- إنضم
- 31 يناير 2017
- المشاركات
- 2,288,711
- مستوى التفاعل
- 47,628
- النقاط
- 113
يقول الكاتب والفيلسوف الوجودي الروماني “إميل سيوران“: ”لا أستوعب لماذا علينا أن نقوم بأعمال في هذا العالم؟ لماذا علينا أن نحظى بأصدقاء وتطلعات.. أحلام وآمال؟ ألا يكون من الأحسن أن ننسحب إلى زاوية بعيدة عنه حيث يكف إزعاجه وتعقيداته عن الوصول إلينا؟ عندها يمكننا اعتزال الثقافة والطموح. سنخسر كل شيء ونحظى بلا شيء. ما الذي يمكننا كسبه من هذا العالم؟”.
هناك أشخاص لا يكترثون بالتحصيل… فاقدو الأمل وتعساء ووحيدون… نحن قريبون جدًّا من بعضنا البعض ولحد الآن لم ننفتح على بعضنا. نقرأ في أعماق أرواحنا كم مصيرًا من مصائرنا يمكن رؤيته… نحن وحيدون في الحياة إلى حد أننا لا بد أن نسأل أنفسنا: أليست وحدة الاحتضار هي رمز الوجود البشري؟ هل يمكن أن يكون هناك خلاصة في اللحظة الأخيرة؟”.
عن هذه الخلاصة التي نكتبها في لحظات الحياة الأخيرة وعن المعنى من الوجود والطموح واللاشيء يتحدث فيلم Soul الذي أنتجته بيكسار التابعة لوالت ديزني والذي أخرجه بيت دوكتر.
فيلم Soul أحدث أعمال ديزني وبيكسار
https://youtu.be/xOsLIiBStEs
انتظرنا صغارًا وكهولًا فيلم Soul كغيره من أفلام بيكسار منذ يونيو 2020 ليعرض أخيرًا يوم 25 ديسمبر 2020 بسبب الأزمة العالمية التي نعيشها اليوم جرّاء الكوفيد-19 و الذي جمع كلًّا من جيمي فوكس وتينا فاي وأنجيلا باسيت ودافيد ديڤز.
يتحدث فيلم Soul وكأنه عمل فلسفي وجودي غامض عن أستاذ وعازف الجاز “جو غاردنر” الذي يعيش حياة رتيبة بين قاعة الدرس والبيت إلى أن تتاح له فرصة مرافقة عازفة جاز كبيرة بالعزف على البيانو. وهنا تعكس لنا مرآة بيكسار صورة الجاز بكل واقعية مصورةً جو كرجل أسود البشرة ذي ملامح أفريقية جميلة يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية وارثًا عن والده حب هذا النوع من الموسيقى وشغفه بها.
فالجاز هو نقطة تلاقي ثقافات أفريقية وأمريكية ولاتينية تواجدت في القرن العشرين في “نيو أورلينز” بولاية لويزيانا الأمريكية لتهدينا نوعًا جديدًا من الموسيقى التي كانت تعتبر في البداية موسيقى لا أخلاقية لامتلاك العازفين الأمريكيين من أصول أفريقية لها. هذا الرفض والتعصب الذي واجهتهما موسيقى الجاز كان قد تجلّى في الصحافة المكتوبة. إذ نشرت صحيفة نيويورك تايمز في عددها الصادر في العشرين من سبتمبر لسنة 1927 مقالًا بعنوان: “على البيض أن يتركوا موسيقى الجاز”. ولكن هذا لم يمنع الموسيقى الإفريقية-الأمريكية من أن تصل إلى أذني “لويس آرمسترونغ” وإلى حنجرة “بادي بولدن” ثم إلى “بسي سميث” وإلى العالم كله…
أصول هذه الموسيقى وجذورها المتناثرة بين القارات زادت من عبقريتها وجعلتها من أجمل ما قدمته أمريكا للإنسانية. وحضورها بهذه الجمالية عبر شخصيات الفيلم هو ما زادها واقعية وعمقًا.
بينما كان “جو غاردنر” يستعد ليخطو خطوته الأولى نحو شغفه أو بالأحرى نحو ما كان يعتقد أنه “المعنى” من وجوده سقط في هوة ما بعد الحياة معلنًا بهذا السقوط بداية الحكاية. ولكن إرادته كانت عكس تيّار الفناء فقرر أن يركض نحو المجهول ليجد نفسه فيما قبل الحياة.
بين سواد ما بعد الحياة ونور ما قبل الحياة، وجدت حياة غريبة لا جنس فيها ولا اختلافات… أرواح سعيدة تبحث عما ينقصها لتبعث في الأجساد.. وكائنات مسيّرة ولطيفة وملائكية تنظم هذه ”الحياة”. في هذا العالم ذي الألوان الخافتة، وجدت روح “غاردنر” واقترنت بروح “22” التي لم تشأ أن تحط ساقيها في الأرض دون أن تعثر على معنى لهذا البعث…
أخذت الروح تلقنّ لـ “غاردنر” دروسًا حول ما قبل الحياة بما فيها من انعدام اللذة ومن عمى الحواس. جابت به هذا العالم ثم عادا إلى الأرض ليبحثا عما قد يُنسي “22” رفضها للحياة..
انطلاقًا من هذه النقطة أخذت فلسفة فيلم Soul في التمظهر وبدأت الحياة تتشكل على منحى لم نعرفه من قبل. فالمعنى موجود ولكننا لا نراه والشغف ليس إلّا وهمًا نسعى إليه. الطموح يغذي أرواحنا ولكن المشي والتذوق والتأمل والسقوط والنوم والبكاء والضحك هو ما ينحت ملامح حياة تستحق الحياة… فيلم بيكسار هذه المرّة يشبهنا في تناقضاتنا. فهو قائم على ثنائيات عديدة أبرزها ثنائية الحياة والموت، الروح والجسد، المعنى والشغف ليجعلنا نعتقد في البداية أنها منفصلة ثم يعود بنا في آخر العمل لنفهم أنها متداخلة ومتكاملة لا وجود لإحداها دون الأخرى.