عطري وجودك
Well-Known Member
- إنضم
- 5 أغسطس 2019
- المشاركات
- 81,740
- مستوى التفاعل
- 2,758
- النقاط
- 113
تلك الابتسامة من زمن الحصار الأميركي
الزبيدي يرى أن معرضه الفني في لاهاي لا يشبه الوجبة اليومية التي يراها الأوروبي، إنما هو حالة من استحضار الماضي وشهادة عن زمن العذابات التي عاشها الشعب العراقي.
العرب/ عبدالله مكسور:ما إن توقَّفتُ أمام الصور الفوتوغرافية التي يقدمها المصور العراقي سعد جاسم الزبيدي في معرض فني بمدينة لاهاي الهولندية تحت عنوان “إنه ليس مثلما يبدو”، حتى وجدتُ اتصال الواقعي باللاواقعي لإعادة تأليف الحركة، فاللحظة الواقعية المأخوذة من الشارع هي إعادة تأليف للحركة بكل تفرُّعاتها الحسية والعقلية. في هذا الحوار الذي أجريناه على هامش معرضه في لاهاي، تحدث ضيفنا عن علاقته بالتصوير الفوتوغرافي ورحلته في هذا الفن.
سعد جاسم الزبيدي، وُلد في بغداد عام 1964، درس في معهد الفنون الجميلة بالعاصمة بغداد وتخرج من قسم الغرافيك عام 1968، لينتقل بعد ذلك بسنوات نحو هولندا حيث تابع دراسته -رغم كل الصعوبات- بالعاصمة أمستردام، وتخصص بالصورة الصحافية بين عامي 2006 و2009.
ويقول ضيفنا “أنا لا أعرف نفسي تماما، أعيش في حالة بحث مطلق، مصور يحاول أن يكون ابنا بارا لوالده من خلال هذه المهنة، فأنا أعيش في عباءة أبي، لأن هذا دين عليَّ تسديده، كوني الابن الوحيد الذي تابعت خطواته في التصوير، فأبي جاسم الزبيدي من مواليد 1940، وتوفي عام 1992، وهو -والحديث لضيفنا- إنسان ثوري مناضل، عاش حياته مهموما بحرفة التصوير لتوصيل معاناة الناس إلى العالم، هذه القضية كانت محور حياته وهي ما دفعه للسفر إلى الأقاصي من إريتريا إلى ظفار وغيرها، هو ينتمي إلى ذلك الجيل المتأثر بثورات التحرر العالمي، فالإنسان الذي يحمل في داخله قضية يملك كنزا كبيرا، وكنزُ جاسم الزبيدي كان الإرث الذي أبقاه لنا في الصورة، فهو يعتبر من أهم الفوتوغرافيين في تاريخ الفوتوغراف العراقي والعربي”.
بين العراق وهولندا
حديثه عن والده المصور الفوتوغرافي جاسم الزبيدي دفعنا للحديث عن صورة العراق في ذهن ضيفنا، ليقول “إن الصورة القديمة للعراق كانت في مخيلتي حتى عام 2011، حيث عدت لعام واحد، وحينها فقدتُ لمعة العشق مع المدينة نتيجة ما حدث ويحدث، فبغداد لا تحضر إلا بكامل الألم بعيدا عن الصورة البهية التي احتفظت بها قبل عام 1999، حين خرجت لأول مرة، الناس تغيروا بسبب الضغط وفقدان الأمل، بمقارنة بسيطة بين الماضي والحاضر نجد أن الأمل كان حاضرا في الماضي فهو كان الضامن للتوازن الداخلي أما اليوم فقَد فُقِد تماما، فكرة الحياة الطبيعية حلم كبير اليوم في الحاضر العبثي بسبب فقدان الأمل”.
حديثه عن والده المصور الفوتوغرافي جاسم الزبيدي دفعنا للحديث عن صورة العراق في ذهن ضيفنا، ليقول “إن الصورة القديمة للعراق كانت في مخيلتي حتى عام 2011، حيث عدت لعام واحد، وحينها فقدتُ لمعة العشق مع المدينة نتيجة ما حدث ويحدث، فبغداد لا تحضر إلا بكامل الألم بعيدا عن الصورة البهية التي احتفظت بها قبل عام 1999، حين خرجت لأول مرة، الناس تغيروا بسبب الضغط وفقدان الأمل، بمقارنة بسيطة بين الماضي والحاضر نجد أن الأمل كان حاضرا في الماضي فهو كان الضامن للتوازن الداخلي أما اليوم فقَد فُقِد تماما، فكرة الحياة الطبيعية حلم كبير اليوم في الحاضر العبثي بسبب فقدان الأمل”.
حالة الانتظار
فكرة الأمل قادتنا للحديث عن حالة الانتظار التي تسكن ضيفنا، إنها انتظار ما لا يمكن أن يأتي، جزء من الضعف والاستسلام الذي يعيشه يوميا، فعندما نفقد الأمل يكون الانتظار هو العكازة التي نتوكأ عليها كي نستمر بخطوات نحو الأمام حتى لو كانت بطيئة، في ظل هذه البدايات الصعبة في هولندا كان كتاب “ألف ليلة وليلة من الانتظار”، عن هذا يقول الزبيدي “أنجزت كتابا فوتوغرافيا خلال وجودي في مخيم إيواء اللاجئين بهولندا، ‘ألف ليلة وليلة انتظار’، هذا الكتاب هو مزيج من الحكاية العربية والحكاية الأوروبية، فهذا الكتاب يعتمد على قيام اللاجئ برواية حكاية تشبه حكايات ألف ليلة وليلة مع وزارة العدل في بلد اللجوء كي يضمن الحياة، إنه تقاطع رهيب بين حالة اللاجئ وحالة شهرزاد التي كانت تدفع موتها بمنطق الانتظار، انتظار اكتمال الحكاية، فكان هذا الكتاب الذي صدر بالعربية والإنكليزية والهولندية، ويتناول حالة الناس الذين ينتظرون زمنا طويلا في مخيمات اللجوء، لا حل هنا سوى الأمل في محاولات إثبات الذات والهوية”.
معرض مشترك
في قاعة ” بيلخي” في لاهاي، بالشراكة بين الفنان العراقي سعد الزبيدي، وفريدريك لينك، أستاذ الفنون الجميلة والمصور الهولندي الشهير، تم إنجاز حالة من التقاطع بين الرجلين عبر التركيز على حياة الشارع وتفاصيل اليوميات، هذه المشتركات دفعت للمزج بين التجربتين من خلال تقديم حالة بغداد في التسعينات، ولاهاي في سنوات السبعينات، من خلال معرض “إنها ليست كما تبدو”، فلاهاي في السبعينات كانت مدينة ناشئة في بدايتها، يسكنها الفقر والتشرد، ومن هنا كان التقاطع مع بغداد التي كان يقتلها الحصار في ذلك الوقت.
في قاعة ” بيلخي” في لاهاي، بالشراكة بين الفنان العراقي سعد الزبيدي، وفريدريك لينك، أستاذ الفنون الجميلة والمصور الهولندي الشهير، تم إنجاز حالة من التقاطع بين الرجلين عبر التركيز على حياة الشارع وتفاصيل اليوميات، هذه المشتركات دفعت للمزج بين التجربتين من خلال تقديم حالة بغداد في التسعينات، ولاهاي في سنوات السبعينات، من خلال معرض “إنها ليست كما تبدو”، فلاهاي في السبعينات كانت مدينة ناشئة في بدايتها، يسكنها الفقر والتشرد، ومن هنا كان التقاطع مع بغداد التي كان يقتلها الحصار في ذلك الوقت.
الأوروبي يرى بغداد اليوم من خلال وسائل الإعلام التي تنقل له أخبار الحرب والمواجهات والتفجيرات منذ عقود خلَت، وفي أحسن الأحوال إنها مدينة تُصدِّر اللاجئين للقارة الأوروبية، وهنا يقول ضيفنا “إن هذا المعرض بعيد عن الخبر الصحافي، إنه لا يشبه الوجبة اليومية التي يراها الأوروبي، إنها حالة من استحضار الماضي وشهادة عن زمن العذابات التي مر بها الشعب العراقي خلال الحصار الذي صادر أساسيات الحياة للإنسان العراقي، وكان هذا العقاب يستهدف الشعب العراقي قبل النظام الحاكم، فهذه الصور من تلك الحقبة تعتبر أفقا إنسانيا يتفوق على اللغة ويقدم معرفة واسعة عن تفاصيل اليوميات من زوايا مختلفة في مدن العراق، فالصورة الناجحة تقوم على الموضوع بالدرجة الأولى، وفي تكوين المشهد البصري، الصورة مشهد واحد ثابت يحكي حكاية متحركة وواضحة للمتلقي، لهذا يعتمد التصوير الفوتوغرافي على اللقطة الواحدة في تقديم القصة، إن هذه الصورة هي فيلم سينمائي متكامل يروي القصة من كل الأبعاد، والمشهد الحياتي اليومي عبر اللقطة الثابتة في الفضاء المتحرك أو الفضاء المتحرك في اللقطة الثابتة يقوم على عنصرين في عدسة الزبيدي، فالجدران الموجودة في الصورة هي أبواب حياة لعوالم أخرى، وكذلك أبطال الصور هم نقاط انتماء للمكان، من هذا المفصل تنطلق مهمة الفوتوغراف التي تقوم على توثيق الزمن في المكان الذي يعيش فيه المصور.
لاهاي أو دنهاخ الهولندية هي بغداد اليوم بالنسبة لضيفنا، إنها تقارب الصورة القديمة للعاصمة العراقية في مخيلته -كما يصفها، لهذا تأتي الصورة عنها أو المقابلة لواقعها من بغداد، كحالة فريدة من التواصل مع الآخر الذي يحمل في مخيِّلته حالة مسبقة عن الآخر الذي يقف في غير زاويته، من هنا كان لا بد من القول إن أي آخر ليس بالضرورة أن يقوم بدور إقصائي للآخرين، فالمكان الذي يسير به سعد الزبيدي وعدسته يقبل القسمة على الجميع، بينما الحركة في الصورة ثابتة متفردة لا تقبل القسمة، إنها حالة ذاتية محصورة بصاحبها، لهذا لن تكون الأمكنة في عدسة الزبيدي ذات طابع متشابه وإن حضرت المدينة أو الشارع في زواياها أو عمقها، إنها أماكن مفتوحة رغم محدوديتها، متحولة باتجاه الحدث الذي يفرض نفسه مهما كان ساكنا، لهذا يعتقد ضيفنا أن الصورة التي يقدمها لتفاصيل الحياة تعتمد على طرفين الأول هو اللحظة الساكنة الثابتة للصورة، والثاني هو الزمن المجرد من أي اعتبارات أو ظروف أو واقع، إلا ذلك الذي يحاول أن يفرض نفسه بقوة، رغم الألم الذي ينتاب أي مصور حينما يزور مكانا يضم مآسي أو كوارث، هنا يعترف الزبيدي أن الضغطة على زر التصوير ترتبط بالعاطفة عنده قبل اكتمال الصورة.