ولده الجواد لَمّا ولد: يقتل غصباً، فيبكي له وعليه أهل السّماء.
آه..
أَلاَ يا عَيْنُ جُودِي لِلْجَوادِ وَسُــــحِّي أَدْمُــــعاً عَــــلَـــــقَ الفــــــُؤادِ
فلمَ لا أبكي مَنْ أَبْكَى الرَّسُولا وَأَشْجَى الطُهْرَ حَيْدَرَ وَالبَتُولا
وَأَدْهَشَ مِنْ عَوالِمِها العُقُولا وَمْأتَـــمُـــهُ يــــُـقـــــامُ بِـــــكــــُلِّ نادِ
بِبَغْدادٍ قَضَى سُـمــّاً غــَرِيبا وَلـــَمْ يـــُرْسِلْ لَــــهُ أَحــــَدٌ طَــــبِيباً
أقول: الإمام الجواد عليه السلام يستسقي الماء، فلم يجد أحداً يسقيه! كذلك جدّه أبو عبد الله الحسين عليه السلام، يوم عاشوراء استسقى الماء، فلم يجد أحداً يسقيه! صاح: يا قوم، اسقوني شربة من ماء، فلقد تفتّت كبدي من الظّمأ, قالوا: يا حسين، لن تذوق الماء، حتّى ترد الحامية، فتشرب من حميمها, قال: أنا أرد الحامية؟! لا والله، بل أرد على جدّي رسول الله، فيسقيني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً.
الإمام الجواد صار يتمايل من شدّة السّمّ, كذلك إمامنا الحسين عليه السلام، لمّا أصيب بذلك السّهم، مال ليسقط إلى الجهة اليمنى، مال الفرس معه, مال ليسقط إلى الجهة اليسرى، مال الفرس معه, قال: يا جواد، لا طاقة لي بالجلوس على ظهرك، أنزلني إلى وجه الأرض, قالوا: فمدّ الفرس يديه ورجليه، حتّى ألصق بطنه بالأرض، وأنزل إمامنا برفقٍ ولين.
هِوَى والمهر قام يحوم دونه يحامي عن وليّه لا يجونه
بابَ المُراد, أيّها الجواد, بأبي أنت وأمّي,. بقيت ثلاثة أيّام، تصهرك الشمس، ورأسك على جسدك, ثيابك على بدنك، لكنَّ جدَّك الحسين بقي في كربلاء ثلاثة أيّام، جثّة بلا رأس..
عَارِي اللِّباسِ، قَطِيعَ الرَّأْسِ، مُنْخَمِد الأَنْفاسِ، في جَنْدَلٍ كَالْجَمْرِ مُضْطَرِمِ
ساعد الله قلب أخته زينب، وهي تراه على تلك الحال.
ويلي نايم أخيّي اشلون نومـه اوحــرّ الشــّمــس غيّر ارسومه
اوفوگ الذّبح سلبوا اهدومه
يبو روح العزيزة شلون ساجم بهالشّمس وعلى التّربان نايم
ثلثة تيّام عن الــماي صايــم وتاليها يا بو سكنة مطبّر
إمامنا الجواد عليه السلام شُيّعت جنازته بعزّ واحترام، بعد أن غُسّل وكفّن، ولكنّ جدّه الحسين عليه السلام، هل غسّل وكفّن؟ هل شيّعت جنازته؟ أقول: نعم، ولكن كيف؟ غُسّل بفيض دمه، وكفّنته الرّمال، وشُيّع رأسه في البلدان على رأس الرّمح.
وَقَالُوا: لَمْ يُغَسَّلْ شِبْــلُ طَــهَ أَلَمْ يَكُ غُسْلُهُ فَيْضَ الوَرِيدِ
وَقَالُوا: لــَمْ يُــقَلَّـــبْ، وَالـعــــــوَادِي تُــقَـــلِّبُهُ عَلَى وَجْـــــهِ الـــصَّــعِيدِ
وَقَالُوا: لَمْ يُكَفَّنْ، والسَّـوافِي عـــَلَيْهِ نَـــــسَجْنَ ضــــَافِيَـــةَ البُرُودِ
وَقَالُوا: لَمْ يُشَيَّعْ فَـوْقَ نَعْــشٍ كَـــتَــشــــْيِيعِ الـــــجـــَنَائِزِ لِـــــلُّحــــُودِ
فَقُلْتُ: إِذاً لِمَـــــنْ في الـــرُّمْحِ رَأْسٌ يُـــطــــَافُ بـــِهِ البــِلادَ إِلَى يَزِيدَ
نعي:
أو يلي: كل ميّت يجيه الموت مات ويــــنســــفـــك دمــــّه
يــــهـــلــون الــدّمــوع عـــلــيـــه ويـــــمــــوت بـــحـــضن أمّه
لكن الغريب أو مات (بغربة) ذاك حســين أبــو الـــيـمـــّه
مــات ابـيـّن عــدوانـه ابـــــســـيوف عـــلــيه ملتمّه
أو كل مــن مات يــلتمون كــــــل هلـــه وبــنـــي عــمــّه
هــذا يقــبّــــــل بنـــحــره وذاك يــــطـــيـــح ويـشمّه
بــس حــــسـين لمــن مــات مات ويــــنســــفـــك دمــــّه
ويــحــز الــشّـــمر نـــحــــره ولا واحـــــد اجــــــه يــــمّـه
تَبْكِيكَ عَيْنِي لَا لِأَجْــــلِ مَثـــــُوبَةٍ لَكِنَّـــما عِيْـــنِي لِأَجْلِــكَ بَـــاكِيَـــــهْ
تَبْتَلُّ مِنْكُمْ كَرْبَلا بـــــــِدَمٍ، وَلَا تَبْتَلُّ مِنِّي بِالدُّمُوعِ الجَارِيَهْ؟
أَنْسَتْ رَزِيَّتُكُمْ رَزايانا الـــَّتي سَلَفَتْ، وَهَوَّنَتِ الرَّزايا الآتِيَهْ
|